الزواج المبكِّر
السينما السورية, قضية / قضايا الطفل / الأطفال, الكويت, المملكة العربية السعودية, حماية الطفولة, علم إجتماع, سن الزواج, زواج مبكر, علم النفس, طفولة, موقف الشرع, حقوق الإنسان, هيئة حقوق الإنسان, حقوق الطفل / الأطفال, مواثيق حقوق الإنسان, المجتمع العربي
13 يناير 2010 توقيع السعودية على إتفاقية حقوق الطفل يضمن حماية الأطفال من اضطهاد الكبار
لا يوجد في السعودية قانون يحدد سن الزواج، لكن توقيع السعودية على الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل يمنع بشكل غير مباشر إرغام الأطفال على الزواج في سن مبكرة.
الصورة عن واقع سن الزواج في السعودية يقدمها المحامي ريان عبد الرحمن مفتي، ورئيسة قسم الطفولة في هيئة حقوق الانسان في المنطقة الشرقية أمل الدار.
المحامي مفتي: حتى اللحظة لم يصدر أي تقنين لسن الزواج في السعودية
مع أن السعودية هي من بين الدول التي وقّعت اتفاقات حماية الطفل، فإنها لم تصدر أي قانون في شأن سن الزواج. هذا ما أوضحه المحامي والمستشار القانوني في جدة ريان عبد الرحمن مفتي قائلاً: «لم يرد في النظام السعودي تحديد لسن الزواج، ولكن ورد في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل نص المادة ٢٤ الفقرة ٣ م: «تتّخذ دول الأطراف جميع التدابير الفعّالة والملائمة بغية إلغاء الممارسات التقليدية التي تضرّ بصحة الأطفال».
وخاطب رئيس هيئة حقوق الإنسان معالي وزير الصحة. وشكّلت لجنة بقرار رقم ١١٩٥ تقسيم ٦٤ بتاريخ ٢ – ٩ – ١٤٢٩ هـ، القاضي بتكوين لجنة طبية لدرس الآثار الصحية المترتبة على زواج صغار السن، وتقرّر عقد اجتماع اللجنة في مقر الإدارة العامة للأمراض غير المعدية.
وخلص اللقاء إلى أمراض نفسية وجسدية، منها زيادة الإصابة بمرض هشاشة العظام، تمزق المهبل والأعضاء المجاورة له، فقر الدم، ارتفاع ضغط الدم، تليف كلوي ونزف، زيادة العمليات القيصرية نتيجة عسر الولادات، ارتفاع نسبة الوفيات نتيجة المضاعفات المختلفة في الحمل وغيرها، إضافة إلى الأمراض النفسية المتعددة. وهذه النتائج التي تعني عدم سلامة زواج القصّر، رفعت إلى وزير الصحة، إلا أنه وحتى اللحظة لم يتخذ بشأنها أي قرار يمنع زواج القصّر».
ولفت أيضاً إلى أنه لم يصدر أي قرار يلزم بإجراء فحوص ما قبل الزواج لمن هن دون الثامنة عشرة.
وعن شرط أخذ موافقة الزوجة على زواجها قال مفتي: «عادة تؤخذ الموافقة عن طريق ولي الأمر، وليس بشكل مباشر من الفتاة مما يعني كتابة عقد الزواج من قبل مأذون الأنكحة، ولكن قبل أن يصل الأمر إلى المأذون الشرعي، يحاول المسؤولون ضبط المسألة عن طريق الفحص الطبّي المعمول به قبل الزواج، وهذه مهمّة وزارة الصحة، ومن المأمول منها عدم إصدار أي كشف طبّي لزوجة دون السنّ القانونية».
وعن تقدّم الأم بشكوى أمام القضاء في حال رفضها زواج طفلتها قال: «عدم موافقة الزوجة على الزواج يبطل العقد، ولكنه لا يعد عقداً فاسداً. إلا أنها إذا دخلت الفتاة بيت الزوجية وسلّمت نفسها يعد عملها قبولاً مما يتوجب عليها أن تقيم دعوى خلع من الزوج مثلها مثل أي زوجة تزوجت في سن طبيعية كبيرة. أما إذا لم تسلم نفسها للزوج ورفضت الزواج فهنا يتمّ التفريق مباشرة بين الزوج والزوجة».
