زواج الصغيرات في اليمن
حقوق المرأة, د. يوسف القرضاوي, برج الحمل, حمل وإنجاب, زواج مبكر, الأمومة المبكرة, الولادة المبكرة, إنجاب, وفاة, إنجاب فتاة / فتيات, مأساة
26 مارس 2013شهادتان
نبدأ بشهادتين لفتاتين صغيرتين عانتا النتائج القاسية للزواج المبكر:
وفاء: زوّجها أخوها بالغصب
«أريد أن أكمل تعليمي». بهذه العبارة تجعل منك الفتاة وفاء يوسف منصتاً جيداً لحكايتها التي لا تنحصر فيها بل تنطبق على نسبة كبيرة من اليمنيات. وفاء التي توفي والدها لم يشفق عليها أخوها الأكبر بل زوّجها في عمر 12 عاماً دون علم أو مشورة منها مقابل 30 ألف ريال يمني فقط (نحو 150 دولاراً) وكأنه يبيع سلعة.
فقد اقتاد محمد(أخوها) المسكينة وفاء إلى المحكمة تحت الضغط والتهديد بالقتل، لتقول للقاضي إنها موافقة على الزواج من رجلٍ يكبرها بـ 25 عاماً.
تقول: «زوّجني برجل لا أعرفه وغصباً عني، وقال لي إنه سيذهب بي إلى بيت الجدة لكي أزورها، فأخذني بالخديعة إلى القاضي ليعقد القران. حاولت الرفض لكنه هددني بأني إذا لم أوافق سيقتلني أو يرمي بي في الشارع فخفت ووافقت». اكتشفت وفاء في ما بعد أن لأخيها علاقة وطيدة بزوجها ويعملان معاً في النصب والسرقة، فأقامت دعوى طلاق ما زالت في أروقة المحكمة حتى اللحظة، وهي تتلقى الدعم القانوني من فريق اتحاد نساء اليمن في تعز. لم تنكسر وفاء كما حدث لأخريات فهي تؤكد أنها تريد استكمال القضية حتى تتمكن من العودة إلى المدرسة لمتابعة دراستها الابتدائية: «أنا درست إلى الصف الثامن وأخي منعني من الدراسة، والآن إن شاء الله سوف أكمل تعليمي».
زواج الصغيرات يتحول إلى قضية جنائية
ندى الشوافي من «مشروع الدفاع والعون القانوني للنساء» تقول: «من خلال عملي لمست أن زواج الصغيرات لا يمكن أن يتوقف إلا بوجود قانون يحمي الطفلات من هذا الزواج الذي يتسبب لاحقاً بمشاكل كثيرة. فعلى سبيل المثال هناك قضية فتاة زُوجت في سن مبكرة وعندما وصلت إلى الرابعة عشرة أرادت أن تفسخ الزواج لأن عقد قرانها تم وهي دون 14 سنة. وعملنا على طلب دعوى فسخ زواج لكن لم تكتمل الشروط بما في ذلك القبول والإيجاب إلى جانب أن الفتاة صغيرة، فتطورت القضية إلى قضية جنائية والشروع في قتل زوجها بالتعاون مع أخيها. وانجرفت القضية من زواج مبكر إلى قضية جنائية والفتاة لم يكن لديها إلمام بخطورة ذلك».
تستطرد: «تزويج الفتاة في سن مبكرة ودون أي رأي أو مشورة يعمل على زيادة المشاكل الأسرية والتفكك العائلي وارتفاع نسبة الطلاق وتفشي الأمية والجهل وتسرب الفتاة من التعليم، والأهم من هذا انتشار القضايا الإجرامية الجنائية في العائلة».
الأمل في الحوار الوطني
الأمين العام للمنتدى الاجتماعي السيد نبيل عبد الحفيظ ماجد يتطرق إلى دور المجتمع المدني بقوله: «تابعتم جميعاً جهد المجتمع المدني في هذا الموضوع من خلال ما قمنا به من حملة توعية وضغط مع الإخوة في مجلس النواب لتعديل قانون زواج الصغيرات بحيث تكون السن الدنيا للزواج 17 سنة. وفوجئنا بالكثير من الإخوة في البرلمان يتصدون لمشروع تعديل هذا القانون، وتركت المادة الحالية على ما هي عليه بحيث يمكن تزويج من هي في سن 7 سنوات بحسب ما يريد ولي أمرها».
ولكن ماذا يمكن أن يفعل المجتمعي المدني الآن؟ يجيب نبيل ماجد: «نتيجة ما حدث من ثورة وحراك في العام 2011 تم تجميد هذا الأمر ولم يأخذ حقه من التداول. والآن وُضع ضمن أجندة المرحلة المقبلة وكبند واضح وصريح في محاور الحوار الوطني الأحد عشر كي يكون هناك رأي حقيقي يمنع هذه الظواهر التي تعد جزءاً من رواسب الماضي المرتبط بالجهل. ونحن نعلق على الحوار الوطني أملاً في حل القضية لأسباب عدة أولها أن هناك 30 في المئة من أعضاء الحوار نساء ولا بد أن يكون لهن صوت قوي لوقف هذه المهزلة، وهناك 20 في المئة من مكونات الحوار شباب ولديهم وعي كامل لرفض هذا الأمر، هذا فضلاً عن النتائج الصحية التي تعيشها اليمن كونها من ضمن 10 دول هي الأعلى نسبةً في عدد الوفيات عند الحمل والولادة، إذ تتوفى 365 امرأة سنوياً من أصل مئة ألف امرأة في حالة حمل وولادة، وهذا العدد يصرخ في وجوهنا لأن النساء اللواتي يمتن في الحمل والولادة هن من صغيرات السن».
