حوادث أثارت جدلاً دينياً واجتماعياً: الانتقام الإلكتروني بين الأزواج!

الانتقام الإلكتروني,حوادث أثارت جدلاً,دينياً وإجتماعياً,بين الأزواج,فضح الآخر,بالصوت والصورة,عبر الإنترنت,المشكلة تتفاقم

القاهرة - آحمد جمال 26 ديسمبر 2015

يحدث الخلاف بين الزوجين، فيقرر أحدهما فجأة فضح الآخر بالصوت والصورة عبر الإنترنت، وهكذا توالت مجموعة من الفضائح الزوجية التي استخدمت فيها المواقع الإلكترونية كوسيلة للانتقام، وبدلاً من حل المشكلة تتفاقم وتشتعل أكثر. «لها» تتوقف عند هذه الطريقة الغريبة في الانتقام الزوجي، وترصد الحالات والأسباب وآراء علماء الدين والاجتماع حولها.


لم يكن تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو نشرته زوجة سعودية لزوجها وهو يتحرش بالخادمة، بالأمر الغريب أو الوحيد، وإنما وقائع أخرى مماثلة حاول فيها الأزواج والزوجات الانتقام من بعضهما بعضاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
هذا زوج يشتري صفحة في جريدة مرموقة ودقائق إعلانية في إحدى القنوات ليفضح زوجته ويصفها بأنها مخادعة محترفة، وآخر ينشر عبر الإنترنت أن زوجته تشاهد الأفلام الإباحية منذ كانت طالبة في المرحلة الإعدادية، وأن صديقة زوجته هي السبب وراء تلك العادة السيئة، وثالث يفضح زوجته بلافتات في الشوارع وعبر المواقع الإلكترونية قائلاً: «سرقت مني 17 ألف جنيه وهربت، لتتزوج بآخر وهي لا تزال على ذمتي».

وصل الأمر نتيجة انتشار الظاهرة إلى تحول موقع أشلي ماديسون Ashley Madison، الشهير بنشر نزوات الأزواج والزوجات وانتقامهم من بعضهم بعضاً على الإنترنت بالصوت والصورة، إلى وسيلة لابتزاز الأزواج والزوجات من خلال تسريب كميات هائلة من المعلومات الشخصية الخاصة بمستخدمي الموقع، حتى انطلقت عمليات الابتزاز المادي للمستخدمين الذين وصل عددهم إلى 32 مليون مستخدم حول العالم، جنباً الى جنب بعض الوثائق السرية.

أفعال عدوانية
يشير الدكتور الشحات عزازي، كبير الأئمة في وزارة الأوقاف، إلى أن مثل هذه الأفعال تعرض القائمين بها للعقوبة أمام الله، لأنها أفعال عدوانية انتقامية خاطئة ومخالفة لتعاليم كل الأديان التي تدعو الى الصفح والعفو والتسامح بين الأزواج إذا أخطأ أحدهم في حق الآخر، والإسلام يخبرنا بأن الإنسان بطبعه مخطئ، ولهذا لا بد من التوبة إلى الله والاعتذار لمن ارتُكب الخطأ في حقه، بدلاً من الانتقام والتشفي، ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون».  ويلفت إلى أن من الأفضل للزوجين بدلاً من الانتقام الإلكتروني أن يتناصحا ويتصفا بالعفو المتبادل، حفاظاً على «عش الزوجية» من الانهيار، وعلى الأولاد من الفضيحة، ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟. قال: لله ولرسوله ولعامة المسلمين وخاصتهم؟». وينهي الدكتور عزازي كلامه مؤكداً أنه إذا استحكمت الخلافات وفشلت النصيحة ووصل الزوجان إلى طريق مسدود، فقد جعل الإسلام لهما حق الطلاق للرجل، والخلع للمرأة مخرجاً بالحسنى وبلا فضيحة أو تشفٍ، فقال الله تعالى: «الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (آية 229) سورة «البقرة».

حلبة صراع
تؤكد الدكتورة أماني عبدالقادر، الأستاذة في كلية الدراسات الإسلامية للبنات في القاهرة - جامعة الأزهر، أن الفضح أو الانتقام الإلكتروني، أسلوب مرفوض لأنه يعجّل بنهاية الحياة الزوجية بدلاً من المحافظة على استمرارها، فمن المقرر شرعاً أن بين الزوجين عقد زوجية سمَّاه الله «ميثاقاً غليظاً»، وهو يقوم على الإمساك بالمعروف وحسن المعاشرة، في ضوء الحقوق والواجبات المتبادلة أو التسريح بإحسان، مع عدم نسيان الزوجين اللذين قررا الطلاق للفصل بينهما، وألا يذكر أحدهما الآخر بسوء حتى بعد الطلاق، خاصةً إذا كان بينهما أولاد لا بد من المحافظة على سمعة الوالدين أمامهم، فما بالنا بفضح الزوجين لبعضهما بعضاً أمام ملايين البشر!
وتشير الدكتورة أماني إلى أننا لا نرغب في أن تتحول الحياة الزوجية إلى «حلبة صراع»، ينتقم كل طرف من الآخر ويتشفى به إذا أخطأ، بدلاً من أن يعذره ويسامحه ويعفو عنه، لأن الأخلاق النبيلة التي حث عليها الإسلام: «لا تظهر الشماتة لأخيك عسى أن يعفيه الله ويبتليك»، فما بالك بالزوجين اللذين وصف الله كل منهما بأنه «لباس» للآخر يستره ويحميه ويعفه، فإذا لم يكن كل منهما لباساً وستراً للآخر، فالأفضل أن يتفرقا بالمعروف.