الزواج المبكر أو زواج الأطفال من وجهة نظر الطب النفسي
الدكتور سراج أولاد من سورية والمتخصص في الطب النفسي السريري يقول عن ظاهرة الزواج المبكر التي أخذت بالانتشار في المجتمعات العربية إنها تحولت إلى مشكلة لها انعكاساتها الاجتماعية والصحية والنفسية والأسرية على الفرد والمجتمع، وعلل الزواج المبكر بأسباب عدة، أولها الفقر، «فالكثير من الآباء يزوجون بناتهم في سن مبكرة للتخفيف من الضغط المعيشي». وبعضهم يرى أن الزواج المبكر للفتاة هو صون لشرف العائلة من العار، والبعض يرى أن تأخير تزويج الفتاة أمر يدخل في صميم العيب».
ولفت الى أن العنف الأسري يدفع الفتيات الصغيرات للهروب عن طريق الزواج ظنا منهن أنه الملاذ الآمن لهن، مضيفاً أن «الثقافة الاجتماعية السلبية تدفع الآباء والأمهات للبحث عن زوجات صغيرات لأبنائهم، علماً أن بعض الآباء يزوجون بناتهم من رجال أثرياء لتحقيق أحلامهم دون مراعاة فارق السن». وأشار الى أن بعض الرجال يلجأون إلى الزواج المبكر بدافع إثبات الرجولة وإظهار الشجاعة.
وحدد الدكتور سراج الآثار النفسية والسلبية للزواج المبكر بنقاط عدة أهمها:
- الحرمان العاطفي المتجسد بالحرمان من حنان الوالدين والحق في عيش مرحلة الطفولة والاستمتاع بها.
- العيش في صراعات نفسية داخلية تتجسد بالاكتئاب والاضطرابات الذهنية والهستريا.
- آثار ما بعد الصدمة (ليلة الدخلة) والتصوير الذهني السلبي.
- اضطرابات في العلاقات الجنسية بين الزوجين ناتجة عن عدم إدراك الطفلة هذه العلاقة وما ينتج عنها.
- غالبية الفتيات الصغيرات لديهن استعداد للإصابة النفسية التي لها انعكاساتها على فترة الحمل.
وقال د. سراج: «إذا كنا نعالج قضية الزواج المبكر من منظور نفسي واجتماعي فهذا يجعلنا نلتفت الى مسألة مهمة للغاية وهي الصحة الجسدية للمرأة والأمراض الناجمة عن الولادات المتكررة والمبكرة. اذ يجب ان تكون المرأة قادرة على الإنجاب بشكل سليم دون مشكلات بعد إتمامها ١٨ عاماً.
وختم د.سراج حديثه بالقول: «كلامي هذا لا يعني دعاية لإقامة العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج. أنا لست ضد الاستقرار الجنسي لكن ضمن إطار الوعي وتحمل المسؤولية لأن الإنسان السليم هو الإنسان القادر على الاضطلاع بالمسؤولية».
في ميزان الشرع
ومن الكويت أيضاً علَّق المأذون الشرعي الشيخ صالح النهام على موضوع الزواج المبكر بالقول: «السن القانونية التي تسمح لنا بها وزارة العدل والتوثيقات الشرعية لعقد زواج الفتيات هي ١٥ عاماً والشباب ١٧ عاماً. ودون هذه السن لا نوافق على عقد القران حفاظاً على كيان الأسرة.
ولكن للأسف الشديد بعض الأسر تصر على أن نعقد القران قبل بلوغ أبنائهما السن القانونية على مسؤوليتهما. ويبدي هؤلاء استعدادهم لكتابة إقرار بذلك. لكننا نرفض هذا الزواج في ظل تشديد وزارة العدل على عدم عقد أي قران إلا عند إثبات السن القانونية بالأوراق الرسمية والأصلية. كما أن البعض يزور الأوراق ويأتي بصور عنها حتى يتحايل على القانون».
ويفند النهام اسباب استعجال العائلات في تزويج ابنائها بقوله: «ما نراه عند كتابة عقد القران أن البعض يريد أن يزوج أبناءه للحصول على الامتيازات التي تعطيها الدولة للمتزوجين من قرض ومسكن. وأيضاً نجد بعض الناس يطلبون أن نعقد القران بورقة زواج عرفي لعدم توافر السن القانونية، لكني أرفض هذا الزواج لأن من شأنه ضياع الحقوق بين الزوجين».
ومن يفعل ذلك من المأذونين الشرعيين يعرض نفسه للمساءلة القانونية، فيعاقَب من يعقد قرانا قبل بلوغ السن القانونية للزوجين من وزارة العدل بسحب دفتر المأذون منه وحرمانه عقد أي قران بعد ذلك، بالإضافة إلى العقوبة التي تراها المحكمة ولجنة المأذونين.