القانون يشرّع زواج الصغيرات
تتحدث المحامية نبيلة محمد المفتي عن هذه القضية قائلة: «المعضلة الكبرى التي تبيح هذا الزواج هي القانون، فقد نصت المادة 15 من قانون الأحوال الشخصية على أنه يجوز لولي الصغيرة تزويجها، من دون أن يحدد أي سن دنيا للزواج. وبالتالي فإن زواج الصغيرات مشرع قانوناً... هناك مشاريع كثيرة لتعديل هذا القانون لكنها لم تحظَ بالدعم لأن البرلمان لم يصوّت عليها ولم يصدرها كقانون... لذا يجب أن يكون هناك لوبي نسائي كبير ضاغط من أجل تمريرها، فالقانون القديم الذي صدر في 1992 والمعمول به إلى 1999 ينص على عدم تزويج الصغير والصغيرة ما لم يبلغا سن 15 سنة، وبالتالي فإن تحديد سن دنيا كان معمولاً به في القانون اليمني سابقاً، وحصل تآمر لقوى مقيتة على هذا النص وعدلت هذه المادة دون تعديل القانون ولم نتمكن من العمل على إعادة تحديد سن آمنة للزواج».
«المجتمع سيقبل بهذا القانون»
يشير أستاذ القانون في جامعة صنعاء الدكتور محمد عبد الله نعمان إلى أن «القانون الحالي يسمح بزواج الصغار والصغيرات وهذا ما يحدث كثيرا في الأرياف، حيث تحتاج الأسر إلى أيادٍ عاملة وإيجاد من يساعد الأسرة في العمل في البيت والحقل بلا أجر، وهذا انتهاك صارخ للاتفاقات والقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان (...). المجتمع سيقبل بهذا القانون لأنه أصبح على درجة من النضج. وسيكون للقانون دور تنويري تثويري لتغيير اقتناعات المجتمع والظواهر السلبية».
الحاجة إلى المال والخوف من العيب
الحقوقي محمد الدرة يرى أن «الخوف من العار ومن ظاهرة العنوسة وتحت مبرر أن البنت إذا تجاوزت سن العشرين تعتبر عانساً، سبب دفع الكثير من الآباء إلى تزويج بناتهم في سن مبكرة، إلى جانب الحاجة إلى المال في ظل عدم قدرة الأب على إعالة الأسرة. وهذا يعني أن المجتمع في حاجة إلى تغيير مفاهيم مغلوطة حول الفتاة الصغيرة وما يترتب على ذلك من أضرار تلحق بالفتاة جراء الزواج المبكر لعدم استطاعتها تحمل الأسرة والبيت والزوج والأطفال والمشاكل، ناهيك بالأمراض الجسدية والنفسية».
مشاكل صحية
الطبيبة كريمة البريهي تتحدث عن الأخطار التي تتعرض لها الفتاة في حال الزواج المبكر، فقد يحدث لها تمزق في الرحم و نزف حاد وتتعرض لمضاعفات مختلفة قد تتسبب بالوفاة. كما أن الحمل المبكر قد يحدث أنيميا لدى الفتاة، وهناك حالات حمل خارج الرحم وولادة مبكرة.
وتقول البريهي: «المشكلة هي أن الفتيات لا يُعرضن على المراكز الصحية في حالات كثيرة بسبب الجهل وعدم إعطاء الصحة أولوية لدى الكثيرات، ولهذا فإن فتيات كثيرات يقضين قبل الوصول إلى المركز الصحي بسبب مضاعفات الوضع. وفي كثير من الحالات تتوفى الأم والجنين معاً. وإذا ما سلم الجنين فكثيراً ما يعاني مشاكل صحية ونقصاً في الوزن وسوى ذلك».
السياسة مطالَبة بحلول
إذاً هل قضية زواج الصغيرات اجتماعية أم سياسية بعد أن أصبحت محل خلاف كبير بين الأحزاب؟ يرد الناشط السياسي علي الصراري: «زواج الصغيرات ليس قضية سياسية ولكن السياسة مطالبة بأن تضع حلولاً للقضايا المختلفة، ولذا كان مهماً تناول الأحزاب لهذه القضية وفي إطار لجنة الحوار. والذين حولوا القضية إلى ما يشبه الدين فإنهم أقدموا على مجازفة أخلاقية واجتماعية وسياسية لأنهم سيخسرون تأييد فئات عديدة من المجتمع لا تقبل بهذا الأمر. وعلى المستوى الأخلاقي، من المقزز العبث بالصغيرات بهذا الشكل غير الإنساني. وأعتقد أن من ورطوا أنفسهم وأحزابهم في تبني الدفاع عن زواج الصغيرات ورفضوا تحديد سن دنيا للزواج يكونون قد غامروا بسمعتهم وبأحزابهم».
مكايدة حزبية
الناشط الحقوقي عبد الرشيد الفقيه يرى أن الأمر «معطّل بسبب المكايدة بين الأطراف وتحديداً بين الكتلتين الكبيرتين في البرلمان «المؤتمر» و»الإصلاح». وإذا ما أرادت كتلة المؤتمر تمرير الموضوع فإنها تستطيع أن تفعل ذلك، غير أنها ترفض في محاولة منها لإحراج حزب الإصلاح الذي عطل المادة من خلال اعتراض بعض عناصره في البرلمان على ذلك. والآن وضع البلد لا يسمح بأن نتحرك للضغط في هذا الجانب ولا بد من الانتظار إلى ما بعد مؤتمر الحوار لإقرار هذا القانون كضرورة اجتماعية وإنسانية وحقوقية».
