تفتيش خصوصيات الأبناء حق للآباء أم تجسّس مرفوض؟

تفتيش خصوصيات الأبناء,حق للآباء,تجسس مرفوض,تحذيرات,حسابات,علماء الدين والتربية

القاهرة - آحمد جمال 10 يناير 2016

كثير من الآباء والأمهات يقتحمون خصوصيات أبنائهم ويفتشون فيها، وكأنها حق مطلق لهم، خاصة ما يتعلق بالخصوصيات الإلكترونية، مثل حسابات الأبناء على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. ويبرر الآباء ما يفعلونه بالخوف على أبنائهم، لكن احترسوا! فهذا التجسس قد يفسد علاقتكم بأبنائكم، فلنطّلع على تحذيرات علماء الدين والتربية.


في البداية، يعارض الدكتور صابر طه، العميد السابق لكلية الدعوة في جامعة الأزهر، القائلين بالحق المطلق للأم أو الأب في تفتيش خصوصيات أولادهما، مؤكداً أن الوضع يختلف باختلاف سن الأولاد ومرحلة نضجهم، فمثلاً الأطفال منهم غير الشبان والفتيات، ولهذا فإن الحكم الشرعي الاجتهادي يختلف وفق سن الأبناء والبنات، ومدى نضجهم ومسؤوليتهم عن أفعالهم، وبقدر حاجة الأبناء الى رعاية أمهم وأبيهم يكون حقهما في رعايتهم، والعكس صحيح.

 ويضيف: «الأطفال في السن الصغيرة يجوز للأم والأب الاطلاع على خصوصياتهم الإلكترونية، بشكل مباشر أو غير مباشر، مع التعامل برفق مع الابن والابنة إذا وجدا ما يستدعي التقويم والإصلاح، لأن هذه السن تتطلب رعاية أكبر منهما، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته».
ويحث الدكتور صابر الآباء والأمهات على التعامل مع أبنائهم وبناتهم، أصحاب هذه الخصوصيات، بلين ورفق وأمومة حانية وأبوّة حكيمة، حتى يتم الاستجابة لنصائحهم ويتخذون من الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) القدوة، وقد وجّه الله له ولأمته من بعده هذا النصح الدائم، حين قال الله تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ على اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (آية 159) سورة «النساء».
ونصح رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أمته بالرفق فقال: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه».

النصح بذكاء
 تطالب الدكتورة إلهام شاهين، الأستاذة في كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، الأمهات والآباء بحسن التعامل مع أبنائهم وبناتهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بخصوصياتهم الإلكترونية، فيكونون بمثابة الداعية الناصح فضلاً عن عاطفتهم، ولنتأمل أمر الله للدعاة المؤثرين الذين يتقبل الناس دعوتهم بيسر وسهولة ويتفاعلون معها بإيجابية، فقال الله تعالى: «ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (آية 125) سورة «النحل».
وتشير الدكتورة إلهام، إلى أنه إذا كان الأبناء والبنات في سن الرشد فيفضل عدم تفتيش خصوصياتهم، لأن سن المراهقة لها خصوصياتها ومواصفاتها، حيث يحب الشاب أو الفتاة أن يشعر بذاته. ولهذا يفضل توجيه النصح العام بالابتعاد عن المعاصي وكل ما يغضب الله، وأن يحسنوا اختيار أصدقائهم وصديقاتهم، لأنه كما يقال «الصاحب ساحب»، وهذا التناصح واجب شرعاً وأفضل تأثيراً من التفتيش، لأنه يدخل في نطاق التناصح بالحسنى والمعروف، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم».
وتنهي الدكتورة إلهام كلامها، مؤكدة أن على الأبناء والبنات أن يتقبلوا النصح وأن يكونوا منضبطين بآداب الإسلام وأخلاقه، في استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي، حتى لا يدفعوا ذويهم إلى التدخل في حياتهم أو التفتيش في خصوصياتهم، سواء الإلكترونية أو حتى غير الإلكترونية، باعتبارهم المسؤولين عن تربيتهم أو تحمل تبعات أي خطأ أو مشكلة قد يقعون فيها.

