'ضرب واعتداء وتحرش وقتل'...
قتل, طبيب نفسي, حقوق الإنسان, الاعتداءات اليومية, بلاغ, المدرسة, الضرب, الحضانة, عنف مدرسي, التحرش الجنسي
14 يناير 2013«لن أذهب إلى الحضانة مرة أخرى، أكره المعلمة لأنها تضربني وترفض دخولي الحمام»، بتلك الكلمات عبرت ملك محمد (4 سنوات) عن مقاطعتها للحضانة، وتحكي تفاصيل قصتها أختها هدير (22 عاماً) قائلةً: «لم تستمر ملك في الحضانة أكثر من شهرين، وكانت تعود إلى المنزل يومياً باكية بسبب تعنيف المدرسة لها على شقاوتها، إلا أنها آخر مرة عادت إلى المنزل متورمة العينين من شدة البكاء، وأخذت تصرخ فينا: «لن أذهب إلى الحضانة مرة أخرى!»، وعندما سألناها عن السبب أكدت أن المدرسة ترفض دائماً ذهابها إلى الحمام، وتتحجج لها بأن أحد زملائها فيه. إلا أن ملك قالت لها إن الولد خرج، لكن المدرسة نفت ذلك فاتهمتها ملك بالكذب، فما كان من المدرسة إلا أن أخذت تصرخ في وجهها وتوبخها وتضربها، كما قرصتها بشدة وتسببت بتورم جلدها، الى درجة أننا نحاول معالجة العقدة التي أصيبت بها بسبب تلك المدرسة».
ترجع هدير محمد تفاقم العنف في المدارس والحضانات إلى أن المعلمين أنفسهم غير متفهمين لنفسيات الأطفال وأساليب التعليم الحديثة المعتمدة على الموسيقى واللعب، وتضيف: «المشكلة نفسها تكررت مع أربعة أطفال في عائلتنا، للأسباب نفسها، والأكثر من ذلك أن إحدى صديقاتي اكتشفت أن مُدرسة الحضانة تضرب طفلها ذا العامين ونصف العام على وجهه، لذا أرى أن الحل يكمن في إعادة تأهيل المدرسين في كل المراحل التعليمية، بدايةً من الحضانة مروراً بالابتدائي والإعدادي نهايةً بالثانوي».
قسوة
من مرحلة ما قبل المدرسة إلى المرحلة الابتدائية، تتفاقم حالات العنف ضد الأطفال... إسراء السيد تلميذة في الصف الخامس الابتدائي، تعرضت للضرب على يد معلمها فكسر ذراعها وتأثر المفصل كما أصيبت بشرخ في رسغها. وتقول أختها شرين السيد، وهي تلميذة في الصف الأول الثانوي: «منذ ذلك الوقت ترفض إسراء تماماً الذهاب إلى المدرسة، خاصة أن مبرر المعلم في عنفه كان نسيانها كتاب اللغة العربية، دون أدنى مراعاة منه لطفولتها أو آدميتها. والأمر الذي زادها كراهية للمدرسة وأدى إلى انقطاعها عنها فترة هو تعنت إحدى المدرسات معها، وتوجيهها إلى ارتداء الحجاب ونهرها عن ارتداء تنورتها».
تتطرق شرين إلى العنف المدرسي قائلة: «ما لا يدركه المعلمون أن عنفهم ينعكس على شخصياتنا، فنتحول إلى كاذبين وجبناء، فنلجأ إلى الكذب واختراع الحكايات هرباً من العقاب، خاصة أن البنات في المرحلة الثانوية يشعرن بأن العقاب إهانة، نظراً لتوبيخ المدرسين لهن بأساليب غير لائقة أحياناً، وبالتالي أضاف ذلك إلينا خصلة الجبن في الشكوى أو المطالبة بالحق».
وتضيف: «إلى جانب ذلك فإن المعلمين يفتقدون تماماً أسلوب الإقناع، فلديَّ مدرسة كانت سبب نقلي من المدرسة، لأنها كانت تعنّفني دائماً وتطالبني بالحجاب، ولا أدري هل لذلك إسقاط سياسي بعد حكم الإسلاميين عقب الثورة أم عن طريق الصدفة. وعندما كنت أتناقش معها بأن الدين جوهر قبل أن يكون مظهراً، وأنني لست مقتنعة بالحجاب قبل الحفاظ على الصلاة وضبط أخلاقي كمسلمة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، كانت تعترض وتنهرني وتعنّفني لفظياً، وتطردني من الحصة وتخيرني إما أن أطيعها أو أرضى بذلك التعنيف».
