فاطمة... رقم جديد في سجل العنف الأسري السعودي
طلاق, عنف ضدّ المرأة, المرأة السعودية / نساء سعوديات, حماية المرأة, عنف أسري, الكدمات, عنف جسدي, الضرب
03 يناير 2012الحربي: نحرص على إعادة حقها في الأمان
قالت الاختصاصية الاجتماعية في مستشفى الملك فهد في جدة هناء الحربي إن فاطمة وصلت ليلاً، وأرادت الحصول على تقرير طبي غير مدركة لدور الخدمة الاجتماعية في المستشفى وما يمكن أن تقدمه لها من خدمات تفيدها وتحميها. تقول الحربي: «رأيتها يوم السبت في قسم الطوارئ، وكان المنظر فظيعا جدا اذ لم أر في حياتي حالة مشابهة.
وسألتها عن صحة أنها تريد فقط تقرير طبي، أجابت نعم فأخبرتها بأن صوت الخدمة الاجتماعية هنا نستطيع إيصاله إلى جمعية حقوق الإنسان، وهيئة حقوق الإنسان، ولجنة حماية الأسرة والشرطة، وبإمكان الجمعيّات والرعلام الحضور من أجل وضعك وقصتك ومساعدتك، ونستطيع من خلال هذه الجهات الحصول على حضانة ابنتيك».
وما إن تم الحصول على موافقتها أحيلت على قسم الجراحة في غرفة منفصلة وخاصة، وحماها حراس في كل الفترات الصباحية والمسائية، وأُبلغت الشرطة ولجان الحماية وحقوق الإنسان. وزارتها لجنة الحماية وحقوق الإنسان وحماية الأسرة. «نحن نخاف على فاطمة وعلى وضعها وحالتها النفسية ونحرص على مساعدتها بكل الطرق والوسائل التي تعيد اليها الحق في حصولها على الحرية والأمان وحقها في الحضانة».
بدوي: لا يوجد أي نظام حقيقي لحماية المرأة المعنَّفة
قالت الناشطة الحقوقية سمر بدوي إنها زارت فاطمة في المستشفى بعدما علمت عن حالتها من خلال الصور التي نُشرت عبر «التويتر» لسيدة تم تعنيفها وضربها على يد زوجها بواسطة آلة حاد. تقول بدوي: «عندما رأيت الصور على الانترنت لم أصدق أن الصورة حقيقية وأن هناك شخصا عاقلا وطبيعيا بإمكانه فعل ذلك. وبعد التحريات عن الحالة والاتصالات التي أجريتها مع الجهات المختصة تأكدت من حقيقة وضعه. والواضع أن الصور لا تشرح حجم المعاناة الواقعة على هذه السيدة».
ذهبت بدوي إلى مستشفى الملك فهد في جدة وطلبت مقابلة الحالة، وعندها دخلت غرفتها وجدتها في «حالة مأساوية جدا، الكدمات تغطي جسمها بالكامل، عمرها 35 سنة والزوج المعنف عمره 60 سنة ولديها ابنة 11 سنة وأخرى 5 سنوات. وما حصل مع فاطمة أن الزوج يعاقر الخمور، وكأنه يعاني حالة نفسية فحجم الضرب الذي تعرضت له فاطمة اكبر مما يتخيله عقل».
عرضت فاطمة قضيتها أكثر من مرة في محكمة المنطقة الجنوبية ولم ينصفها القاضي بحجة أنها لن تحصل على حضانة بناتها إن طلبت الطلاق.
وطالبت بدوي بضرورة الإسراع بتفعيل القانون الذي يجرم العنف من مجلس الشورى معللة ذلك بـ «أننا يجب ألا ننتظر أكثر من ضحية كحالة فاطمة لإصدار هذا القانون. هناك حالات عنف في السعودية ما نعاني منه هو العادات والتقاليد وتحكمنا القبلية، فالعنف المعلن للناس اثنان في المئة والعنف غير المعلن يصل إلى 60 في المئة. إذا تجاوزنا هذا الحد يصبح في عداد الظاهرة. وإلى الآن لم تتخذ أي خطوة لحماية المرأة وردع المعنِف. وكأنهم ينتظرون ضحايا أكثر لاستيعاب كارثة العنف التي ألمت بالنساء، وهذا أمر مستفز كثيراً».
