وشم منة شلبي يفجر أزمة دينية!
منة شلبي , زيزي مصطفى, د. آمنة نصير, د. مبروك عطية, د. عبلة الكحلاوي, د. عفاف النجار, علماء الدين, إزالة الوشم
15 أكتوبر 2012الوشم والحناء
وأشارت الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة بكلية الدراسات الإسلامية بالزقازيق، إلى أنه إذا كان الإسلام حرِّم الوشم لما له من مضار على الجسم، فقد أباح الرسم بالحناء، أي أنه وفر البديل الشرعي لزينة المرأة لزوجها أو محارمها، أي إنها لا تظهر زينتها لأي إنسان الوشم الحلال بالحناء، وألا يكون في مضمون الوشم كلمات مخالفة للشرع.
وفرقت بين الحكم الشرعي بتحريم الوشم الجلدي الضار وما يعرف بـ»الوشم اللاصق» الذي يستخدم لمدة قصيرة ثم يزال في وقته عند الانتهاء من الغرض الذي وضع من أجله دون أن يبقي أي أثر أو ضرر له، لأن هناك فرقاً بين الزينة الثابتة الدائمة التي تغيِّر لون العضو وشكله، وبين الزينة الموقتة، فالأولى محرمة لأنها من التغيير لخلق الله تعالى، أما الثانية فهي مباحة ومن التزين المباح، بشرط ألا يراه غير الزوج والمحارم.
وأنهت الدكتورة فايزة كلامها بأن «بعض الدعاة لم يكلّفوا أنفسهم تقديم النصح باللين للفنانات، مثل منة شلبي أو غيرها من اللواتي ارتكبن مخالفة شرعية، مع أن إسلامنا دين الرفق والنصح لإظهار الحق وبيان الأخطاء التي يرتكبها البعض من الفنانين وغيرهم، فقد قال الصحابي الجليل جرير بن عبد الله: «بايعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم». فأين دعاة التعصب والتكفير والتنفير من ذلك، ومما قاله الحسن بن على بن أبي طالب، ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، «ما زال لله تعالى نصحاء، ينصحون لله في عباده، وينصحون لعباد الله في حق الله، ويعملون لله تعالى في الأرض بالنصيحة، أولئك خلفاء الله في الأرض»؟».
آداب النصيحة
تدعو الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، الدعاة إلى التأني وحسن عرض أحكام الإسلام وعدم التطاول على الآخرين، سواء من الفنانات أو غيرهن ممن هن في حاجة إلى من يأخذ بأيديهن إلى الطاعة ويبيّن لهن الحلال من الحرام، لأنه من آداب النصيحة أن تكون مخلصة لله تعالى بغير رياء ولا تجريح، ولا بحثاً عن شهرة أو سمعة أو تحقيق غرض دنيوي، لأن النصيحة نوع من أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويفضل شرعاً الإسرار بالنصيحة والحرص على الستر، لأن النصيحة أمام الناس توبيخ لا يقبله أحد، ولهذا قال الفاروق عمر بن الخطاب: «رحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي».
وتساءلت الدكتورة عفاف: «ماذا سيضير من أفتى بتكفير منة شلبي واتهمها بالإساءة إلى الذات الإلهية، لو أنه حاول بيان الحكم الشرعي لها برفق وعن طريق وسيط وليس على شاشة الفضائيات؟ فالأولى به أن يطبق قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه»، وقول الإمام الشافعي رضي الله عنه:
تعهدني بنصحك في انفراد **** وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع **** من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت قولي**** فلا تغضب إذا لم تُعط طاعة».
هناك فرق
يفرق الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، بين الحكم الشرعي للوشم الذي يتم بأدوات ثاقبة للجلد، مثل الإبر والسكاكين الدقيقة التي تحدث جروحاً جلدية وتشويه لخلق الله، وهذا هو ما حرمه الإسلام محافظة على جلد الإنسان من الضرر، والوشم الذي يتم عن طريق ملونات أو مساحيق مختلفة دون أي إضرار بالجلد، فهذا ليس حراماً مثل الوشم الأول الضار بجلد الإنسان.