تحرش في المدرسة
تؤكد نورهان السيد، وهي طالبة في الصف الثاني الثانوي، أن كل ألوان العنف شهدتها في مدرستها، وتقول: «قرأت على الإنترنت أن التحرش درجات، وأنه قد يبدأ بالتحرش اللفظي وبالنظرات الفاحصة وباللمس، فاعترضت بشدة عندما حاول أحد المدرسين ضربي بيده وأمسك ذراعي كنوع من العقاب، وأكدت له أن فعله يعد تحرشاً يعاقب عليه القانون، فكانت النتيجة أنه اضطهدني داخل الفصل، وأصبح يتربص بي في الاختبارات الشفوية، حتى ولو كانت إجابتي صحيحة، فطلبت الانتقال إلى فصل آخر».
لم ينته العنف الذي تعرضت له نورهان بانتقالها إلى فصل آخر، فبعد إدانة المؤسسات الحقوقية للمُدرسة التي عاقبت طفلة بقص شعرها في جنوب مصر لعدم ارتدائها الحجاب، انتشرت الآفة في بعض المدارس. وتحكي الطالبة: «ذات يوم دخل مدير المدرسة المعروف بانتماءاته السياسية المتأسلمة إلى الفصل ووجدني وبنتاً مسيحية غير محجبتين، فاعتقد أنني أيضاً لست مسلمة، وظل يلقي علينا خطبة مفادها أن السيدة مريم عليها السلام أول من تحجبت في النساء، وأنها لم تكشف شعرها قط، فكانت النتيجة في اليوم التالي أن تسعاً من المحجبات خلعن حجابهن، وزاد هو عناده وأصبح أكثر توبيخاً واضطهاداً لنا».
عدم تأهيل
رغم حرص سها إبراهيم على أن تدخل بناتها مدارس من مستوى رفيع، فهي تشكو من عدم تأهيل المدرسين للتعامل مع الأطفال في جميع المراحل التعليمية، وتحكي قصة ابنتيها مع العنف المدرسي قائلة: «ابنتي الكبرى منة كانت ممتازة، ودائماً هي الأولى على الفصل وتحمل شهادات تقدير من المرتبة الأولى. وفي إحدى السنوات كانت مدرسة الفصل سبباً مباشراً لعنف وقع على منة، ولكن من جانب زميلاتها، إذ أنها كانت تميزها في شتى النشاطات وتمنحها الأولوية والريادة لتفوقها، مما أدى إلى اشتعال الغيرة في قلوب زميلاتها فأصبحن يعتدين عليها بالضرب والتعنيف اللفظي، ووصل بهن الأمر إلى تجنبها تماماً مما أصابها بحالة نفسية سيئة».
وتضيف: «أما نوران ابنتي الصغرى، فمشكلتها أنها شخصية خجولة وهادئة لا تتحدث كثيراً، ومنذ دخولها المدرسة كانت شكوى المدرسين أنها لا تتجاوب مع زملائها، رغم أن مستواها الدراسي على ما يرام. في الصف الثالث الابتدائي فوجئتُ بها عائدة من المدرسة منهارة من البكاء بسبب ضرب المعلمة لها، وعندما ذهبت إلى المدرسة ادعت المعلمة أن نوران لا تحفظ جدول الضرب ولا تكتب واجباتها المنزلية، فطلبت منهم استدعاءها وحلت كل الأسئلة المطلوبة منها أمام مدير المدرسة، وقدمنا أنا وزوجي شكوى رسمية ضد تلك المعلمة، لأنها لا تجيد فنون التواصل مع الأطفال وتعنفهم بأسلوب غير تربوي إطلاقاً».
أفلام ومسلسلات
تعيد الدكتورة عزة كريم، أستاذة علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، العنف الممارس على الطلبة إلى تدني أحوال المعلم المصري على كل المستويات، سواء التأهيل التربوي أو الثقافة أو تدني الأجور وعدم تمكنه من تنمية مهارات التواصل مع الأطفال.
كما تلاحظ أن العنف في المدارس يأخذ منحى آخر، ألا وهو عنف الطالب تجاه المعلم وتجاه زملائه، مؤكدة أن العنف غير المبرر في وسائل الإعلام والدراما سبب تفشي الظاهرة لدى الأطفال، بعدما انتشرت أخيراً أفلام ومسلسلات تركز على العنف.
