سعوديون خارج معتقل غوانتانامو
معتقل غوانتانامو, باراك أوباما, المملكة العربية السعودية, أميركا, حبس / سجن, برنامج تأهيل, حقوق الإنسان, جمعية حقوق الإنسان, إتهام
15 أبريل 2009عجز عن الاتهام
من جهته، رأى وكيل عائلات المعتقلين في غوانتانامو المحامي كاتب فهد الشمري أن السلطات الأميركية عاجزة عن توجيه أي تهمة للسعوديين.
وأوضح أن معظم المعتقلين السعوديين أفرج عنهم ولم يبقَ سوى عدد بسيط جداً من السعوديين.
وقال: «بلغ عدد المعتقلين السعوديين في غوانتانامو حسب الكشوفات التي حصلنا عليها في بداية الأمر 130 معتقلاً وأفرج عن معظمهم ولم يبقَ حالياً سوى 13.
وأضاف: «ما زلنا عند رأينا منذ بداية القضية بأن السلطات الأميركية عاجزة عن توجيه وإثبات أي تهم محددة تتعلق بالإرهاب، وبالتالي فإن المستقبل القريب سيحمل أخباراً سارة تتمثل في إنهاء هذه المأساة الإنسانية سواء بالإفراج عن المعتقلين أو مثولهم أمام محاكم للنظر في قضاياهم».
وعن موضوع إغلاق المعتقل قال: «تابعنا التصريحات التي أطلقها الرئيس الأميركي المنتخب ونيّته إغلاق معتقل غوانتانامو. والسيناريو المتوقّع يتضمّن إما الإفراج عن المعتقلين، أو تسليمهم إلى دولهم، أو نقل البقية إلى سجن داخل الولايات المتحدة الأميركية لمحاكمتهم خارج إطار السرية والتكتّم اللذين أحاطا بالمعتقل، وبالتالي توافر فرص أكبر أمام المعتقلين لتطبيق ضمانات لتحقيق العدالة».
ورأى أن «تخوف الجهات الأميركية من عودة المعتقلين إلى ساحات القتال هو جزء من الهاجس الأمني الذي تعيشه هذه الجهات التي اتبعت مع المعتقلين أساليب غير إنسانية وغير قانونية سواء في التحقيق والاستجواب أو حتى في ظروف الاعتقال. وهي رغم كل ذلك عجزت عن إثبات التهم بحقّ المعتقلين مما يجعل تخوفها استمراراً لفوبيا هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. وبالنسبة إلى خضوع المعتقلين لبرامج نفسية واجتماعية لإعادة تأهيلهم فهذا هو ما قامت به السلطات السعودية المختصة، بل أنها توسعت في البرامج التأهيلية والإرشادية وحتى الخدمية للمعتقلين الذين لاقوا كل اهتمام ورعاية من السلطات المختصة والمسؤولين المعنيين في وزارة الداخلية».
وأضاف أن «المطالبة بالتعويضات حقّ خاص للمعتقلين ولذويهم، وهو حق لا يزول وتضمنه جميع الشرائع والقوانين وكذلك يضمنه القانون الأميركي. ونحن أعددنا دراسة حول هذا الموضوع بالتعاون مع مكاتب استشارات قانونية مختصة في أميركا ونحن في انتظار تكليفنا من المعتقلين أنفسهم».
وعما إذا نجحت السعودية في البرامج التأهيلية الحالية التي تناهض التطرف والعنف الفكري، قال: «بالتأكيد نجحت في ذلك واستطاعت احتواء المعتقلين العائدين من غوانتانامو وتطبيق البرامج التأهيلية والإرشادية التي تضمّنت التوعية الدينية والاجتماعية والنفسية. وبشهادة جميع المختصين والمراقبين والمنظمات الحقوقية والدولية كانت تلك البرامج سابقة تُحسب للسلطات السعودية في تفعيل خطط الرعاية اللاحقة للمعتقلين سواء العائدين من غونتانامو أو من تورّطوا في نشاطات إرهابية».
