بعد صدمة الاغتصاب في الإمارات

مشكلة / مشاكل إجتماعية, جرائم, عادات وتقاليد, علم إجتماع, الإمارات العربية المتحدة, إختصاصي نفسي, تأهيل نفسي, إغتصاب, الجمعيات المختصة, مركز تأهيل, المغتصبات, تأهيل المغتصبات, عفراء البسطي, مؤسسة دبي الخيرية, رعاية النساء والأطفال, عائشة الرومي, لجنة

08 ديسمبر 2009

ليس الاغتصاب حادثة تمر في حياة الفتاة مرور الكرام، بل هي تجربة تغيّر حياتها، لا بل تقلبها رأساً على عقب. من الطفولة البريئة إلى الانحراف، تلك هي الصورة التي نصادفها أمام معظم حالات الاغتصاب. عندما تتعرّض الفتاة إلى الاغتصاب على يد والدها الذي يمثّل الأمان والحماية لها، أو على يد أقرب المقرّبين كيف يمكن أن تتابع حياتها بأمان؟ هذه التجربة المرّة التي تمر بها المغتصبة هي الطريق الذي يقودها غالباً إلى الضياع والانحراف والبؤس، فتتجه بعدها من السيئ إلى الأسوأ عندما لا يعود لديها شيءٌ تخسره في ظل الظروف التي تعيش فيها. وهذه الصورة التي ننقلها عن الاغتصاب ليست سوى تفصيل من مشهد عام يتواطأ فيه  في بعض الحالات المجتمع مع العائلة ليسحقوا كائناً مستضعفاً لا ذنب له سوى أنه كان ضحية لعمل وحشي.

لكن حتى في أصعب الظروف يعود الأمل في لحظة من اللحظات عندما تصبح التجربة المرّة التي مرّت بها الضحية مصدر قوة لها لتتابع حياتها بشجاعة وعزم. «لها» تتعرض في هذا التحقيق لموضوع الإغتصاب مع التركيز على الطريق التي تسلكها المغتصبة للعودة الى الحياة الطبيعية ونبدأ بشهادات وتعليقات من الإمارات.

ترى عفراء البسطي المدير التنفيذي لمؤسسة دبي الخيرية لرعاية النساء والأطفال أن عدد الفتيات اللواتي يتم الاعتداء عليهن، وكذلك الأطفال، سجل زيادة ملحوظة في العالم كله، مما أدى إلى ضرورة اهتمام معظم الدول بهذه المشكلة. ولاحظت ان الفتيات يرغَمن أحيانا على ممارسة البغاء باستغلال ظروفهن الاقتصادية وحاجتهن الى العمل. وأوضحت ان  مؤسسة دبي الخيرية تعمل على رعاية بعض الفتيات ممن تم الاعتداء عليهن من منطلق انساني، «حيث نسعى بكل السبل إلى إعادتهن إلى الحياة الطبيعية الى حين عودتهن إلى بلادهن». وتعتبر هذه المؤسسة  من المؤسسات القليلة وتكاد تكون الوحيدة في الإمارات التي تستهدف رعاية المغتصبات وحتى الأطفال من التحرشات الجنسية أيضاً.

وألقت البسطي اللوم على الدول  التي ترسل بناتها إلى بلدان أخرى من اجل جمع المال دون التدقيق في طبيعة أعمالهن، مطالبة بوضع ضوابط للحد من هذه الظاهرة. وتقول: «نتحمل تبعات كل المصاريف والإقامة وغيرها من أجل تأهيل الفتيات اللواتي قد يسقطن ضحية هذه الأعمال الإجرامية التي تقوم بها فئة بعيده عن كل الأعراف والقيم.  فضحايا الاستغلال الجنسي والبدني وضحايا الاغتصاب يتم تأهيلهن نفسياً واجتماعياً والعمل على دمجهن في الحياة وتوعيتهن على أساليب الحماية والوقاية. الى جانب تدريبهن علي حرف غير تقليدية لإكسابهن مهارات تمكنهن من رعاية أنفسهن».

وأكدت أن هذه  الظاهرة مرفوضة في مجتمع الإمارات الذي يتمسك بالعادات والتقاليد رغم استقباله لأكثر من ٢٠٠ جنسية تعيش على أرضه، «والجهات المعنية تتصدى لهذه الظاهرة بكل قوة وحزم  حفاظا على  سلامة الجميع».


الإنصاف أم الإعدام الاجتماعي؟
من جهتها، تؤكد عائشة الرومي  الباحثة في حقوق الإنسان وعضو لجنة حقوق الإنسان في الإمارات أن تأهيل المغتصبات في السجون «يحتاج إلى عناية كبيرة من النواحي النفسية والاجتماعية والمادية، مع مراعاة الفئة العمرية لكل ضحية، وكذلك المستوى الثقافي والتعليمي والبيئة الاجتماعية وغيرها، ووضع الفتاة في مجتمعها الخاص، الى جانب السمات الشخصية  السلبية والإيجابية، خصوصاً أن المجتمع لا تزال له نظرة ذكورية في كثير من القضايا، ومنها قضية المغتصبة سواء بخديعة واستدراج أو بالخطف أو غيرها من الوسائل، ويقوم بتجريم الفتاة إلى الأبد وإعدامها اجتماعياً حتى لو كانت هي الضحية والمجني عليها، ويعتبرها حملاً مقززاً ولا بد من التخلص منها، بدلاً من إنصافها واسترداد ما نهب منها ولو بشكل رمزي. هذه الخطوة رائدة وتحتاج فعلاً إلى دعم لا محدود ومن جميع المؤسسات الاجتماعية والنسائية والتربوية».

