حصاد ربيعها إقصاء وتحرّش واغتصاب
المرأة المصرية / نساء مصريات, عنف جنسي, إغتصاب, الثورة المصرية, التحرش الجنسي
04 مارس 2013عنف
ترجع مارغريت عازر، النائبة السابقة في مجلس الشعب المنحل، تراجع دور المرأة المصرية إلى أسباب عدة أولها التشريع، لأن كل التشريعات الصادرة أخيراً تعمل على التمييز ضد المرأة بشكل واضح، ولا يمكن في ظلها تمكين المرأة سياسياً واقتصادياً ولا حتى اجتماعياً.
وتضيف: «أيضاً القوى السياسية الموجودة في المشهد السياسي حالياً لا تملك إدارة سياسية حقيقية لتقديم كوادر نسائية وإعطائهنّ الفرصة الحقيقية للعمل، فضلاً عن أن الأحزاب لا تهتم ببناء الكوادر النسائية على عكس دول عربية أخرى».
تلعب المعايير الاجتماعية الشرقية القامعة للمرأة، وتأويل تيارات الإسلام السياسي للدين حسب أهوائهم، دوراً كبيراً في تراجع المرأة المصرية، حسبما ترى عازر: «للأسف الفهم الخاطئ للدين، واستغلال تيارات الإسلام السياسي لارتفاع نسبة الجهل والأمية في المجتمع المصري، رسّخا دونية دور المرأة في الفترة الأخيرة، وأنتجا دستوراً خالياً من المساواة التي أقرها الله في جميع كتبه السماوية، وذلك بعدما استغل المتأسلمون عاطفة البسطاء الدينية».
في نهاية حديثها استنكرت عازر العنف الممنهج ضد المرأة المصرية، والمتمثل في التحرش الجماعي في ميادين الثورة، فضلاً عن خطف الناشطات واعتقالهنّ، مؤكدة أن ذلك العنف هدفه إقصاء المرأة من المشهد السياسي.
شاركت في الثورة بقوة فتراجعت مكتسبات عشرات السنوات، وتحولت إلى نكسات حصدتها المرأة المصرية، بداية من إقصائها من أول تشكيل وزاري بعد الثورة ، مروراً بكشوف العذرية التي هتكت أعراض عشرات النساء، نهاية بحوادث الاغتصاب الجماعي في الميادين. ورغم ذلك العنف الممنهج ضدها تقف المرأة المصرية الأبيّة في يوم المرأة العالمي لتؤكد أنها ثابتة على حقها في المشاركة السياسية والاجتماعية، ولن تقبل بأقل من الحرية والعدالة الاجتماعية. « لها» ترصد مؤشرات تراجع أحوال المرأة المصرية ومحاولاتها المستميتة أيضاً للدفاع عن حقوقها.
ترى السفيرة مرفت التلاوي، رئيسة المجلس القومي لحقوق المرأة، أن المصريات يواجهن هجمات شرسة من التيارات التي «ظهرت بعد الثورة وطالبت بعودة المرأة إلى المنزل والاكتفاء بدورها الأسري والاستغناء عن أحلامها وطموحاتها في المشاركة في بناء هذا الوطن، كما لو أن الثورة قامت ضد المرأة، وليس ضد الفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادى الذي شهدته البلاد خلال النظام السابق».
وتضيف: «وضع المرأة الحالي غير مطمئن بل مقلق للغاية، فهي تمر الآن بمنعطف خطير في تاريخها، لا تعرف إلى أين سيصل بها. ونحن الآن كمجلس ومنظمات المجتمع المدني، نحاول بكل طاقتنا في الوقت الحالي الحفاظ على ما حصلت عليه المرأة حتى هذه اللحظة، وحمايته من الضياع، فالتحديات التي تقف أمامنا في الوقت الحالي كبيرة ، لذلك لابد أن تتضامن وتتكاتف جميع الجهات المعنية بشئون المرأة ونقف ضد كل ما يحدث، وأن نتعاون حتى نعبر هذه المرحلة الحرجة بسلام، وأنا مؤمنة بأنه إذا تمكنَّا من عبور هذه الأزمة، التي يمر بها المجتمع ككل، فإننا سنتمكن من الحصول على بقية حقوقنا دون أي انتقاص».