الصالح: ضرب الأم الثابت بصك شرعي يُسقط حق الأب في الحضانة
ذكر المستشار القانوني عدنان الصالح أن النقاط المهمة في قضية فاطمة يجب تحديدها في نوع الجريمة الواقعة على الحالة، قائلاً: «تعتبر هذه الجريمة جنائية وقعت ضحيتها زوجة من قبل زوجها. هذا الحق إذا ثبت وصدر حكم ضده كفيل بإسقاط الولاية والحضانة على الابنتين حتى وإن بلغتا سن الرشد. كما يحق لها المطالبة بحقها وبرد الاعتبار وتأديبه وتعزيره وإسقاط الولاية».
وطالب بتفعيل نظام حماية الأسرة من العنف، داعيا السلك القضائي ووزارة العدل ولجان التحقيق ووزارة الداخلية ومراكز الشرطة الى إعادة النظر في وسائل الإثبات. وعن العقوبة التي قد تقع على الزوج من المحكمة، قال الصالح: «قد يحكم القاضي بثلاثة أمور: السجن والجلد والتعويض المادي، وإسقاط الولاية يعتبر من أنواع العقاب».
حلقة جديدة من مسلسل العنف الأسري في السعودية لامرأة ثلاثينية وأم لطفلتين. خرجت هاربة من منزل زوجها بالكاد تقوى على المشي بعد أكثر من عشر ساعات من الضرب المبرح إما بلكمات يستقبلها جسدها أو جروح يفتحها في جلدها مفك مسامير. عشر ساعات والزوج يضربها، بل يتلذذ بضربها، وهي مستسلمة تماماً تنتظر أي لحظة للهروب، حتى استطاعت أن تفر منه بعدما غطّ في النوم. تركت خلفها ابنتيها وعيونهما تسأل ما الذي يحدث؟ قررت أن تنجو بنفسها وبالجنين الذي تحمله، استودعتهما الله وخرجت بلا وجهة أو خطة علها تجد حلاً لنهاية المأساة.
في مستشفى الملك فهد بجدة ترقد فاطمة تحت حراسة مشددة. ومن هناك ومن على سرير المستشفى بدأت رحلة رفض العنف وإثبات الحق. «لها» تابعت القضية وكان هذا التحقيق.
كانت فاطمة البالغة من العمر 35 عاماً مستعدة للحديث رغم الألم النفسي والجسدي. ترقد على سريرها مستسلمة ومنهكة بعينين زائغتين ممتلئتين بالدموع. تحاول أن تتماسك لتستمر في الحديث، ولكن تفر منها العبرات لا إراديا. كانت تريد أن تصرخ وأن يصل صوتها. تريد أن تضع حداً لمعاناة استمرت 12 عاماً مع زوج يكبرها بـ 25 سنة لم تعرف معه معنى السعادة ولا الاستقرار، وذاقت على يده الكثير من العنف الجسدي.
من الليلة الأخيرة بدأت تسترجع الساعات واللحظات وتحكي كيف طلب منها أن تدخل معه إلى غرفة النوم، تقول: «كانت السابعة صباحاً وكان مازال مستيقظاً من الليلة السابقة، فسألته إن كان يريد أن يتناول طعام الفطور بعد أن خرجت ابنتي إلى المدرسة. لم يرغب في الأكل وطلب مني الجلوس معه، فقلت له إني أشعر بتعب من الحمل وأحتاج الى الراحة. فقال إجلسي أريد أن أتحدث معك. طلب مني الدخول معه إلى الغرفة، فذهبت معه فأغلق الباب بالمفتاح، وقال: «ليش انت شايفة نفسك علي؟» فقلت له أني مرهقة فقط، فقال: سأوقفك عند حدك وأعلمك الأدب».