الفضول ممنوع
يرى الدكتور عبدالرحمن العدوي، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، أن هناك بعض الأمهات أو الآباء ممن هم مصابون بداء «الفضول وحب التجسس»، ليس على خصوصيات أولادهم فقط، بل على البشر جميعاً بوجه عام، وهذا أمر مذموم حرّمه الله تعالى، لأن فيه تتبع عورات الناس وكشف أسرارهم وتصيد أخطائهم، بل واختلاق مشكلات في بعض الأحيان نتيجة الشك وسوء الظن. ولهذا قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ» (آية 12) سورة «الحجرات».
ويشير الدكتور العدوي إلى أن الشريعة الإسلامية نهت عن تفتيش خصوصيات الآخرين الإلكترونية وغير الإلكترونية، حتى لو كانت خصوصيات الأولاد والبنات، لهذا قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «إياكم والظن، فإنّ الظنَّ أكذبُ الحديث، ولا تحسّسوا ولا تجسّسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا عبادَ اللهِ إخواناً كما أمركم الله تبارك وتعالى». ولهذا يجب تجنب الفضول والتلصص على الآخرين ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ولا مجال شرعاً للمقولة الشائعة «سوء الظن من حسن الفطن»، لأنها في الحقيقة تقود إلى المزيد من المشكلات بدلاً من حلها.

ضوابط شرعية
ترفض الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية للبنات في الزقازيق - جامعة الأزهر، أي مبرر لإباحة التجسس وتفتيش الأم أو حتى الأب لخصوصيات أولادهما، لأن هذا التصرف يفتح باب جهنم على الحياة الأسرية، ويقلل الثقة بين أفرادها، بل قد يدفع الأولاد إلى التجسس المضاد على الوالدين أو التجسس على أشقائهم وشقيقاتهم، وهذه كلها كوارث تربوية تؤدي إلى إشعال نار المشكلات بين أفراد الأسرة، وقد يصل الأمر إلى أن تتحول الأسرة إلى مجموعة من الجواسيس على جميع أفراد المجتمع، وليس على أسرتهم فقط، ولا يمكن غرس الثقة فيهم نحو غيرهم، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

وتحذر الدكتورة فايزة من انتشار ثقافة «التجسس والتجسس المضاد» على الخصوصيات، لأنها كارثة بكل ما تعني الكلمة، لأن كل فرد يصبح من الجواسيس، سواء الأبناء أو الأمهات أو الآباء، ويحاول كل منهم أن يبرر ما يفعله مع الآخرين بأنه رد فعل على ما يتعرض له من تجسس وانتهاك وتفتيش لخصوصياته، وانه معتدى عليه ومن حقه رد الاعتداء، استناداً إلى قول الله تعالى:»... فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» (آية 194) سورة «البقرة».

الشك والتجسس
تشير الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، إلى أن الشك وسوء الظن يقودان في النهاية إلى التجسس على الآخرين، حتى وإن كانوا أفراداً في أسرة واحدة، وهذه كلها تصرفات مرفوضة شرعاً، لأن نتائجها مدمرة على الحياة الأسرية ويتحقق بين أفرادها ما حذرنا منه الله سبحانه وتعالى حين قال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (آية 14) سورة «التغابن».
وتنتقد الدكتورة عفاف الأسرة التي يتحول كل أفرادها إلى جواسيس على خصوصيات بعضهم، متسائلة هل يمكن أن تحتفظ مثل هذه الأسرة برباعية «الدفء والثقة والاحترام والتعاون»؟ إن هذه السلوكيات مرفوضة شرعاً وعقلاً، وستولد بينهم إن عاجلاً أو آجلاً حالة من العداء والانتقام المتبادل، وبالتالي يتحول سكن الأسرة إلى «غرفة عمليات» للشك والتجسس والتفتيش المتبادل من كل منهم لخصوصيات الآخر، وكشف أسراره وفضحه للانتقام منه إذا لزم الأمر، ومن ثم يدخل أفراد الأسرة في مساومات وصفقات متبادلة، أقرب ما تكون إلى فكر العصابات، بعد احتراف الجميع ثقافة التجسس وتتبع العورات.
وتنهي الدكتورة عفاف النجار كلامها، محذرة أفراد الأسرة من تفتيش خصوصيات بعضهم أياً كانت هذه الخصوصيات، ومؤكدة أن من الأفضل أن يحرص الجميع على تحري الصدق والابتعاد عن الشك والكذب، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، وعليكم بالصدق فإن الصدق بر، والبر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً».

