ضحايا الكنز الوهمي في مصر
تلفزيون الآن, فيلم قصير, ذهب, سلمى المصري, علم إجتماع, مخالفة القانون, كنز وهمي, رجل / رجال مباحث, عزت العلايلي, كنزة, بلاغ, ضحايا الكنز الوهمي, خبراء الآثار, منطقة نزلة السمان, محافظة الإسماعيلية, دجالين, الأساطير, د. زاهي حواس, كنوز أثرية, صلاح عيس
01 فبراير 2010 مأساة بطلها دجَّال
وشهدت إحدى المناطق الشعبية مأساة أخرى بطلتها أرملة طماعة تلقت معلومة من أحد الدجالين تخبرها بوجود كنز أسفل منزلها، فقررت أن تحفر سراً بعد منتصف الليل.
ثم استأجرت عامل كهرباء، وطلبت منه الاستمرار في الحفر أسفل غرفتها، ووعدته بمبلغ مجزٍ في حالة وصولها إلى الكنز. وواصل العامل الحفر لساعات طويلة بعد أن شاركها الحلم نفسه دون أن يعلم أنه الحلم الأخير...
وقد تلقى مدير المباحث بلاغاً من أهالي المنطقة بوجود رائحة كريهة أشبه برائحة الموتى تنبعث من منزل جارتهم، وقبل أسبوع كان هناك بلاغ من ربة منزل أكدت أن زوجها الكهربائي اختفى أثناء عمله في منزل الأرملة الحسناء. فربط مدير المباحث بين البلاغ وبين الرائحة الكريهة، وقرر تفتيش منزل الأرملة التي أصابها الارتباك حينما شاهدت ضابط المباحث، وعندما اقترب الضابط من غرفة النوم، كانت الرائحة تزداد، ثم لاحظ آثار الحفر فانهارت الأرملة مؤكدة أنها لم تقتل الكهربائي، وسردت حكايتها للضابط، فردت أنها كانت تعلم بوجود كنز أسفل غرفتها وطلبت منه الحفر، لكنها اكتشفت موته صعقاً بالكهرباء فخشيت افتضاح أمرها وقررت أن تدفنه بمساعدة ابنها. واحيلت الأرملة وابنها على النيابة التي أمرت بحبسهما الى حين انتهاء التحقيقات.
الدكتور زاهي حواس: التلفزيون هو السبب
يقول رئيس المجلس الأعلى للآثار المصري الدكتور زاهي حواس: «الناس يبحثون عن ثراء سريع، وهنا تأتي فكرة التنقيب عن الكنوز التي هي أكثر ربحية من الاتجار بالمخدرات مثلاً. فتمثال أثري واحد يمكن أن يباع بملايين الدولارات. ووصل الأمر إلى حد تزييف الآثار وتقليدها ومحاولة بيعها للأجانب على أنها قطع أصلية، أي أن إغراء المكاسب السريعة يدفع الناس إلى فعل أي شيء من التنقيب إلى التزوير.
وأعتقد أن ثمة دوراً لأجهزة الإعلام وخصوصاً التلفزيون وما يبثه من أعمال درامية وأفلام ساهمت في تعميق فكرة الثراء السريع عبر البحث عن الكنوز الأثرية، الى درجة أن البعض بدأ يلجأ إلى الجن لمعرفة موقع الكنز، ثم تبدأ عمليات الحفر بحثاً عنه. ولذلك على أجهزة الإعلام مسؤولية كبيرة في توعية المواطنين بعدم الانسياق وراء هذه الأوهام».