ويضيف: «هذا لا يعني أنني أقر ما فعلته منة شلبي، لكنني أعترض على طريقة تناول الموضوع وجعله قضية رأي عام دون الاستماع إلى مبرر الفنانة وطبيعة الوشم الذي وضعته، ولماذا اختارت لفظ الجلالة بالذات؟ وما قصدها من ذلك؟ ثم نبين لها حكم الشرع بناءً على كلامها».
وأشار الدكتور مبروك إلى «ضرورة تمتع الدعاة بسعة الصدر وعدم التسرع بإصدار الأحكام بالتكفير أو الإساءة إلى الذات الإلهية، الأمر الذي قد يعطي عامة الناس مبرراً للاعتداء على من يتم اتهامه بذلك، وقد يصل الاعتداء إلى القتل، ووقتها سيكون دم الضحية في رقبة من أساء الإفتاء وسارع بالتكفير أو ما يقاربه من احكام شرعية، مع أن الإسلام دين يدعو إلى الرفق والنصح مع العصاة لأخذهم إلى الطاعة والإيمان، وإلا لماذا وجه الله رسوله إلى الرفق والبعد عن قسوة القلب، فقال: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» آية 159 سورة آل عمران».
بدأت القضية بقيام الفنانة منة شلبي برسم وشم عبارة عن لفظ الجلالة على ذراعها اليسرى أثناء حضورها العرض الخاص بفيلمها «بعد الموقعة». وسرعان ما شنّ بعض أعضاء التيار الديني المتشدّد هجوماً شديداً عليها، واتهموها بالكفر لإهانتها الذات الإلهية بوضعها وشماً على جزء من جسدها، الأمر الذي يعد في رأيهم تحدياً للدين واستهانة بأحكامه. واشتدّ الهجوم عليها لكونها ممثلة، وتساءل البعض: كيف تقدّم منّة شلبي مشاهد جريئة واسم «الله» مكتوب على ذراعها؟ معتبرين أنّها بهذا الوشم أساءت بشكل كبير إلى الذات الإلهيّة، بينما ذهب البعض الآخر إلى تفسير تصرّف منة شلبي بأنه نوع من مغازلة الإخوان المسلمين بعد تولّيهم الحكم في مصر، ومحاولة التصالح مع التيار الديني. إلا أن هذا جاء بنتيجة عكسية، إذ تم اتهامها بالإساءة إلى الذات الإلهية، في حين وصل البعض باتهامه لها إلى حد تكفيرها.
ورفضت منة شلبي التعليق على هذا الهجوم والتزمت الصمت تماماً، لأنه يبدو أنها شعرت بأنها قد تكون هدفاً لهجوم أشد من بعض الدعاة الذين شنوا هجوماً شديداً على الفنانتين إلهام شاهين ويسرا، وصل إلى اتهامهما بالدعارة، بل حرمانهما من الجنة لأنهما من أهل النار.
على عكس موقف منة، كان موقف والدتها الفنانة المعتزلة زيزي مصطفى التي دافعت عن ابنتها ضد تيار التكفير قائلة: «هل ستبقى منّة مثاراً دائماً للهجوم عليها في أي تصرّف تقدم عليه؟ أرجوكم اتركوها في حالها، ولفنّها».
وتساءلت: «ما المشكلة في أن تضع منّة وشماً على ذراعها، وتكون الكلمة لفظ الجلالة؟ أليس هذا أفضل من أن تضع رسوم العفاريت والأشكال الغريبة على جسدها؟ إن كلّ ما تقصده من الوشم هو طلب حماية الله».
ودافعت عن تديّن ابنتها وأدائها للفروض الدينية قائلة: «ماذا يريدون من ابنتي؟ إذا ارتدت ملابس عارية يُهاجمونها، وإذا وضعت لفظ الجلالة على ذراعها يُهاجمونها أيضاً، فهل معنى ذلك أنّها إذا وضعت، هي أو أي فتاة أخرى، سلسلة عليها كلمة «ما شاء الله»، أو أي رمز دينيّ، تُتّهم بالإساءة إلى الذات الإلهيّة؟ حاشا لله، فابنتي مؤمنة بالله سبحانه وتعالى وتصلّي وتصوم».
