حكايات أبناء يعيشون بين أبَوَيْن منفصلين
المملكة العربية السعودية, جائزة الأسرة العربية, مواقع الزواج الإلكتروني, أحمد عبدالله الشيخ, والدة, د. سامية خضر, إنفصال, خوف الانفصال عن الأهل, أبراج
03 سبتمبر 2012أثر انفصال الآباء على الأبناء في نظر علم النفس
من الجانب النفسي، يؤكد أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق في مصر الدكتور أحمد عبدالله أن انفصال الأبوين في حد ذاته لا يسبب مشكلة للآباء، خاصة إذا حصل في مرحلة الطفولة، فكل ما يحتاجه الطفل هو الحياة في بيئة مستقرة مع أحد الطرفين أو حتى جدته، وأن يكون لديه علاقة سليمة مع أبيه وأمه دون أن يكون طرفاً في الخلافات أو النزاعات بينهما.
ويضيف: «ذلك الاستقرار لا يكون وليد الصدفة، ولا يتحقق إلا باتفاق مسبق بين الطرفين. هنا ينشأ الطفل سليماً نفسياً وبدنياً، لكن ما يحدث في الأغلب أن أحد الوالدين أو كليهما يستغل الطفل في الحرب الضارية بينه وبين الطرف الآخر، مما ينعكس سلباً على صحته النفسية، فيصاب بمشاكل مثل القلق والتوتر النفسي المستمر نتيجة عدم الاستقرار، كما تنتج أزمات نفسية نتيجة تشويه صورة الطرف الآخر أمام الابن، فاهتزاز صورة الأب أمام الابنة يجعلها تفقد الثقة في جميع الرجال، وبالتالي قد تعرض عن الزواج أو تفشل فيه. ومن أشكال الإضطرابات النفسية لدى الأبناء المستخدمين في الحرب بين الطرفين، أن الطفل يسعى لكسب ود أحد الطرفين أو كليهما بالكذب، وينقل مدى كرهه للطرف الآخر، مما يولّد شخصية غير سوية على الإطلاق».
أحمد فتح الله: عوضني الله بأبي نادر عن وفاة أبي
أما أحمد فتح الله (23 عاماً، طالب) فيؤكد أن الله عوَّض عليه وفاة أبيه بأب آخر هو نادر، الذي يحبه وكأنه أبوه تماماً. ويوضح: «توفي أبي وعمري خمس سنوات، ولا أتذكر إلا عدة مواقف جميعها يوم الوفاة، فأبي بالنسبة إلي صور تذكارية، لكن حب الأب ورعايته واهتمامه وجدتها في أبي نادر الذي تزوجته أمي بعد وفاة والدي بعامين».
ويضيف: «علاقتي بأبي نادر وطيدة جداً، وأنا مقتنع بأنه يحبني أكثر من أمي نفسها التي تشكو دائماً من تدليله لي، وهذا الدلال لا يمنع أننا كثيراً ما نختلف ونتشاجر بمرح، فهو مثلاً زملكاوي وأنا أهلاوي، وعندما تذاع مباراة للأهلي والزمالك يتحول المنزل إلى حلبة مصارعة بيننا، تارة نصيح بتعصب لفريقنا وأخرى نضحك. والأجمل من ذلك أنه رغم الاختلاف فأبي حريص على الإتيان لي بتذاكر المباريات لنشاهدها في استاد كرة القدم، رغم أن كلاً منا يجلس في مدرج مختلف لاختلاف الفريقين، ولا ينسى تذاكر أصحابي أيضاً، فهو حريص كل الحرص على إسعادي دائماً».
ويتابع مبتسماً: «أنا فخور بأنني تربيت على يد هذا الرجل الرائع. لقد تعلمت منه كثيراً، فهو عاشق للعلم، ودائماً ما كان يحثني على طلب العلم والتفوق، فكان يذاكر لي حينما كنت في المدرسة، وفي الجامعة يشتري لي ملخصات المراجعة، ودائماً يقول إنني فارسه الفائز في السباق. والرائع فيه أنه مهتم بأدق تفاصيل حياتي ومحتفظ لي بذكريات لم أهتم أنا أو أمي بها، فهو حريص على تجميع صوري في مختلف مراحل عمري منذ الطفولة وحتى الآن، حتى أنه ما زال محتفظاً ببطاقة جماعة «الحاسب الآلي» التي كنت مشتركاً فيها بالمدرسة، وأنا في الصف الثالث الابتدائي».