وترى كريم أن القضاء على ظاهرة العنف في المدارس يتطلب من وزارة التربية والتعليم إعادة تأهيل المعلمين، وإعادة النظر في المناهج التعليمية، لتعطي فرصة للطلبة لممارسة النشاطات المختلفة التي تقلل من عدوانيتهم.
أزمة معلم
يختزل الدكتور أحمد عبد الله، أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق، سبب العنف في المدارس في عدم تأهيل المعلم، مؤكداً أن إحصاءات جديدة ذكرت أن أكثر من 60 في المئة من المعلمين في المدارس ليسوا خريجي كليات التربية، وبالتالي غير مؤهلين للتعامل مع طلبة، وبالتالي ظهرت أنواع مختلفة للعنف وأسباب مختلفة.
ويضيف: «المدرّس بشر، إذا كان غير مؤهل للتعامل مع فئة معينة يخطئ وقد يرتكب كوارث، فمن حرم الطالب من دخول الحمام وتسبب له في أزمة صحية أدت إلى موته لم يكن يقصد ذلك عن عمد، لكنه يجهل التعامل مع الأطفال وأضرار أي تصرف غير محسوب، مثله كحادث المعلمة التي قصت شعر الفتاة في المرحلة الابتدائية لتجبرها على الحجاب، ومثل من يشكين من إلزام بعض المدرسين بفرض الحجاب عليهن، وذلك لأن كل معلم يطبق اقتناعاته وثقافته الخاصة، وإذا وجد من يعارضه يتفنن في أشكال العنف. هذا فضلاً عن أن بعض المعلمين امتهنوا التدريس لأسباب مختلفة بعيدة تماماً عن رسالة المهنة أو تربية نشء صالح».
ويكمل: «استعنت بسكرتيرة في إحدى المدارس في بحث كنت أجريه عن التعليم، وطلبت منها أن تسأل زملاءها المدرسين بطريقة ودية عن سبب اختيارهم تلك المهنة، فانقسمت نتيجة الاستبيان: هناك من لم يجد وظيفة أخرى، وهناك معلمات اخترن تلك المهنة لأنها الأنسب من حيث الوقت، فمنهن من ترى أنها المتحكمة في وقتها وترتيب مواعيد الدروس والمدرسة مع مواعيد المنزل والأسرة، ومنهن من قررت العمل في مدرسة أولادها حتى تحصل على حسم في المصروفات الدراسية... وهذا يكشف أن التعليم في مصر كارثة قومية على كل المستويات، ولا يمكن إصلاحه إلا بتكاتف المجتمع، فمصر الدولة الوحيدة التي تصل كثافة الفصل فيها إلى 60 طالباً في مدارس غير آدمية بالمرة، وكثير من المدارس الخاصة لا تحتوي على فناء واسع يضمن للطفل ممارسة أنشطة مختلفة تتوافق مع طبيعة المرحلة وتفرغ طاقته، فضلاً عن أن مقررات التربية في الكليات خاطئة، وتفتقد أساليب التعليم الحديثة، وبالتالي يقع المدرس في فجوة مع التلميذ، وغالباً ما يلجأ إلى العنف لحلها وقهر الطفل».
ويتابع: «قرأت ملفاً في مجلة «إيكونوميست» البريطانية الشهيرة عن مصر، عدد صفحاته 17 خصصت منها ثلاث لرصد حال التعليم، وقالت إن التعليم في مصر في سنة 2010 يساوي التعليم في كوريا الجنوبية سنة 1960، وفي تركيا عام 1980، وفي أوربا في القرن الـ 19، كما رصدت المجلة اختفاء الأنشطة الترفيهية من المدارس وأحياناً دورات المياه، لذا أرى حل أزمة العنف في المدارس مرتبطاً بحل أزمة التعليم من جذورها، عن طريق المجتمع ككل، من أطباء نفسيين ومعلمين ومؤسسات مجتمع مدني، وإلا سيظل ملف العنف في المدارس مفتوحاً».
بلاغات
تفاقُم حالات العنف خلال عام 2012 تحول إلى ظاهرة، بدليل كثرة البلاغات التي يتلقاها خط نجدة الطفل في المجلس القومى للطفولة والأمومة. وبعد حادث وفاة التلميذ أحمد سلطان عبد الله، اتخذ المجلس الاجراءات اللازمة في مثل تلك البلاغات، وعلى سبيل المثال تمت الاستعانة باختصاصيي الجمعيات الأهلية في محافظة أسيوط، لإجراء بحث حالة مع أسرة الطفل وإدارة المدرسة، وجمع البيانات الكافية تمهيداً لمخاطبة النائب العام لإجراء التحقيقات اللازمة، ومتابعتها عبر محامي خط نجدة الطفل.