دخلت فاطمة الغرفة وهي تعلم ما ينتظرها فلم تكن هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها للضرب. بدأ يضربها مستخدماً يديه تارة ومستخدماً آلة حديدية تارة أخرى. واستمرت تتلقى لكماته لأكثر من عشر ساعات حتى عادت الإبنة من المدرسة واعتقدت فاطمة أنها ستنجو. «فتح باب الغرفة وقال لي افتحي لها الباب وعودي إلى هنا. ففتحت لها الباب وكان يقف خلفي، وأمر ابنته بأن تذهب إلى غرفتها وتنام، وعاد بي مرة أخرى إلى الغرفة ليكمل ما بدأه».
عادت فاطمة إلى غرفة النوم ليفاجئها بطلب جديد ويجعلها تخلع ملابسها كاملة حتى تشعر أكثر بالضرب. «جعلني أخلع ثيابي واستمر في ضربي حتى السابعة مساء، ثم استسلم ونام». في هذه اللحظة وبعد أن تأكدت أنه دخل في نوم عميق تسللت الى خارج الغرفة لتخرج فتجد ابنتيها صامتتين تنظران إليها بدهشة فتتركهما وتخرج لا تعلم إلى أين تتجه. وجدت أحد أبناء الجيران الذي اصطحبها الى والدته، وهناك تمكنت من الاتصال بشقيقتها، وتم نقلها إلى المستشفى.
لم تتمكن فاطمة من إنهاء تعليمها الجامعي بعدما أرغمها زوجها على ترك الدراسة مؤكداً لها أنه لن يسمح لها بالعمل. عاشت معه رغم عنفه وقسوته من أجل ابنتيها ولأنها لم تجد أي دعم أسري أو اجتماعي أو حتى قانوني عندما كانت تفكر في الإنفصال عنه. فلقد كان يمنعها من الخروج حتى لزيارة والدتها، وكلما رغبت في زيارة أهلها تتصل أخواتها للتوسل اليه أن يسمح لها. وروت أنها قبل أربع سنوات تعرضت لضرب مبرح ووحشي مما أدى إلى دخولها المستشفى وبقائها فيه للعلاج ثلاثة أسابيع. وبعد تبليغ الشرطة أقنعها والدها بالتنازل عن البلاغ ليتم الطلاق. وبالفعل تنازلت وقام بتطليقها، ثم جاءها يعتذر ويطلب السماح، فوافقت من أجل العيش مع ابنتيها ورعايتهما ، ولكن لم تكن تعلم أن هذه هي البداية الحقيقية لمسلسل عنف جسدي لن ينتهي وقد يودي بحياتها في يوم ما.
قبل تسعة أشهر تكررت حادثة الضرب، وأدخلت فاطمة إلى المستشفى، وتم إبلاغ الشرطة، ثم تقدمت بدعوى طلاق. «عندما وصلت إلى القاضي شرح لي بكل وضوح أنني لا بد أن اعود إلى زوجي وأن قضيتي لا تستحق كل هذا الضجيج وأنه ليس من حقي أن أحتفظ بابنتي».
وحصلت محاولات جديدة من جانب الزوج وتوسط شيوخ القبيلة للضغط على الأب، وكانت تعود فاطمة الى منزلها بعد وعود بأنه لن يتعرض لها بالضرب مرة أخرى وأنه سينقل محل إقامتها إلى جدة حيث تحب.
إنتقلت فاطمة من جنوب السعودية إلى جدة في منزلها الجديد لينتهي بها الأمر مصابة بأنواع مختلفة ومتفرقة من الجروح والكدمات على سرير المستشفى حاملة في أحشائها حملا لم يتجاوز ثمانية أسابيع وتاركة خلفها طفلتين.
«أريده أن ينال العقاب الذي يستحقه، ولن أتنازل هذه المرة، ففي كل تنازل ينتهي بي الأمر مصابة وقد أفقد حياتي في يوم ما». جملة قصيرة أنهت بها فاطمة حديثها ولكن كلفتها 12 عاماً من عمرها حتى تصل الى هذا الاقتناع وتقرر أن تقاتل من أجل الحصول على حقها في العيش بأمان وبكرامة.