سعودي يُعنّف ابنته حتى الموت ومطالبات بحد القصاص من القاتل

قضية / قضايا الطفل / الأطفال, عنف أسري, مستشفى, طفل / أطفال, المجتمع السعودي, وفاة, عنف جسدي, عنف ضد الطفل, تويتر

26 نوفمبر 2012

حادثة جديدة هزت المجتمع السعودي ليلة الوقوف بعرفه راحت ضحيتها طفلة لم تتجاوز الخمس سنوات، على يد والدها المتهم بضربها وتعذيبها. أصيبت لمى بكسور وتورم في الجمجمة، ونزف في الدماغ، وكسور وكدمات وجروح في أنحاء جسدها، وآثار لحروق إطفاء السجائر. ونقل الوالد لمى إلى المستشفى بعد الضرب علّها تعود برفقته إلى المنزل، لكن المستشفى  أبلغت  السلطات بحالة الطفلة وتم القبض على الأب الذي اعترف بحسب ما جاء في التحقيقات الأولية بأنه وزوجته خططا لهذه الجريمة ونفّذاها. وتبيّن أن والد الطفلة لمى (ف.غ) مدمن سابق، وهو يحمل لقب داعية برر ضربه لابنته بحجة التأديب. وهناك من يقول إنه انتقم منها بسبب كرهه الشديد لزوجته السابقة (أم لمى) ولتصفية حسابات بينهما... وأياً كانت الأسباب، دفعت لمى الثمن من حياتها وروحها الطاهرة. «لها» وقفت على القصة لنتعرف على تفاصيل أكثر في التحقيق التالي.


«أنتظر شهادة الوفاة من المستشفى وتصريح بالدفن لأن إكرام الميت دفنه»

«أدعيلك يا أمي... أدعيلك يا أمي... أدعيلك يا أمي». بهذه العبارات ودعت لمى (5 سنوات) والدتها على الهاتف قبل يومين من وفاتها. لمى التي لم تستطع أن تشارك والدتها فرحة العيد، هي الضحية الجديدة وليست الأولى ولا الأخيرة في قائمة ضحايا عنف الآباء. وقد أمضت ثلاثة أشهر مع والدها وزوجته تعرضت خلالها لإصابات وحروق غيبتها عن الوعي، لتنازع روحها بين الحياة والموت في العناية المركزة بقسم الباطنية في مدينة الملك سعود الطبية. رحلت لمى بعذابها وآلام جسدها الصغير، وكأن العناية الإلهية انتشلتها من براثن الظلم والتعذيب لتجاور ربها في ليلة فضيلة مليئة بالرحمة.

تقول سيدة محمد (42 سنة)، والدة لمى، وهي الـمطلقة من زوجها، إنه أخذها في الفترة الأخيرة لمدة أسبوعين ولم يرُدّها حتى فوجئت باتصال من الادعاء العام والتحقيق في حوطة بني تميم التي تبعد 160 كيلومتراً جنوب الرياض، يطلب منها الحضور إلى مستشفى الشميسي. تحكي قصتها قائلة: «انفصلت عن زوجي (والد لمى) منذ ما يقارب الثلاث سنوات بعد حكم قضائي يفيد بحقي في الطلاق لعدم أهلية الأب وسوء تعامله معي. كان عمر ابنتي لمى في حينها ثلاث سنوات. وحرصت على تحسين صورة والدها أمامها، حتى أنها كانت تسأل عنه، وتمسك بصورته في المنزل، وأخبرها بأنه مسافر ليحضر لها الألعاب والهدايا. ربيت ابنتي وعوضتها حرمان الأب، وكنت لها الأم والأب، وكانت لي فرحة بيتي وعمري.  والدها كان رجلاً لا يعرف في الأصول، ولا في العادات والتقاليد، ولا يقيم حدود الله. كان دائم الضرب والاهانة لي، كما انه كان يهددني بالمسدس أو السكين، وكان قاسياً جداً معي، خاصة بعد أن يعود إلى المنزل وهو في حالة سُكر شديد. غير أنه كان حنوناً جداً مع طفلته لمى، فكان يخاف عليها ويحرص على أن لا يؤذيها شيء، حتى أنه كان يخشى عليها من أن تدمع عيناها».

طوال هذه الفترة لم يطلب والد لمى رؤيتها مع أن القضاء منحه حق رؤية ابنته وفق اتفاق في المحكمة ينص على تسلّم الطفلة بواسطة إمام مسجد المنطقة التي تعيش فيها الأم وتسليمها إلى الأب، ومن ثم إعادتها إلى منزل والدتها. بعد أن أتمت لمى الخامسة من عمرها، طلب الوالد رؤيتها فذهبت إليه وبقيت لديه أسبوعاً واحداً فقط، لتعود إلى والدتها وهي فرحة بما قدمه والدها لها من العاب وهدايا ومعاملة حسنة، وتلك كانت الزيارة الأولى للطفلة. في الزيارة الثانية تسلمها الوالد وأبقاها لديه ثلاثة أشهر. خلال هذه الفترة لم تستطع والدتها استعادتها، بل كانت تسمع صوتها على الهاتف ثوانيَ معدودة ليغلق الأب هاتفه من بعدها، ولا يعيد فتحه إلا وقتما يحلو له.

