بعد صدمة الاغتصاب في مصر

مشكلة / مشاكل إجتماعية, إنتحار, سلمى المصري, المخدرات, شهادات حيّة, إختصاصي نفسي, إغتصاب, أمراض نفسية, الجمعيات المختصة, مركز تأهيل, المغتصبات, الانحراف, قرية الأمل, رعاية المغتصبات, نائب رئيس مجلس إدارة القرية, رعاية أسرية, المأوى, د. وائل عبد العال

08 ديسمبر 2009

ليس الاغتصاب حادثة تمر في حياة الفتاة مرور الكرام، بل هي تجربة تغيّر حياتها، لا بل تقلبها رأساً على عقب. من الطفولة البريئة إلى الانحراف، تلك هي الصورة التي نصادفها أمام معظم حالات الاغتصاب. عندما تتعرّض الفتاة إلى الاغتصاب على يد والدها الذي يمثّل الأمان والحماية لها، أو على يد أقرب المقرّبين كيف يمكن أن تتابع حياتها بأمان؟ هذه التجربة المرّة التي تمر بها المغتصبة هي الطريق الذي يقودها غالباً إلى الضياع والانحراف والبؤس، فتتجه بعدها من السيئ إلى الأسوأ عندما لا يعود لديها شيءٌ تخسره في ظل الظروف التي تعيش فيها.

وهذه الصورة التي ننقلها عن الاغتصاب ليست سوى تفصيل من مشهد عام يتواطأ فيه  في بعض الحالات المجتمع مع العائلة ليسحقوا كائناً مستضعفاً لا ذنب له سوى أنه كان ضحية لعمل وحشي. لكن حتى في أصعب الظروف يعود الأمل في لحظة من اللحظات عندما تصبح التجربة المرّة التي مرّت بها الضحية مصدر قوة لها لتتابع حياتها بشجاعة وعزم. «لها» تتعرض في هذا التحقيق لموضوع الإغتصاب مع التركيز على الطريق التي تسلكها المغتصبة للعودة الى الحياة الطبيعية ونبدأ بشهادات وتعليقات من مصر.

 
قرية مهمتها إعادة المغتصبات الى الحياة
«قرية الأمل» هي أول بيت مصري لرعاية المغتصبات... المهمة صعبة في ظل الآثار النفسية والاجتماعية القاسية لضحايا الاغتصاب، لكنّ القائمين على القرية يصرون على إعادة المغتصبات الى الحياة. «لها» ذهبت إلى هناك والتقت عدداً من الضحايا واستمعت إلى حكاياتهن ورصدت كيف يتم تنفيذ المهمة الصعبة معهن...

هبة: هربت من قسوة زوجة أبي فتعرضت لاغتصاب جماعي
هبة محسن (٢٣ سنة) إحدى ضحايا الاغتصاب، تحكي قصتها قائلة: «انفصل والدي عن والدتي وتزوج من أخرى ثم أرغمني على العيش معه. وبعدما تعرض لظروف صحية أقعدته في المنزل خرجت زوجة أبي لتعمل وأصبحت تعيل المنزل، وهو ما جعلها تعاملني بقسوة فكانت تعنفني وتضربني حتى التي فكرت في الانتحار مراراً. وأخيراً هربت إلى الشارع فقابلني رجل حكيت له معاناتي فاستدرجني الى احدى قرى بنها واغتصبني هناك مع مجموعة من أصدقائه بطريقة وحشية. وظل أبي يبحث عني في الشوارع حتى عثر عليّ في أحد أقسام الشرطة فتسلمني لأقيم معه مرة أخرى. ولكن عندما علمت زوجة أبي بمصيبتي فضحتني عند أقاربي وجيراني الذين راحوا يعيّرونني بما حدث وكأنني مذنبة وكأن ما حدث كان برغبتي، فلم أتحمل ذلك وطلبت من والدي أن يتركني لأعيش مع أحد أقاربي. ولكنه علم من أحد أصدقائه عن وجود قرية تؤوي المغتصبات فأحضرني إلى هنا حيث يعاملونني أفضل معاملة. ولذلك اعتبر كل من في هذا المكان كأهلي وأعتز بهم لأنهم غيروا نظرتي الى العالم وجعلوني أشعر بأن الحياة لم تتوقف بعدما فقدت الثقة بكل من حولي وشعرت بأن الموت هو الوسيلة الوحيدة للخلاص».

