زرع المبايض للإنجاب
صحة المرأة, علاج, الطب الشرعي, قضية / قضايا المرأة, المبيضين, جامعة الأزهر, ضوابط شرعية, خالد عبد الرحمن, الرضاعة الطبيعية
21 أبريل 2009وظيفة المبايض
عن وظيفة المبايض في عملية الحمل قالت الدكتورة سناء حتحوت العميدة السابقة لطب الأزهر: «من المعروف إنه في كل شهر يطلق أحد المبيضين بويضة واحدة تصل في اليوم الرابع عشر من الدورة الشهرية إلى قناة فالوب وتنتظر الإخصاب، وفي الوقت نفسه يكون الرحم مهيئا لاستقبال البويضة على أساس أنها ستخصب، وللمبايض وظيفتان رئيسيتان أولاهما انتاج البويضة اللازمة للحمل ويتم ذلك مرة كل شهر، وثانيتهما إفراز الهرمونات وهي مواد كيميائية لازمة للسيدة من أجل وظائف الجسم المختلفة وانتظام الدورة الشهرية.
ومن المعروف أن المبيضين يوجدان على جانبي الحوض داخل الغشاء البروتوني للحوض وملاصق لكل مبيض توجد قناة فالوب أو ما يطلق عليها الانبوبة، ويقوم المبيض بتكوين البويضات وإفراز الهرمونات في كل شهر عند وقت التبويض حتى تنزل بويضة كاملة النمو من المبيض وتلتقطها الأنبوبة، بالأهداب إلى داخلها ويحتوى المبيض على أكياس صغيرة بداخلها البويضة وتفرز هرمون الأنوثة المعروف باسم الإستروجين، وللعلم فإن المبيض يحتوي على مليوني كيس تبويض أثناء حياة الجنين تتناقص بالتدريج وتستمر في التناقص أثناء سن الخصوبة حيث تحتاج المرأة مئات قليلة من بويضات على مدى فترة الخصب وتنزل بويضة واحدة كل شهر وعند سن اليأس تختفي البويضات التي تكون صالحة للإخصاب. ويفقد المبيض الوظيفة الأولى وهي إخراج البويضات ولكنه يستمر في إفراز الهرمونات بمعدلات أقل».
لا قيمة للتراضي
يوضح الدكتور عبد المعطي بيومي العميد السابق لكلية أصول الدين جامعة الأزهر أن التداوي للحصول على الذرية الصالحة أمر مباح شرعاً بشرط أن يتم ذلك بالوسائل المشروعة حيث قال صلى الله عليه وسلم «تداووا عباد الله فإن الله لم يخلق داء إلا خلق له الدواء علمه من علمه وجهله. من جهله». واوضح في حديث آخر أن الله لم يجعل شفاء أمة الاسلام فيما حرم عليها، من هنا نعلم أن زرع مبيض امرأة في أخرى بهدف الانجاب أمر محرم شرعاً لانه من المعروف علمياً أن البويضة التي تخرج من المبيض هي التي تحمل الصفات الوراثية الأنثوية، وبالتالي فإن الصفات التي سيحملها الجنين ستكون من صاحبة البويضة وليس من صاحبة الرحم. وهذا يخلق نوعاً من التنازع بين صاحبة المبيض والبويضات ومن تم زرعه فيها عن الأم الحقيقية، ولهذا يحرص الاسلام على الوضوح التام في قضية الانساب حتى لا تشوبها أي شائبة مهما كانت صغيرة، ولا قيمة هنا للتراضي بين الأختين لانه تراضٍ على محرم يرفضه الشرع والفطرة السوية التي ارتضاها الله لعباده. وأشار إلى أن مجمع الفقه الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي في مكة ناقش في دورته السابعة الأساليب الحديثة للانجاب ومنها هذا الأسلوب وجاء بالنص هو أسلوب يجري تلقيح خارجي في أنبوب الاختبار، بين نطفة مأخوذة من زوج، وبويضة مأخوذة من مبيض امرأة، ليست زوجته ويسمونها متبرعة ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته. ويلجأون إلى هذا الأسلوب عندما يكون مبيض الزوجة مستأصلاً أو معطلاً، ولكن رحمها سليم قابل لعلوق اللقيحة فيه.