الأدلة الشرعية لمنع تزويج الصغيرات
أصدر النائب البرلماني شوقي القاضي أدلة شرعية واجه بها أعضاء حزبه «الإصلاح» الرافضين للقانون وقدّم فيها مبررات لتحديد سن آمنة لزواج الصغيرات. وهي كالتالي:
«أول أدلتنا هو أن القائلين «أن تزويج الصغيرات» يتفقون معنا على أن هذا الموضوع ليس واجباً ولا مندوباً شرعاً، وإنما ـ في أبعد أحواله ـ من المباحات التي تناقش في إطار مقاصد الشريعة ومبدأ دفع المفاسد وجلب المصالح، وهو باب عظيم قضت به الشريعة وظهر جلياً في الفقه الإسلامي وتأصل باجتهادات الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وفي مقدمهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي يعرف كل طالب علم اجتهاداته بل وجرأته في تقييد المباحات ومخالفة غيره في ما يراه مصلحة. وعليه، لا يجوز لأحد أن يناقش منع تزويج الصغيرات بتهم لا تصح، خصوصاً إذا علمنا أن لنا سلفاً صالحاً وخلفاً عالماً يرى منع تزويج الصغيرات ومنهم ابن شبرمة والأصم وعثمان البتي في منعهم تزويج الصغيرة، وحجتهم أنه لا يُزَوَّج الصغير والصغيرة حتى يبلغا لقوله تعالى: «حتى إذا بلغوا النكاح» فلو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا فائدة، ولأنه لا حاجة بهما إلى النكاح لأن غاية النكاح هي قضاء الشهوة وشرعاً النسل، والصغر ينافيهما.
دور المثقف
الكاتب زيد الفقيه يرى أن زواج الصغيرات في اليمن «يعود إلى عدم الوعي لدى الآباء المدفوعين بأسباب مادية واجتماعية وأسرية. ثم إن زواج الصغيرات منتشر أكثر في المناطق القبلية والبيئة المتدنية التعليم. وهنا المجتمع يحتاج إلى الكثير من التوعية إذ أن دور المثقف هو أن يوعي الأسر اليمنية ويساهم في نشر التوعية بشكل جماعي وفردي في سبيل منع هذه الظاهرة من خلال الوسائل المختلفة التي يستخدمها كالكتابة والندوات وغير ذلك».
«سنضغط للمصادقة على القانون»
رئيسة اتحاد نساء اليمن رمزية الإرياني تؤكد أن «زواج الصغيرات هاجس كبير لدى الاتحاد، ومن ضمن أهم الاستراتيجيات المستقبلية لدينا العمل على الحشد والضغط للموافقة على سَنّ قانون يحدد زواج الصغيرات أو على الأقل يعيد القانون الذي كان نافذا في الشمال (15 سنة) أو في الجنوب (16 سنة)، لأن زواج الصغيرات لا يمثل حالة نفسية أو عنفاً ضد الفتاة الصغيرة فحسب وإنما له دور كبير في ارتفاع نسبة وفيات الصغار والأمهات أثناء الوضع، وبالتالي يعد عنفاً ضد الأطفال المواليد وضد المجتمع والوطن والفتاة التي تفقد حقها في الطفولة. ونحن في واقع اجتماعي قبلي كاليمن من الصعب أن نتدخل بفرض عدم الزواج على الأسرة لأن هذا الأمر مرفوض كونه يخص بناتها، ولذا فإن الحل هو القانون».
تضيف: «سوف نعمل مع المنظمات والجهات الأخرى من أجل المصادقة على هذا القانون مع رجال الدين والمجالس المحلية والمشترعين في البرلمان لإيجاد شراكة من أجل تغيير القانون. ولا بد من رفع الوعي بين فئات المجتمع وخاصة النساء».
أم وأرملة
رجاء عبده علي، مديرة مدرسة «7 يوليو» تقول: «شخصياً عانيت من هذا الزواج وواجهت عددا من المشاكل، فقد تزوجت وعمري 14 عاماً. وفي المدرسة هناك العديد من الطالبات تسربن من التعليم بسبب الزواج المبكر ونسبة ذلك في مدرستنا ما بين 5 و10 في المئة حالياً، مع العلم أنني أتحدث عن المدينة. أما في الريف فالأمر مختلف والنسبة أعلى بكثير».
وتواصل: «لدينا في المدرسة حالة من ضحايا الزواج المبكر تدرس في الصف الثامن ولديها طفلان وزوجها قد توفي. تزوجت قبل 7 سنوات من الآن وعمرها الآن 15 عاماً وأصبحت أرملة وأماً لطفلين».
المأساة في البرلمان وفي المجتمع
الناشطة بلقيس اللهبي تقول: «في أحد المؤتمرات لدعم اليمن في مكافحة الإرهاب، أوضحت هيلاري كلينتون التي كانت قد التقت في العام نفسه الطفلة نجود ذات الأعوام التسعة والتي فازت بلقب امرأة العام وفق تصنيف مجلة أميركية لتمكنها بعد نضال من الحصول على الطلاق، أوضحت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة أن بلداً تزوج فيه الفتيات في سن التاسعة لا بد أن يربط الدعم فيه بتحسين هذه الأوضاع، مما حفز الرئيس السابق علي عبدالله صالح على إثارة هذا الموضوع كوسيلة للتفاوض، ووظف في سبيل ذلك مجموعة من رجال الدين لتأليب المجتمع ضده».
