خلوة محرمة!
علماء الأزهر, قضية, قضية / قضايا المرأة, مريض / مريضة, فتوى, رأي الدين, اجتهاد
06 مايو 2009وجود محرم ضرورة
ويؤكد الشيخ يوسف البدري عضو المجلس الاعلى للشؤون الإسلامية أن هناك قاعدة شرعية تمنع هذا الاختلاف وهي «درء المفاسد مقدم على جلب المنافع» ولاشك أن حماية الأعراض والمحافظة عليها من المقاصد الرئيسية الخمسة للشريعة الإسلامية وإغلاق باب الفتنة مما دعت إلى الشريعة، كذلك تحريم الخلوة ليس ظلما للمراة بل هو حماية لها من ذوي النفوس المريضة أو أن تكشف عورتها ويجرح حياءها أمام شخص أجنبي عنها حتى لو كان مسعفا أو حتى طبيباً، ووصف الله النفس البشرية بقوله «وإن النفس لأمّارة بالسوء إلا ما رحم ربي». ومن يقرأ الأحاديث النبوية سيجد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما». وإذا افترضنا العفة والصلاح من جانبها فمن يضمن أخلاق المسعف، وبالتالي علينا اذا علمنا حكما شرعا أن نكون كما قال ربنا «... سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» آية 285 سورة البقرة. وعلينا ألا نعترض على ذلك».
أعلنت «وجود امرأة مريضة مع مسعف في سيارة الإسعاف خلوة محرمة»! فتوى مثيرة غريبة أطلقها في دبي الدكتور أحمد عبد العزيز الحداد، وكان لابد أن نتوقف عندها خصوصاً أن كثيرات قد يتعرضن لموقف كهذا عندما يحتجن إلى سيارة إسعاف ويكنّ مع المسعفين داخلها، فكيف يكون الحال مع فتوى كهذه؟ سألنا مفتي مصر وعلماء الأزهر عن آرائهم فجاءت ردودهم صريحة ومُثيرة أيضاً.
في البداية يوضح الدكتور الحداد في فتواه أنه لم يصدر هذه الفتوى من تلقاء نفسه وإنما بعد تلقيه أسئلة من مريضات تعرضن للنقل في سيارات الإسعاف وتولى إسعافهن مسعفون رجال وطلبن رأي الشرع في ذلك.
فكان رده: «هذه الخلوة محرمة شرعاً ولا تبيحها إلا الضرورة القصوى التي تتمثل في سوء الحالة الصحية للمريضة وما يستدعي أن يرافقها مسعف في سيارة واحدة». وأضاف: نساء كثيرات في دول الخليج والدول العربية يرفضن أن يبقين في سيارة واحدة مع رجال أجانب حتى لو كان هؤلاء الأجانب مسعفين يتولون عملية إسعافهن حتى يصلن إلى المستشفيات، مطالبات بوجود مسعفات في سيارات الإسعاف لنقل المريضات، وهذا الرفض منطقي والنساء محقات في طلب وجود نساء يتولين إسعاف المريضات. العنصر النسائي يتمتع الآن بمقدار كافٍ من العلم في سائر تخصصات الطب والإسعاف والمرأة أعرف بحال المرأة، وهو ما يزيل الحرج عن النساء المريضات».
وأشار إلى أن من النساء من يحملها دينها على أن تتحمل الكثير ولا تتكشف على رجل، فلهذا ينبغي أن يوفر العنصر النسائي بشكل موازٍ للرجال في جميع التخصصات الطبية لأن هذا الامر يعد ضرورة وليست ترفاً.
التساهل والتضييق مرفوضان
ويرى الدكتور صبري عبد الرؤوف أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر أن «التساهل والتضييق في مسألة الخلوة الشرعية وجهان لعملة وشريعة الإسلام تتسم بالوسطية في أمور الحياة كلها بلا إفراط أو تفريط، ولهذا إذا نظرنا إلى تعاليم الإسلام سنجدها تنظر إلى المرأة باحترام، حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «النساء شقائق الرجال» فالإسلام يقر الاختلاط العفيف المحترم ومن ينكر ذلك عليه أن يتأمل ما في شعائر الحج من اختلاط وكذلك الصلاة في المساجد والجهاد ومجالس المواعظ والتعليم وغيرها، طالما كانت هناك ضوابط شرعية حاكمة للقضية لأن الاختلاط المنضبط كان موجوداً في العهد النبوي وعصر الخلفاء الراشدين، ولا ينبغي أن تتخذ قاعدة «سد الذرائع أو الأخذ بالاحوط» للتعسير على النساء وحرمانهن من حقهن في العلاج، خاصة في ظل الظروف الصحية الصعبة».