النصح وليس التفتيش
ترفض الدكتورة أماني عبدالقادر، الأستاذة في كلية الدراسات الإسلامية للبنات في جامعة الأزهر، أي مبرر لقيام الآباء والأمهات بتفتيش خصوصيات أبنائهم وبناتهم الإلكترونية، إلا إذا تيقنوا من وجود أمر مشين، ولا بد من إثباته لإصلاحه وليس للعقوبة عليه أو إدانتهم لفعله، ونحن هنا ننطلق من قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا على مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ» (آية 6) سورة «الحجرات».
وتشير الدكتورة أماني إلى أهمية أن يدرك الوالدان أنهما مربيان بالقدوة، وليسا جلادين لأبنائهما وبناتهما إذا وقعوا في الخطأ، لأن من الطبيعي أن يخطئوا ويتم تعريفهم الصواب من الخطأ، من خلال الخبرة الحياتية التي يجب أن تنتقل من الكبار إلى الصغار داخل الأسرة، ولهذا يقول الله تعالى: «... أُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَيٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (آية 75) سورة «الأنفال».
وتحث الدكتورة أماني الوالدين على الصبر في تربية الأبناء والبنات وتوجيههم، لأنها عملية ممتدة طوال الحياة، بشرط أن يكون النصح بالحسنى وسراً، لأنه كما يقال «النصح على الملأ فضيحة»، ولكل شخصية من الأبناء والبنات مفتاح للدخول إليها بيسر ومن دون مشكلات، كما أن ما ينفع مع الأولاد قد لا ينفع مع البنات، ومن الأفضل أن يكون الأب قريباً من أولاده والأم صديقة لبناتها، وأن تتم المعاملة بين الجميع برفق ولين، بعيداً من التفتيش والتجسس والتلصص، مهما كانت الأخطاء التي يقع فيها الأبناء والبنات، لأنهم لن يكونوا أكثر من فرعون، الذي أمر الله نبيّه موسى وأخاه نبي الله هارون بأن يدعوانه باللين، رغم ما هو معروف عنه من فسق وشدة وغلظة، فقال سبحانه: «اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي. اذْهَبَا إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى. فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى» (الآيات 42-44) سورة «طه».
وتنهي الدكتورة أماني كلامها، محذرة من استباحة الآباء والأمهات الخصوصيات الإلكترونية وغير الإلكترونية لأبنائهم وبناتهم تحت أي مبرر، لأن النتيجة قد تكون عكسية، ويصل الأمر إلى قطيعة الرحم بينهم، بعد أن يفقدوا الثقة والاحترام في ما بينهم. ولهذا حذرنا الله من كل ما يؤدي إلى قطيعة الرحم، فقال سبحانه: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ. أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا. إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا على أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ» (الآيات 22-25) سورة «محمد».

الحرية واحترام الخصوصية
أما الدكتور محمد عبدالمنعم البري، الأستاذ في كلية الدعوة في جامعة الأزهر، فيرفض ترك الحبل على الغارب للأبناء والبنات باسم الحرية واحترام الخصوصية، لأنهم يفتقدون الرشد والحكمة في التعامل مع الحياة، ولهذا لا بد من أن يراقب الوالدان تصرفاتهم ويخبرانهم بضرورة الاستخدام الصحيح لوسائل التواصل الاجتماعي.
ويشير الدكتور البري إلى أن مراقبة الوالدين الخصوصيات، الإلكترونية وغير الإلكترونية، لأبنائهما وبناتهما أمر ليس فيه تجسس أو تلصص، خاصة إذا تم الاطلاع عليها في وجودهم وأمامهم، حتى يشعروا بالخوف من أي تجاوز، كما يقال: «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، ونحن هنا نراهن على الحب الفطري للأمهات والآباء لمصلحة أبنائهم وبناتهم.
وينهي الدكتور البري كلامه، مؤكداً أن بعض الأبناء والبنات قد يضطرون آباءهم وأمهاتهم إلى تفتيش خصوصياتهم نتيجة انحرافهم وعدم استماعهم الى النصائح والتوجيهات. ولهذا لا بد من تدخل القاضي الأسري، أي الأب أو الأم، لضبط الأمور بدلاً من تركها فوضى باسم الحرية والخصوصية، وقد تتولد عنها في النهاية كوارث، وهنا تحضرني مقولة خالدة للحكماء القدامى: «كـن ذا حـدود، ولا تـكـن بـلا قيـود، لا تـكن صلبـاً فتُكـسر ولا تكـن لينـاً فتُعصر».

