صاحبة شركة Drain Add أمل أبي خليل: التحديات زادتني إصراراً على النجاح

تحقيق: طوني بشارة 17 مارس 2019

يوماً بعد يوم، تؤكد المرأة اللبنانية أنها إنسانة قوية لا حدود لطموحها وقدراتها، فبقوّتها كسرت كل القيود التي تأسر حريتها وتحدّ من تطورها ونموها، وبعزيمتها خرجت من نطاق العمل المنزلي والتربية الأُسرية، ووظّفت قدراتها وطاقاتها في تحقيق أهدافها وإبراز شخصيتها، فاستطاعت أن تثبت بجدارة أنها لا تقلّ شأناً عن الرجل، وأن في إمكانها السير بمحاذاته، وأن تدخل عالم ريادة الأعمال متسلحةً بالعلم والإرادة الصلبة. "لها" زارت أمل بيطار أبي خليل صاحبة شركة DRAIN ADD لمعالجة مياه الصرف الصحي في مكتبها ودار الحوار الآتي.


بدأ الاهتمام على المستوى العالمي بفكرة دخول النساء عالم ريادة الأعمال، لما لذلك من انعكاسات إيجابية على المجتمعات، وكوسيلة فعالة لتحقيق تطلعات النساء والمساعدة في تأمين مستوى معيشي جيد في زمن بات من الصعب على الرجل وحده أن يؤمّن متطلبات الحياة المتزايدة، فدخلت المرأة فعلاً عالم ريادة الأعمال وأسّست شركات باسمها وأثبتت أن النجاح حليفها في كل المجالات. وسألنا أمل بيطار أبي خليل:

- كيف كانت انطلاقتك في عالم الأعمال؟

بدأت العمل كمضيفة طيران في شركة الـ"ميدل إيست"، والتي فيها تعرفت إلى زوجي الكابتن أنطوان أبي خليل، ونشأت في ما بيننا علاقة حب تكلّلت بالزواج وتكوين عائلة مؤلفة من فتاتين. وهنا أود أن أشير الى أن قبل زواجي بشهرين، ونزولاً عند رغبة زوجي، لا بل إصراره على تكوين عائلة بأسرع وقت ممكن، استقلت من العمل، وتفرّغت للعائلة وبتُّ أشرف بنفسي على تعليم ابنتيّ، إلى أن كبُرتا ودخلتا الجامعة، فأصبحت حياتي رتيبة، ورحت أفكر بالعودة الى العمل، ولكن هذه المرة من طريق تأسيس شركة خاصة.

وتضيف أبي خليل: لم أفكّر يوماً بتأسيس شركة لمعالجة مياه الصرف الصحي، إلى أن كشف لي زوجي في إحدى الجلسات العائلية عن رغبته في تأسيس شركة تضم أحدث التقنيات لمعالجة مشاكل الصرف الصحي، باعتبار أن معالجة أي مشكلة في الصرف الصحي كانت تتطلب آنذاك الكثير من أعمال الحفر في البنى التحتية من أجل تحديد مكان العطل وإصلاحه. كما أخبرني أنه تم ابتكار آلات متطورة عالمياً تكشف مكان العطل وتصوّره، وتسمح لعامل الصيانة بالمعالجة الفورية بأقل ضرر ممكن. ومن ثم أبلغني أن فكرته ستبقى مجرد حلم، لأن لا وقت لديه بحكم عمله لمتابعة هذا المشروع، كما أن هناك صعوبة في إقناع الزبائن بجدوى التقنيات الحديثة، إضافة الى ضرورة مرافقة العمال من أجل توجيههم والإشراف على عملهم. وهنا وجدت نفسي لا شعورياً أسترسل في الحديث مع زوجي وأستوضح منه عن تكلفة شراء المعدّات، وعن الدورات التدريبية على الآلات، وعن التوجيهات والإرشادات التي يُفترض تقديمها للموظفين، وقلت له إن في إمكاني تحقيق حلمه من طريق تسلّمي المشروع والتفرغ التام لإدارته، وبعد مشاورات عدة اقتنع زوجي وبدأنا بتنفيذ خطوات تأسيس شركة. واستطردت أمل قائلةً إن تأسيس الشركة مر بخطوات ثلاث هي:

أولاً: شراء الآلات والمعدّات المتطورة وخضوعي لدورات تدريبية مكثفة على كيفية استخدامها.