و قالت الأم إنها سألت زوجها السابق أكثر من مرة عن سبب تعامله السيئ مع ابنته ومعها، وكانت ردوده بالضحك والقهقهة فقط رغم أنه يظهر عبر شاشات التلفاز ليقدم المحاضرات الدعوية والنصائح التربوية. تضيف: «كانت تتصل بي زوجته وتهددني بأني لن أرى ابنتي إلا مشوهة ولن أقوى على علاجها، وكنت احتسب أمري عند الله، وأحاول الاتصال مراراً وتكراراً بوالدها لكن دون فائدة».

وأكدت أن الأب وزوجته كانا يخططان لهذه الجريمة البشعة ضد ابنتها، «فقد كان يحادثني بين الحين والآخر ليتهمني اتهامات باطلة بإيذاء ابنتي حتى انه اتهمني في شرفها، وشك في سلوكياتها، وعرفت لاحقاً أنه عرضها على الطبيب الشرعي وأن المستشفى أجرى لها فحص العذرية. إضافة إلى اتهامه لي بضربها وتعذيبها وهو يملك الأدلة وسيثبت ذلك أمام القضاء. وكان يصرخ في الهاتف ويقهقه ضاحكاً بأنني لن أعرف ابنتي عندما تعود إلى المنزل، وسأتكلف بعلاجها نفسياً، وأعطى الهاتف لابنتي وبدأت بشتمي والصراخ ووالدها يضحك بأسلوب هستيري بجانبها، وتم إغلاق الهاتف».

وتحدثت والدة لمى عن آخر أيامها مع ابنتها قبل الوفاة قائلة: «والله عندما رأيتها لم أعرفها، وهي  الغارقة بأوجاعها وآلامها، فـكل جزءِ من جسدها كان عبارة عن قطعة سوداء متفحمة وجسم مليء بالمياه وكأنها امرأة عجوز لا تقوى على الحراك».

وأفاد التقرير الطبي بأن الطفلة تعرضت للضرب بالسوط والسلك الكهربائي، بالإضافة إلى الكيّ والحرق، وأشار إلى إصابة الطفلة بالسكتة الدماغية والكسور في أطرافها وتعرضها للضرب المبرح مما أتلف كل جسدها. وذكرت والدتها أن رئيسة الممرضات قالت إن الطفلة عندما وصلت إلى المستشفى أبكت كل من رآها، وأكدت أن والد الطفلة اعترف بضربها وقتلها.

وطالبت والدة لمى بإنزال أقصى عقوبة بالأب وزوجته «إن كان لها دور في الجريمة، كما أطالب بنزع الولاية من الأب وزوجته عن أبنائهما، لأن من يرتكب هذه الجريمة بحق طفلة صغيرة لا يؤتمن حتى على أطفاله».

وأكدت أنها لن تسامح الأب في حق ابنتها، وان ما أصابه ما هو إلا «انتقام وبلاء من ربه، وكأنه أراد تصفية حسابه معي فعاقبه بابنته. أراد هو وزوجته تعذيبي ففقدت ابنتي من هذا التعذيب، لكنني مطمئنة اليوم أنها بين يدي خالقها الرحمن الرحيم. ولا أنتظر اليوم سوى شهادة الوفاة من المستشفى وتصريح بالدفن لأن إكرام الميت دفنه، وابنتي ما زالت في ثلاجة المستشفى».


المبارك: لمى لم تستيقظ من الغيبوبة منذ دخولها المستشفى

وأوضحت منسقة لجنة الحماية من العنف الأسري في مدينة الملك سعود الطبية، الاختصاصية الاجتماعية منيرة المبارك أن لمى توفيت يوم الأربعاء 24  تشرين الأول/أكتوبر، بعد يوم من خروجها من العناية الفائقة. وقالت: «لم تستيقظ من الغيبوبة منذ دخولها المستشفى، حتى أن الأطباء طلبوا إخراجها من العناية الفائقة لترافقها والدتها، لعل ذلك يُحسّن حالتها النفسية، وتم إخراجها من العناية واتصلنا بوالدتها فحضرت إلى المستشفى في الرياض. كما طلبت الأم من الأطباء نقل ابنتها إلى مستشفى في مدينة الدمام لتكون قريبة منها، وما أن استعددنا لنقلها إلى مستشفى في الدمام حتى فوجئنا باتصال من الطبيب الشرعي ليخبرنا بوفاتها».


