'شتاء ساخن' مسلسل يخترق 'التابوهات'
السينما السورية, عباس النوري, دراما سورية, دراما تلفزيونية, شتاء ساخن, فؤاد حميرة, فراس الدهني, شهر رمضان
27 أبريل 2009المخرج فراس دهني
- ما الخطوط الأساسية التي يتناولها العمل؟
يقدم العمل مجموعة من الصراعات الدرامية ضمن قوالب متعددة أهمها القالب الاجتماعي الذي يميل أحياناً نحو الإثارة والتشويق ولكنه مُحاك بشكل جميل. ومن أوجه الصراع هناك بعض العلاقات غير المشروعة داخل العائلة بشكلها العام، إضافة الى الصراع بين الإنسان وبيئته وخاصة عندما تصارع عدواً قوياً أسمه الفقر. وفي هذا الصراع قد تلجأ إلى طرق غير مشروعة منها الكسب غير المشروع الذي يتطور إلى سرقة فجريمة. وأرى أنه عندما تحاول أن تقدم الواقع دون أقنعة وعمليات تجميل لمشكلاتنا فأنت حتماً ستصطدم بكثير من «التابوهات» والإشكاليات، وهذا ما جعلني أميل الى نص «شتاء ساخن» فقد خاطب قلبي وعقلي. وتنبع الإشكالية من الاصطدام بالجدران والأسوار التي وجدت لمنع التفتح والمصارحة، وعملنا هذا فيه الكثير من تلك الجدران والأسوار التي بنتها عادات وتقاليد بالية مكتسبة وسلبية.
- عما تبحث كاميرتك؟
تبحث عن تفاصيل الحياة وعن الصدق والتجديد في تقديم هذه التفاصيل. ففي هذا العمل سيلاحظ المشاهد اختلافاً كبيراً عن الأعمال التي قدمتها سابقاً من حيث حركة الكاميرا وتفاصيل الممثل وكيف تم تجنيدها للعمل الدرامي، فأنا لا أميل الى الشكل على حساب المضمون أو العكس، والمزاوجة بينهما هي الأصعب وهي في الوقت ذاته الطموح الأكبر.
- هناك نوعان من الجرأة: الجرأة المُبتذلة الباحثة عن التسويق و الترويج، والجرأة التي تحاكي الواقع بشكل حقيقي. فكيف يمكن التمييز بينهما عبر هذا العمل؟
أعتقد أن التميز بينهما ليس صعباً إن كان بالنسبة الى صانع العمل ومنتجه أو حتى المشاهد، فهناك تشويق من أجل التشويق وإثارة من أجل الإثارة، وهناك تشويق وإثارة لكن خلفهما رسالة، وهذه الرسالة هي التي أحملها ويحملها مجموعة من المبدعين في الدراما السورية، وهي رسالة للتنوير والتوعية وهي تدعو للتطور والانفتاح الاجتماعي الايجابي. ويميز المشاهد بسرعة بين العمل الذي يطرح موضوع الإثارة دون رسالة والعمل الآخر لأنه في نهاية الحلقة سيسأل نفسه ماذا شاهدت وما القصة التي روتها هذه الحلقة أو تلك وكيف تطورت الأحداث. وبالتالي هناك اختلاف جذري بين النوعين.
- إنه ليس العمل الأول الذي يتم تصويره ليعرض خارج رمضان، فهل يمكن القول إن هناك اتجاهاً نحو كسر احتكار رمضان للمسلسلات؟
يبدو أن هناك نوعاً ما نظرة جديدة لدى المحطات حول نوعية الإنتاج وكيفية الإنتاج وفكرته. فعلى سبيل المثال بعدما كاد الفيلم التلفزيوني يندثر هناك اليوم موجة جديدة من الأفلام التلفزيونية وهناك عودة للثلاثيات والسباعيات، وهذه عودة أشجعها لأن فيها الكثير من البحث عن نمط تلفزيوني مهم جداً وهو العمل القصير الذي يُشاهد في جلسة واحدة ويقوّمه المشاهد، فإما ينجح أو يفشل. وبالتالي أعتقد أن رهان هذه الأعمال أصعب من رهان المسلسل الذي يمتد ثلاثين حلقة وله خطه البياني الصاعد والهابط.
وبالعودة إلى المسلسل أرى أن أهم صفة ينبغي أن يتحلى بها ليكسب رهان العرض خارج رمضان هي الجودة وظروف العرض ومكانه، إضافة الى اكتمال العناصر الفنية والإنتاجية. لكن معيار مكان العرض هو معيار مهم، والأمثلة كثيرة ومؤلمة فإن كان العمل ممتازاً وعُرِض على محطة قليلة المشاهدة في وقت سيىء لن يلقى المُشاهدة.