شهادة تاريخية
وتوافقها في الرأي مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في القاهرة جامعة الأزهر، التي ترى أن «وجود مسعفة إن أمكن أفضل بلاشك لأن المرأة قد تتعرض لظروف معينة تؤدّي إلى كشف عورتها بشكل أو بآخر. أما إذا استحكمت الضرورة فإن الشرع فيه يسر خاصة في ما يتعلق بالمحافظة على الأرواح والأنفس لأنه من المعروف شرعاً أن المحافظة على النفس أحد المقاصد الرئيسية الخمسة للشريعة الإسلامية ولهذا قال تعالى: «... فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ...» آية 173 سورة البقرة. ورفع الله تعالى الحرج عن المريض سواء كان رجلا أم امرأة في قوله «لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ...» آية 61 سورة النور. ومن يتأمل التاريخ الإسلامي سيجد أن النساء كن يداوين المرضى في مواقع الجهاد ويقمن بواجب الإنقاذ فكذلك حال الرجل معها ولا ينبغي التحرج في هذه الحالة أو حالة العلاج الذي لا يوجد طبيبة متخصصة فيه ولا قدرة على تحمل ألمه، وليس هناك حل سوى الذهاب إلى طبيب».
افتراض سوء النية
وترى الدكتورة آمنة نصير العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية أنه من الخطأ «افتراض سوء النية والخيانة من جانب الرجال باستمرار ودون أدنى بينة على ذلك لأن هذا يخلق الشك والريبة حتى داخل الأسرة الواحدة وليس في مجال العمل فقط، ومن الظلم أن ننظر إلى جميع الرجال على أنهم ذئاب ينظرون إلى المرأة على أنها أنثى فقط يجب التهامها حتى ولو كانت مريضة وفي حالة سيئة جداً تطلبت نقلها في سيارة إسعاف. ومن القواعد الفقهية المعتبرة أن الضرورات تبيح المحظورات وأن الضرورة تقدر بقدرها لذلك يمكن القول إن وجود مريضة في حالة صحية متأخرة يمكن أن ينقلها مسعف أجنبي في سيارة الإسعاف للمستشفى لينقذ حياتها ولا ننتظر حتى تأتي سيدة تنقلها مما قد يؤدي إلى وفاتها وهذا ما أكده القرآن الكريم في قوله الله تعالى «... وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ...» آية 119 سورة الانعام.
الوسطية هي الحل
ويعلق الدكتور علي جمعه مفتي مصر علي الفتوى قائلا: «الإسلام دين الوسطية التي أحد أهدافها رفع الحرج والمشقة فقال تعالى «وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا...« آية 143 سورة البقرة وقوله «... مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ...» آية 6 سورة المائدة. وأنا من المؤيدين أن تسعى مجتمعاتنا إلى اتخاذ كل ما من شأنه حفظ الأعراض وسد مواطن الفتن، وليتنا نصل إلى اليوم الذي نستطيع فيه أن نوفر أطقم إسعاف من النساء ذوات الكفاءة أيضا لإسعاف السيدات بشرط أن لا يؤثّر ذلك على مستوى الخدمة المقدمة إلى المريضات اللواتي يكن في أمس الحاجة إلى من يتمتعن بالكفاءة وحسن التصرّف».
وأشار إلى أن المريضة «ليس عليها حرج اذا اضطرتها الظروف إلى أن يكون المسعف رجلاً في حالة الضرورة، وعلينا أن نحرص في الوقت نفسه على وجود احد من محارمها معها إن أمكن ذلك وإن لم يكن هذا متاحا فيجب ألا نوقف حياتها على وجوده لأن الهدف إنقاذ المريضة وعدم التمسك بأمور أقل أهمية لأن ترتيب الاولويات يحلّ المشكلة. الاسلام دين اليسر وقد حرم الله غلظة القلب في الحياة كلها فما بالنا بإنسانة بين الحياة والموت، ولهذا حذر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده بقوله «... وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ...» آية 159 سورة آل عمران. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما دخل الرفق في شىء إلا زانه».
الأخلاق والتدين للمسعفين
ويرفض الدكتور محمد المختار المهدي عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر «التضييق على النساء باشتراط وجود محرم مع المريضة في كل الاحوال خاصة في الحالات الطارئة أو الصعبة لأن في هذا نوعاً من المشقة عليهن وإن كان من المفضل شرعا توفير المسعفة إذا كان هذا مستطاعاً، فإن لم يكن متوافراً فلا حرج من وجود المريضة مع المسعف في سيارة واحدة شرط أن يتمّ انتقاء المسعفين حسب تدينهم وأخلاقهم حتى يكونوا أمناء على الأعراض ليس بالسلوك فحسب بل بمجرّد النظرة بأن نعطيهم دورات دينية دائمة نشرح لهم فيها المعاني الإسلامية السامية مثل قوله تعالى «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ◊ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ...» الآيتان 30 و31 من سورة النور. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها مخافة الله وجد حلاوة الإيمان في قلبه».