سمر: من الشارع الى الاغتصاب
أما سمر محمد (٢١ سنة) فتحكي قصتها قائلة: «أجبرني أبي على الزواج من شخص لم أحبه أبداً ولكنه فرضه عليّ من أجل معاملات مادية كانت بينهما، فتزوجنا وطلقني بعد فترة وألقى بي في الشارع  لأجد ان والدي هو الآخر طرد أشقائي من بيته وهو ما جعلني غير قادرة على أن أعود إليه. وصدف ان قابلني أحد الشباب وعرض عليّ الذهاب إلى منزل أصدقائه للإقامة هناك، فوافقت دون وعي. ولكنهم اغتصبوني وبعد شهور فوجئت بأني حامل فاتصلت بالنجدة، وهناك سلموني الى مجلس الطفولة والأمومة الذي حولني إلى «قرية الأمل» لتتولى رعايتي».

نعمة: تزوجته عرفياً بعد اغتصابي فمزق الورقة عندما حملت!
نعمة علي
(٢٤ سنة) تقول: «بعد انفصال والدي عن والدتي فضلت أن أقيم معه خاصة بعد زواج أمي من رجل آخر. ولكن بعد فترة طردني والدي وأصبحت مضطرة للإقامة مع والدتي. وظل الحال على ذلك حتى تعرفت على شاب يعمل في فرقة خاصة بإحياء الأفراح وأحببته. وذات يوم عرض عليّ الذهاب معه الى الغردقة، ولكنه استغل وجودي بمفردي معه واغتصبني. بعدما أقنعني بأنه سيتزوجني وهو ما حدث بالفعل، ولكن كان الزواج عرفياً. وبعدها علمت أنني حامل فواجهته بذلك وطلبت منه أن يتزوجني رسمياً فتخلى عني ومزق ورقة الزواج العرفي وطلب مني التخلص من الجنين لأنه ما زال صغيراً ولا يتحمل مسؤولية وجود طفل في حياته. فقررت أن أحكي لوالدتي ما حدث لكي تساعدني في حل المشكلة، ولكنني فوجئت بها تضربني وتطردني من بيتها، ولم أجد أحداً ينصت إلي، فأصبحت أنام على أرصفة الشوارع وأسفل الكباري ووسط الكلاب الضالة والذئاب البشرية حتى وجدت مكاناً لي هنا».

إيمان: خالي المدمن اغتصبني وأمي حذرتني من البوح بالسر
أما إيمان فتحي (١٨ سنة) فتقول: «توفي والدي وتركني طفلة لم تتجاوز الخمس سنوات. تزوجت أمي من آخر وعندما كبرت أصبحت أخدم في البيوت لأعين والدتي على مسؤوليات المنزل وأساعدها في الإنفاق على إخوتي من زوجها الثاني. وفي أحد الأيام زارنا خالي الذي كنت أراه دائماً يتعاطى المخدرات. وفي ذلك اليوم وجدته ينظر إليّ نظرات وحشية وفجأة انقض عليً واغتصبني ولم يرحم بكائي ودموعي. وعندما صارحت والدتي صرخت في وجهي وحذرتني من أن أبوح بالسر لأي كان وبالفعل احتفظت بهذه المصيبة لنفسي لفترة ولكنني لم اتحمل ذلك الوضع ووجدت أنه من الأفضل أن يكون الشارع ملجأ لي على العيش في هذا الجحيم. فهربت حتى قابلني أحد الأشخاص وأشفق عليّ واتصل بخط النجدة، وجئت إلى القرية التي أعادت إلي الأمل في الحياة».

منى: سيدة باعتني للرجال مقابل المخدرات
وتشير منى ناجي (٢٠ سنة) إلى أنها فتحت عينيها على الحياة فوجدت نفسها تعيش في الشوارع. تقول: «كنت أتنقل كل يوم من مكان الى آخر لأبحث عن مأوى أنام فيه. وذات يوم تعرفت على سيدة قالت إنها سترعاني لكنني اكتشفت أنها تعمل قوادة بعدما باعتني لمجموعة من الرجال مقابل كمية من الحشيش الذي كانت تدمنه فاغتصبوني أول مرة وأصبت بانهيار عصبي. لكنني اعتدت ذلك واعتبرته أمراً واقعاً لأنه لم يكن لدي أهل ينتشلونني من هذه المأساة، حتى التقيت سيدة طيبة تعاطفت معي بعدما حكيت لها قصتي، وأخذتني إلى القرية التي تعلقت بها فعلاً بعدما شعرت فيها بالأمان والاستقرار وكأنني ولدت من جديد».


