الفتاة الثلاثينية إذا تأخر زواجها
العانس والمجتمع, المجتمع السعودي, علم إجتماع, جامعة القاهرة, علم النفس, مواقع الزواج الإلكتروني, فتاة ثلاثينية / فتيات, الضغوط الإجتماعية, هاني حامد, ميّ مارون, تأخر سن الزواج, د. سامية خضر
25 نوفمبر 2009تتراجع أحلام المراهقة وتتقدم النظرة الواقعية للحياة
ينظر المجتمع إلى الفتاة التي تصل الى سن الثلاثين من دون زواج على أنها عانس تعيش مرحلة حرجة تقل فيها فرص الزواج، بل ليس مسموحاً لها أن تتمسك بأي مواصفات خاصة في زوج المستقبل أو حتى أن تضع شروطاً لمن يدق بابها، بل عليها أن تتشبث بأي فرصة وترضى بأي شخص مقبول يتقدَّم لها. لكن هذه النظرة لم تعد تهم فتيات كثيرات وصلن الى سن الثلاثين ويرفضن وصفهن بالعوانس، ويُقاومن ضد هذا اللقب. فماذا تقول الفتاة الثلاثينية عن هذا الموضوع؟ وهل تشعر الثلاثينيات بالندم أحياناً على ضياع فرص الزواج؟ وهل تتغير طموحاتهن في زواج المستقبل بعد وصولهن الى سن الثلاثين؟
صورة الثلاثينية العزباء في نظر علم النفس
أوضحت الاختصاصية النفسية ورئيسة قسم التثقيف الصحي في مستشفى الصحة النفسية في جدة زينب الصائغ أن الزواج احتياج نفسي، اجتماعي، فزيولوجي، قائلة: «الضغوط الاجتماعية التي تتعرض لها الفتاة بعد سن الثلاثين تكون الدافع الحقيقي لتتخلى عن بعض الشروط التي كانت تضعها لرجل المستقبل، فتبدأ باستيعاب الواقع والخبرات التي تدور من حولها في شكل أفضل لتكون لها نظرة مختلفة الى حياتها الزوجية، وبعد الثلاثين عليها أن تدخل على أحلامها الوردية الطابع الواقعي لتكون منطقية أكثر مستفيدة من التجارب التي مرت بهاأو بغيرها».
أما عن الناحية النفسية فإن كثيراً من الفتيات اللواتي تأخرن في الارتباط يتعرضن لبعض حالات القلق النفسي والضغوط العصبية بسبب ما يدور حولهن من أقاويل عن تأخرهن في الزواج من قبل العائلة. هذا الضغط يولّد لدى البعض منهن، خصوصاً من لديهن حساسية مفرطة، استعداداً نفسياً للدخول في حالات من الصراع والاكتئاب النفسي وعدم النوم، الأمر الذي يؤدي الى نوع من الضغط العصبي المتواصل».
وتلفت الصائغ الى ضرورة أن تكون الأسرة هي العامل المساعد في تخطي الفتاة هذه الضغوط وأن تساعدها على الاتجاه إلى نشاطات يومية مختلفة مثل الرياضة والقراءة والخروج الى العمل لتفرغ طاقاتها في جانب آخر بعيداً عن تمحور تفكيرها حول عوامل تأخر زواجها.
فخّ الاختيار السيء
ويرى الدكتور هاني حامد أستاذ الطب النفسي أن مشكلة الفتاة الثلاثينية العاملة التي لم تتزوج بعد أكبر من مشكلة العنوسة بل هي أخطر وأصعب.
ويوضح قائلاً: «عندما تكون الفتاة متعلّمة تعليماً عالياً وتعمل في وظيفة معينة، تكون مشكلتها أكبر من مجرد عنوسة لأنها غير متوافقة مع أي عريس عادي وبالتالي تكون فرصتها في الزواج أقل من الفتاة العادية أو العانس غير العاملة. والسبب المنطقي لذلك أنها يجب أن تتزوج من شخص متعلم وذي مركز مرموق، مما يزيد الأمر صعوبة ويضيّق عليها فرص الاختيار».
ويضيف أستاذ الطب النفسي: «بعض هؤلاء الفتيات يقعن فريسة لاختيار متعجل حتى لو لم يكن مناسباً لهن مما يؤثر سلبياً عليهن مهنياً وأسرياً. وبالتالي لا يجوز أن تتحول سن الثلاثين إلى مصدر خوف حتى لا تقع الفتاة في فخ الاختيار السيىء».
وفي النهاية ينصح الدكتور هاني كل فتاة ثلاثينية بعدم قبول أي زوج إلا بعد دراسة كافية ووافية وعقلانية له. «عليها أن تأخذ وقتها كاملاً في التفكير قبل الرفض أو القبول والفتاة الثلاثينية الناجحة من خلال تواصلها مع المجتمع وتعليمها أو وظيفتها ترتفع فرصها في لقاء الشخص المناسب».