حفروا ١٥ متراً تحت الأرض فأفاق أهالي المنطقة على كارثة انهيار
أحدث مآسي البحث عن كنز وهمي شهدتها منطقة نزلة السمان في الهرم، حيث خدع أحد الدجالين ثلاثة من الشباب بعدما أخبرهم أن هناك جنياً أخفى كنزاً أثرياً أسفل أحد المنازل في المنطقة، وطلب منهم المال حتى يتمكن من شراء الزئبق الأحمر الذي يستخدم في إطعام الجان حتى يرشدهم الى مكان الذهب. فباعوا كل ما يمتلكون وبدأوا الحفر في المنطقة، فكان يبدأ عملهم في الثانية صباحاً ويستمر الى الخامسة فجراً، حين يغادرون المكان خوفاً من افتضاح أمرهم، وخلال أيام قليلة تمكنوا من حفر ١٥ متراً تحت الأرض. وظل الدجال يحفزهم مؤكداً لهم أن الحلم اقترب كثيراً من التحقق، ولكن بعد فترة أدرك الشباب أنه لا يوجد كنز، فاتجهوا إلى الدجال وكادوا يفتكون به. غير أنه تدارك الأمر وأقنعهم بأن الجان نقل الكنز إلى مكان آخر، وأشار الى منزل قديم، بعدما اشترط عليهم اقتسام الكنز معهم.
وسرعان ما أفاق أهالي المنطقة على كارثة انهيار المنزل على رؤوس الشباب الثلاثة، ومعهم الدجال، فلقي الجميع حتفهم قبل أن يصلوا إلى المبتغى.
صلاح عيسى: من أعراض الثراء السريع
ويقول الكاتب الصحافي صلاح عيسى: «ما يحدث من البحث عن الكنوز الوهمية يعتبر تجسيداً حياً لغياب أي قدرة على الترقي الاجتماعي الطبيعي بالتعليم والعمل الجاد والشريف. وما يحدث ليس حالات فردية بقدر ما هو ظاهرة تزداد تفاقماً يوماً بعد يوم، جوهرها الرغبة في الثراء السريع مع مخالفة كل قوانين الترقي الاجتماعي التي تطورت بفضلها كل المجتمعات سواء كانت غنية أو فقيرة.
وإذا كان غالبية الناس في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي كانوا ينظرون الى التعليم باعتباره الأداة الرئيسية للترقي، بأن يصبح الابن طبيباً أو مهندساً أو ضابطاً، فإن الأكثرية الآن وبدافع الرغبة في الثراء السريع، ينظرون إلى البحث عن الكنوز الخبيئة باعتبارها الطريق الأمثل لتحقيق الهدف المنشود، بعد أن انتهى عصر الطبيب والمهندس. فالمشكلة ليست جشع بعض الأهالي الذين تخيلوا أن منازلهم تعوم على بحر من الآثار التي تكفي القطعة الواحدة منها لإنقاذهم من الفقر مدى الحياة، بل في مناخ عام لا قيمة فيه للعلم ولا للعلماء، وكل القيمة فيه للثراء السريع فقط وبأي طريقة».
عزت العلايلي: ما يحدث قدمته في فيلم «البحث عن رأس فرعون»
ويقول الفنان عزت العلايلي: «عمليات التنقيب عن الكنوز ليست ظاهرة جديدة، فالمعروف أن المصريين القدماء كانوا يدفنون مع موتاهم بعض الحلي والأواني والأدوات لأنهم كانوا يعتقدون أن الموتى سيستخدمونها عندما تعود الروح الى الجسد بعد البعث، مما جعل هذه المقابر مقصداً للصوص.
وبالتالي فإن عمليات التنقيب عن الآثار ظاهرة تاريخية منذ آلاف السنين، لكن كثرة الحوادث التي حصلت في الآونة الأخيرة سلطت الضوء على الظاهرة التي تزداد بفعل عوامل اقتصادية واجتماعية وإغراءات ذوي النفوس الضعيفة من اللصوص. وأنا قدمت دور الباحث عن الآثار في فيلم «البحث عن رأس فرعون»، وفيه مثلت شخصية الباحث المتيم بعشق آثار بلاده التي يعتبرها أمانة في عنقه، فيتولى تعقب لصوص الآثار. لكن هؤلاء نجحوا بالضغط على ذوي النفوس الضعيفة كي يتولوا عمليات التنقيب والتهريب، فيما وقف مفتشو الآثار لهم بالمرصاد.