ويؤكد أحمد أن هذا الكم من الحب والدلال لا يعني عدم وجود اختلافات فكرية بينه وبين أبيه الروحي، خاصة في ما يخص الثورة المصرية، إذ يرى والده أن إطاحة كل رموز النظام السابق حماقة شباب وتهور، خاصة أنه كان موظفاً كبيراً في الدولة وذا منصب وزاري، وخدم الدولة أكثر من أربعين عاماً حتى أنهى خدمته منذ ثلاث سنوات، لكن أحمد منحاز جداً للثورة وللتغيير، ويقول: «لتلك الأسباب كانت تنشب بيننا خلافات فكرية كثيرة مع بداية اندلاع الثورة، لكنني تعلمت ألا أناقشه في هذا الأمر، وأستمع إلى رأيه فقط كي لا أختلف معه، فأنا أحبه كثيراً وأقدره ولا أحب أن أختلف مع أبي نادر ولو فكرياً».
وعن علاقته بأسرة أبيه يقول: «أمي كانت حريصة على ألا تقطع صلتي بأسرة أبي، فما زلنا أنا وأخي الأكبر على علاقة ممتازة بأعمامنا وعماتنا وأولادهم ونتبادل الزيارات باستمرار».
نجوى محمد: لم أشعر قط بأنني أعيش مع زوجة أبي
أما نجوى محمد (35 عاماً ، ربة منزل)، فلا تعرف لها أماً إلا زوجة أبيها، وتحكي قصتها قائلة: «لم أعرف أنني أعيش مع زوجة أبي إلا عند استخراج البطاقة الشخصية وملء البيانات فيها، وسألت أبي لماذا اسم أمي ليس هو المكتوب في شهادة الميلاد، حينها فقط علمت أنها زوجة أبي التي ربتني بعدما قررت أمي الطلاق وأنا عمري شهر واحد فقط، فتزوج أبي بعدها بشهرين ورعتني زوجته وأنا مازلت رضيعة».
تفيد نجوى بأنها لم تر أمها في حياتها، فلا أحد يعلم لها طريقاً ولا سبيلاً، ولم تحاول ولا مرة رؤيتها.
وتتابع: «لم أشعر قط أنني أعيش مع زوجة أبي، ولم أجد فارقاً في المعاملة بيني وبين إخوتي من أبي سواء البنات أو الأولاد، فأمي سميرة هي التي جهزت شقتي التي تزوجت فيها، وفي حملي الأول كانت تأتي لخدمتي، وعندما وضعت مولودي أخذتني لأقيم معها أول شهر لترعاني، خاصة أن الولادة القيصرية كانت مرهقة لي جداً. والأكثر من ذلك أن علاقتها بي لم تتأثر بوفاة والدي، فما زالت تودني في منزلي وأذهب إلى منزل أبي لألتقي إخوتي، فلا أحد يعلم مطلقاً أنها ليست أمي، ولا أرى أن هناك داعياً ليعرف أحد، لأنها بالفعل أمي الحقيقية التي ربتني وغمرتني بحنانها».
نظرة اجتماعية
أما أستاذة علم الاجتماع الدكتورة سامية خضر فتؤكد أن حياة الأبناء باستقرار مع أحد الطرفين بعد الإنفصال أفضل من الحياة في أسرة واحدة مفككة داخلياً، يستيقظون فيها على أصوات شجار الأبوين.
وتضيف: «الزوجان اللذان يعملان بهذا النحو لصالح الأبناء حالات قليلة، وليست السائدة في المجتمع، فغالباً ما يكيد كل طرف للآخر مستخدماً الأطفال، لكن عليهما أن يفهما جيداً أن هؤلاء الأبناء نتاجهما معاً، وعليهما أن يعملا جادَّين على استقرارهم حيثما كانوا».