نائب رئيس مجلس إدارة القرية: نستقبل ٢٢٠ مغتصبة يومياً

يقول مدير فرع الأمهات الصغيرات ونائب رئيس مجلس إدارة قرية الأمل سيد منير: «القرية أسستها مجموعة من رجال وسيدات الأعمال بهدف رعاية ذوي الظروف الصعبة من الأيتام والمحرومين من الرعاية الأسرية، وبدأت نشاطها من خلال مركز واحد للإيواء حتى أصبحت تضم قطاعاً عريضاً من الأطفال والفتيات المغتصبات في ١١ مركزاً منتشراً في أنحاء محافظتي الجيزة والقاهرة. وهناك ثلاثة مراكز لاستقبال الحالات ومراكز للإقامة الدائمة ملحق بها مجمع كامل للورش الإنتاجية التدريبية.

وتقدم القرية للمغتصبات الحماية والرعاية والمأوى، علماً اننا نستقبل ٢٢٠ حالة يومياً. ونتعاون مع المجلس القومي للأمومة والطفولة بهدف تغيير فكرة المجتمع عن المغتصبات خاصة من بنات الشوارع اللواتي لهن حقوق على هذا المجتمع ومنظماته لأنه إذا لم يتم الالتفات إليهن سيصبحن عناصر فاسدة. ونستقبل من تعرضن لحوادث خطف واغتصاب ونشترط أن يكون الاغتصاب الذي وقعت فيه الفتاة خارجاً عن إرادتها، فنبحث في حالة كل فتاة اجتماعياً ونفسيا وقانونياً، وعندما نتأكد من صدق كلامها ونفتح لها ملفاً بعد موافقة أسرتها على إقامتها في القرية. وتهتم الجمعية في المقام الأول بتوفير رعاية اجتماعية وأسرية تتمثل في اكساب الفتيات القيم الاجتماعية والسلوكيات السليمة التي تقوم على مبدأ التعاون والاعتماد على النفس. كما تلتزم الجمعية بإعادة من يمكن إعادته من هؤلاء الفتيات إلى أسرهن عقب تأهيلهن حرفياً ونفسياً وتقليص الخلافات وإذابة الجفاء بين الفتاة وأسرتها من خلال الأبحاث الأسرية التي يقوم بها اختصاصيون في علوم النفس والاجتماع. وقد نجحت الجمعية في تغيير نظرة المجتمع إلى الفتاة المغتصبة من خلال العديد من التجارب الناجحة».

مدير القرية: نبحث عن المغتصبات في الشوارع
حول طريقة استقبال الفتيات المغتصبات يقول مدير فروع الجمعية محمود الشيخ: «تبحث الجمعية عن الفتيات المغتصبات في الشوارع من خلال سيارة مجهزة تحتوي على بعض الأطعمة الساخنة والمياه الغازية والأدوية. ونطلع الفتيات على أهداف الجمعية ونعمل على مساعدتهن مادياً ومعنوياً خصوصاً ان بعض هؤلاء الفتيات صغيرات ويحملن أطفالاً ليست لهم شهادات ميلاد ومن ثم نستقبلهن في قسم خاص يدمجهن في المجتمع عبر مشاريع صغيرة تساعدهن في تحمل المسؤولية، كما تتم توعيتهن بأساليب الحماية والوقاية والصحة الإنجابية، وكذلك سبل حصولهن على حقوقهن القانونية، بالإضافة إلى تدريبهن على حرف يدوية لاكسابهن مهارات تمكنهن من رعاية أنفسهن اقتصادياً عقب خروجهن من القرية».