كما أن هناك الأسلوب الخامس وهو أن يجري تلقيح خارجي في أنبوب اختبار، بين نطفة رجل وبويضة من امرأة، ليست زوجة له ويطلقون عليهما متبرعين، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة أخرى متزوجة كما يلجأون إلى ذلك حينما تكون المرأة المتزوجة، أي التي زرعت اللقيحة فيها، عقيماً بسبب تعطل مبيضها لكن رحمها سليم وزوجها أيضاً عقيم ويريدان ولداً ويقرر المجمع أن نسب المولود يثبت من الزوجين مصدري البذرتين ويتبع الميراث والحقوق الأخرى ثبوت النسب فحين يثبت نسب المولود من الرجل والمرأة يثبت الإرث وغيره من الأحكام، وبالتالي فإن أي انجاب بتدخل طرف ثالث بين الزوجين حرمه الشرع خاصة إذا كان ذلك عن طريق زرع المبايض التي لها الدور الرئيسي في نقل الصفات الوراثية الأنثوية وبالتالي فإن دوره ليس سلبيا، ولهذا فإن الطفلة في هذه القضية ستحمل الصفات الوراثية لصاحبة المبيض لا الأم التي أنجبتها.
علاج طبي
ويشير الدكتور جمال أبو السرور استاذ امراض النساء في طب الازهر والعميد السابق لطب الازهر إلى أن العملية تعد انجازاً طبياً رغم المحاذير الدينية فيها لأنها معقدة وكان يمكن الاستعاضة عن ذلك بأخذ بويضة من الأخت المتبرعة ووضعها في رحم راغبة الحمل بعد تلقيحها خارج الرحم، وهنا يكون لصاحبة البويضة التأثير الوراثي لأن البويضات هي التي تحمل الصفات الوراثية الأنثوية. لكن الأطباء اختاروا الطريق الأصعب مع أن النتيجة واحدة وليس للأخت التي حملت أي تأثير وراثي وانما يقتصر دورها على التغذية والحمل والولادة، ولهذا فإن الأم الحقيقية هي صاحبة البويضات لأن الرحم ليس له أي دور في نقل الصفات الوراثية وإنما هو مجرد وعاء للحمل والتغذية والنمو، ولهذا فإنه توجد هنا عملية اختلاط انساب حرّمها الاسلام ويشكل الخلل في وظائف المبيضين قرابة40 في المئة من حالات العقم عند المرأة حيث تحدث اضطربات في وظيفة المبيضين وقد يصل إلى حد انعدام التبويض نتيجة لخلل في إفراز الهرمونات النخامية والمبيضية التي تؤثر في نمو ونضج البويضة ويمكن علاجه دوائيا من خلال منشطات التبويض لتنشيط وظيفة المبيض. وقد اوضحت دراسة طبية حديثة عن أخطار ازالة المبيض ان النساء اللواتي يخضعن لعملية ازالة المبيضين يتعرضن لاحتمال الاصابة بالخرف أكثر من غيرهن، وتزداد هذه النسبة بين الشابات.
ضوابط شرعية
وأوضح الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الاسبق الضوابط الشرعية لهذه القضية الحديثة قائلا: «لا شك أن حفظ الانساب أحد المقاصد الخمسة الرئيسية للشريعة الاسلامية لهذا حرم الاسلام كل ما من شأنه أن يمس حفظ الانساب سواء بعلم أطرافه أو جهلهم، ولهذا حرم الاسلام أي انجاب يدخل فيه طرف ثالث غير الزوجين سواء كان ذلك بالتراضي أو من دونه. وقد توعد الله كل من يتلاعب بالانساب فأوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن التداوي مباح شرعاً للحصول على الذرية، ولكن لا يكون هذا التداوي بما حرمه الله الذي جعل من المشاهد التي رآها ليلة الاسراء والمعراج نساء معلقات بثديهن فتعجب الرسول من منظرهن وسأل جبريل قائلاً: من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء اللاتي أدخلن على الرجال من ليس من أولادهم. وبين في حديث آخر جزاء من تتعمد خلط الانساب مهما كانت المبررات فقال «اشتد غضب الله على امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فأكل حرائبهم واطلع على عوراتهم».