الكاتب فؤاد حميرة
- إلى أي مدى شكّل المسلسل المصري «صرخة أنثى» الذي تناول فكرة الفتاة المتحولة جنسياً الحافز لتطرح الموضوع نفسه في «شتاء ساخن»؟
ليس لدي علم أن هناك مسلسلاً مصرياً قدم هذه الشخصية، وأقول ذلك بصدق. فمسلسل «شتاء ساخن» كُتِب منذ سنتين وهذه السنة هي الثالثة له. والفكرة التي أردت طرحها من خلال هذه الشخصية أن الأنثى في المجتمع الذكوري الذي تتعرض فيه المرأة للاضطهاد إن تحولت إلى ذكر كيف تتصرف؟ وبالتالي فأنا هنا لا أريد إظهار معاناة هذه الفتاة فقط وإنما معاناة أختها أيضاً لأنه ما أن تحولت إلى ذكر حتى باتت تمارس ذكوريتها على أختها لفرض سلطتها عليها (ممنوع الخروج من المنزل إلا بإذن)، فتمارس الاضطهاد الذكوري نفسه الذي كانت تعانيه هي من والدها. والغريب أنها عندما تتحول إلى رجل تتلقى الدعم الكامل منه فهو صاحب السلطة العليا في المنزل وتتحول من سهام إلى سامي.
- أصبح اعتمادك على النظرة السوداوية للحياة سمة عامة تطبع مجمل أعمالك اجتماعية كانت أو تاريخية أو بيئية. أليس هناك من وجه آخر يتحكم في المعادلة ليظهر البياض منها؟
من حقي أن أختار الخط الذي أرى أنه يعبر عن أفكاري، كما أنني لا أرى أن هناك الكثير من السوداوية فإن تحدثت عن الجانب الأبيض لن يرى العمل أحد.
- الحياة فيها ألوان الطيف كله وليس الأسود أو الأبيض فقط؟
لا أنقل الحياة ولكني أكتب حالة خاصة منها، فعندما يكون العمل عبارة عن حياة لن يراه أحد، ولكن في الوقت نفسه لا أقول أن بطل المسلسل يمثل المجتمع كله فهو يمثل نفسه.
- عندما تقول انك تتناول الحالات الخاصة ألا يوقعك ذلك في مشكلة رقابية؟
بالطبع، فالرقابة لا تفهم أن هذا الموضوع له علاقة بحالة خاصة، فيقولون انني أنقل المجتمع ولكن هل المجتمع كله اسمه وكيل (وهو أحد أبطال العمل)!؟ لقد اخترنا أسماء غريبة كي لا يكون لها إسقاط في المجتمع. ثم هناك من قال إن الفن واقع فصدقه الجميع وساروا في ركابه، ولكن الفن لم يكن أبداً واقعاً أو حياة. إن ذلك كذبة ينبغي أن ننتهي منها، فهل من المعقول أن تكون أميركا كلها رامبو؟!... لماذا نقرأ رواية؟ لأن فيها حالة خاصة.
- لماذا سعيت لإظهار العلاقة غير الشرعية بين الأخ وزوجة أخيه؟
وكيل يحب زوجة أخيه كما أن زوجته دخلت في غيبوبة، وهو في الوقت ذاته وسيم وزوجة أخيه جميلة فتحدث علاقة بينهما. وأنا هنا لا أبرر هذه العلاقة ولكني أقول إنه كان مضطراً لأن يسلك هذا السلوك، وأنبه الى أن وضع خمس أو ست عائلات في منزل واحد تحت ضغط الظرف الاقتصادي أمر سيدفع الى الفساد الأخلاقي والفكري والقيمي... والحل أن نوفر لكل منهم منزلاً وإن كان عبارة عن كوخ.
- كيف يمكن من خلال هذا الخط الدرامي إظهار فكرة أنك لا تبرر أفعاله وإنما تنبه منها؟
إنها ليست تبريراً. إنني أقول لا تفعلوا ذلك كي لا تصلوا إلى هذه النتيجة، أي لا تدع الظرف الاقتصادي يدفعك الى الحل السهل وترتكب جريمة، وينبغي أن تفكر في الحلول الصعبة وألا تلجأ الى الحل السهل، إن الذين ارتكبوا الجريمة لم أقدمهم خبراء في عالم الجريمة وإنما هي جريمتهم، لذلك وقعوا في الكثير من الأخطاء، لا بل حتى المال الذي سرقوه لم يعرفوا كيف يتصرفون به.