د. عبد العال: بيئة مريضة
ويقول الدكتور وائل عبد العال الاختصاصي الاجتماعي في القرية: «غالبية الحالات تجمعها عامل مشترك هو أن صاحباتها عشن ظروفاً أسرية صعبة ومفككة وقاسية لا يتحملها بشر، وبالتالي فإن هذا المشروع تجربة اجتماعية جيدة لمساعدة هؤلاء الفتيات في مجال إعادة بناء شخصيتهن وتطوير قدراتهن. ومن احتكاكي بهذه الحالات وجدت أن أغلبها يعاني ضعفاً في القدرات الذهنية وان الفتيات لا يدركن مدى خطورة ما حدث لهن. وتبعاً لبرامج التأهيل الخاصة بالجانب الاجتماعي، نحرر طلبات إيداع بها بيانات خاصة بكل حالة ونعد دراسات عن كل فتاة من خلال التحري عن أهلها وموطن إقامتها وجيرانها وغالباً تكون الحالات ناتجة عن بيئة عائلية مريضة وغير سوية على الإطلاق. و نجري أيضاً اختبارات من خلال الحوار مع الفتاة المغتصبة لنستمع اليهن دون أن نحكم. ولكن غالباً ما نطلق على الجلسة الأولى «الجلسة الكاذبة»، ذلك ان ٩٠ في المئة مما تقوله الفتيات غير صحيح.

وجميعهن يشتركن في صفات عدة أهمها الكذب وفقدان الثقة بكل الناس والأنانية والسرقة، فنجد أن أكثرهن يتمتعن بخبرات إجرامية عالية جداً تفوق خبراتنا كاختصاصيين. ولذلك نكون حذرين جداً في التعامل معهن. أما حالات زنى المحارم فنسبتها ضئيلة جداً ولا تتعدى الـ ١٠ في المئة، وغالباً لا تعترف الفتاة مباشرة بذلك ولكن ينكشف الأمر من سياق كلامها في ما بعد من خلال جلسات عدة. وأحياناً نكتشف هذا من خلال إجابات الأب أو الأخ عن بعض الأسئلة. ولدينا العديد من التجارب الناجحة في القرية لفتيات تزوجن وأنشأن أسراً وأصبحت لهن حياة مستقرة مع أزواجهن. ونحن نعمل على متابعتهن من خلال الاتصالات بمعنى ان علاقتنا بالفتاة لا تنتهي عقب خروجها بل تظل تستشيرنا في كل كبيرة وصغيرة. ولكن لا شك أن هناك فتيات يمثلن نماذج سلبية لا يستطعن أن يكملن مسيرتهن في القرية فيهربن منها.  وهذا يرجع إلى أسباب عدة والى أنهن اعتدن على بعض الأشياء  كإدمان المخدرات والجنس. ونحن لا نتبع معهن نظام العقاب  بالضرب أو التعذيب لأن الإيذاء البدني ممنوع في القرية».


د. عماد صقر: مقاومة الرغبة في الانتقام
ويختتم الحديث الدكتور عماد عبد البر صقر الاختصاصي النفسي في القرية قائلاً: «يتضمن البرنامج النفسي اختبارات عدة أهمها اختبار التعديل السلوكي لهؤلاء الفتيات من خلال مقابلات نفسية فردية مع الفتاة وقياس درجة المخاوف والقلق لديها ودرجة الذكاء والشعور بالغربة والانتماء، مما يسهل علينا العلاج. وغالبيتهن يظهر عليهن بعض الأمراض النفسية الخطيرة مثل الإحساس بالعزلة والانطواء وعدم الرغبة في الكلام ومرض الوسواس والهيستريا، ونحن نحاول جاهدين إزالة كل هذا من أنفسهن، خاصة شعور الفتاة بكراهية جسدها وتبلد عواطفها والقلق النفسي والخوف من الآخر خاصة الرجل ونسعى تغيير نظرتها الوحشية اليه والتخلص من رغبة الانتقام منه، فنلجأ إلى الإبداع كنوع من التفريغ الانفعالي عبر الغناء والرسم مرتين كل أسبوع.

وهكذا نستطيع أن نفك طلاسم شخصية كل حالة حتى تصبح أكثر مرونة وسلاسة. كما أن هناك دلالات تكشف الحالة المزاجية للفتاة ومدى تحسنها وتقدمها نفسياً من خلال شكل الرسوم وطريقة تركيب الألوان وتوزيعها، بمعنى أن الألوان الداكنة تعكس حالة حزن عميق وتشاؤم وانطواء، أما الألوان المبهجة والفاتحة فتعكس حالة مزاجية جيدة وشعوراً بالفرح والسعادة. وكلنا في القرية مسخرون لخدمة هؤلاء الفتيات المغتصبات، وجئنا الى هنا خصيصاً من أجل هذا الهدف».