إقصاء سياسي
في مجال المشاركة السياسية، تؤكد التلاوي وجود تراجع ملحوظ في دور المرأة في المجتمع وتقلدها للمناصب القيادية، وهو أمر واضح في الحكومتين الحالية والسابقة، ذلك أن عدد الوزيرات قليل ولا يتناسب مع حجم وجود المرأة في المجتمع وعملها، ولا يتناسب مع إمكاناتها وقدراتها، فضلاً عن نقل المحافظين لعدد من النساء من المناصب القيادية التي يحتللنها في المحافظة، مشيرة إلى أن عدم مشاركة المرأة في صناعة القرار بشكل مؤثر لا يرجع إلى عدم وجود قيادات نسائية قادرة على المشاركة بصورة فاعلة، بل إلى حالة التهميش التي تشهدها المرأة المصرية منذ قيام ثورة «25 يناير»، ومحاولة إبعادها عن أي مشاركة في صنع القرار.
وتضيف: «بعد تشكيل الحكومة الحالية، أعلن المجلس القومى للمرأة عن عدم رضاه عن التشكيلة الوزارية أو الجمعية التأسيسية للدستور حتى يتم زيادة عدد النساء في الحكومة بما يتناسب ودورها وقدرها في المجتمع، فالوضع بالفعل خطير ولا نعرف إلى أين سنصل، لكننا ما زلنا نأمل في تغيير الأوضاع في الفترة المقبلة».
وامتد الإقصاء السياسي للمرأة إلى التمثيل في البرلمان أيضاً، فلم تتعد نسبة تمثيل النساء في مجلس الشعب السابق أكثر من 2 في المئة، وتقول التلاوي: «للأسف الشديد مصر أصبحت في ذيل قائمة الدول العربية في ما يتعلق بتمثيل المرأة في البرلمان، فوصلت نسبة تمثيل المرأة في مجلس الشعب إلى 2 في المئة، وأصبحت الرقم 134 من 188 في ما يتعلق بالتمثيل البرلماني للمرأة، علماً بأن هناك 23 مليون سيدة لديهن حق الانتخاب، ويمثلن 49 في المئة من عدد السكان. وهذه النسبة قد ترجع إلى العادات والتقاليد السائدة في المجتمع، والتي تنظر إلى المرأة نظرة دونية، فيستغل صوتها لمساندة الرجال، خاصة في الصعيد والمحافظات الحدودية، فهي تؤيد رئيس القبيلة. كما ينظر إلى المرأة في المدن على أنها لا تستطيع أن تمثل مجتمعها».
وتؤكد أن «النظام السياسي السابق استغل الكوتا لصالحه، مما أفشل نظام الكوتا في مصر رغم نجاحه في دول أخرى. وأريد أن أؤكد أن المجلس أرسل مقترحاً إلى مجلس الشورى بتعديل النص الخاص بالنظام الانتخابي، طالب فيه بأن يكون ترتيب المرأة في الثلث الأول من القائمة الانتخابية التي تزيد على أربعة مقاعد، لكن خرج القانون دون هذا المطلب بإلزام وضع المرأة في المقدم».
اغتصاب
من جهة أخرى، وصلت معدلات العنف الجنسي ضد المصريات إلى ذروتها منذ نهاية 2011 حتى بداية 2013، ففي كانون الأول (ديسمبر) 2011، تحديداً في أحداث مجلس الوزراء، قبض عدد من الجنود على فتاة متظاهرة وضربوها وسحلوها مما أسفر عن تعريتها، الأمر الذي أثار غضب النساء، فخرجن في مليونية «الحرائر» للدفاع عن بنات الوطن واعتراضاً على هتك أعراضهنَ. والحال لم يكن أفضل عام 2012، فشهدت الذكرى الأولى لثورة «25 يناير» أربع حالات تحرش في ميدان التحرير، وفي المكان نفسه شهد آذار (مارس) التحرش بالصحافية الأفريقية الجنوبية لارا لوغان مراسلة قناة bbc الإخبارية، على أيدي حوالي 200 شخص لأكثر من ساعة. وفي آب (أغسطس) حررت أقسام الشرطة بمديرية أمن القاهرة 134 محضر تحرش جنسي بسيدات خلال أيام عيد الفطر، وضبط رجال الأمن في الجيزة 122 حالة تحرش. كما تعرضت الفنانة بسمة للتحرش أثناء مشاركتها في الوقفة الاحتجاجية المنددة بحبس الصحافيين في قضايا النشر. وفي أيلول (سبتمبر) كانت 34 حالة تحرش ببنات السويس حصيلة بدء العام الدراسي الجديد، وجاءت حصيلة عيد الأضحى 172 حالة بينها سبع حالات هتك عرض، وتم تحرير 165 محضرا لمتهمين بتهمة التعرض لأنثى بالقول في عدد من المحافظات، بينها القاهرة 87 حالة والإسكندرية ثلاث حالات والفيوم 31 حالة والجيزة 23 حالة والسويس 19 حالة والأقصر خمس حالات.