- المخرج الذي كان سيخرج العمل هو مروان بركات ولكن أصبح النص بين يدي المخرج فراس دهني. كيف حدث ذلك؟
وقعت مشكلة بيني وبين المخرج مروان بركات فكان هو على عجلة ويريد النص بسرعة، لكني لا أستطيع أن انهيه بسرعة لأني أكتب بمزاج رغم أن ذلك من حقه لأنه كان مرتبطاً مع محطات ولكن لا أستطيع الكتابة بسرعة، كما أننا اختلفنا على اختيار الأدوار.
- أتتدخل في اختيار الشخصيات أم أن الأمر يبقى بين يدي المخرج؟
لا أتدخل إلا عندما أجد أن الخيار وصل إلى مرحلة خطرة. أتمنى أن أختار الشخصيات لأنه حتى الآن لم يأتِ مخرج يختار ممثلين كما أرغب، باستثناء المخرجة رشا شربتجي التي اختارت بنسبة 90% بالتنسيق في ما بيننا، ولكن في ما تبقى أشعر بأنه ليس هؤلاء الممثلون هم المناسبون للأدوار. قد تجد أن هناك فنانين وضِعوا في مكانهم الصحيح ولكن البقية لا يمثلون الشخصيات المناسبة لهم. إلا أن هذا الأمر يبقى ضمن وجهة نظر المخرج، كما أن المحسوبية والزمالة والصداقة كلها أمور تلعب دورها وكل مخرج يريد أن يحضر جماعته بغض النظر عما اذا كان الممثل مناسباً للشخصية أم لا.
- إلى أي مدى أنت راضٍ عن اختيار ممثلي «شتاء ساخن»؟
راضٍ نوعاً ما فمجموعة العمل هي مجموعة نجوم مُختارة بشكل ممتاز. لكني شعرت بأن هناك بعض الشخصيات الموضوعة في غير مكانها، ولحسن الحظ أنها ليست شخصيات رئيسية في العمل.
- سيعرض المسلسل خارج رمضان، فإلى أي مدى تشجع العرض خارج رمضان؟
إنني ضد سوق عكاظ الذي يحدث في رمضان حيث يركض الجميع ليلحقوا أعمالهم، فلماذا لا تكون العجلة دائرة دائماً خلال العام؟ أرى أن عرض العمل الآن على محطة أبو ظبي أمر إيجابي، وسأكون مسروراً جداً لعرضه خارج رمضان لأنه سيأخذ ضجة أكبر من عرضه في رمضان.
الفنان عباس النوري
- إلى أي مدى يمكن أن نكتشف العمق الإنساني لدى شخصية وكيل رغم أنه «رئيس عصابة»؟
عندما نقول عصابة سيذهب تفكير الناس الى أن هناك أموراً سرية ومواجهات وعيارات نارية ومؤامرات... لكن وكيل إنسان عادي جداً مدفوع بسبب ظروف معينة في اتجاه أفكار مريضة فيتبناها، وبالتالي هو لا يشكل تنظيماً أو عصابة. كما أنني لا أؤدي شخصية شريرة فحسب، بل شخصية من لحم ودم.
- هل استطعت تفادي الصيغة المطروحة في السينما المصرية حول صراع الواجب والحب بين الأب المجرم والابن الضابط؟
كي لا أسميها مصرية فلنقل أنها لحظة ميولدرامية.
- ولكنها تكررت جداً في الأفلام المصرية؟
الصيغة المصرية لتقديم هذا النوع من اللحظات والعلاقات الشائكة ما بين أب متهم وابن يُمسك والده باتهامه ولكنه لا يستطيع القبض عليه هي لحظة ميلودرامية. ولكي لا تُقدم ميولدراما ينبغي أن تُقدم الواقع في أعلى صيغة ممكنة من الواقعية، والأمر لا يتعلق بالأداء التمثيلي والعلاقة بين الممثلين والشخصيات فقط وإنما هي صيغة للإخراج، بمعنى أنني قد أقدم الشخصية بصيغة واقعية جداً إلا أن المخرج قد يرتكب خطأ كأن يضيف شحنة موسيقية عالية تدفع في اتجاه الصيغة الميولدرامية الهندية أو المصرية. لكننا لا نريد تقديم ذلك وإنما التسبب بصدمة حقيقية للمشاهد كي يرى الخذلان الذي تتعرض له الشخصية في موقف استثنائي وصعب. وقد حاولت تقديم وكيل في أعلى درجة ممكنة من الواقعية.