أكثر عقلانية
من جانبها ترى الدكتورة سامية خضر أستاذة علم الاجتماع في جامعة القاهرة أن الفتاة الثلاثينية العاملة تتمتع باستقلالية مادية وأحياناً يفوق راتبها رواتب بعض الرجال وتصل إلى مناصب مهمة. كل ذلك يوفر لها بديلاً عن التأخر في الزواج ويقلل إحساسها بضياع الفرصة المناسبة.
وتقول خضر: «كل اختيار له إيجابياته وسلبياته، فإيجابيات التأخر في الزواج التعليم العالي والانخراط في مجتمع العمل مع مختلف أنواع البشر وتحقيق الذات والاستقلال الاقتصادي. لكن السلبيات تكمن في أن الفتاة قد تستمر حياتها على الوتيرة نفسها دون أن تشعر بأن شيئاً ينقصها حتى تجد نفسها كبرت في السن دون أنيس ولا طفل وتندم في وقت لا ينفع الندم».
وتوضح نظرة المجتمع الى الفتاة الثلاثينية التي لم تتزوج بعد. بقولها: «لقد تغيرت نظرة المجتمع الآن الى هذه الفتاة من «عانس» إلى شخصية ناجحة». ولكنها تنصح هذه الفتاة بأن لا «تنجرف في العمل وتنسى حياتها الشخصية، انسي الغرور وتذكري أن لا عريس دون عيوب، فالكمال لله وحده. وإذا كان عقلك كبيراً عليكِ أن تعي أن الحياة لها أهداف كثيرة وليس العمل الهدف الوحيد، فالأسرة والأطفال هدف سامٍ أيضاً».
أزمة الفتاة الثلاثينية في نظر علم الإجتماع
الدكتورة اللبنانية ميّ مارون، استاذة علم الاجتماع، علقت على موضوع زواج الفتاة الثلاثينية بالقول:
منذ القِدم، قسّمت الفلسفة اليونانية النساء الى فئات، وكانت المرأة-النحلة (التي تنتظم عندها الحياة) هي المرأة الشابة التي تُنجب محاربين أقوياء وأشدّاء. ثم جاءت الأديان وحدّدت سن الزواج لكل من الرجل والمرأة.
أما اليوم، فقد تطوّرت العلوم لكن العقلية الموروثة ظلّت قائمة ولا تزال الفكرة التي تلاحق المرأة وتستثنيها هي طول مرحلتها الإنجابية (سنوات إنجابها البيولوجي المتبقي) وحالتها عقب الولادة والرضاعة لا هويتها الثقافية، في حين أوضح العلم أن الإنجاب يجدّد خلايا المرأة ولا ينهك طاقتها ويستحوذ على شبابها.
وحتى لو أراد الرجل الذي تخطى عقده الرابع تقويم نظرة المجتمع ينصحه محيطه بالزواج من إمرأة شابة يضمها إلى منزله الجميل ومركزه المهني المرموق أو حتى البسيط. أما من تعدّت سن الثلاثين، فهي على الأرجح تشكل شخصية مستقلة.
ويختلف الأمر من المدينة إلى الريف حيث تسمى في بعض الأرياف الفتاة عانساً حين تتجاوز منتصف عقدها الثاني دون إرتباط، من جهة أخرى، الإحصاء يظهر أن تأخر سن الزواج الجليّ في بعض مجتمعاتنا يعود إلى وعي الفتاة التي باتت اليوم تملك المركز والسيارة والراتب والإستقلالية ولا تقدّم تنازلات الأمس، وتتساءل لمَ أقبل الزواج من رجل دون مؤهلاتي العلمية والشخصية.
لكنها تصطدم ب«تعاطف» المجتمع وضغطه الذي «ينصحها» بقبول المتوافر قبل فوات الأوان. النظرة إلى الرجل الشريك تبدّلت، أصبح فيها الكثير من التحدّي. بينما النجمات وما أكثرهن في السن ذاتها، يعفيهنّ المجتمع من الزواج المبكر وحتى يبرّر لهن الزواج برجل أصغر، إمتياز لا تحظى به المرأة في الظل. فالنجمة هي التي تختار بينما نظيراتها التقليديات يتم إختيارهن على الدوام.
يريد الرجل مهما بلغ عمره «صبيّة متل قلب النهار» بحسب التعبير اللبناني المأثور، ومن تخطّت منتصف عقدها الثالث تقتصر حظوظها على الأرمل أو المطلقين أو أن تحمل لقب زوجة ثانية، إلى جانب الإستثناءات التي تلقى فرصها اليوم في الزواج المختلط عبر الإنترنت والصورة.