وتشدد على أن الأزواج عليهم قبل الانفصال البحث في أوضاع أطفالهما واستقرارهم أولاً، وذلك لن يتحقق إلا بحرص كلا الطرفين على الانفصال باحترام وتحضر دون مشاكل، حتى لا ترسخ الخلافات في ذهن الابن حتى ولو كان طفلاً. كما يفضل أن يناقشا موضوع الحضانة والإقامة التي غالباً ما تتكفل بها الأم لرعاية الأولاد. وعلى الأب أن يتكفل مادياً بنفقة الأولاد كي لا يضع الأم في ضغوط مستمرة تجعلها تلجأ إلى العمل، مما ينعكس سلباً على نفسية أولاده واهتزاز صورته أمامهم، وعلى الأم أيضاً أن تعي أن الأب لديه الحق في رؤية الأطفال في أي وقت، واستضافتهم لتمضية العطلات معه.
كما تنصح الدكتورة سامية الأم، إذا فكرت في الزواج، بالتدقيق في اختيار رجل صالح يتقي الله في أولادها، ناهية الطرفين، الأب والأم، عن اللجوء إلى القضاء لفض النزاعات، ومؤكدة أن المحاكم لا تحل المشاكل بل تزيد الطرفين عناداً، والذي يدفع الثمن في النهاية هم الأبناء.
وفي النهاية تقول: «نحن في حاجة إلى دراما اجتماعية، ترتقي بسلوك المجتمع وتعمل على تغيير ثقافته الى الأفضل، فلن يوجد أفضل من الدراما التي تلتف حولها الأسرة كاملة كي تفهمها معنى الانفصال بتحضر، وضرورة استقرار الأطفال».
لا يمكن حصر المشاكل التي يعاني منها الأبناء، عندما ينفصل الأبوان عن بعضهما، ويتشتَّت هؤلاء الأبناء بين عائلتين، ويعجز الصغار منهم عن التكيف مع الكبار المفروضين عليهم كأمر واقع، أو يعجزُ الكبار أنفسهم عن التكيف مع الصغار، فيعاملوهم معاملة قاسية يحمل هؤلاء آثارها السلبية مدى الحياة. بلى، قد يجدُ الصغار أحياناً الإلفة والمحبة لدى زوج الأم، أو زوجة الأب، كما لدى الأخوة غير الأشقاء، لكنَّ ذلك لا يُعوِّض عن الوضع الطبيعي، الصحيح والسليم، الذي كانوا يعيشونه قبل نشوب الخلاف بين آبائهم، واضطرارهم لمواجهة تغيَّر مفاجىء في مجرى حياتهم الطبيعي. في هذا التحقيق تعاين «لها» أوضاع أولاد في أكثر من بلد عربي، انفصل آباؤهم عن بعضهم، واضطروا للتكيُّف مع ظروف جديدة، كانت قاسية على بعضهم، وأقل قسوة على بعضهم الآخر.
تجارب ناجحة من السعودية
في السعودية، تحمل قصص مختلفة الكثير من الأرقام الصعبة التي أصبحت قضايا إنسانية لأطفال كانوا ضحايا معاملة قاسية من زوجة الأب، أو زوج الأم. إلا أن القصة حالياً مختلفة. فكما المعادلات المؤلمة بارزة، هناك أيضا معادلات تتحقق في طريقة تعامل مع أولاد ليسوا لنا، دخلوا حياتنا ليكونوا جزءاً لا يتجزأ من أسرتنا. ونتقبل وجودهم بصدر رحب، كأنهم من صلبنا. التقت «لها» عدداً من الأبناء تربوا في أحضان زوجات أبائهم، أو أزواج أمهاتهم ليكونوا أسرة مترابطة بعيدة عن الآثار النفسية والاجتماعية التي تخلفها مثل تلك الزيجات.
ثلاث زوجات و12 من الأبناء في بيت واحد
جميلة عامر نصار واحدة من 12 إبنة وإبن تربوا في منزل واحد، وكانوا أخوة بحق. وزوجة الأب هي خالة لأن الأم هي فقط من تلقب «أمي»، ولكن الزوجات الثلاث ربين أبناءهن جميعاً دون تفرقة. كانت تروي جميلة القصة وهي تتذكر الكثير من المواقف: «أمي الثانية بين الزوجات، ولكل واحدة منهن وقع في نفس والدي، وحقيقة لم ألمس أي فرق في المعاملة بيني وبين أخواني من والدي، أو من زوجاته، فقد كنا أسرة واحدة, وأعتقد أن هذا الترابط كان سره في معاملة والدي العادلة لزوجاته». ورأت أن التعامل السليم، وحكمة والدها كان لهما أثر كبير في التوفيق بينهم كإخوة إلى درجة كبيرة، خصوصاً بين الفتية لأنهم الأكثر تشاحناً عادة.