ردع المعتدي
يقول الدكتور أحمد حسين، وكيل كلية الدعوة الإسلامية في جامعة الأزهر، إن الإسلام يطمح إلى أن يكون الزواج مثالياً متماسكاً بحيث يحترم كل من الزوجين الآخر ويحبّه، حتى يكون هذا الزواج الشرعي آية من آيات الله القائل: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (آية 21) سورة «الروم».
ويشير الدكتور أحمد حسين إلى أن المنهج الإسلامي الأساسي الستر، لكن في بعض الأحيان وفي ظل ظروف خاصة قد تكون فضيحة المخطئ - سواء كان شخصاً عادياً أو زوجاً أو زوجة - وسيلة للردع والترهيب لبعض الشخصيات التي احترفت المجاهرة بالسوء. فقد ورد عن الإمام الحسن البصري أنه قال: «أترغبون عن ذكر الفاجر، اذكروه بما فيه يحذره الناس»، ومن المؤسف أن بعض النفوس لا يردعها سوى الترهيب والتخويف، وهذه هي النفوس التي يجوز فضحها حتى ترتدع.
وأضاف أن الفضح الإلكتروني قد يكون وسيلة لفضح المجاهرين بالمعاصي والمتجرئين على أحكام الشرع وحقوق الغير، كالزوج أو الزوجة، والدليل الشرعي على ذلك قول رسول (صلّى الله عليه وسلّم): «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملاً، ثم يصبح قد ستره ربه، فيقول: يا فلان! قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه».

حق للمظلوم
يوافقه في الرأي الدكتور إسماعيل عبدالرحمن عشب، عميد كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر، مؤكداً إمكانية فضح الطرف الذي احترف الخيانة الزوجية، ولم يرتدع بنصح ويرفض الفراق بالمعروف ويريد ابتزاز الآخر بأقصى درجة، كأن يجبر الزوج المنحرف زوجته الشريفة على الخلع، فلها أن تفضحه إذا كانت تتوقع ردعه وكفه عن ظلمه المستمر لها، والدليل الشرعي على ذلك قول الله تعالى: «لا يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ» (آية 148) سورة «النساء».
وينصح الدكتور إسماعيل، الزوج - أو الزوجة - الذي يقرر فضح الآخر أن يدرس الأمر جيداً، ولا يعميه حب التشفي والانتقام عن رؤية الضرر الذي ينتج من ذلك، لأن القاعدة الشرعية تقرر: «الضرر الأصغر يتحمل في سبيل دفع الضرر الأكبر»، وعلى الطرف الذي قرر الفضح الإلكتروني أن يلجأ إلى القضاء أولاً لإنصافه، فإذا لم ينصفه ويعطيه حقه فله حق الردع مع تحمل نتائج فعله.
وينهي الدكتور إسماعيل عشب كلامه، مؤكداً أن «لكل مقام مقال»، مع ضرورة الاحتفاظ بحق الردع للطرف المظلوم إذا لم ينصفه القانون أو العرف، وبالتالي يكون صاحب القرار هو الزوج أو الزوجة، الذي عليه أن يتأنى قبل اتخاذ قراره بالفضح في ضوء القاعدة الشرعية: «درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة»، وكل زوج أو زوجة أدرى بما يفيده أو يضرّه، لأنه صاحب القرار وعليه أن يتحمل النتيجة سلباً وإيجاباً.

