'وسواس المظهر' ونَهمُ إقتناء الجمال
خطوط الموضة, د. مي مارون, د. ماريز حايك, الاهتمام بالمظهر الخارجي, الوسواس القهريّ, التبضع, هوس تغيير الشكل / وسواس المظهر, المجتمع الإستهلاكي
11 مايو 2009رأي علم النفس - الدكتورة ماريز حايك: البحث المتواصل عن صورة الأيقونة الزائفة
- ما هي مسببات إنسياق المجتمع اللبناني وراء مصادرة «الجمال»؟
"صورة الإنسان العربي تأثرت بشكل كبير مع الإنفتاح والإنترنت لأن الفرد بات أكثر عرضة لموجات الموضة ومصادر مغرية مشبعة بالحض على الإستهلاك إينما كان في حياته اليومية، حتى أنه بات يوجَّه تجاه صورة نمطية لتعريف ما هو جميل و«مقبول». نحن بطبيعتنا ذكوراً وإناثاً نشكل مجتمعاً إستهلاكياً يشعر بالرضا والإرتياح والسعادة والمتعة لدى شراء أي منتج يمنحنا صفة الفخامة والتميّز أو حصوله على أي خدمة تحسّن مظهره. هناك شريحة واسعة تشعر بهشاشتها في الإنخراط الإجتماعي إذا لم تنل إستحسان الآخر أو لم تجارِ كل صيحة في مجال الأزياء أو الأفكار المادية الشائعة. نحن مجتمع شبه تابع Followers وسريع التجاوب والتبني لكل إبتكار حتى دخول دوامة الهوس من باب مواكبة العصر. لا يخالف الإنسان الطبيعة إذا إهتم بمظهره ونزع إلى تحسينه لكننا يجب ألاّ نقع في فخ الصورة الزائفة والمفروضة للنجم المثالي Image Virtuelle. لا يعقل أن تقلّد نمط حياة الشهرة والخروج من الذات ورفضها والشعور بحالة غليان مستمر تجاه الحصول على خدمة أو سلعة عبر البحث المتواصل عن الصورة الايقونة. للأسف نعيش في مجتمع يولي الشكل أهمية تفوق الرصيد الثقافي بمراحل، خصوصاً أن المرأة باتت عنصراً جذاباً ومشروعاً مربحاً في الإعلان. التربية والثقافة المادية تولد الإندفاع العبثي تجاه أسس المظهر مع غياب مخطط حياتي سليم لا يطغى عليه رأي الآخر بنا. وقد إستغل المروّجون بشكل علمي طبيعة المجتمع العربي الذي يشكو من الفراغ والقلق لتعزيز نزعته للحصول على كل فاخر، وهذا ما يسبب المبالغة في الإنفاق إلى حد الإسراف تحت عنواني الأنوثة والجمال والشعور بالضياع والتيه إذا لم يحصل الفرد على منتج معين حتى خارج إطار الحاجة.
«وسواس المظهر» نمط حياة قد يصيب أي إنسان في العالم لكنه يطال النجوم والميسورين دون غيرهم في الغرب بينما المجتمع العربي يغدق على إطلالته ليمسي «نجماً» وينال القبول الذي ينبع أولاً من «المظهر اللائق»، رصيد «يسهّل الإندماج الإجتماعي». بوجود أسباب كافية ومغريات أفضت إلى فنون التسوّق وجنونه والعناية التي قد تقرب من الهوس، «نَهَمُ» إقتناء الجمال عبّر عنه شباب لبناني إضافة إلى رأي علم الإجتماع والنفس في هذا التحقيق.
حسين جعفر : طلّة المليونير ورجل الاعمال
يبدو حسين جعفر مختلفاً عن أبناء جيله من حيث الملبس: «أحب أن أبدو أنيقاً في كل الأوقات وأحرص على إنتقاء خطوط كلاسيكية بعيدة عن صخب الموضة التي لا أجاريها أبداً». يضيف: «أبتكر أسلوباً خاصاً بي، فرغم عودة السروال بالرجل الواسعة إلاً أن معظم سراويلي الجينز قصتها مستقيمة وضيقة Cigarette». وتكمن في رأيه أناقته في عشقه «للقمصان الأنيقة التي أستعين بخياط لتصميم الحريرية منها. لقد جلبت أقمشة من الحرير ذات جودة عالية من الخارج. لا أتردد في شراء الثياب المميزة». كما يولي حسين أهمية للأكسسوار: « أحب وضع الخواتم الذهبية التي يتوسطها حجر كريم ولا أعتبر الأمر حكراً على الفتاة، فالشاب أيضاً يجب أن يظهر بأبهى حلّة إضافة إلى العطور التي أفضل منها شانيل وجيفنشي كما أملك نظارات شمسية عدّة». أما عن عنوان الرجل الأنيق فهو برأيه: «الحذاء المميز» أما المرأة فسرّ أناقتها يكمن في عطرها وشكل أظافرها». ويحب حسين أن يطلّ بمظهر «المليونير أو رجل الأعمال»، ولذلك يجد في «البزة الانيقة» وال»توب «ذات الياقة العالية Col Roulé والخاتم الماسي مقومات كافية للحصول على إطلالة مماثلة».