وتضيف: «الواقع أن المجتمع لم يكن مناهضاً كبيراً لموضوع تحديد سن آمنة للزواج، وعند قيام منظمات مدنية بجمع تواقيع استطاعت الحصول على الكثير منها. وأتذكر أن إحدى الفتيات (وحي سنان) كانت تجمع التواقيع في عرس نسائي، وكانت النساء الأكبر سناً اللواتي تعرضن لتجربة الزواج المبكر متحمسات جدا للتوقيع، إلا أن مجموعة مكونة من ستة من أعضاء مجلس النواب، وبعد التصويت على مادة تقضي بعدم تزويج الجنسين إلا بعد إكمال 17 سنة، اعتصموا أمام مكتب رئيس المجلس وقاموا بحملة إرهاب للأعضاء وعلى رأسهم أعضاء لجنة تقنين الشريعة الإسلامية، رافعين شعار نموذج عائشة (زوجة النبي) وتحت مبرر تحريم ما هو محلل والخروج على نواميس الخالق. هذه المجموعة السداسية كانت تضم قادة الفكر السلفي المنتمين إلى حزب الإصلاح «الإسلامي»، وجامعة الإيمان وحتى حزب المؤتمر الحاكم حينها، وعملوا على إخراج تظاهرة نسوية من جامعة الإيمان التي يرأسها السلفي المتشدد عبد المجيد الزنداني الذي تربطه بالقصر الرئاسي آنذاك أواصر متينة، وشن هؤلاء الأعضاء الذين يمتلكون منابر المساجد حملات تشويه طالت سمعة الناشطات والناشطين وأعراضهم. لذا تعتبر الحملة سياسية في إطار الدين المسيّس ولا تعتبر مجتمعية».
صدام في البرلمان
إيمان شائف رئيسة الشعبة القانونية في مجلس النواب تشير إلى أن «موضوع زواج الصغيرات وتحديد سن قانونية مطلب يسعى الكثيرون لتحقيقه وتغيير المادة التي تسمح بزواج الصغيرات وفقاً لما يراه ولي الأمر، و تغيير ما ورد في القانون من «أن تكون صالحة للوطء»، لأن القانون لم يحدد كيف تكون قابلة للوطء. وطبعا هذه المادة تفسر بغير محلها وفي غير مصلحة الفتاة ، وبالتالي لا بد من تعديل القانون وتحديد سن آمنة للزواج».
وحول ما يحدث في البرلمان بشأن هذا الأمر تقول: «بين الحين والآخر يقدَّم مقترَح بتعديل نص المادة التي تتيح زواج الصغيرات من جانب المنظمات والجهات الحقوقية والنسوية، ولكن هذه المشاريع تصل إلى مجلس النواب وتصطدم بالرفض بسبب اعتراض التيارات الأيديولوجية التي تدعي أنها إسلامية وهي لا تأخذ بروح النص القرآني ولاتأخذ بالسنّة بل تلعب على الشكليات. وهذا ما أعاق تمرير القانون في البرلمان رغم أن أكثر أعضاء المجلس صوتوا لصالح التعديل وقبلوا به وكان هناك شبه إجماع في البرلمان على تحديد 16 سنة كسن دنيا للزواج. ولكنْ هناك نص دستوري سمح بإعادة المداولة تم الأخذ به من التيار الرافض للتعديل، وألغيت المادة وتعطل النص حتى اللحظة».
التركيز على الأسباب ومعالجتها
أستاذة علم الاجتماع في جامعة تعز الدكتورة ألفت الدبعي تربط قضية زواج الصغيرات بوعي المجتمع «تجاه حقوق الإنسان والطفولة والمرأة. الشعب اليمني لا تزال نسبة الأمية في صفوفه عالية جداً، والنظرة التقليدية تجاه المرأة كزوجة وأم تجعل من فكرة هذا الزواج أمراً مقبولاً اجتماعياً، وتدعم ذلك الأمثال اليمنية من قبيل «زوج بنت الثمان وعليَّ الضمان». بالإضافة إلى أن السائد من المفاهيم الدينية التي يستخدمها الوعاظ لا يستنكر الأمر، وهو ما لاحظناه أثناء إثارة قانون تحديد سن الزواج في اليمن، فقد شُنت هجمة شرسة من جانب بعض رجال الدين الذين اتهموا كل من يطرح هذه القضية بأنه متآمر مع الغرب!».
وتضيف: «انتشار هذه الظاهرة لا يلقى نقداً لاذعاً وكبيراً في الثقافة اليمنية حتى وإن كان ذلك لا يعني أيضا قبولها قبولاً مطلقاً، فالمسألة ترتبط بدرجة وعي المجتمع ومستوى تعليمه وهو ما يحتاج إلى مشروع دولة تتعامل مع هذه القضايا بوضع استراتيجيات ومشاريع وطنية تنتقل بالمجتمع إلى الأمام حسب احتياجاته الرئيسية. لكي نعالج مشكلة زواج الصغيرات في اليمن يجب أن نثير قضية تعليم الفتاة والأمية كقضية رأي عام وضرورة إيجاد برامج فاعلة ومؤثرة حتى تلتحق الفتاة بالتعليم، بالإضافة إلى المشكلة الاقتصادية والقضاء على الفقر. وهنا على المنظمات أن لا تثير القضية فقط، وإنما يجب أن تعالج الأسباب وتقترح حلولاً جذرية للمشكلة بدءاً بالتعليم ومروراً بالجانب الاقتصادي للأسر اليمنية والقضايا الاجتماعية الأخرى».
ومن علماء الأمة المعاصرين الذين يرون تحديد سن تزويج الصغيرة، الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي الذي أشاد بتحديد سن الزواج ويرى أن 16 عاماً هي السن الأنسب لزواج الفتاة و18 عاماً السن الأنسب لزواج الفتى. وكذلك الإمام العلامة الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله الذي قال ـ في معرض شرحه لصحيح البخاري، باب النكاح، وهو يناقش جواز تزويج الصغيرة: بالنسبة إليّ منع المسألة ـ أي تزويج الصغيرة ـ أفضل، ومن الناحية الانضباطية في الوقت الحاضر، أن يُمنع الأبُ من تزويج ابنته حتى تبلغ وتُستأذن.