وتذكرت جميلة واقعة فقالت: «لا أنسى أبداً يوم وفاة زوجة والدي الكبيرة، قبل سنوات عدة، لا أذكر أني رأيت والدتي تبكي على فراق أحد مثلما بكت عليها، واحتضنت أولادها، مع أن الجميع كانوا في سن كبيرة، وكل مسؤول عن نفسه إلى حد ما. ولكن تلك الألفة جعلتنا أكثر وداً مع زوجات والدي، ومع بعضنا كأخوة».
أشارت جميلة في حديثها إلى أن صديقتها المقربة هي أختها من زوجة أبيها الأولى، بحيث أنهن متقاربات جداً في السن حتى أنها لا تنسى أبداً الأيام الدراسية. مضيفة: «ليس بالضرورة أن تكون زوجة الأب شريرة، بل كثيرات هن المتفهمات لأوضاع أبناء الزوج، أو بناته، بل ويخلقن نوعاً من التوافق الكبير بين الأبناء. ولا أذكر أبداً أننا واجهنا مشكلة في تربيتنا داخل بيت والدي مع زوجاته، حتى أنهن كن عند غضب الوالد هن من يدافعن عنا كأن كل واحدة هي الأم».
زوجة أبي هي من ربتني
كانت صغيرة عندما انفصل والداها، وبعد فترة طالب الأب بحضانتها مع أخيها، ومع أن ذاكرتها الصغيرة لا تغفر لوالدها بعدها عن والدتها، إلا أن زوجة الأب الجديدة احتوت حياتها، وحاولت أن تكون أماً حنونة حتى بعدما انجبت. حكت لبنى الصياد روايتها قائلة: «انتقلت إلى منزل والدي وأنا لا أتجاوز الثلاث سنوات مع أخي ذي العام والنصف، وحتى اللحظة كثيراً ما أسأل نفسي كيف استطاعت زوجة أبي أن توافق على أن نعيش معها ونحن في هذه السن الصغيرة دون أن تتذمر من وجودنا، بل وكانت خير مربية لنا، حتى بعد إنجابها لم تتغير معاملتها، وكانت تحاول أن تشكل أسرة طيبة».
وأضافت: «السنوات الأولى من حياة كل طفل مهمة جداً، ولا أدعي أنني لم أكن أشتاق إلى رؤية والدتي، ولكن زوجة أبي كانت هادئة معنا، وتحاول قدر الإمكان أن تحتوي طفلين لا ذنب لهما في الانفصال. وكبرنا مع أبنائها وبناتها من والدي، وكنا عائلة مترابطة جداً. وحتى والدتي تزوجت من رجل آخر وأصبحت الأسرة الصغيرة أكثر اتساعاً، وحالياً أنا رابط جيد بين أخواني جميعهم سواء من جانب والدتي وأبنائها، أو من جانب زوجة أبي وأبنائها».
وعن زوج والدتها قالت: «رجل طيب جداً، لم يبد أي امتعاض من وجودنا مع والدتنا في أوقات يسمح فيها والدي بزيارتها، ولا أدعي انه لم يكن هناك أوقات عصيبة، إلا أننا استطعنا تجاوزها دون أي آثار نفسية كما نسمع في الزمن الراهن».