وهذا الأخير بات مَخرَجاً للفتاة اللبنانية التي بات خيارها للزوج بعد الثلاثين أصعب في وقت لا يزال يعتبرها الرجل المُتنفّس ومصدر الراحة بعد نهار متعب. للأسف التطور الذي يطرأ على مجتمعاتنا طاول السيارة والنادي والأزياء، أي هو مرتبط بالمظاهر لا العلاقات الإنسانية. وهنا تجد المرأة نفسها مصابة بإنفصام الشخصية. تريد أن تكون مثقفة ومدلّلة في الوقت نفسه، لكن الرجل الذي يقدّم لها الرفاهية والحياة المترفة يريد المقابل وهو «الطاعة» في حين لا يعترف إلى اليوم بأن عمل المرأة في المنزل، خصوصاً إذا كانت إمرأة عاملة، غير مأجور.
أصبحت المرأة اليوم تعرف أن تقول لا وترفض ما يعترض طموحها الذي لم ينجح المجتمع والرجل في إرساء توازنه، وهذا ما يشتّت المرأة ويدفع اللبنانيات المتزوجات في مقتبل العمر إلى طلب الطلاق بعد زواج لم يستمر طويلاً.
المرأة في قمة عطائها العاطفي بعد الثلاثين والعزباء الأكثر تعرضاً لليأس هي التي تضع الزواج في سّلم أولوياتها
الدكتورة اللبنانية مايا أبو خليل - إختصاصية في علم النفس العيادي تحدثت مع «لها» عن واقع الفتاة بعد الثلاثين وقد بدأنا حديثنا معها بالسؤال:
- أثبتت الدراسات أن نسبة سعادة المرأة وإقبالها على الحياة تزداد بعد بلوغها سن الثلاثين، ماذا عن التي بلغت أو تخطت هذه السن وهي عزباء؟
مع مرور الأيام لم يعد لعمر المرأة تأثير كبير على نظرة المجتمع إليها، خصوصاً أن معظم النساء أصبحن يعملن في مجالات مهمة. وتمضي بعضهنّ أكثر من ٥ سنوات في التعليم العالي ومن بعدها يبدأن بالعمل إلى أن يتعّرفن على الشخص المناسب. تشعر المرأة خلال هذه السنوات بأنها فعّالة وبأنها تتقدم في مهنتها ولا تراودها فكرة الزواج إلا لإتمام سعادتها التي لا تكتمل إلا مع الرضى العاطفي والعلائقي، وبالتالي العائلي. يزداد إقبال المرأة على الحياة مع إرتفاع الشعور بالرضى والسعادة، ولا يرتبط ذلك إرتباطاً وثيقاً بالعمر، إلا أنها تكون في قمة عطائها العاطفي بعد عمر الثلاثين لأن نضوجها واكتفاءها الشخصي على معظم الأصعدة يجعلانها قادرة على الإستثمار في علاقاتها بشكل أفضل.
- هل شهرة فنانة ثلاثينية عزباء تبدّل حاجاتها كامرأة تقليدية؟
لا شيء يمكن أن يبدّل حاجة المرأة إلى الإستقرار وتكوين عائلة تحفزها على الحياة، إلا أن تحقيق الشهرة ومحبة الجماهير والمعجبين يعطيانها دفعاً معنوياً وثقة بنفسها من الممكن أن يعوضا عن جزء بسيط من الحلم الجماعي ألا وهو الزواج والعائلة. لكن لتلك الشهرة سيئات أيضاً، فمن الممكن أن تحدّ من قدرتها على التعرّف الى أشخاص جدد وإختراق جميع طبقات المجتمع إذ أنها تشكل مثالاً أعلى للشباب وتريد المحافظة على صورتها دون أن تتناولها ألسنة الصحافة، لذا نرى أن معظمهن يتزوّجن قبل الشهرة أو يتزوّجن من مدراء أعمالهنّ ومن أثرياء.
- من هي العزباء الأكثر تعرّضاً لليأس والتخلي عن إمتيازات الزواج المبكر؟
إنّ العزباء الأكثر تعرّضا لليأس هي التي تضع الزواج في سلم أولوياتها، فلا ترى فائدة من حياتها إلا عبر الزواج والأمومة. وغالباً ما تكون هذه المرأة عاطلة عن العمل أو غير راضية بإنجازاتها المهنية أو علاقاتها الإجتماعية محدودة. وتلعب التربية دوراً كبيراً في تنشئة الفتاة وتعزيز ثقتها بنفسها وبقدراتها الشخصية فلا تحتاج إلى من يكمّلها بل إلى من يشاركها تحقيق أهدافها وأحلامها.
- هل من إمرأة لا يساورها هاجس الأمومة المُلح؟
أثبتت الدراسات أنّ هاجس الأمومة الملحّ يساور المرأة في فترة معيّنة من حياتها قبل سن الثلاثين أي بين ال ٢٥ و ٢٨، عندما ترى قريناتها يتزوّجن وينجبن. ولكنّ هذا الشعور غالباً ما يزول فيصبح مرتبطا بوجود الشريك المناسب عند البعض. فالرغبة في الأمومة هي رغبة في تحقيق الأنوثة، وترمز إلى إكتمالها. كما أنها إعلان عن حب الشريك والرغبة في تكوين عائلة معه.