وأضافت: «في هذا الإطار لابد من العمل لإنجاح المشاريع التي تقوم بإعادة تأهيل المغتصبات من خلال متابعة الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين لهن، وتقديم الخبرات العملية بما يساعد في تفهم ظروف كل فتاة والتعامل معها بشكل يساهم في تضميد جروح الماضي، وتأهيلها اجتماعياً ونفسياً حتى تتحول هذه الفئة إلى عناصر نافعة في المجتمع».

 

تغيييير نظرة المجتمع
تعتقد الاختصاصية النفسية فاطمة المرزوقي أن تأهيل هذا النوع من الفتيات «يحتاج جهداً كبيراً، وخاصة حين تكون الفتاة صغيرة وتتعرض للاغتصاب في سن مبكرة، فالأمر في حاجة إلى رعاية كاملة، وهذا ما نقوم به حالياً، فنعمل على رعاية هذه النوع من  الحالات عن طريق تهيئتهن لدخول المدرسة، ورعايتهن اجتماعياً ونفسياً، وتقديم كل الإمكانيات لهن حتى يستطعن نسيان الماضي، ودائرة الخدمة الإجتماعية تقدم الخدمات من اجل إعادة  التأهيل عن طريق الأخصائية النفسية  من خلال دراسة حالتها، وكذلك عبر الأخصائية الاجتماعية التي لها دورها الفاعل في هذا الإطار، ولاشك أن هناك العديد من  المشاكل النفسية والاجتماعية والصحية التي تتعرض لها الفتاة المغتصبة، إلا أن النظرة السلبية للمجتمع الجاثمة على صدرها طوال الوقت هي التي تضاعف من حجم كل المشاكل التي تصيبها،  لذلك لا بد من العمل على تغيير هذه النظرة بين المجتمعات بصفة عامة، حتى تستطيع الفتاة الاندماج في المجتمع في المستقبل، دون أن  تتعرض إلى آثار نفسية واجتماعية قد تعرضها إلى انتكاسة حقيقة خلال حياتها الجديدة.


أفعال مرفوضة
أمل العوبد
الاختصاصية  الاجتماعية التي تعمل في أحد مراكز  التأهيل تقول: «لاشك أن المرأة تتعرض لصور عديدة من العنف ضدها، تؤثر في حياتها وصحتها ومستقبلها. ويعتبر الاغتصاب أحد أنواع العنف الموجهة الى المرأة، والذي ازداد في السنوات الأخيرة في كل دول العالم، وأصبح مشكلة صحية واجتماعية ونفسية تؤثر في الأمن وفي السلوك الاجتماعي. و الاغتصاب يعني ببساطة الشيء الذي يؤخذ بالقوة من المرأة خاصة، أو أية فرد من أفراد المجتمع. والاغتصاب مشكلة ذات أبعاد نفسية واجتماعية خطيرة على المرأة والمجتمع الذي تعيش فيه، وقد يترك آثاراً ونتائج سلبية في كل المجالات الأخلاقية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية».

وتضيف: «يجب التصدي لهذه الظاهرة بحزم وردع الذين يقومون بها، ولاسيما أن هذه الأفعال البعيدة كل البعد عن عاداتنا وتقاليدنا كمجتمع محافظ. ولا بد من القول ان غالبية الحالات هي من الجنسية الأسيوية والخادمات ممن يتعرضن للاستغلال، ورغم ذلك نقوم بإعادة تأهيلهن بالطرق السليمة وتهيئة الجو المناسب للتخلص من آثار ذلك، والحفاظ عليهن ودعمهن اجتماعيا ونفسياً».


الحالة الاجتماعية والاقتصادية
يؤكد أستاذ علم الاجتماع الدكتور خالد الحمداني أن هذه الظاهرة يجب التصدي لها حزم، مرجعاً معظم أسبابها الى الوضع الاجتماعي الذي يحيط بالأسرة. و«الاغتصاب من الجرائم التي تتسم بأقصى درجات العنف الموجه ضد المرأة. وهي ظاهرة لا تقتصر على مجتمع بعينه، لا سيما عند المقارنة بين المجتمعات الغربية والعربية، فهذا النوع من الجريمة نجده في جميع المجتمعات، وقد يزداد في مجتمع ويقل في آخر طبقا للظروف الاجتماعية وغيرها في كل بلد، وأيضا حسب ظروف ارتكابها، ودوافعها والسمات الشخصية لمرتكبيها ولضحاياها. وأساليب مواجهتها تختلف من مجتمع إلى آخر كذلك. ولكن لا بد من وضع قوانين بحيث يتم تجريم الفاعلين، وتهيئة الأجواء للضحية من جميع النواحي  عبر تأهيل هذه الفئة، والأخذ بيدها لكي تندمج في المجتمع، بالإضافة إلي ضرورة الاهتمام بجوانب أساسية عدة ومنها إعادة تأهيل مبنى الرعاية ليكون مناسباً، ورفع مستوى الخدمات الصحية، وقيام الأطباء بمتابعة المغتصبات، إضافة إلى وجود الاختصاصية الاجتماعية باستمرار لتعويض ضحية الاغتصاب عن غياب أهلها واحتضانها بكل السبل لتوفير حياة أفضل».