أما الدليل الثاني فهو أن البراهين التي استدل بها إخواننا المتحمسون لتزويج الصغيرات لا تصلح للاستدلال على منعنا من منع تزويج الصغيرات، فالآية الكريمة «وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً» الطلاق4 ، وبالتحديد ( وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) مختلف في دلالتها هل تعني الصغيرة أم البالغات اللواتي تأخر عنهن الحيض أو انقطع عنهن لعلة أو لم يأتهن الحيض بالكلية وهي من تسمى المرأة الضهياء، ومن المفسرين الذين ذكروا ذلك أبو حيَّان الأندلسي، والألوسي في «روح المعاني»، والسعدي، وسيد قطب رحمهم الله أجمعين. والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال (أي القطعي) وجاز فيه الخلاف بلا إنكار. كما أن الآية ليس فيها تحبيب أو ترغيب أو تشجيع على تزويج الصغيرة وإنما ـ إذا وافقناهم في أنها -الصغيرة ـ فيها بيان حكم العدة لثلاثة أنواع من المطلقات لم يشملهن الحكم الشرعي في عدة المطلقة في قوله تعالى: «وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ ...» البقرة228 ، ومن هذا قوله تعالى: «لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» البقرة226 . فهل يعني هذا أن نشجع الناس على الإيلاء وهو حلف الزوج على ألا يجامع زوجته، كون القرآن الكريم تعاطى معها وبيَّن حكمها؟ وكذلك الاستدلال بزواج عائشة لا يصح دليلاً قاطعاً لتزويج الصغيرة لأسباب منها: أولاً هناك خلاف بين المؤرخين في سن عائشة عند زواجها، وثانياً هناك من يرى أن ذلك كان قبل قوله صلى الله عليه وسلم (لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتى تُسْتَأْذَنَ، قَالُواْ يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا، قَالَ أَنْ تَسْكُتَ)، وثالثاً هناك من يرى ذلك من خصوصيات رسول الله الذي خُصَّ بزواج 12 امرأة وغير ذلك من الخصوصيات، ورابعاً كما ذكر بن عثيمين رحمة الله عليه: متى يكون الزوج كالرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؟ أما دعوى الإجماع التي يشهرها البعض في وجوه مخالفيهم كلما عجزوا عن الإتيان بدليل مقنع من كتاب الله وصحيح سنة رسول الله، فهو استدلال باطل لسبب جلي يعرفه طلاب أصول الفقه وهو أن الإجماع في تزويج الصغيرات لم يعقد يقيناً لمخالفة علماء من السلف والخلف.
الدليل الثالث هو قول الله تعالى: « وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً» النساء6 . جاء في روح المعاني: أي إذا بلغوا حدّ البلوغ وهو إما بالاحتلام أو بالسن وهو خمس عشرة سنة عند الشافعي وأبـي يوسف ومحمد وهي رواية عن أبي حنيفة، وشاع عن الإمام الأعظم أن السن للغلام تمام ثماني عشرة سنة وللجارية تمام سبع عشرة سنة، فالآية صريحة إذاً في أن للنكاح (الزواج) سناً غالباً ما يعرفها الناس ويجوز أن تقنَّن بناء على الاستقراء والاستقصاء لتحقيق مصالح معتبرة ودرء مفاسد متيقنة.
الدليل الرابع هو قول النبي في ما رواه النسائي (وصححه الألباني) لأبي بكر ولعمر بن الخطاب عندما جاءا لخطبة فاطمة: إنها صغيرة فخطبها علي فزوجها له رسول الله. وليس دقيقاً ما قيل في أن حرف العطف (الفاء) في الرواية تفيد أنها تزوجت صغيرة في الفترة التي طلبها أبو بكر وعمر. فهذا أولاً يحتاج إلى يقين تاريخي وهو ما لم يقدمه لنا أحد، كما أن حروف العطف تنوب عن بعضها والفاء في الرواية نابت عن «ثم» وفي مثله يؤكد الأنصاري في كتابه مغني اللبيب عن قوله تعالى: « ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» المؤمنون 14 ، وللعلم أن حرف العطف (الفاء) لا يفيد التعقيب على الاستعجال دائماً، وإنما وكما ذكر الشيخ عبد الغني الدقر في كتابه «معجم القواعد العربية» يفيد التعقيب ـ أي على التراخي أو على الاستعجال ـ بقوله: وهو في كل شيءٍ بِحَسَبِهِ. كما أن ابن هشام رحمه الله في كتابه «أوضح المسالك»، نقل أن هناك من اعترض على أن (الفاء) تفيد التعقيب دائماً واستدل على ذلك بقوله تعالى: « وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ» الأعراف4 ، كما استدل على أنها قد لا تفيد التعقيب على الاستعجال بقوله تعالى: «فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى» الأعلى5 ، والمعنى (فجعله بعد الخضرة غثاء جافاً هشيماً أحوى أسود يابساً) وليس هناك من لا يعرف الفترة وفصول السنة في تقلب أحوال الشجر بين فصلي الربيع والشتاء. وتؤكد ما ذهبنا إليه الرواية الأخرى للحديث التي جاء فيها ( ثم خطبها علي فزوجها منه ) لتتفق مع الروايات التاريخية التي أشارت إلى أن عمر فاطمة حين تزوجت من الإمام علي كان 21 عاماً حسب رواية لابن حجر أو 18 عاماً حسب روايات أخرى. إذاً، قول رسول الله دليل قاطع على عدم استحسان تزويج الصغيرة، ولو كان في تزويج الصغيرة أي مصلحة لحرص عليها رسول الله لابنته فاطمة وهي أحب الناس إلى قلبه.
الدليل الخامس هو قول رسول الله: «لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتى تُسْتَأْذَنَ، قَالُواْ يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا، قَالَ أَنْ تَسْكُتَ»، ولا يتأتى الإذن تصريحاً أو تلميحاً أو استلهاماً من السكوت (مصحوباً بتيقن الرضاء لأنه لا ينسب لساكت قول أو رأي أو موقف) إلا من راشدة وكبيرة، والصغيرة ناقصة أو فاقدة أهلية فأنى لنا أن نستأذنها أو لإذنها أن يكون معتبراً.