التنشئة الدينية
ترى الدكتورة آمال ربيع، عميدة كلية التربية في جامعة الفيوم، أن التنشئة الدينية الصحيحة، هي الحل الأمثل لمشكلة تفتيش الوالدين خصوصيات أبنائهما وبناتهما، حيث يجب أن تكون الثقة المتبادلة هي سيدة الموقف في كل الأوقات، بحيث يحمي كل منهم عورة الآخر أو نقيصته، باعتبارهم يشكلون كيان أسرة واحدة.
وتحث الدكتورة آمال، الأمهات والآباء، قبل الأبناء، على أن يتصفوا بالحكمة والعقلانية في التعامل مع بعضهم، باعتبارهم أولى الناس ببعض، وأن ما يسيء إلى أحدهم قد يسيء إلى الآخرين. أما إذا أبحنا للأم أو الأب تفتيش خصوصيات أولادهما، خاصة عندما يبلغون سن الرشد، فإن هذا سيولد شعوراً سلبياً مضاداً عند الأولاد لدى أمهاتهم وآبائهم. ولهذا لا بد من أن نعمل على خلق روح الثقة المتبادلة بين أفراد الأسرة.
وتستثني الدكتورة آمال ربيع، الأولاد والبنات في مرحلة الطفولة من إمكانية تفتيش خصوصياتهم الإلكترونية، ويفضل أن يكون ذلك بغير علمهم، وأن يتم إصدار توجيهات تربوية بذكاء إليهم، في محاولة لإصلاح ما لديهم من أخطاء في التصرفات وتم اكتشافها من خلال تفتيش خصوصياتهم الإلكترونية، لكن مع تقدم الابن أو البنت في السن، يجب إشعاره أو إشعارها بأن هناك ثقة فيهما وتقديرهما للمسؤولية، وأن سمعتهما جزء من سمعة الأسرة، ولا بد من المحافظة عليها والبعد عن كل ما يشين أو يجلب لهم سوء السمعة أو العار، إذا حدث انفلات أخلاقي.

التربية بالقدوة
ترفض الدكتورة نجلاء أمين، عميدة كلية الدراسات الإنسانية، فكرة التفتيش جملة وتفصيلاً، مؤكدة أن التوجه التربوي المستمر، وتقمص الوالدين دور الصديق لأولادهما وبناتهما، والعمل على إدارة حوار حر بينهم تُحترم فيه آراؤهم، حتى لو كانت مختلفة عن آراء الآباء والأمهات، لأن هذا شيء طبيعي، ونحن لا نريد أولادنا وبناتنا نسخة كربونية منا، وهنا نتذكر المقولة التربوية الجميلة للإمام علي بن أبي طالب، وبصيغ مختلفة أهمها: «لا تكرهوا أولادكم على أخلاقكم، أو على تربيتكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم». وفي رواية أخرى: «لا تجبروا أولادكم على عاداتكم، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم»، وفي رواية ثالثة: «لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم».

 وتشير الدكتورة نجلاء أمين إلى أهمية أن يتحلّى الوالدان بالمرونة وسعة الصدر وتلمّس العذر لأولادهما وتقبل أفكارهم، حتى لو بدت مختلفة عن أفكار الآباء والأمهات، فهذا شيء طبيعي، ويجب أن يعلم جميع أفراد الأسرة أنهم في سفينة واحدة لا بد من المحافظة على سلامتها من أي شيء يشينها أو يسيء إليها.  وتطالب الدكتورة نجلاء الوالدين بأن يكونا قدوة لأبنائهما وبناتهما منذ الصغر، وأن يحاولا تعريفهم بالحلال والحرام، وكذلك الأعراف الاجتماعية، المقبول منها والمرفوض، حتى يلتزموا بها، لأنه كما يقال «التعليم في الصغر كالنقش على الحجر».