لم تتقبل زواج والدتها في البداية ولكن معاملة زوجها الطيبة أجبرتها على تقبل ذلك
كانت معاناة بكل معنى الكلمة عندما قررت بثينة الزواج برجل آخر، خصوصا أن طفلتها الصغيرة التي لم تتعد العشر سنوات كانت شديدة التعلق بوالدها، ومع ذلك رفض أن تكون في حضانته، لسفره المتكرر وزواجه، فتولت الأم المسؤولية. هذه كانت قصة بثينة حسين المتزوجة منذ سنة مع ابنتها ذات العشر سنوات قائلة: «كان زواجا تقليديا، فقد تقدمت والدته لخطبتي، وكان هو منفصلا عن زوجته ولكن دون أطفال، وكان شرطي الوحيد أن يتقبل ابنتي رهام فرداً في العائلة، ولا تسلم لوالدها عند زواجي منه. لم يعترض زوجي، بل رحب بوجود رهام بشدة وكانت ذات تسع سنوات، ولكن المشكلة كانت عند ابنتي التي جلست معها قبل الزواج وحاولت تبسيط الفكرة بأني سأكون متزوجة برجل غير والدها، فانهارت ولم تفلح أي محاولة لي، ولكن اقتراح زوجي الجديد هو ما أنقذنا».
التقى الزوج الفتاة الصغيرة، وجلس معها، واعتبرها ابنة له، متفهماً مشاعرها كما قالت الأم. وبدأت الزيارات لخطب ود رهام حتى تتجاوز مرحلة رفضها زواج والدتها، وبعد شهرين سوّيت المسألة.
أضافت: «شهران متواصلان ونحن في جلسات عائلية، حتى اقتنعت به، وأذكر أنها قالت «ماما عم محمد طيب ممكن يكون معانا في البيت»... حينها لم أصدق، وعندما أخبرنا والدها بالزواج لم يكن لديه أي اهتمام يذكر برهام غير أنه طلب مني إذا تضايقت الفتاة من زوجي أن أحادثه ليأخذها للعيش عنده مع زوجته الجديدة».
طول البال والتسامح عنوان لكسب ثقة الأسرة
من المتعارف عليه اجتماعياً أن زوجة الأب وزوج الأُم شخصان ظالمان، يمارسان القسوة بكل الطرق والوسائل، لا يحبان أولاد الشريك لأنّهم ليسوا أولادهما، وتكثر التحليلات والأقاويل عن هذه المسألة.
هذا ما أوضحته الاختصاصية النفسية ومعالجة التنويم الكلينيكي في الرياض سماح هتان، قائلة: «من الصعب على زوجة الأب وأبناء الزوج التعود على هذه العلاقة الجديدة. بالنسبة إلى زوجة الأب فإنها تنضم إلى أسرة كانت قائمة بالفعل، ويتوقع منها أن تحل مكان شخص لا يمكن استبداله «الأم الطبيعية أو البيولوجية»، وبلا شك ليس من السهل أن تحب الزوجة أطفال زوجها بكل سهولة، فالمحبة، تتطلب وقتاً، وعلاقة احترام متبادل. أما في نظر الطفل، فزوجة الأب يمكن أن تثير مجموعة من العواطف، فليس من السهل بالنسبة إلى الأطفال قبول شخص جديد في العائلة يحل مكان والدتهم، وطبيعي أن يكون للأطفال ولاء تجاه والديهم».
وتوضح بأن ذلك إذا كانت الأم على قيد الحياة ولكنها مطلقة بحيث يشعر الأطفال بالذنب والغضب في تقبل زوجة الأب في الأسرة، فضلاً عن أن معظم أطفال الوالدين المطلقين لديهم أمل في جمع شمل الأسرة من جديد. فوجود زوجة الأب من شأنه أن يعرقل عودة أمهم إلى البيت.
أما في حالة قدوم زوجة الأب بعد وفاة الأم فيكون «هذا أكثر صعوبة لأن الأطفال يكونون حزينين لفقد والدتهم، ومرة أخرى قد يشعرون بعدم الارتياح لأن هناك من تريد أن تحل محل أمهم المتوفاة، وقد تكون مشاعر الغضب والخوف والشعور بالذنب مسيطرة، فضلا عن ألم الأطفال لأن والدهم نسي والدتهم وأراد أن يستبدلها».
مقترحات لتكوين أسرة سليمة بين زوجة الأب أو زوج الأم والأبناء:
1- تذكر أن الأمر قد يستغرق الكثير من الوقت والصبر لكي تتكيف زوجة الأب مع دورها الجديد في الأسرة.