الأمية
كما لا تخفى أضرار تزويج الصغيرات المتعلّقة في انتشار الأمية في المجتمع بسبب تسرب هؤلاء من التعليم بسبب الزواج، ومجتمعاتنا لا ينقصها الجهل ولا الأمية حتى نوجد لها مصادر ومنابع أخرى. فقد كشفت إحصاءات رسمية أن 46 في المئة (نحو مليونين) من الأطفال الذين بلغوا سن التعليم في اليمن غير ملتحقين بالمدارس، وان نسبة 71 في المئة من فتيات الريف ما زلن خارج المدارس لأسباب أهمها الفقر وتزويج الصغيرات. والأخطر من ذلك هذه الطفلة (الأمية) التي نريدها مدرسة لإعداد أجيال العلم والمعرفة، ففاقد الشيء لا يعطيه. ثم عندما يفكر الزوج في التعدد يكون مبرره أمية الزوجة الأولى، ويتناسى أنه سبب أميتها.
المبرر التاسع وهو في استطلاع للرأي بثته قناة يمنية أظهر أن 80 في المئة من المستطلَعين أيَّدوا منع تزويج الصغيرات وموافقتهم على صدور قانون بذلك، مقابل 20 في المئة فقط رفضوا المنع. أليس في هذه النسبة مؤشر لمعاناة المجتمع ومعرفته بأضرار تزويج الصغيرات؟ وهل يمكن أن يجتمع هؤلاء على ضلالة؟
المبرر العاشر: لأن نسبة عنوسة الفتيات البالغات الراشدات الصالحات للزواج ترتفع في مجتمعاتنا ونسبة الفساد الأخلاقي بين الشباب في ازدياد مستمر بسبب موجة الفساد وضعف التربية والتوجيه وتزايد البطالة، ومن الحكمة والفقه أن نشجع الشباب على اختيارهن للزواج وليس الطفلات الصغيرات اللواتي لا يخاف من ورائهن فساد ولا إفساد، كما ينبغي التشجيع ـ وإن بالتشريعات ـ على زواج المطلقات والأرامل وفي ذلك حد من الأخطار والمفاسد.
المبرر الحادي عشر: لأن غالبية من يزوجون صغيراتهم إنما يدفعهم لذلك الفقر أو التفكك الأسري أو التخلص من العار (الأنثى) ـ كما يعتقدون ـ وكلها دوافع ليست طبيعية بل اضطرارية تدخل في باب الضرورات، فلا يجوز أن نشجع عليها ونبني تشريعاتنا على ضرورات تباح فيها المحظورات.
وعليه وبناء على ما فتح الله به علينا وأوردناه من أدلة شرعية وحقائق علمية ومبررات منطقية، نرى جازمين ضرورة منع تزويج الصغيرات من خلال القانون، ونشر الوعي في المجتمع والتشجيع على تزويج الكبيرات. ولا نرى مانعاً من استثناء تقنيني لمعالجة الضرورات والاستثناءات لحالات معينة ولكن بتشديد احترازي يمنع بيع الطفلات، مع الحفاظ على الأصل وهو: منع تزويج الصغيرات».
تعاني الفتاة اليمنية التمييز والتهميش والإقصاء، فتحرم من التعليم والصحة وحتى من الطفولة والحياة الكريمة، وتنعدم البيئة المناسبة لعيشها في ظل عدالة اجتماعية تسود فيها المساواة وتحفظ فيها الحقوق. ومن هنا ارتفع عدد النساء ضحايا العنف وشكل رقماً هائلاً وصل إلى ثماني حالات وفاة يومياً بسبب الحمل والإنجاب في سن مبكرة.
تتوقف «لها» عند هذا الرقم لتعرض شهادات ودراسات ميدانية وتورد آراء ناشطين ومهتمين ونساء في مأساة الزواج المبكر.
في دراسة ميدانية يمنية حديثة
86 في المئة من الفتيات المتزوجات مبكراً يعانين مشاكل اجتماعية وصحية
بيّنت دراسة حول أخطار الزواج المبكر في أوساط الفتيات اليمنيات أن 31 في المئة من الأمهات الصغيرات قد أثر الزواج المبكر على تحصيلهن العلمي، وأشارت 30.6 في المئة من الفتيات المستطلَعات إلى أنهن تركن التعليم بسبب اعتراض الزوج أو عائلته، كما أوضحت 30.3 في المئة أن الانتقال إلى مكان جديد أدى إلى ترك التعليم المدرسي لعوامل عدة منها عدم وجود مدارس قريبة، التأخر عن موعد التسجيل، عدم القدرة على التحصيل العلمي، العجز عن التوفيق بين متطلبات الزواج والتعليم، وعدم إعطاء الفتاة فرصة الدراسة.
وورد في الدراسة أن 7. 86 في المئة من الفتيات عانين مشاكل اجتماعية بسبب الزواج المبكر، ومنها خلافات مع عائلة الزوج، واقتران أزواجهن بنساء أخريات، بالإضافة إلى الحمل المبكر خلال الثلاثة الأشهر الأولى من الزواج، إذ تشير نتائج الدراسة إلى أن في 90 المئة من الفتيات حملن وتعرضن لأخطار مختلفة أثناء فترة الحمل، وخصوصاً في الفئة العمرية 15 - 17سنة.