ثانياً: اختيار فريق عمل متجانس وتلقينه أسس استخدام هذه الآلات.

ثالثاً: وضع نظام داخلي للمؤسسة يضفي لمسة أنثوية على المهنة، من أهم بنوده الحفاظ على النظافة الشخصية قبل العمل وفي أثنائه وبعد الانتهاء منه، ناهيك عن استخدام التعابير اللائقة في العمل، وضرورة الحفاظ على نظافة الورشة، والاقتناع بأنني المسؤولة عن الكشف على الأعطال، وكلمة الفصل في إيجاد الحل تكون لي بعد التشاور مع أعضاء فريق العمل. وبعد الانتهاء من تنفيذ هذه الخطوات، دخلتُ ميدان العمل في مجال الكشف عن أعطال الصرف الصحي ومعالجتها مع فريق عمل متكامل، ومكوّن من شقيقتي وفاء وأربعة موظفين.

- في رأيك، ما سر نجاحك في مجال عملك، الذي هو أساساً من اختصاص الرجال؟

أنا بطبعي امرأة عنيدة تعشق التحدّي، وباتخاذي هذا القرار أكون بدايةً قد تحدّيت نفسي، وانتقلت بصحبة شقيقتي وفاء من حياة ملؤها الرفاهية والبذخ والترف إلى أخرى مثقلة بالصعاب، واعدةً نفسي بتجاوز كل المحن لبلوغ النجاح وإثبات الذات، ومصمّمة على تخطي كل العراقيل من أجل تحقيق حلم زوجي. وقد واجهتني صعاب وتحديات عدة سببها قلّة الخبرة في العمل، لكنها زادتني إصراراً واندفاعاً من أجل تحقيق الشهرة، وكان لي ما أردت في نهاية المطاف.

وتضيف أمل: وهنا أيضاً لا بد من التأكيد أن مواكبة التطور التقني وشراء الآلات والمعدّات الحديثة وإخضاع فريق العمل لدورات تدريبية بصورة دورية على التقنيات الحديثة كان لها تأثير مباشر في نجاح شركتنا. وبلغة الأرقام، انطلقنا في العمل منذ 15 سنة برأس مال قدره خمسة آلاف دولار، أما اليوم فتتجاوز قيمة آلاتنا ومعدّاتنا الـ 300 ألف دولار.

- هل تواجه سيدات الأعمال العربيات عقبات في ظل عدم تقبّل مجتمعنا لفكرة قيام المرأة بدور ريادي في العمل؟

مواجهة العراقيل أمر لا بد منه، وشخصياً واجهت تحديات عدة لعل أبرزها إقناع الزبائن بأننا شركة ولا ننتمي الى فريق عمل "الكاميرا الخفية"، باعتبار أن فريق العمل يضم سيدتين، وجميع الموظفين يرتدون القفّازات ويحافظون على نظافتهم الشخصية، ولكن سرعان ما تخطيت هذه المشكلة من طريق إبراز رخصة الشركة القانونية، وأوراقنا الثبوتية قبل المباشرة بأي عمل، فكان الزبائن يستقبلوننا بنظرة تعجّب ويودّعوننا بنظرة إعجاب.

أما التحدي الآخر فتمثّل في إقناع بعض أرباب العمل الذين ينتمون بمجملهم الى المجتمع الذكوري بضرورة استخدام الآلات الحديثة من دون اللجوء الى التكسير، ومما زاد الأمر تعقيداً تولّي شخصياً الكشف عن مكان العطل وطرح الحل لمعالجة المشكل. فالعديد من أصحاب الورش رأوا في ذلك انتقاصاً من رجولتهم ومن خبرتهم، ولكن سرعان ما خضعوا للأمر الواقع، وباتوا يتصلون بي للكشف على الأعطال وإيجاد الحلول. ولكن في الفترة الفاصلة ما بين رفضهم القاطع والخضوع للأمر الواقع، تعرضت لانتقادات عدة، فالبعض وصفني بـ"المسترجلة"، والبعض الآخر شطح به الخيال فاعتقد أن المرأة التي تتواجد في ورشة عمل مكتظة بالرجال تكون فريسة سهلة للغزل، وبسبب عدم اكتراثي لايحاءاتهم، اتُّهمت بأنني مثلية الجنس وأعشق النساء.