رفق الدعاة مطلوب
اتفقت معها في الرأي الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية، إذ رأت أن ما ارتكبته منة شلبي مخالف للشرع لأن الوشم منهي عنه شرعاً، فقد قالت أم المؤمنين السيدة عَائِشَةَ: «نَهَى رَسُولُ اللّهِ، صلى الله عليه وسلم، عَنِ الْوَاشِمَةِ وَالْمُسْتَوْشِمَةِ وَالْوَاصِلَةِ وَالْمُسْتَوْصِلَةِ وَالنّامِصَةِ وَالْمُتَنَمّصَةِ». ومستحيل أن يصل من يخالف هذا النهي إلى الكفر أو الإساءة إلى الذات الإلهية، إلا إذا اعترفت هي بنفسها، والاعتراف سيد الأدلة، أنها فعلت هذا استهانة بأحكام الشرع وعدم اعترافها بها، وتعمدها الوشم بلفظ الجلالة بهدف الإساءة إليه واستهانة به واحتقاراً لمن يعتقدون حرمة ذلك.
وطالبت الدكتورة آمنة الدعاة «بالابتعاد عن نغمة التكفير وإلقاء التهم قبل التثبت من نية صاحبها، لأن هذا يسيء إلى الإسلام. وعليهم أن يطلعوا على سيرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، في التعامل مع العصاة ببيان الخطأ دون تجريح أو تشهير، فقد روى الصحابي أبو أمامة: «أن فتى شاباً أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنى، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مهٍ مهٍ فقال: اِدنُه، فدنا منه قريباً، فجلس، قال أتحبُّه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال أتحبُّه لأختك؟ قال: لا والله ، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال أتحبُّه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أتحبُّه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء»، فأين دعاة التعصب والتشنج من هذا المنهج الإسلامي في بيان الحق وبيانه لمن يجهلونه؟».
وأنهت الدكتورة آمنة كلامها بالتأكيد أنه لو «حصل التعامل مع تصرف الفنانة منة شلبي بهذا المنهج النبوي، لكانت النتيجة مختلفة تماماً، لأن الإنسان بطبعه يحب من يذكره بالله وينهاه عن المعصية أو المخالفة الشرعية سراً، وليس علانية، لأن فضحه على رؤوس الأشهاد يجعله يغضب لنفسه ويعاند، ولو في الخطأ، والداعية منا مسؤول لأنه لم يحسن تقديم النصح إليه».
النصح وليس التكفير
تعجبت الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، من «مسارعة البعض إلى تكفير من يرتكب أي مخالفة شرعية أو اتهامه علانية بالإساءة إلى الذات الإلهية، مع أن الذنوب درجات، وواجب على الداعية عندما يرى أي إنسان على معصية أو ارتكب ذنباً أن ينصحه بالحسنى أولاً، وليس فضحه وإعانة شياطين الإنس والجن عليه، وجعله يعاند ويصرّ على الذنب. ولعل هذا هو ما جعل الله يأمرنا بأن نحسن تقديم النصيحة لأي إنسان ارتكب مخالفة شرعية، سواء بالوشم أو غيره، لأنه ربما فعلها عن جهل، فقال تعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إن رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» آية 125 سورة النحل».
وأشارت الدكتورة عبلة إلى أنه لو «قام أحد هؤلاء الدعاة، الذين كفّروها واتهموها بالإساءة إلى الذات الإلهية، ببيان الحكم الشرعي لها عن طريق اتصال هاتفي، أو سراً عن طريق أحد المقربين منها، إذا كان لا يريد أن يكلّمها مباشرة، لكان ذلك أفضل، وأظن أنها كانت ستستجيب له وستزيل الوشم دون ضجة، لأن رمي أي إنسان، خاصة إذا كان يجهل الحكم الشرعي، بالكفر أو التطاول على الذات الإلهية يجعل الناس تقنط من رحمة الله القائل: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ أن اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» آية 53 سورة الزمر».
ما إن ظهرت الفنانة منة شلبي في العرض الخاص لفيلمها الأخير «بعد الموقعة» وعلى ذراعها وشم يحمل لفظ الجلالة، حتى قامت الدنيا، وهاجمها بعض المتشدّدين واتهموها بالإساءة إلى الذات الإلهية، بل وصل الأمر إلى حد تكفيرها بسبب هذا الوشم الذي أثار أزمة دينية كبرى.
«لها» رصدت ما حدث وتبعاته، ورد فعل منة شلبي ووالدتها الفنانة زيزي مصطفى، وآراء علماء الدين في الوشم وتكفير منة شلبي بسببه.