يوضح جمعة الدوسري أن المعتقلين منهم من هو في أعمال تطوعية لتعليم الأطفال والأيتام هناك القرآن الكريم، وآخرون للإنطلاق إلى الشيشان، ومنهم من هو في أعمال إغاثية، ومنهم موظفون رسميون من قبل الدولة. وأكثرهم اعتقلوا عند الحدود الباكستانية كصفقة تجارية مقابل ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف دولار للشخص. ويضيف الدوسري: «في باكستان كنا أقل من منزلة الأحياء، فقد كنا موضوعين في كهوف تحت الأرض، مربوطين بالسلاسل، لا نرى أحداً سوى من يسيئون معاملتنا، مما جعلني أضرب عن الطعام أنا ومجموعة من الأخوة الكويتيين حتى وصلنا إلى المستشفيات. كانت أسوأ ستة عشر يوماً في حياتي، فقد تلقيت فيها جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي، من ضرب، وإهانة، وبرد قارس، وملابس قذرة، وطعام لا يمكن أن يؤكل، وسب وشتم، إضافة إلى التحقيقات القائمة على تعذيب والتهديد، وأسئلة مركّزة عن أسامة بن لادن. ومن ثم تمّ تسليمنا إلى القوات الأميركية، وأعادونا إلى قندهار في معسكر الأميركيين لمدة أسبوعين، تعرّضنا خلالهما للتعذيب على أيدي القوات الأميركية».
بعد هذه الرحلة الباكستانية الأفغانية تمّ ترحيل جمعة والمجموعة المحتجزة معه إلى معتقل غوانتانامو ليكون هناك العذاب الأعظم.
يروي: «بقيت في المعتقل ست سنوات متواصلة، وكل يوم كان يمرّ علينا حدث أو حدثان. ومن الصعوبة ذكر ما يحدث هناك، نريد مجلدات لكتابتها، وحالياً أريد أن أنساها تماماً لأني في بداية مشواري في التعافي من هذه الآثار. ولكن يمكن أن أذكر أن الجميع في المعتقل متكاتفون، وكنا في الصباح نتحدث بكل اللغات الموجودة في المعتقل، وكلنا كنا ننادي بعض بكلمة أخي. كنا حوالي 76 جنسية مختلفة منها العربي، ومنها الإسلامي، ومنها الغربي وغيرها».
تواصل جمعة مع العالم الخارجي عن طريق رسائله التي باتت مادة دسمة جداً للإعلام علّه يكون ورقة ضغط تغلق هذا المعتقل الذي يضرب بحقوق الإنسان عرض الحائط. ولا بدّ من ذكر المحامي الذي تعاطف جداً جداً مع المعتقلين هناك، مما دفعه إلى نشر رسائل جمعة الدوسري رغم حذف الكثير منها من بداية 2004.
وعن رأي الدوسري في مشروع إغلاق المعتقل يقول: «أنا كنت من المعتقلين في غوانتانامو وكنت دائماً ما أقول لأخواني أن الولايات المتحدة لن تتخلّص من هذا المعتقل إلا بالتخلّص من الولاية السابقة، ومن ثم سيأتي الفرج، لأن هذا المعتقل ما هو إلا نقطة سوداء شوّهت التاريخ الأميركي، ولطّخت السمعة التي بناها الأجداد لديهم. وأعتقد، بل وأجزم، أن لن يكون هناك محاكم إلا لمن تمّ الحديث عنهم وبعد جهد كبير، مع العلم أن المحاكمة لن تغني ولا تسمن لأن الجميع لا تنطبق عليهم أي تهمة».
فترة التأهيل جعلتني أباً للمرة الثانية
بعد وصول جمعة الدوسري إلى أرض الوطن دخل بمبادرة من السلطات السعودية في دورات تأهيلية نفسية واجتماعية، يقول عنها: «هذا البرنامج الذي نعدّه نحن العائدين من غوانتانامو هو أعظم نعمة، وهو برنامج محمد بن نايف للمناصحة. يفتح لنا باب الاتصال والتحادث ما بيننا وبين ولاة الأمر، إضافة إلى إعادة التأهيل نفسياً ومعنوياً ومادياً. فقد بدأوا يهدأون من أنفسنا التي كانت ملجومة بالبؤس والشقاء وما يعلم به الله. ومادياً صرف راتب شهري لنا مقداره 3000ريال، إضافة إلى مساعدة الزواج، والمهر، وتأثيث الشقة، والرجوع إلى الدراسة. أيضاً صرف سيارة لكل من انتهت معاملته. ومعنوياً استطعنا معرفة سبل التعامل مع الناس لأن المجتمع أصبح مكوناً من طبقتين، إما مستهجن لنا ورافض لوجودنا، أو معظّم لنا وكأبطال أكثر مما نستحق».