وأكدت الدراسة ان نسبة النزف المهبلي في سن 15سنة من أعلى النسب، ونسبة مضاعفات فقر الدم والإجهاض والتهابات الفتاة البولية حدثت في عمر 16سنة. ولفتت إلى أن المضاعفات الأكثر شيوعاً هي الغثيان الحملي وتورم الأطراف العلوية والسفلية والولادة المبكرة والتسمم الحملي. وأشارت الدراسة إلى انخفاض استخدام وسائل تنظيم الأسرة بعد الزواج لتأجيل الإنجاب، ولم تتجاوز نسبة الفتيات اللواتي استخدمن واحدة من وسائل تنظيم الأسرة 4.9 في المئة، علماً أن 17.2 في المئة من الفتيات يؤيدن استخدام وسائل تنظيم الأسرة بعد الزواج مباشرة. وكانت الوسيلة الأكثر استخداما هي الحبوب المانعة للحمل بنسبة 56.5 في المئة، يليها حساب الفترة الآمنة بـ 28.3 في المئة، واستخدمت 4.3 في المئة من الفتيات اللولب، ولم يتم استخدام الواقي الذكري كوسيلة لمنع الحمل.
وبشكل عام، أوصت الدراسة بتعزيز حقوق المرأة والفتاة وخاصة الحق في الحياة وتعزيز التعليم والتمكين في شتى مجالات التنمية، وضرورة استمرار العمل مع المجتمع الدولي للضغط على صناع القرار في اليمن لوضح حد لظاهرة الزواج المبكر. وبحسب تقرير أصدره المركز الدولي للدراسات العام المنصرم، حلّت اليمن في المرتبة الـ 13 من بين 20 دولة صُنفت على أنها الأسوأ في زواج القاصرات، و تصل نسبة الفتيات اللواتي يتزوجن دون سن الثامنة عشرة إلى 48.4 في المئة.
وبيّن تقرير صدر حديثاً عن مركز دراسات وأبحاث النوع الاجتماعي في جامعة صنعاء، أن نحو 52 في المئة من الفتيات اليمنيات تزوجن دون سن الخامسة عشرة خلال العامين الأخيرين، مقابل 7 في المئة من الذكور. وتصل نسبة حالات زواج الطفلات إلى 65 في المئة من حالات الزواج، منها 70 في المئة في المناطق الريفية، وفي بعض الحالات لا تتجاوز سن الطفلة المتزوجة الثماني أو العشر سنوات.
المسؤولية
الدليل السادس هو قول الرسول: «والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤول عن رعيتها» وأنى لطفلة صغيرة بحاجة إلى من يتحمل مسؤوليتها أن تكون مسؤولة عن زوج وبيت وأولاد. أليس في ذلك عنت وحرج عليها.
الدليل السابع: قول رسول الله: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء». فالمخاطَب في الحديث هم الشباب وليس الأطفال، والشرط للزواج هو الاستطاعة (مادياً ومعنوياً) وهل تتحقق «الاستطاعة» بمدلولها الواسع في الصغار؟
المبرر الثامن هو أن القاعدة الشرعية تقضي بأنه (لا ضرر ولا ضرار) و(الضرر يزال) وعلماء الطب الموثوق بهم يؤكدون الأضرار الصحية التي تتعرض لها الصغيرة إذا حملت والحمل لازم من لوازم الزواج. وقدَّم الدكتور نجيب غانم عضو مجلس النواب وزير الصحة الأسبق ورقة علمية طبية أمام بعض أعضاء المجلس عن أضرار الحمل المبكر أقنعت كثيرين بأهمية منع تزويج الصغيرات، وحذر فيها من تزويج الصغيرات مؤكداً أن هناك «أخطاراً صحية على الصغيرة في حالة الحمل من حيث تعرضها لفقر الدم الذي يؤدي غالباً إلى الوفاة في حالة نزف الولادة والإجهاض والإخماج ـ التعفن ـ وارتفاع ضغط الدم الحاد وتعسر الولادة واللجوء إلى العمليات القيصرية وتمزق الرحم نتيجة صغر فتحة الحوض الذي لا تكتمل نمو عظامه قبل 18 سنة من عمر الفتاة. كما تكون الصغيرة عرضة للإصابة بالإرجاج أو التشنج الحملي والناسور الولادي، وأخطر ما يصيب مولود الأم الصغيرة هو نقص الوزن الذي غالباً ما تكون نتائجه على المواليد التخلف العقلي وأمراض القلب».
وهو ما أكدته اللجنة الطبية التي شكلتها وزارة الصحة السعودية لدرس الأضرار الصحية والنفسية لتزويج الصغيرات في تقريرها الذي جاء في ملخصه: «اضطرابات الدورة الشهرية وتأخر الحمل، الآثار الجسدية (تمزق المهبل والأعضاء المجاورة له من آثار الجماع)، ازدياد نسبة الإصابة بمرض هشاشة العظام وبسن مبكرة نتيجة نقص الكلس.
وهناك أمراض مصاحبة لحمل صغيرات السن: مثل حدوث القيء المستمر عند حدوث الحمل لدى صغيرات السن، وفقر الدم، والإجهاض حيث تزداد معدلات الإجهاض والولادات المبكرة، وذلك إما لخلل في الهرمونات الأنثوية أو لعدم تأقلم الرحم على عملية حدوث الحمل مما يؤدي إلى حدوث انقباضات رحمية متكررة تؤدي إلى نزف مهبلي والولادة المبستر (المبكرة)، وارتفاع حاد في ضغط الدم قد يؤدي إلى فشل كلوي ونزف وحدوث تشنجات، وزيادة العمليات القيصرية نتيجة تعسر الولادات في العمر المبكر، وارتفاع نسبة الوفيات نتيجة المضاعفات المختلفة مع الحمل، وظهور التشوهات العظمية في الحوض والعمود الفقري بسبب الحمل المبكر. ومن الآثار على صحة الأطفال: اختناق الجنين في بطن الأم نتيجة القصور الحاد في الدورة الدموية المغذية للجنين، والولادة المبكرة وما يصاحبها من مضاعفات مثل: قصور في الجهاز التنفسي لعدم اكتمال نمو الرئتين، واعتلالات الجهاز الهضمي، وتأخر النمو الجسدي والعقلي، وزيادة الإصابة بالشلل الدماغي، والإصابة بالعمى والإعاقات السمعية، والوفاة بسبب الالتهابات. أما الآثار النفسية فمنها الحرمان العاطفي من حنان الوالدين والحرمان من عيش مرحلة الطفولة التي إن مرت بسلام كبرت الطفلة لتصبح إنسانة سوية، لذا فإن حرمانها من الاستمتاع بهذه السن يؤدي عند تعرضها لضغوط إلى ارتداد لهذه المرحلة في صورة أمراض نفسية مثل الهستيريا والفصام والاكتئاب والقلق واضطرابات الشخصية، واضطرابات في العلاقات الجنسية بين الزوجين ناتجة عن عدم إدراك الطفلة لطبيعة العلاقة مما ينتج عنه عدم نجاح العلاقة وصعوبتها، وقلق واضطرابات عدم التكيف نتيجة للمشاكل الزوجية وعدم تفهم الزوجة لما يعنيه الزواج ومسؤولية الأسرة، وربما الإدمان نتيجة كثرة الضغوط كنوع من أنواع الهروب».