2- يجب تفهم مشاعر الأطفال، وإن كانوا يتصرفون بشكل سيئ تجاه زوجة الأب، حاول التحدث معهم بهدوء ولا تعاقبهم، فالعقاب سيزيد الأمر تعقيداً.
3- يجب إعداد الأطفال قبل الزواج وتعريفهم على زوجة الأب، فإشراك الأطفال قبل الزواج يسهل التقارب على الزوجة والأطفال.
4- على الأب ألا يحاول إجبار أولاده على قبول العلاقة الجديدة، فهذا من شأنه تعريضهم لضغوط إضافية، مما يسبب لهم الكثير من الإجهاد.
5- ينصح معظم الباحثين زوجات الآباء بعدم التدخل مباشرة في تأديب الأطفال، لأن ذلك سيؤدي إلى مزيد من الاستياء منها.
6- محاولة العمل معاً كأسرة لتصفية الأجواء، فهذا جيد خصوصاً للأب وزوجة الأب للبحث في طريقة تربية الأطفال وتوزيع الأدوار.
7- لا تشعر بالخوف من الأطفال الذين قد يرغبون في جعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة إلى زوجة الأب، فهذا متوقع، ولكن الصبر وحسن النية قد يؤديان إلى تغيير سلوك الأطفال.
8- لا تحاولي تغيير روتين الأطفال على الفور، وذلك لأن الأطفال يعتادون على الأعمال الروتينية المختلفة ولن يقبلوا التغييرات التي تفرضها زوجة الأب.
9- اعمل على بناء الثقة مع الأطفال، فهذا من شأنه أن يجعل العلاقة أكثر سهولة.
10- لا تحاولي التدخل في أسلوب تربية الأب، لأن ذلك لن يكون مقبولاً من أطفال الزوج.
«وفي الختام أركز على ضرورة الالتزام بالقاعدة الذهبية التي تنص على التروّي والصبر وإمهال المسائل الوقت الكافي لتنضج، والوقت الكافي للتفاهم، والوقت الكافي لاستكشاف الشخصيات والطباع، والوقت الكافي لإيجاد مكانتنا في العائلة، والقبول من الآخر (الأولاد تحديداً)، والوقت كي يسود الحب علاقتنا بهم».
عمر محمد: لدي أبوان وعلاقتي بهما ممتازة
انفصل والدا عمر رغم زواجهما عن حب، وقبل أن يكمل عمر عامه الثالث حدث الطلاق بين أبويه. ويحكي عمر تجربته قائلاً: «والدي أردني من أصل فلسطيني وأمي مصرية، تزوجا عن قصة حب في مصر. بعدها انتقلا إلى إحدى دول الخليج نظراً لانتقال عمل أبي، إلا أن جدي طالبه بالعودة إلى الأردن ليعمل معه في مشروعه الجديد، فاصطحب أمي إلى هناك حيث بدأت المشاكل نظراً لرفض عائلة أبي زواجه من مصرية، مطالبين إياه بالزواج من أردنية أو فلسطينية، فلم تحتمل أمي كثرة المشاكل وعادت إلى القاهرة وحدها ثم لحق بها أبي، وعندما لم يتفقا انفصلا بكل تفاهم وتحضر».
ويتابع: «تزوجت أمي بعدها، وقبل أن توافق على هذه الزيجة وعدها زوجها الجديد بأن أكون ابنه الذي لم ينجبه، وأن يرعاني ويحسن معاملتي، ووفى بعهده بالفعل، فلا أتذكر إطلاقاً أنه فرّق يوماً بيني وبين أخويَّ. وأنا أناديه «بابا»، وأشعر بمدى حبه الصادق لي، فأنا بالنسبة إليه ابنه الأكبر وصديقه، وعمق العلاقة بيننا وصل إلى درجة أنه يأتمنني على أسرار عمله. وهو يعمل منتجاً فنياً، ويصطحبني معه إلى أماكن التصوير، ويدربني على العمل، ويعتمد عليَّ في إنجاز الكثير من المهمات، بل إنه يطلعني على أسرار عمله التي لا يطلع عليها أمي».
ويضيف: «الجميل في الأمر أن عائلة أبي محمد المصري تعاملني بشكل رائع، فأنادي إخوته بأعمامي وعماتي، وهم دائماً حريصون على الاطمئنان عليَّ. وأزورهم باستمرار والود بيننا متصل والحمد لله».