مع الذكرى الثانية لثورة «25 يناير» شهدت المرأة المصرية عنفاً ممنهجاً في مختلف ميادين الثورة، فتعرضت العشرات لأعمال تحرش واغتصاب جماعي في ميدان التحرير وأمام قصر الاتحادية الرئاسي. ورغم ذلك تنفي السفيرة مرفت التلاوي أن يكون أحد الثوار ارتكب تلك السلوكيات المشينة، بدليل أن مليونيات ثورة «25 يناير 2011» لم تشهد حادث تحرش واحداً، مشيرة إلى قيام جهات غير معلومة بالتحريض على ارتكاب تلك الأفعال النكراء بصورة منظمة، لإبعاد السيدات وإقصائهنّ عن المشاركة في الحياة العامة، وحرمانهنّ حقهنّ في التظاهر السلمي.
إلغاء القوانين
بادعاء مخالفة الشريعة، تقدم محمد العمدة نائب، مجلس الشعب المنحل عن حزب الوفد، بطلب إلى مجلس الشعب لإلغاء قانون الخلع، بالإضافة إلى تعديل قوانين الأحوال الشخصية وتعديل سن الحضانة، الذي طالبت به بعض الحركات التي ظهرت بعد الثورة، مثل «مصر أولاً» و«ثورة رجال مصر». لذا أصبحت مكتسبات المصريات القانونية صداعاً في رأس المرأة، خاصة أن بعض تيارات الإسلام السياسي أيدت إلغاء قوانين الأحوال الشخصية بحجة أنها مجحفة للرجل، وأنها من إنتاج سوزان مبارك زوجة الرئيس المخلوع، الأمر الذي تراه السفيرة مرفت التلاوي ردة قانونية يعمل المجلس القومي للمرأة على محاربتها، وتقول: «لن نتباطأ في القيام بدورنا كمجلس، وسنقدم اقتراحات لمراجعة قانون الأحوال الشخصية بما يراعي تعاليم الشريعة الإسلامية. وأؤكد أن كل القوانين التي صدرت عُرضت على مجلس الشعب ومجلس الدولة والأزهر، وأنا على ثقة أن الحوار والمعلومات ستجعل الجميع يدركون أن ما حصلت عليه المرأة المصرية ضئيل جداً إذا ما قورن بحقوقها في الدستور والشرع، وإذا ما قورن بدول إسلامية أخرى، فهي مكاسب وطنية يجب الحفاظ عليها».
مذبحة دستورية
بعد مطالبات البعض بتعديل قوانين الأسرة والأحوال الشخصية بدعوى أنها من بقايا النظام السابق، وأنها تنتصر للمرأة على حساب الرجل، دخلت المرأة المصرية في معركة لتحضر بنسبة 50 في المئة في اللجنة التأسيسية للدستور، إلا أنها أقصيت كالعادة في اللجنتين الأولى والثانية، وانطبق على النساء ما انطبق على الشعب، فلم يمثل أعضاء اللجنة أطياف الشعب كافةً. وكانت ممثلة النساء النائبة الإخوانية لمجلس الشعب عزة الجرف الشهيرة بـ»أم أيمن»، والتي رفضت تمرير قانون التحرش الجنسي في البرلمان السابق، فأطلقت النساء على الدستور الظالم لهنّ الجديد «دستور أم أيمن» كنوع من التهكم.
بناءً عليه تعتبر الدكتورة جورجيت قليني، عضو مجلس الشعب عام 2010، الدستور الجديد مذبحة لحقوق المرأة المصرية، فقد أُلغيت مادة المساواة بين الرجل والمرأة في المواطنة، وتقول: «أهدر الدستور الجديد كفاح أكثر من 30 سنة للمرأة المصرية حتى حصلت على مادة المساواة، لدرجة أن الصحافيات اعتصمن من أجل مادة المساواة في نقابة الصحافيين عام 1955، وأضربن عن الطعام ونقلن إلى المستشفى حينها، وبعد حروب طويلة حصلن على مادة المساواة في دستور 1956. وهذا يعني أن حقوق المرأة ليست مكتسبات بقايا نظام بائد كما يتشدق بذلك المعادون لها حالياً، وإنما حاربت من أجلها منذ زمن طويل. فقد بدأت الكفاح هدى شعراوي، وملك حفني ناصف التي طالبت الملك في عريضة بأن يكون تعدد الزوجات والطلاق أمام القاضي، نظراً إلى ما تعانيه المرأة من إجحاف وظلم في تلك المسألة، فبكلمة واحدة ينهي الرجل حياة أسرة حتى وإن رفضت المرأة، ولا مانع من ظلمها والزواج بأخرى، حتى وإن لم يكن له أسباب شرعية تبيح له التعدد».