وتمنى الشيخ النهام على ولي الامر اتقاء الله في ابنته التي هي طفلة تلعب وتعيش طفولتها وعدم تزويجها قبل بلوغ سن الرشد، وذلك حتى تستطيع بالتعاون مع الزوج تحمل تبعات الزواج المرهقة ليس مادياً فحسب وانما معنوياً أيضاً مثل مسؤولية رعاية الأسرة والأبناء.
زواج القاصرات في نظر علم الاجتماع
يرى الدكتور خالد شلال أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت أن زواج القاصرات أو الصغيرات «موجود كواقع في المجتمع بسبب عادات بعض المجتمعات التي تقضي بتزويج الفتاة في سن صغيرة حفاظا على التقاليد التي تنظر الى تأخر زواج البنت على أنه عنوسة.
ويؤكد الشلال أن المعضلة الكبيرة هي في تزويج البنت قبل أن تصل إلى سن الرشد، «فهي لا تستطيع أن تنهض بمسؤليات بيت وزوج وأبناء. كما ان شروط الفتاة في شريك حياتها تختلف تماماً بعد وصولها الى سن الرشد حين تصبح أكثر نضجاً ووعياً بمتطلبات الحياة الزوجية. هنا تبدأ الخلافات بين الطرفين حتى تنهار الأسرة وينتهي الزواج إلى الطلاق».
وينصح الشلال الفتاة التي تتزوج في سن صغيرة بالقبول والرضى بزوجها وألا تحاول التخلص منه بالطلاق او الخلع عندما تشعر بأنه ليس فتى أحلامها، لأن الحياة الزوجية في النهاية شراكة وحتى تستمر فلابد أن يكون هناك تنازلات من الزوجين والتغاضي عن بعض المنغصات.
لكن هذه النصيحة التي تحاول انقاذ ما يمكن انقاذه لا تعني ان الشلال يوافق على زواج الصغيرات والقاصرات، ولهذا يطلب من الآباء أن يمتنعوا عن تزويج أبنائهم الذكور إلا بعد بلوغهم سن ٢٦ او ٢٧، حتى يمتلك الشاب وعياً كافياً لادارة الأسرة ويصبح قادراً على السيطرة على مشاعره ولا يندفع إلى قرار يضيع الأسرة عند حدوث مشكلة.
ويرى الشلال ان الوقت المناسب لتزويج الفتاة هو سن الرشد، «حتى تستطيع هي لا نحن أن تأخذ القراروتختارمن تجده مناسبا كزوج وشريك حياة ليرافقها طوال الرحلة، لأن ٨٠ % من زواج الفتيات دون سن السابعة عشرة يفشل وينتهي إلى الطلاق. وللاسف نجد ان عدد المطلقات الصغيرات كبير».
الدكتور رياض طبارة- المدير العام لمركز الدراسات والمشاريع الإنمائية MADMA : في الألفية الثالثة، لبنان يتبوأ المرتبة الأولى عربياً في المعدلات الأعلى لسن الزواج
من اللافت أن معدل سن الزواج الأول في لبنان إرتفع بشكل كبير منذ العام ١٩٧٠. إذ إرتفع هذا المعدّل بين النساء من ٢٣ سنة في العام ١٩٧٠ إلى ٢٨ سنة في العام ١٩٩٦، وإلى ٢٩ سنة في العام ٢٠٠٤. أما عند الرجال، فقد إرتفع معدّل سن الزواج الأول من ٢٩ سنة العام ١٩٧٠ إلى ٣١ سنة في العام ١٩٩٦، وإلى ٣٢ سنة في العام ٢٠٠٤. تعتبر هذه المعدّلات الأعلى في العالم العربي ومن الأعلى في العالم ككل. ومن الظاهر أن هذه المعدلات لا تختلف كثيراً بين المناطق اللبنانية، ولو أنها أدنى في الجنوب والشمال منها في بيروت وجبل لبنان. وهناك أسباب عديدة لهذه الظاهرة الفريدة، فالحالة الإقتصادية المتردية تلعب دوراً في هذا المجال. كما أن تعليم النساء وإختيارهن العمل بوقت كامل، قد يجعل بعضهن غير متحمسات للزواج فيؤخرن سن البحث عن زوج، إلى وقت تكون فيها هجرة الذكور المكثفة في الأعمار المطلوبة قد جعلت نسبة الرجال إلى النساء منخفضة. وينعكس ذلك طبعاً على نسب العزوبة بين النساء. فإن نسبة العزوبة بين النساء إزدادت بين سنتي ١٩٧٠ و ٢٠٠٤ نحو ٥٠ في المئة للفئة العمرية ٢٠ إلى ٢٤ سنة. وتضاعفت بالنسبة للفئة العمرية ٢٥ إلى ٢٩ سنة من ٢٥ في المئة إلى ٥٠ في المئة. إن هذه الحالة الفريدة تسببت بتغيرات إجتماعية ونفسية كثيرة، الأول هو إنخفاض الفارق التقليدي في سن الزواج الأول بين المرأة والرجل. فبينما كان الفارق سنة ١٩٧٠ ست سنوات، تراجع إلى النصف تقريباً سنة ٢٠٠٤. أما التغير الثاني، فهو في ظاهرة هجرة النساء التي بدأت تتصاعد بشكل درامي في السنوات الأخيرة.