وعن علاقته بوالده يقول: «علاقتي بوالدي جيدة جداً، دائماً على تواصل، وكنت أسافر إليه لأمضي معه العطلات، إلا أنني امتنعت عن السفر إليه منذ ست سنوات كي لا أثير المشاكل بينه وبين زوجته، فهي لا تحبني وتتعمد إثارة المشاكل معي وبسببي. وأعتقد أن ذلك نابع من شعورها بالغيرة على أبي، خاصة أنها لم تنجب منه، رغم أنني لا أعاملها بحساسية، فأرى أنه من حق والدي الزواج مثلما تزوجت أمي، وكنت أتمنى أن توجد مساحة من التوافق بيني وبين زوجته كي أستمر في زيارته، لكن هذا لم يمنع التواصل بيني وبين أبي، فهو متكفل بمصاريفي ويتابعني دائماً بالاتصالات الهاتفية».
رغم حالة الرضا التي يعيشها عمر، يعترف بأن انفصال والديه كان نقطة تؤرق تفكيره، ويقول: «في فترة ما كنت أفكر دائماً لماذا انفصلا؟ ولماذا لا أعيش معهما رغم أنني أعيش الاستقرار الأسري مع أمي؟ لكني تداركت الأمر عندما كبرت، وأصبحت أنظر إلى الجانب المشرق في علاقتي بهما وبأبي المصري وإخوتي، ولم يعد الأمر يشكل لي أي عائق أو مصدر قلق».
حنان فرج: عشت مع جدتي لأتخلص من جحيم زوجات أبي
أما حنان فرج (27 عاماً، ربة منزل) فلم تر الاستقرار إلا حديثاً، وتقول: «انفصل والداي منذ كان عمري أربعة أعوام تقريباً، وتزوج كل منهما وأقمت مع أبي، أما أمي فانشغلت في حياتها الجديدة وتزوجت وأنجبت ونسيت أو تناست أن لها ابنة اسمها حنان. في المقابل كان حظ أبي سيئاً في الزواج، وتعددت زيجاته وتعددت معها متاعبي ومشاكلي مع زوجاته، فلم أستقر قط إلا مع أول زوجة له بعد أمي، والتاليات لها كن يعاملنني معاملة زوجة أب «سندريلا»، الى درجة أنني انتقلت لفترة للعيش مع جدتي لأبي كي أتخلص من جحيم إحدى زوجاته. وكانت علاقتي جيدة جداً بأعمامي وعماتي، الذين أحاطوني بكل الرعاية والحب، حتى قرر أبي ألا يتزوج مرة أخرى ليعيش معي، حينها قدرت تضحيته من أجلي وتحسنت علاقتنا كثيراً وأصبحت أكثر من رائعة».
وتحكي حنان عن علاقتها بأمها فتقول: «أول مرة حاولت أمي رؤيتي فيها كان عمري 13 عاماً، وكنت أرفض مقابلتها لأنها فضلت أولادها عليَّ ولم تسأل عني وأنا في أمس الحاجة إليها، فكانت توسط عماتي وجدتي ليقنعنني بالأمر، وعندما فشلت محاولاتها أتت إليَّ في المدرسة، وعندما أخبروني بأن أمي في انتظاري رفضت، ولم أتعاطف معها إلا عندما أصبحت في المرحلة الثانوية وبدأت أتعمق في الدين، ووافقت على رؤيتها من باب بر الوالدين، فتعمقت علاقتنا تدريجياً وأصبحت أكثر استقراراً نفسياً وتقبلاً لانفصال والديَّ».
وتعترف حنان بحسن علاقتها بإخوتها من والدها ووالدتها، وتقول: «علاقتي بإخوتي من أبي ممتازة وأحبهم جميعاً، رغم أنني لم أكن على توافق مع زوجاته، أما أختي من أمي فأحبها كثيراً لأن أبي لم ينجب إناثاً غيري».
وتؤكد أن الجميل في الأمر أن علاقة والديها تحسنت بسببها خاصة عند زواجها، وأنها لم تعد تخجل عندما تقول أنهما منفصلان بسبب التفاهم والاحترام المتبادل بينهما.