سيلين طربيه: يضيق منزلي بأزيائي
لسيلين نظرية خاصة في أسس المظهر اللائق: «كثرة التبضع تجسد أنوثة المرأة وشراء الملابس والحاجيات الأخرى يصنع هويتها. أحب أن يثني الآخر على إطلالتي كما يرضيني أن أترك تأثيراً إيجابياً عنده، لمَ لا». وتعترف: «محيطي يقول عني «صاروفية» لأن راتبي «يتبخّر» بعد ساعة من حصولي عليه، فأنا أهوى شراء الأحذية والثياب والأكسسوار». ولدى السؤال عن عدد الأحذية التي تمتلكها تقول ضاحكة: «كمية كافية لإفتتاح محل. أملك أكثر من خمسين حذاءً. أنا محرومة من الشراء حالياً خصوصاً الكعب العالي لأنني حامل». أما عن علاقتها بالحقائب تقول: «تتكلمين مع أهم هاوية في هذا المجال. يضيق المنزل بحاجياتي». تضيف موضحة: « أعيش وأهل زوجي في المبنى نفسه، وقد وضعت بعض أغراضي لديهم وكل ملابس زوجي تقريباً». وعن نظرة زوجها إلى أسلوب حياتها تقول: «الخصام الأطول مدّته خمس دقائق، يقول لي أنني أعاني مرضاً نفسياً. في بعض الأحيان حين أدخل المنزل ممسكة بست جزمات ألجأ إلى الكذب لتجنب اللوم وأقول أن بعضها لشقيقتي أو لصديقة. أهلي يعتبرون أنني أبدد راتبي سدى». تقول أخيراً: «هوايتي جمع الملابس ولكل موسم إحتياجاته، الشورت والفستان والتنورة صيفاً والجينز والجزمة شتاءً. أحرص أن أنقل أسلوبي في التبضّع إلى أولادي وعدم حرمان النفس». تختم ضاحكة: « أنا حامل بتوأمين ذكرين وهذا قد يريح زوجي لأنني إذا رزقت بفتاة ستكون صورة عني».
أنجي نور الدين : «أفسدت» بساطة الأوروبيات
أنجي نور الدين تعيش في أوروبا التي نقلت إليها هوسها في الحصول على مظهر «مثالي» ومُتقن حتى لدى ذهابها إلى النادي الرياضي: «إعتدت منذ صغري أن أخرج بمنتهى الأناقة أينما ذهبت. تفاجأ صديقاتي الأوروبيات لأسلوب لبسي عند ممارسة الرياضة التي خصصت لها إكسسواراً خاصاً يتماشى مع كل زي من حيث لون الأحجار أو شريطة الرأس والخواتم كذلك أقتني احذية رياضية بمختلف الألوان». تضيف: «بت أشعر بميلهن لإكتساب عاداتي بعد أن كنّ يكتفين في الخروج بالجينز والأحذية المسطحة، كما أنهن بدأن يولين أهمية لوضع الماكياج خلال النهار وبسط طلاء أظافر منسجم مع الرداء. كل هذا بعد نقدي المستمر وترداد بأنني أظهر كنجمة في كل الأوقات». تضيف: «تقف صديقاتي مذهولات أمام خزانتي ويطلبن مني إستعارة بعض أغراضي». تقول اخيراً: «نحن اللبنانيات كذلك الرجل، معروفات بسخاء المظهر الذي أجده نوعاً من التكلّف إنما بالمعنى الإيجابي الذي ينمّ عن الذوق المميز والبعد عن رتابة البساطة. ولا بأس إن أحمل من لبنان إلى أوروبا حقائب سفر تحوي وزناً زائداً».