- يتم من خلال هذا العمل السعي لترسيخ صيغة جديدة لآليات العرض خارج رمضان.. فما الشروط الواجب توافرها ليحقق العمل النجاح المطلوب خارج رمضان؟
كنت أميل الى الاعتقاد أن الأعمال الشامية هي ملعب رمضان الأول والأخير، بدليل أنني قدمت «الاجتياح»، «الحصرم الشامي» والجزء الثاني من «باب الحارة» في رمضان، فألغى أبو عصام كل ما قدمت علماً أن العملين الأولين أهم بكثير من «باب الحارة» وأديت فيهما شخصيتين أهم بكثير من شخصية أبي عصام. فالمعادلة التي تحكم الأعمال الفنية في رمضان ليست المعيار الحقيقي وإنما المعيار الحقيقي هو خارج رمضان، بمعنى أنك تقدم أعمالاً خارج رمضان لمشاهد حر ليس مأسوراً بظروف وطقوس معينة في المُشاهدة، بل يختارك بعناية وعفوية أكثر. وبالتالي العمل الفني خارج رمضان يقارب الحالة السينمائية لأن المشاهد يختارك بينما العمل في رمضان يفرض على المشاهد.
يحرص الكاتب فؤاد حميرة على طرح مسائل شائكة لأنه يؤمن بأن من واجب الفن تسليط الضوء على البؤر الشاذة في المجتمع، ليس من مجتمعنا ليس بهدف تعميمها وإنما بهدف التنبيه والتحريض على التغيير نحو الأفضل. ولعل مسلسله الأحدث «شتاء ساخن» يشكل مثالاً حقيقياً وحياً إلى ما يصبو إليه خاصة أنه التقى بالفكرة ذاتها مع المخرج فراس دهني الذي يؤكد أهمية بث المعرفة والتنوير في العمل الدرامي ليكون حاملاً لرسالة مهمة تجمع بين الفائدة والمتعة. ومن هذا المنطلق يأتي المسلسل الجديد مليئاً بالأحداث والشخصيات الإشكالية، لا بل إنه منذ نقطة الانطلاق يبدأ بحادث سرقة، فقتل، لتتشعب الأحداث وتغوص في أعمال مشكلات تكبر وتكبر واضعة الأصبع بألم على الجرح.
تدور أحداث مسلسل «شتاء ساخن» حول مجموعة من الأشخاص الذين يجتمعون بقصد سرقة محل للمجوهرات فيقتلون صاحب المحل وابنه، إلا أن أحدهم يأخذ الغنيمة وحده ويهرب تاركاً خلفه غضب رفاقه وسعيهم للبحث عنه وتقاسم الغنيمة. إلا أن الخطوط تتشابك فرئيس العصابة (وكيل) ابنه في الأمن الجنائي ويتم تكليفه بالقضية، مما يوقعه في ما بعد في صراع مرير بين الواجب وحبه لوالده. أما وكيل فهو يعيش أيضاً صراعه الداخلي على المستويين المادي والعاطفي كونه يحب زوجة أخيه التي تسكن معه في المنزل نفسه ويكتشف حقيقتها ابنه الثاني المُتدين. بينما هناك مصيبة أخرى تنتظر شريكه رباح (الفنان عبد الرحمن أبو القاسم) الذي تُفاجئه ابنته بأنها متحولة جنسياً فتجرى لها جراحة وتصبح ذكراً وتعيش حياتها الجديدة بملء حريتها. أما سامر (الفنان باسم ياخور) فهو المتآمر السري الذي وضع الخطط ورسم طريقة التنفيذ للجريمة والسرقة كي يُفتح أمامه الطريق ويأخذ ثروة كبيرة تُقدر بالملايين، لا بل إنه يتزوج من زوجة المغدور الذي غرر به...
إذاً أحداث كثيرة حاكها الكاتب في المسلسل الذي يجري تصويره حالياً ليُعرض خارج رمضان على قناة أبو ظبي ضمن خطتها لعرض أعمال درامية خارج أسوار الاحتكار الدرامي الرمضاني ليكرس بذلك صيغة عرض جديدة. والعمل من بطولة عباس النوري، باسم ياخور، عبد الرحمن أبو القاسم، خالد القيش، محمود نصر، جلال شموط، جيني اسبر، سامية الجزائري، ضحى الدبس، فادي صبيح، عاصم حواط، سحر فوزي، رنا أبيض، عبد الحكيم قطيفان، رواد عليو، جمال العلي، سوسن ميخائيل، وسواهم.