- هل تقبّلت عائلتك فكرة كونك سيدة أعمال؟ وهل تناقض ذلك مع دورك كزوجة وأم؟

سبق أن أشرت إلى أنني بدأت العمل بتشجيع ودعم معنوي ومادي من زوجي، وهو أطلعني منذ البداية على الصعاب التي قد تواجهني، وأنني سأضطر للبقاء وقتاً طويلاً مع فريق العمل، كما أصر على أن أكشف بنفسي على الأعطال وأجد الحل النهائي للمشاكل، وهذا يعني أنه لا يمانع أو يعترض على غيابي لفترات طويلة خلال اليوم عن المنزل. وهنا أود أن ألفت الى أن شقيقتي وفاء كانت ولا تزال ملاكي الحارس، لا بل الجندي المجهول الذي يصون شركتنا، فهي تحمّلت وتتحمّل معي كل ضغوط العمل، ولا تزال ترافقني الى الورش حتى باتت على اطلاع تام على كل تفاصيل شركتنا.

أما في ما يتعلق بابنتيّ، فالصغرى بينهما كانت وما زالت تفتخر بعملي، حتى أنها دعت رفاقها مراراً إلى ورش العمل التي كنت أديرها من أجل إطلاعهم على سير عملي، كما تفتخر بأن شركتنا تتولّى أعمال الصيانة لمرافق ومؤسسات مهمة في الدولة. أما ابنتي الكبرى فقد تابعت دراستها في باريس، ولم أقصّر يوماً تجاههما.

- بمَ شعرت عندما تم اختيار شركتكم من بين الشركات الخمس الأولى في لبنان للعام 2018؟

هذا الاختيار هو مدعاة فخر لي ولعائلتي، فالجهود التي بذلتها طوال السنوات الماضية أعطت ثمارها، كما أن تضحياتي لم تذهب سدى. وهذا الاختيار شجّعني لوضع خطة عمل مستقبلية، خطة تُبنى على إرشاد طلاب المدارس وتوجيههم، باعتبار أن التوجيه والنصح والإرشاد في مجالات الحياة المختلفة مطلب ضروري. وما أحوجنا اليوم إلى الإرشاد التربوي والمرشدين المختصين في المدارس لتحقيق الأهداف التربوية، وتنشئة الطلاب على الأسس التربوية السليمة للحصول على جيل واعد يساهم في بناء المجتمع، وهو ما ليس متوافراً في لبنان، ولذلك أتواصل مع وزارة التربية من أجل تحقيق هذا الهدف.

- هل واجهت مشكلة في كونك امرأة ترأس فريق عمل من الرجال؟

فريق عملي الحالي رافقني منذ البداية، ولم أواجه معهم أي مشكلة من هذا النوع، باعتبار أن أولى الصعوبات التي واجهتني أثناء تأسيس الشركة هي عملية اختيار فريق عمل كامل متكامل. ولتحقيق ذلك، أجريت وزوجي مقابلات عمل مع عدد كبير من ذوي الاختصاص، واخترنا الأفضل بينهم، ومن ثم أخضعناهم لدورات تدريبية على الآلات، تلتها دورات لتعليمهم كيفية التعاطي مع الزبائن ومعي مباشرةً كربّة عمل. وفريقي يعلم أن الكشف الأوّلي على الأعطال هو حكر عليّ، واتخاذ القرار يتم بالتشاور في ما بيننا، أما الكلمة الفصل فتكون لي، وشعارنا الأساس هو "لا تكسير بعد اليوم، وما من شيء مستحيل تنفيذه، وكل المشاكل ممكن معالجتها وإيجاد حل لها".

- هذه المقولة؟ وهل دخلت المرأة عالم ريادة الأعمال من طريق الوراثة؟

في الحقيقة، ورث الكثير من سيدات الأعمال في لبنان مؤسّساتهن من الزوج أو الوالد، وأنا أؤيد بقوّة هذه المقولة، وبدأت عملياً تحضير ابنتي الصغرى لتسليمها إدارة المؤسسة التي أنشأتها قبل 15 سنة، وذلك من أجل التفرّغ للقيام بمهمات أخرى. لكن أنا شخصياً لم أدخل عالم ريادة الأعمال بالوراثة، بل سعيت الى تأسيس شركة DRAIN ADD بدعم مادي ومعنوي من زوجي الكابتن أنطوان أبي خليل.