منال شهاب : قد أبدّد راتبي لشراء سلعة واحدة
«التجديد الدائم يطال أثاث منزلي أيضاً رغم أنني عروس جديدة». تجيب منال شهاب لدى سؤالها عن طريقة إعتنائها بالمظهر الإجتماعي. وتقول: «حالتي النفسية تتحكّم في سلوكي أثناء التبضّع، لقد إشتريت من جديد جهاز بياضات منزلية كامل رغم أنني لم أستخدم كل ما جلبته منذ زواجي». أما عن مظهرها الشخصي فتقول: «أنا مغرمة بالمشابك وأملك مجموعة كبيرة على شكل حيوانات وفواكه أزيّن بها أوشحتي وسُتراتي الموحدة اللون، فأنا أكره الأقمشة المورّدة والمنقوشة والمخططة لأنه تبدو نافرة مع البروش». وتجد مقاومتها هشة تجاه الإعلان: «أنا شديدة الحساسية ومتجاوبة إلى حدّ كبير مع أي إعلان لمنتج جديد في المجلة أو التلفاز أو حتى الملصقات في الشارع خصوصاً ما يتعلّق بالمستحضرات التجميلية». تقول أخيراً: «قد أخفي عن زوجي ما إبتعته عند الإفراط في التبضّع لإحساسي بالذنب، فقد أبدّد راتبي لشراء سلعة واحدة».
مصفف شعر رجالي وفيق صعب: جمال الرجل بات هوساً بعد إنتشار الـ ReLooking
وفيق صعب مصفف شعر لبناني تحول من عالم النساء إلى الحلاقة الرجالية التي «كانت مجسدة ضمن إطار ضيق هو الزاوية الضيقة حيث الكرسي الذي تقابله مرآة فقط لا غير». وقد سعى صعب منذ إنطلاقته بمهنته إلى تعديل هذه الذهنية منذ العام 1994: «يجب أن يخرج الشاب من صالون التجميل تماماً كالفتاة، وأن نقول «واو» للتغيير الحاصل في مظهره». ولا يمس هذا الأمر برأي صعب من خشونة الرجل الصفة الشرقية الأساسية في عالمنا إذا ما فصلنا بين النظافة والترتيب عن إنحراف المظهر». ويسهب في شرحه: «إهتمام الشاب ببشرته واظافره وإزالة الشعر الزائد أو ترتيب الحاجبين خطوات أصبحت من متطلبات العصر إضافة إلى الإستفادة من مفعول الكيراتين لتنعيم الشعر وإكتساب اللماعية». يتحدّث عن زبائنه فيقول: «زبائني هم من القضاة ورجال الاعمال والفنانين. وقد يتردد إلى صالوني زبون يطلب لوك يتعارض ومفهوم الرجولة الشرقية أحياناً». يتجاوب صعب مع كل زبائنه مع إسداء النصائح : «البعض قد يحمل إليّ صورة أحد النجوم خصوصاً عمرو دياب الذي دفع الكثير من الشبان إلى إزالة كامل شعرهم، كذلك الرياضي ديفيد بيكهام». يضيف: «أنا تلميذ مدرسة Tony&Guy في بريطانيا التي تأبى التجاوب مع الطلبات التي قد لا تليق بالزبون وتلقي صورة النجم في القمامة. هذه خطوة لا أجرؤ على القيام بها، فالإنسان الشرقي شديد الحساسية». يقول أخيراً: «جمال الرجل بات هوساً لا يخرج من دائرة الترتيب والإطلالة الجذابة التي تترك وقعاً خصوصاً بعد إنتشار الRelooking الذي يغزو الفضائيات وبرامج الهواة حيث ينقلب مظهر شباب العرب رأساً على عقب، مما يكسب الإنسان ثقة إضافية بالنفس وهذا ما أعمل على إرسائه تحديداً».
ملاك جبيلي: الإطلالة المميزة ليست حكراً على النجمات
«وقعت في غرام الألبسة منذ صغري وكنت أرفض إرتداء ما تختاره أمي لي. كما أنني كنت أواجه بعض المشاكل في المدرسة لأنني كنت لا أتقيّد بقواعد الزي الموحّد وأغيّر باستمرار تسريحة شعري. راتب والدتي كنت أتقاسمه وأختي لشراء الملابس»، هكذا تستهل ملاك جبيلي حديثها عن مظهرها. وتعترف اليوم: «لا أقوى على مقاومة شراء أي قطعة ملابس، أحب أن أتألق كل يوم بلوك جديد وغير شائع». تضيف: «أجد أن الإطلالة المميزة ليست حكراً على النجمات. أحب متابعة Fashion Tv وتعجبني أزياء سيرين عبد النور وإليسا ودومينيك حوراني». وتعتبر نفسها محظوظة كون خطيبها يملك متاجر للالبسة والأكسسوار: «تعرفت على خطيبي في سهرة، وقد لفت نظره مدى إعتنائي بإطلالتي وأبدى إعجابه بشياكتي وقال لي أن كل ما فيّ مثالي». أظن أنني حظيت برجل يتفهم ويدعم أسلوبي في التبضّع». قد تقرر يوماً أن تكبح هوسها بشراء فستان لمحته في واجهة محل لكنها تمضي في ما بعد نهارها وهي تفكر في الأمر حتى تعود إلى السوق مجدداً لإبتياعه. أما عن إهتماماتها الأخرى فتقول: «أحب الإعتناء بشعري وقد إرتكبت خطأً في قصّه العام المنصرم وأصبت بحالة نفسية مزعجة فلجأت إلى وضع الوصلات Extentions. أحب وضع العدسات اللآصقة الرمادية والتبرّج إضافة إلى شراء الاكسسوار خصوصاً Swarovski البرّاق، أحب الاحجار المميزة». تقول أخيراً عما يقف خلف تماديها في الشراء: «العامل النفسي أو الفراغ والملل».