ومن الأضرار النفسية التي يؤكدها العلماء إضافة إلى حرمان «الصغيرة» التي يراد تزويجها من عاطفة أسرتها وحنانها واهتمامها، ذلك التجاوب العاطفي غير الآمن: فيتكوّن في الإحساس الداخلي للزوجة (الطفلة) محطة أرق قد تلازمها طوال حياتها. ففجوة التفاعل الجنسي والنفسي بين الطرفين تظل سبباً لفجوة زوجية، وهو ما يؤدي مستقبلاً إلى انهيار العلاقة من أساسها. كما تميل مشاعر الزوجة إلى الإحساس بزوجها كوالد أو أب فتختلط مشاعر الأبوة بالمشاعر الزوجية الطبيعية وتقع حالة من الفصام العاطفي، فالتفاوت في السن يجعل الزوج أقرب في خيال الزوجة الصغيرة إلى صورة الأب الذي هجرت بيته مبكراً بسبب زواجها، وبالتالي حجم التجاوب العاطفي يكون في مستوى غير آمن لعلاقة زوجية يفترض أن تستمر.
ألفت: هربَت من نار الأب إلى جحيم الزوج
ألفت محمد العرشي تسرد حكايتها: «عمري الآن 13 سنة. تزوجت وعمري 11 سنة وزوجي عمره 50 سنة أي في سن أبي. نحن أسرة مكونة من 13 بنتاً و3 أولاد، 7 بنات متزوجات والباقيات صغيرات. وعندما تزوجت كنت راضية تماماً بل سعيدة لأن أبي ظالم وقاسٍ، وإخواني يتعاملوا معنا بقسوة ويضربونني ويسجنونني في الغرفة وأخرجوني من المدرسة بعد أن درست أول وثاني ابتدائي... تعبت من أهلي فاخترت أن أتزوج وكنت فرحانة بأنني أرتدي فستان الزفاف، فحسبت أن الأمر مجرد عمل في البيت وأهون من ضرب أبي وإخواني».
تضيف: «في أول يوم زواج ضربني زوجي لأني خفت منه عندما أراد أن يدخل بي، فصبرت وتحملت، ولكن بعد أيام هربت إلى بيت أختي، فاتصل الزوج بالوالد الذي جاء وأعادني إليه بالغصب. وعندما عاندت ورفضت أخذني والدي وأهلي إلى القرية وخصصوا لي غرفة مظلمة في البيت القديم، كحبس مع الحرمان من الطعام، لولا أن الجيران أشفقوا عليَّ وكانوا يهرّبون لي الطعام. ولمدة ستة أشهر كان الجيران يعرفون أنني مسجونة ومقيدة اليدين والرجلين ولكن لم يبلغوا الشرطة خوفاً من أخي لأنه معروف ببطشه وشره. ومع هذا كله كان أهلي يأتون بزوجي إلى داخل الغرفة ليدخل عليَّ وأنا في هذا الوضع وتحت القيود، ولم أستطع الدفاع عن نفسي وعندما كنت أصيح بالرفض كان أخي الكبير يهددني بالاغتصاب (من زوجها) وكذلك بالقتل».
وتختم قصتها التي لم تنتهِ حتى اللحظة: «بعد ستة أشهر بدأ زوجي بالضغط على أهلي وابتزازهم، فقام أبي بتبليغ الشرطة بما أنا فيه، نكايةً بالزوج الذي اختلف معه بسبب المال. وجاءت الشرطة لإخراجي من الغرفة وأوصلتني إلى المحكمة والقيود ما زالت في يدي، وكان الدم يسيل من قدميّ بسبب جروح القيد الحديدي. وما زلت أبحث عن الطلاق بأي ثمن وأريد أن أحصل عليه بأي طريقة».
«موقفنا داعم لسنّ قانون»
القيادي في الحزب الاشتراكي اليمني يحيى منصور أبو إصبع يؤكد وقوف حزبه مع تحديد سن لزواج الصغيرات ويقول: «نحن في الحزب الاشتراكي اليمني معروف موقفنا من المرأة وهذا شيء ثابت ولم يتغير مهما حدث. ونؤمن بحق المرأة في الزواج في الوقت المناسب والسن المناسبة. وموقف الحزب معروف ومعلن في هذا الأمر ولا خلاف على أن يصدر قانون ليحدد سن آمنة لزواج الصغيرات. ونحن نتبنى وجهة نظر القوى التقدمية والمنظمات الحقوقية والنسوية في الرفض المطلق لزواج الصغيرات وسندعم إقرار قانون تحديد سن آمنة للزواج من خلال البرلمان والمؤسسات الأخرى وأيضا في الواقع العملي».