ضوابط شرعية
تشير الدكتورة عبلة الكحلاوي العميدة السابقة لكلية الدراسات الاسلامية إلى أن قضية الانساب في الاسلام لها خطوط حمراء غير قابلة للتجاوز مهما كانت الأسباب والمبررات، ومن يتأمل في هذه القضية العلمية المذكورة سيجد فيها مخالفة صريحة لتعاليم الاسلام ولا قيمة كون المبيض من أخت من أنجبت الطفلة لأن كل ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام، فهذه قاعدة فقهية ثابتة ولا يمكن أن ننال ما عند الله بمعصيته حتى ولو كان الهدف الحصول على الذرية التي وصفها الله بأنها من زينة الحياة الدنيا لأنه فطرة انسانية، وهذا ما أكدته المجامع الفقهية المعاصرة وأجمعت عليه المذاهب الفقهية الاسلامية، حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت آية الملاعنة قال «أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شىء ولن يدخلها الله جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله عنه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين».
فالاسلام يعمل على حفظ الانساب من أي شبهة اختلاط واعترف بأن حب الانجاب فطرة خلق الله الانسان عليها ولهذا قال تعالى «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ»، فإذا كان الانجاب فطرة وغاية نبيلة فلا بد أن يكون الطريق اليه مشروعاً حتى نصل إلى اشباع الفطرة السوية ونصل إلى الزينة الدنيوية المشروعة التي قال عنها الله سبحانه وتعالي «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا». ولهذا نحذر من الانبهار بما توصل اليه الطب وننسى تعاليم الاديان التي تحمي الانسان من نفسه الامارة بالسوء والتي أباحت له العلاقات الشاذة باسم الزواج المثلي وأباحت التبني لعلاج هذا القصور، وفي الوقت نفسه ضاعت الأسرة في الغرب بسبب التهاون في العلاقات الجنسية والعبث العلمي البعيد عن الأديان».
تعود القصة إلى أن الاطباء استطاعوا في سابقة في العالم جعل امرأة تدعى سوزان بوتشر تنجب أول طفلة بعد عام من خضوعها لعملية زرع مبيض من شقيقتها التوأم بعد إصابتها بأعراض سن اليأس مبكراً وبلوغها التاسعة والثلاثين.
واعتبرت الأم بعد أن وضعت طفلتها في أحد المستشفيات الخاصة في لندن عن فرحتها الشديدة قائلة: «لم أستوعب بعد مسألة أن أكون أول امرأة في العالم تنجب بعد عملية زرع مبيض كامل، أنا في أشد الامتنان للأطباء الذين جعلوا ذلك ممكنا ولشقيقتي بالطبع. وأنا محظوظة جداً بأن أتيحت لي هذه الفرصة الرائعة التي منحتني إحساسا بالاكتمال لم أكن لأشعر به من دونها».
وأكد الأطباء الذين قاموا بالعملية الفريدة أن بوتشر التي تحمل الجنسية ألالمانية وضعت طفلتها بعملية قيصرية بعد مدة حمل كامل دون أن تشعر بآلام الطلق. وبلغ وزن الطفلة لدى ولادتها 3.6 كيلوغرامات.
وكانت بوتشر اكتشفت أنها عاقر قبل 12 عاماً وقام بعملية زرع المبيض الطبيب شيرمان سيلبر في عيادة العقم في سانت لوي في ولاية ميسوري بالولايات المتحدة. وكان الطبيب قام بعملية زرع نسيج مبيض لتسع نساء من قبل إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها عملية زرع مبيض كامل. وتم ذلك باستخدام أساليب الجراحة الدقيقة لإعادة وصله بالدورة الدموية وتثبيته بالقرب من قناة فالوب حتى يمكن قذف البويضات لتنتقل داخل الأنبوب نحو الرحم بالطريقة الطبيعية.
وقال سيلبر عن هذه العملية في مؤتمر صحافي «إن المبيض المزروع بالكامل يحتمل أن يدوم أكثر من شرائح الأنسجة المبيضية وقد يمكن استئصاله وزرعه ثانية بعد تخزينه فترات طويلة، وهذا قد يحسن فرص النساء اللواتي يؤجلن الإنجاب لأسباب مهنية أو يرغبن في الإنجاب في سن متقدمة».