حملة «ادعموا أطفال النزاع الأسري»

من جانبها، أوضحت مشرفة وحدة الحماية الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية الدكتورة موضي الزهراني أن حملة بدأت منذ ثمانية أشهر وأنشأت صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم «ادعموا أطفال النزاع الأسري»، تهدف إلى عدم حرمان أي أم مطلقة من أطفالها. وقالت: «أريد تسليط الضوء على أن المحاكم تلعب الدور الأكبر في تحريك القضايا الأسرية. ونحن نطالب بإنشاء محاكم أسرية على وجه السرعة، لأن أكثر المتضررين في هذه القضايا هم الأطفال والنساء، وأطفال المطلقات بشكل خاص. فتم إنشاء هذه الحملة الالكترونية التي تُعنى بحفظ حقوق أطفال الأزواج المطلقين وترمي أيضاً إلى توعية القضاة والشرطة بضرورة التعاون مع أي قضية أو شكوى ترفعها أو تتقدم بها الأمهات للمطالبة بحضانة أبنائهن».

تعمل وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع وزارة العدل والجهات الحقوقية، وتم طرح الحملة كفكرة والحديث عنها في الأوساط الإعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعية المختلفة، «وبدأنا نلمس ردود الفعل الايجابية من مختلف فئات المجتمع. فضّلت أن تكون انطلاقة الحملة من خلال جمعية مودة بحكم أنها جمعية لها اهتمام بالمطلقات، ولديها برامج ومشاريع مهمة».

وأكدت الزهراني عبر موقع الحملة أن «جمعية مودة» وافقت على تبني الحملة ومساندتها بعد عرض الفكرة على رئيسة جمعية مودة لمواجهة الطلاق والحد من آثاره الأميرة سارة بنت مساعد بن عبد العزيز. 

وأشارت الزهراني إلى أنها كناشطة اجتماعية ستعمل من خلال فريق الحملة على حضّ الرأي العام ووسائل الإعلام على مساندة أهداف الحملة، ووجوب تكريس الاقتناع بأن لكل أم مطلقة الحق الشرعي في أطفالها، واقتطاع نفقة شهرية من راتب الأب لهؤلاء الأطفال. «كما أننا نسلط الضوء في الحملة على سلبية بعض الأمهات المطلقات التي تساهم بطريقة غير مباشرة في تعرض أطفالهن للعنف ووقوعهم تحت سُلطة زوجة الأب، بسبب جهل المطلقة أو تخليها عنهم لعدم قدرتها على رعايتهم مالياً، أو إبقائهم كوسيلة ضغط مادية على الأب ليلتزم بالنفقة عليهم».

وحول وجود آلية ثابتة للعمل في المحاكم السعودية دعت الزهراني إلى استحداث آلية للتعامل والتواصل مع لجان الحماية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والبالغ عددها 17 لجنة على مستوى السعودية، «نعمد من خلالها (أي الآلية) إلى تحويل القضايا الأسرية إلى هذه اللجان لدرسها وبتّها، خاصة في قضايا أطفال النزاع الأسري».


لمى تُلهب مشاعر السعوديين على «تويتر»

مازال الحديث  على وسم (hash-tag) # لمى المعنفة أو #طفلة الرياض على موقع «تويتر» مستمراً.

وتداول المغردون على «تويتر» صورة للطفلة وهي ترقد في العناية المركزة وتبدو آثار الضرب والتعذيب على جسدها الصغير الذي رحل معها دون ذنبٍ يُذكر. وراح البعض منهم يُلقي اللوم على مجلس الشورى الذي ما زال يؤخر صدور نظام حماية الطفل من الإيذاء، وعلى القوانين التي لم تستطع حماية الطفلة لمى وغيرها من الأطفال الذين يتعرضون للعنف دون أن يجدون من ينصفهم أو يقف بجانبهم. واستغرب البعض شك الوالد بسلوك طفلته ذات الخمس سنوات، وعرضها على الطبيب الشرعي للتأكد من عذريتها، فيما انشغل الكثيرون على «تويتر» في جدل متواصل حول  كون الأب مدمن مخدرات تائباً، وهو أيضاً داعية يقدم برامج دينية وتوعوية وتربوية على الفضائيات.

ومن جانبها تساءلت الكاتبة بدرية البشر في # لمى المعنفة: «ما هو النص القرآني الذي يؤيد أن الوالد لا يقتل في ابنه، خاصة إن كان قتلاً عمداً متوحشاً مثل حادثة الطفلة لمى؟».

وذكر الإعلامي يحيى الأمير في تغريدته انه «بغض النظر عن كون والدها داعية أو معلماً أو طبيباً المهم أن هناك جريمة تؤكد الحاجة إلى أنظمة وقوانين لقضايا العنف الأسري».