الدوسري تزوّج للمرة الثانية بعد عودته من المعتقل بعدما انفصل عن زوجته الأولى قبل رحيله إلى أفغانستان ولديه منها ابنة تبلغ الرابعة عشرة وينتظر حالياً مولودة جديدة من زواجه الحالي، إضافة إلى رجوعه إلى مقاعد الدراسة الجامعية، ومتابعة دورات في الكمبيوتر.
صدرت تصريحات من الولايات المتحدة الأميركية بعد تولّي باراك أوباما الرئاسة بإغلاق معتقل غوانتانامو الذي يعدّ النقطة السوداء في تاريخ الحكومة الأميركية بعدما تسرّب عنه من أخبار عن تعذيب السجناء داخل أسوار المعتقل. وأكد سعوديون خرجوا من المعتقل أنه لا يزال يضمّ بين جدرانه عدداً من السعوديين الذين لم تتمّ إدانتهم بأي تهمة، إضافة إلى أن الكل لم يحصل على محاكمة لمعرفة التهم الموجّهة إليهم. «لها» تابعت ردود الفعل السجناء الذين أعيدوا إلى الأراضي السعودية، إضافة إلى لجنة الدفاع عنهم حيال هذه القرارات الجديدة، والتجربة السعودية في إعادة تأهيل المعتقلين نفسياً ومادياً واجتماعياً.
جمعة محمد عبد اللطيف الدوسري الذي استطاع أن يطلق صرخة مدوية تشغل الرأي العام العربي والدولي ومنظمات الحقوق الإنسانية الدولية بعدما أعلن إضراباً داخل المعتقل أكثر من مرة، وبعدما أمضى أكثر عقوبته داخل السجن الانفرادي، وتعرض لكثير من ويلات التعذيب يتحدث بعد عودته إلى ممارسة حياته وزواجه، وانتظاره في الأيام المقبلة لمولودة ترتع بين أحضانه معلناً من خلالها عودته إلى الحياة. عن تجربته داخل معتقل غوانتانامو قال: «تمّ اعتقالي من كانون الأول/ديسمبر 2001 م حتى أواخر 2006. وقد ألقي القبض عليّ في أفغانستان بعد ذهابي هناك لأعمال إغاثية. وحين اشتدّ القصف هناك لم نستطع الخروج لفترة طويلة. وبعد عدد من المحاولات استطعنا الوصول إلى حدود باكستان التي عقدت صفقة تجارية واضحة لبيع كل من يصل إلى حدودها للقوات الأميركية، علماً أني لم أمارس أي أعمال جهادية في أفغانستان. ومنذ اعتقالي على أيدي العسكر الباكستان وحتى خروجي من المعتقل لا يمكن وصف ما كنا نتعرّض له (فلم نكن أحياء فنرجع، ولم نكن أموات فننعم)».
هكذا كانت كلمات الدوسري الذي شغل الرأي العام والرأي السعودي، ولفت الأنظار إلى القضية التي بات الشعب الأميركي يخجل من وجودها في تاريخه. يقول: «انقطعت أخباري عن أهلي بعدما أوقفتني القوات الباكستانية. وكان البحث عن المعتقلين يتمّ عبر منظمة حقوق الإنسان ومركز حقوق الإنسان البحريني. وأوكل إلى محامين أميركيين وبريطانيين متابعة موضوع المعتقلين. وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال كان إسمي من ضمن الموجودين مما جعلهم يعرّفون عن وجودي في غوانتانامو. وحينها تم الاتصال بأهلي لإخبارهم بوجودي، لمعرفة ما إذا كان لديهم رغبة في توكيل المركز للدفاع عني. وبالفعل تمت الموافقة من قبلهم وتم توكيلهم».
وأكد أن لجنة الدفاع لم تجد مبرراً واضحاً لوجوده في المعتقل خصوصاً أن أي محاكمة للمعتقلين لم تتمّ. وتبيّن أن اعتقالهم حصل على خلفية وجودهم في أفغانستان دون النظر في سبب الوجود هناك.