أمل الدار: لا تحفّظات عن اتفاقية حقوق الطفل ما لم تتعارض مع الشريعة
قالت رئيسة قسم الطفولة في هيئة حقوق الإنسان في المنطقة الشرقية أمل الدار أن السعودية وقّعت اتفاقية حقوق الطفل، «وقد سعت الدولة لأن تتحول مبادئ حقوق الطفل إلى واقع معاش ينعم به الأطفال. والخطوة الأولى والأساسية هي أن يعي المجتمع بكل مؤسساته هذه المبادئ ويتبناها، ويجعلها جزءاً من ثقافته وممارساته اليومية».
وأشارت إلى أنه لا يوجد أي تحفظات عن الاتفاقية ما لم تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وقد أوضحت السعودية بعض النقاط من خلال التقارير المقدمة للجنة حقوق الطفل.
وأضافت أمل الدار: «تسعى الهيئة لنشر اتفاقية حقوق الطفل من خلال برامجها وورش العمل والمحاضرات من أجل نشر مفاهيم الحقوق في جميع القطاعات والمؤسسات التي تقدّم خدمات مباشرة للأطفال، كالمراكز الصحية ودور الحماية وبرامج الطفولة المبكرة ورياض الأطفال. وتركز هذه الورش على توضيح مبادىء الاتفاقية والعمل على دمجها في البرامج من خلال تدريب العاملين على نقل مفاهيم الحماية والتعامل مع الأطفال في حال التعرض للعنف، أو عدم الحصول على الرعاية الصحية الكاملة.
إضافة إلى أنها تركز على دور الأهالي في تفعيل الاتفاقية من خلال برامج مقدمة للعمل مع الأهالي على ضوء الاتفاقية من أجل نشر الوعي والحماية داخل الأسرة. وهناك برامج أيضاً تساهم في نشر مفاهيم كالحماية من سوء استخدام الانترنت عند الأطفال، مع العمل على مشاركة شركاء الحماية، وتعزيز دور المؤسسات، والتدريب على الكمبيوتر».
ونوّهت إلى التعرّف على التدابير القانونية والإجراءات الفنية والتقنية وآليات الحماية، وإجراءات الرقابة الرسمية المعتمدة لمكافحة سوء استعمال الانترنت عند الأطفال والمراهقين، واقتراح الخطوط المستقبلية للحد من تفاقم المشكلة. والعمل على تصميم برامج إرشادية ووقائية موجهة إلى الأطفال والمراهقين للتعامل الإيجابي مع الانترنت.
وتؤكد أمل الدار أن للطفل دوراً في تفعيل هذه الاتفاقية لأنهم جزء من البرامج المقدمة. «هناك برامج مصممة تساعد الطفل على فهم مباديء حقوق الطفل، ونقلها من طفل إلى آخر».
وعن التحدّيات التي تواجه تطبيق الاتفاقية قالت: «بصفة عامة ثقافتنا العربية تحمي بعض المفاهيم والممارسات التي تعوق قبول بعض الحقوق، والمفاهيم الواردة في اتفاقية حقوق الطفل، مثل الصورة النمطية للتربية التي تنظر إلى الأطفال على أنهم غير قادرين أو مؤهلين. وأيضاً الثقافة الحقوقية كمفهوم جديد. ويلفت إلى عدم وجود متخصصين بشكل كافٍ لنشر اتفاقية حقوق الطفل ومبادئها».
وأوضحت أن التعاون قائم بين الهيئة والجهات التي تقدم خدمات الطفولة، وهناك مبادرات واضحة في بعض القضايا مثل زواج القاصرات، وكانت هناك مخاطبات من الهيئة للإستفسار عن إجراء الفحص الطبي قبل زواج القاصر. من جهته، لفت الناطق باسم هيئة حقوق الإنسان الدكتور زهير الحارثي إلى مخالفة هذا الزواج للإتفاقية الدولية الخاصة بحماية الأطفال من الزيجات في وقت مبكر. لما لهذه الزيجات من أخطار ثقافية وإجتماعية. وتحدث عن تعاون بين جهات تعليمية واجتماعية للعمل على الإتفاقية بما يخدم مصلحة الطفل.