وأكد المجلس أن هذا الحادث يتنافى مع النصوص الواردة فى قانون الطفل المصرى رقم 126 لسنة 2008، حيث تنص المادة 7 مكرر (أ) بأن يحظر تعريض الطفل عمداً لأى إيذاء بدني أو ممارسة ضارة أو غير مشروعة، كما أشارت المادة 53 بالباب الرابع الخاص بتعليم الطفل إلى ضرورة احترام الحقوق والحريات العامة للإنسان.
وينبه المجلس القومي للطفولة إلى تفاقم مشكلة العنف المدرسي، مطالباً بضرورة اتخاذ الإجراءات لمنع الضرب في المدارس، حيث كشف خط نجدة الطفل المجاني أن نسبة البلاغات عن العنف المدرسي كانت في المرحلة الابتدائية 67 في المئة من إجمالي بلاغات العنف المدرسي الواردة على الخط، وهي 5331 في الفترة من 2005 إلى 2011، وتأتي المرحلة الإعدادية في المرتبة الثانية بنسبة 24 في المئة، ثم التعليم الثانوي بنسبة سبعة في المئة، وأخيراً في رياض الأطفال بنسبة 3 في المئة من إجمالي البلاغات. وجدير بالذكر أن الخط يتلقى 13222 بلاغاً سنوياً، خاصة بالعنف ضد الأطفال.
تقرير خطير
أصدر المركز المصري لحقوق الإنسان تقريراً خطيراً حول حالة المؤسسة التعليمية في الشهر الثاني من العام الدراسي لعامي 2012- 2013، وتناول التقرير حالة حقوق الإنسان في المدارس، بحيث رسم خريطة أوضحت أن العنف طغى على العملية التعليمية.
وذكر تقرير المركز أنه كان هناك 65 حالة قتل، و5 حالات تحرش ضد الطالبات داخل وخارج المدارس، وسبع حالات تمييز ديني ضد طلاب، وحالتا اعتداء جنسي ضد طلاب، و5 حالات هجوم من بلطجية على المدارس.
وتنوعت حالات العنف ضد التلاميذ من تكسير الأصابع، والضرب المبرح بخرطوم المياه، وكابل الكهرباء، وإصابة العين، وتكسير الحوض، وقطع الرباط الصليبي، وقص الشعر، وارتجاج في المخ، وتكسير الساق، والتعذيب، والاحتجاز في دورات المياه.
كما رصد التقرير عدداً من حالات الاعتداء من الطلاب بعضهم على بعض وعلى أنفسهم وعلى معلميهم، فوصلت إلى ثماني حالات، تنوعت بين التمزيق بالمطاوي والذبح والاعتداء، ومحاولة الخطف والشنق والصفع على الوجه والضرب.
في النهاية، شدد تقرير المركز المصري لحقوق الإنسان، على ضرورة تضافر جهود كل مؤسسات المجتمع المدني والدولة لوقف العنف في المدارس، وتطبيق القانون على الجميع والمساواة بين الجميع، واستخدام القانون وليس القوة والعنف للحصول على الحقوق، وتوعية التلاميذ، وإذكاء عاطفة حب الوطن، وغرس ألوان من السلوكيات والعادات الحميدة والقيم الأصيلة، وتأصيل عادة حب القراءة والبحث والاطلاع، واكتشاف المواهب والقدرات الكامنة وتشجيعها والعمل على تنميتها.
كما أشار إلى أهمية تعاون الأسرة والمدرسة والإعلام، لمواجهة ظاهرة العنف وتخفيف حدة السلبيات التي رُصدت.
باتت مدارس مصر تفوح منها رائحة الموت وتعج بأساليب العنف ضد الأطفال الذي تتنوع وسائله بين المادي والمعنوي والتحرش الجنسي، بل وتصل إلى القتل أحياناً، فكانت آخر الحوادث المثارة وفاة التلميذ أحمد سلطان عبد الله (10 سنوات) في محافظة أسيوط، بعدما منعه المدرس من دخول دورة المياه لمدة ثلاث ساعات متواصلة، مما أصابه بالإعياء الشديد، كما عاقبه بالضرب لاندفاعه إلى دورة المياه دون استئذان.
«لها» ترصد حالات العنف المدرسي المختلفة ضد الأطفال، وتبحث عن أسبابها وسبل التصدي لها.