دورات تدريبية
أما الدكتورة ألفت أدهم، خبيرة التنمية البشرية واستشارية العلاقات الأسرية، فتشير إلى ضرورة تغيير ثقافة المجتمع بأن «من ليس معي فهو ضدي»، حتى في الزواج. ولهذا سرعان ما يتحول الزوجان إلى عدوّين ويرغب كل منهما في الانتقام من الآخر بكل الوسائل، حتى لو على الإنترنت، مما يجعل الفضيحة عالمية.
وتشدد الدكتورة ألفت على ضرورة التنشئة الأسرية والتعايش السلمي وتقبل الآخر، وفي حال الخلاف معه يتم البحث عن مخرج سلمي بعيداً من روح التشفي والتآمر، والتي تعد من أخلاق المنافقين، حيث أشار رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إلى أن من صفات المنافق أنه «إذا حدث كذب وإذا خاصم فجر»، وهؤلاء هم أشرّ الناس، لأنهم ينسون كل ود وحب واحترام بمجرد الاختلاف في الرأي، ولن يتم تغيير هذه الصفات إلا بالتنشئة الأسرية الصحيحة القائمة على مبادئ العفو والصفح والتسامح.
وتطالب الدكتورة ألفت أدهم بإدخال الثقافة الأسرية في مناهج الدراسة، وبعقد دورات تدريبية في الدين والاجتماع وعلم النفس والاستشارات الأسرية للمقبلين على الزواج، ليتعرفوا على وسائل حل أي خلاف بينهما بعيداً من روح التشفي والانتقام التي تعمي البصيرة وتشلّ التفكير.

سلاح ذو حدين
وعن الرؤية الاجتماعية للقضية، توضح الدكتورة نبيلة تاجر، أستاذة علم الاجتماع في كلية بنات عين شمس، أن الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، فبقدر تماسكها وقوتها تكون قوة المجتمع وتماسكه. ولهذا علينا أن نحميها من كل ما يدمرها، وفي مقدم ذلك بلا شك عدم الانتقام والتربص بالآخر وفضحه عبر وسائل الاتصال المختلفة، لأن هذا يزعزع الاستقرار الأسري.  وتشير الدكتورة نبيلة إلى أن التطور الكبير في تكنولوجيا الإنترنت «سلاح ذو حدين»، فكما ساعدت التكنولوجيا في تيسير انتقال المعلومات والتواصل، يسيء البعض استخدامها في إيذاء الآخرين بنشر أسرارهم وفضحهم على مرأى ملايين البشر ومسمعهم، وهذا بلا شك أسلوب يشعل روح الانتقام المتبادل، لأن من يتم فضحه – سواء كان زوجاً أو زوجة – لن يقف مكتوفاً، بل سيسعى إلى الرد على الانتقام بمثله، حتى لو وصل الأمر إلى افتعال أكاذيب ونسبها إليه، بل قد يصل الأمر إلى القتل.

 وتحذر الدكتورة نبيلة من نقطة خطيرة، وهي أن روح الانتقام لن تكون مقتصرة على الزوجين فقط، بل ستمتد إلى أقاربهما وأصدقائهما، حيث يسعى كل فريق إلى الانتقام الجماعي من الآخر، وهنا تشتعل مشكلات اجتماعية تسبب نتائج كارثية، مما يؤكد أن وجود روح الانتقام بين الزوجين كلها ضرر، وتطاول المحيطين بهما، مما يهدد الأمن والسلم الاجتماعي.
وتنهي الدكتورة نبيلة كلامها، مؤكدة أن الفراغ النفسي والعاطفي الرهيب هو الذي يجعل أحد الزوجين يفكر في هذه الوسيلة من الانتقام والردع، ولهذا يجب تدخل الحكماء من الأقارب والأصدقاء، لنزع فتيل النار المشتعلة والبحث عن مخرج آمن وسلمي لكل الأطراف، بحيث تتم محاصرة الخسائر أو تقليلها قدر الإمكان والمحافظة على ما تبقي من ود من أجل الأولاد الذين سيدفعون ثمن خلاف لا ذنب لهم فيه.

ثقافة سلبية
أما بالنسبة الى المخاطر النفسية لنشر روح الانتقام الزوجي عبر الوسائل الإلكترونية، فتشير الدكتورة سامية قدري، أستاذة علم النفس في جامعة عين شمس، إلى أن هذه الثقافة السلبية ستؤدي إلى تربص كل من الزوجين بالآخر وفضحه – إذا أخطأ – إلكترونياً، والقضاء على ثلاثية الأسرة السعيدة «السكن والمودة والرحمة»، وسيدفع ضريبة هذا السلوك الخاطئ الأولاد الذين سيكونون ضحية العناد الذي وصل إلى درجة الانتقام الأعمى والتشفي بالآخر، بدلاً من الرفق به.   وتوضح أن روح الانتقام الإلكتروني لن تكون مقتصرة على الطبقات التي تجيد التعامل مع وسائل الاتصال الحديثة فقط، بل ستمتد إلى الطبقات الجاهلة والفقيرة، مما يزيد نار الخلافات الزوجية اشتعالاً بدلاً من السعي الى حلها برفق ولين.  وتؤكد الدكتورة سامية أن هذه ظاهرة اجتماعية سلبية، تنشأ نتيجة خلل ما في العلاقة الطبيعية التي تربط بين الأزواج، بسبب بعض السلبيات أو التأثير الخارجي للثقافات والحضارات، فتؤدي إلى زعزعة النظام الأسري وتفككه.  وتنهي الدكتورة سامية كلامها، مؤكدة أن الفراق بالمعروف أفضل ألف مرة من استمرار روح الكيد والانتقام المتبادل.