ويضيف الدوسري: «كانت هناك اتهامات لا يمكن أن توصف بأقل من أنها مجموعة سخافات. فقد تشبّثوا بكوني أحمل الجنسية البحرينية والجنسية السعودية في آن واحد علماً أن حصولي على الأولى جرى بموافقة كلا الدولتين. واتّهمت بأني مقاتل ولست في هيئة الإغاثة. ست سنوات ولا إدانة، سواء بالنسبة إليّ أو بالنسبة إلى المعتقلين حالياً أو سابقاً. فقط مجموعة قليلة جداً حوكموا ومعظمهم تمت تبرئتهم، أما البقية فجميعهم مشتبهون. والمشتبه فيه يجب أن يحقق في أمره، وفي حال عدم ثبوت إدانته يجب أن يطلق من سجنه. وهذا لم ينطبق علينا».
ثلاثة عشر معتقلاً
من جانبه، تحدّث عضو لجنة الدفاع عن معتقلي غوانتانامو في جمعية حقوق الإنسان عبد الوهاب الموسى عن المعتقل وما فيه من سعوديين قائلاً: «منذ العام 2006 ونحن نسمع اتصالاً عن إغلاق المعتقل، وإطلاق المعتقلين ليعودوا إلى ذويهم. ولكن حتى الآن لم يتمّ ذلك. حالياً هناك ثلاثة عشر معتقلاً سعودياً من أصل مئة وثلاثين يتوقع الإفراج عنهم، أو على الأقل عن عدد منهم. ونتوقع إخراج 10 من المعتقل، ولكن حتى اللحظة لم يتم تحديد تاريخ معين لخروج المعتقلين الذين سيتمّ الإفراج عنهم دون محاكمة لأن الجميع دخلوا المعتقل دون محاكمة، وجميع التهم الموجّهة إليهم هي تهمة مقاتل عدو، ولا يوجد أي تهمة ثابتة عليهم».
ورأى أن المعتقلين أوقفوا ككبش فداء من ناحية، ومن ناحية أخرى بهدف درس وضع الشباب العربي وقدرة تحمله، وكيفية التعامل معهم، واختبار حالاتهم النفسية، ليكونوا ورقة ضغط على المجتمعات العربية، بحيث أنهم كانوا يبحثون عن شخص معين، ولم يجدوه وبالتالي تم القبض على أي عربي في أفغانستان.
ويضيف الموسى: «معظم الموجودين في أفغانستان كانوا هناك ضمن بعثات إغاثة أو للعلاج أو للدراسة، وكثير منهم من أخرج من المستشفيات وتمّ اعتقاله في أفغانستان وباكستان، ليتمّ تعذيبهم، والنيل منهم. وهذا ما دفعنا إلى توجيه رسائل كثيرة بناء على ما يظهر لنا من تعذيب غير أخلاقي منافٍ لكل الحقوق الإنسانية التي تنادي بها الولايات المتحدة. وقد أقمنا دعاوى لطلب تعويضات عن السنوات السبع التي أمضاها الشباب في غرفة لا تزيد عن متر ونصف في متر ونصف، ولكن دون فائدة».
ولفت إلى أن موضوع التعويضات سيؤجل حالياً إلى حين الإفراج عن جميع المعتقلين السعوديين هناك.
ويقول عبد الوهاب الموسى إن المعتقلين واجهوا أشد أنواع التنكيل والتعذيب مما أسفر عن ثلاث وفيّات التي أعلنتها القوات الأميركية حالات انتحار، إضافة إلى تدنيس المصحف الشريف أمام الشباب لاستفزازهم، ناهيك بسوء المعاملة.
وأوضح أن ذوي الشباب المتوفّين يطالبوا بتقارير طبية تكشف حقيقة الوضع، خصوصاً أن الشباب مهما كان التعذيب الذي تعرّضوا له لا يمكن أن يقدّموا على الانتحار في ظل عدم توفير أي شيء داخل غرف المعتقل حتى ملاعق الطعام، فكيف بالحبال، والأغلب أن الشباب قد تعرّضوا للضرب حتى الموت.
وعن الحديث عن الإغلاق يضيف عبد الوهاب: «المسار الأميركي لا يختلف من بين رئيس وآخر، فالقوانين لا تتغير لأن الكونغرس هو المسؤول عنها، ولكن يبقى لدينا أمل في إغلاق المعتقل».
ويأمل الموسى مع ذلك أن يقلب الرئيس الجديد الموازين والإفراج عن المعتقلين داخل غوانتانامو، خصوصاً أنه كان من المتوقّع خروجهم خلال الفترة الماضية إلا أن الانتخابات الأميركية قد حالت بينهم وبين الخروج إلى الحرية.