وتضيف: «ظلم الدستور الجديد للمرأة في العديد من مواده، فهو يفتح المجال أمام الاتجار بها لأن اللجنة التأسيسية تعمدت إغفال النص على «حظر الاتجار بالبشر»، مع أن مصر مصادقة دولياً على اتفاقية «حظر الاتجار بالبشر»، فقد جرمت المادة 59 فقط الاتجار بالأعضاء، والمادة 71 جرمت الاتجار بالجنس (الدعارة)، ولم تذكر عبارة «الاتجار بالبشر» لأن الاتفاقات الدولية تعتبر زواج الأطفال نوعاً من الاتجار بالبشر، مما يقيد مجلس الشعب في خفض سن الزواج إلى 12 عاماً كما تريد التيارات الدينية. كما أن الفقرة الأولى في مادة العمل الرقم 55 وضعت المساواة والعدل وتكافؤ الفرص كمبادئ للحق في العمل بشكل عام، إلا أن الفقرة الثانية الخاصة بالوظائف العامة، نصت على أن التعيين أساسه الجدارة دون محاباة، وهذا يفتح باب التخوف من استغلال مبرر الجدارة لرفض تعيين المرأة في بعض الوظائف العامة، وكأن الجدارة تبرير لإقصاء المرأة عن تلك الوظائف».
وتوجهت عضو مجلس الشعب الأسبق حديثها إلى لنساء قائلة: «احترسن فمصر ترجع إلى الخلف، وثورات الربيع العربي انقلبت إلى خريف في مجال حقوق النساء، ففي مصر أصرت تيارات الإسلام السياسي على إلحاق جملة «بما لا يخالف شرع الله» في عبارات مطاطية مرتبطة بحقوق المرأة، ويفسرون الشريعة كما يحلو لهم، رغم أن مصر دائماً تخضع لأحكام الشريعة، لكنهم باتوا يؤولون الشريعة حسب أهوائهم تأويلاً مغلوطاً يهدفون به إلى تقليص دور المرأة».
وأد المرأة
ترفض الإعلامية بثينة كامل، المرشحة السابقة للرئاسة، مصطلح تراجع المرأة المصرية، مؤكدة أن نساء مصر مستهدفات، وتقول: «ما يحدث من عنف ضد المرأة اعتداء على الهوية المصرية التي وقعت في براثن حكم معادٍ للثورة والنساء في آن واحد، فالنظام يحاول وأد المرأة من جديد إلا أنها تأبى ذلك. ونؤكدها كمصريات: «صوت المرأة ثورة وليس عورة»، فجميعنا مستهدفات وقد ندخل مرحلة التصفية السياسية مثل تونس، فالثورة التونسية تسبقنا بخطوة، رغم أن حال المرأة هناك أفضل وكانت للنساء نسبة تمثيل لا بأس بها في البرلمان على عكس حال المصريات».
وتضيف: «العنف الممنهج ضد المرأة في ميادين الثورة لن يقمعها، وستخرج نساء مصر ويشاركن في كل الأنشطة السياسية والتظاهرات، ولن يتنازلن عن حقهن في المشاركة، ولن يسمحن بالتراجع ولن يتنازلن عن مكتسباتهن تحت أي ظروف».
ظلم مستمر
من جانبها، تؤكد المحامية عزة سليمان، رئيسة مركز قضايا المرأة، أن ظلم المرأة لم يعد محصوراً في قضايا الأحوال الشخصية والإقصاء السياسي، بل امتد بعد الثورة ليصل إلى قطاع عريض من أمهات الشهداء يطالبن النظام الحالي بالقصاص من قتلة أولادهنّ، فما كانت الاستجابة إلا بقتل المزيد من الشباب وقهر المزيد من الأمهات بلا محاسبة أي مسؤول.
وتضيف: «فضلاً عن ذلك فإن المرأة المصرية تواجه خطاباً معادياً لها بعد الثورة، وفي ظل النظام الحاكم الحالي ممن يطلقون على أنفسهم رجال دين، مثل أحد الشيوخ الذي وصف في برنامجه على قناة دينية جميع المغتصبات في ميدان التحرير بأنهن نزلن إلى الميدان ليتم التحرش بهن، وكأنه يحرّض على مزيد من العنف الجنسي، رغم أننا لم نسمع طيلة حياتنا شيخاً أزهرياً وسطياً يحرّض على تلك الإهانة».