رأي علم الإجتماع - الدكتورة مي مارون: «رايحين نعمل شوبينغ» عبارة لبنانية بامتياز
تقول الدكتورة مي مارون: «لدى المرأة اللبنانية حب للتسوق سواء كانت لديها إمكانات أو لا، وهي متجاوبة مع الإغراءات المعروضة والمعرّضة لها طوال الوقت، وتعتبر النجمات النخبة والمرجع والدليل لنمط حياتهن الكفيل في الحصول على التألق». وتشير إلى أن: «أوّل مكان تقصدنه الجامعيات لدى إنتهاء يومهن الدراسي هو السوق للتبضع. رايحين نعمل Shopping عبارة شائعة في المجتمع اللبناني لأننا لم نعتد ثقافياً أن نرتاد المكتبات أو الحدائق العامة».
من ناحية أخرى تشيد ببراعة لبنان «في تنسيق الملابس في واجهات العرض وهذا ما جعل من بيروت وجهة سياحية أولى للعرب وغيرهم. وهذا يولّد رغبة شديدة في الشراء». إضافة إلى ذلك، «المرأة اللبنانية معروفة بتتبعها للموضة وأبرز خطوطها، فالميسورة تنتقي الأسماء التجارية العريقة ومن لا تقوى على دفع مبلغ كبير تكتفي بشراء النسخة المقلّدة». وتنتقد التربية الأسرية المادية: «الطفلة اللبنانية تبكي متوسلة والدتها لشراء فستان أو أقراط اكثر من إهتمامها في شراء كتاب أو أسطوانة موسيقية». وتلفت: «لا تملك المرأة اللبنانية شخصية مستقلة من حيث المظهر.
التقليد والتقسيط سمتان زادتا هوس المرأة كذلك الرجل بإقتناء السلع التي تمسي وكأنها ضرورة حياتية ملحّة ولا بأس في دفع نصف الراتب لشرائها». وتروي موفقاً أذهلها: «لقد فوجئت كثيراً عندما سألت طلابي عن أمنية أو حلم يراودهم في الوقت الراهن، فكانت الإجابات مادية: سيارة هامر أو تصميم حلي إحدى أشهر بيوت المجوهرات اللبنانية في حين عندما طرحت السؤال نفسه على طلبة في فرنسا حيث كنت أعطي دروساً تركّزت مجمل الإجابات حول رحلة إستجمام والسفر بحثاً عن الراحة والنقاهة لا إجراء عملية جراحية لتجميل الانف التي كانت حلماً في المرتبة الاولى في مجتمعنا».
تذكر تفاصيل تعكس هوية قسم من المجتمع اللبناني: «لا يعدّ دليل عافية أن يزخر لبنان بمتاجر تعرض ماركات رائدة خارج إطار المجموعة، هناك ذهنية شائعة بأن من يرتدي إسماً تجارياً عريقاً سيقابل بالإحترام، وهذه سمة شرقية متوسطية غير موجودة في المجتمعات الأوروبية حتى أنهم لا يستخدمون العطور التي يصنعونها على عكسنا. نحن لا نولي ثمن السلعة إهتماماً بل نتحيّن الفرصة لإمتلاكها فإذا وضعت نجمة أولى نظارات شمسية نتماهى معها باعتبارها «المثال» ونبتاع النظارات نفسها حتى دون ان تليق بوجهنا».
أما عن رجل اليوم الذي إختلفت صورته فتعلّق: «منذ عشر سنوات، الرجل النموذج كان يرتدي جينزاً خارج العمل وبزة رسمية أنيقة خلال دوام الوظيفة. أما اليوم فبات يساوي المرأة من حيث الإهتمامات. نحن بلد في طور النمو وسوق إستهلاكية نهمة ترحب بكل موجة وافدة قد لا تلقى رواجاً في بلد المنشأ. للأسف «الجميل» الذي تكلّم عنه أرسطو وأفلاطون الملازم لرجاحة العقل هو اليوم الولع بالمظهر الخارجي، الوزن والعضلات والسيارة والحذاء ونوع الجوّال».