أما ما يحدث في منطقة مثل «نزلة السمان» وغيرها، فتتمثل خطورته في أنه بعيد كل البعد عن أعين المفتشين ورجال مباحث الآثار لأن عمليات التنقيب تتم داخل البيوت وفي أوقات معينة من الليل حتى لا يشعر بها أحد».
ماذا تفعل إذا أخبرك أحد بأن أسفل منزلك كنزاً؟ هل تصدق وتبدأ رحلة العثور على هذا الكنز مهما كلفك الأمر من جهد ومال، ومهما تعرضت له من خطر؟ البعض صدق وعاش التجربة فكانت النتائج مفزعة، هناك من دفعوا حياتهم ثمناً للبحث عن كنز وهمي، وهناك من كان مصيرهم السجن! وهناك من دمَّروا بيوتاً قديمة ومواقع أثرية يعود تاريخها لمئات السنين لاعتقادهم بأن هناك كنوزاً مدفونة في داخلها، فذهبت آمالهم وجهودهم عبثاً. فما هي حكايات ضحايا الكنز الوهمي؟ وماذا يقول الخبراء وأساتذة الآثار وعلم الاجتماع عن تلك الظاهرة التي تزداد حوادثها يوماً بعد آخر؟ نبدأ الجواب عن هذا السؤال من مصر، ونستعرض في البداية حكايات مع كنوز مُتوهِّمة.
منزل الأساطير
في إحدى القرى المصرية شاهد أهالي المنطقة ثلاثة من الغرباء ومعهم عرافة شهيرة في المنطقة وهم يحفرون سرداباً تحت الأرض يوصلهم بمنزل انتشرت حوله الأساطير التي رددت وجود كنز من الآثار تحت هذا المنزل، ولكن لم يجرؤ أحد منهم على الحفر أو التنقيب عن الكنز خوفاً من مخالفة القانون.
وحينما ظهرت العرافة العجوز لم يعترض طريقها أحد، وتركها الأهالي تواجه اللعنة بمفردها... ولم تمض أيام حتى انهار المنزل فوقها وفوق شركائها الثلاثة، وصاحب المنزل أيضاً، فماتوا جميعاً.
أخرج رجال الشرطة جثث القتلى الذين تمكنوا من حفر سرداب عمقه ١٢ متراً تحت المنزل المنكوب. كما عثرت الشرطة على مسبحة ضخمة وبخور، وبعض الأدوات التي كانت تستخدمها الساحرة لإجراء طقوس تحت الأرض بحثاً عن الكنز الوهمي.
خيال المشاهدين
أما الناقد الفني طارق الشناوي فيقول: «الدراما سواء كانت تلفزيونية أو سينمائية بريئة من تهمة الترويج لحلم تحقيق الثراء السريع بالتنقيب عن الكنوز. صحيح أن أفلاماً مثل «طاقية الإخفا» للراحل عبد المنعم إبراهيم أو «الفانوس السحري» لإسماعيل يس، تدور كلها في إطار الحل الذي يأتي من السماء والذي يتم العثور عليه بمحض الصدفة، إلا أن هذا لا يدين السينمائيين لأن هذا الحلم جزء أصيل في المخيلة البشرية، لا يمكن لكتاب الدراما أن يستبعدوه في إطار تقديمهم قصصاً تثير خيال المشاهدين. فالبحث عن الكنز بكل ما يمثله من رغبة في الترقي والصعود الاجتماعي والخلاص من دائرة الفقر والجوع لم يكن قط حالة خاصة أكتوى بنيرانها قليل من الناس، بقدر ما كان هاجساً عاماً يصيب نفوس الملايين من المواطنين، وبالتالي لابد للسينما أن تتناوله كما تتناول قضايا المخدرات، والبطالة وغيرها دون أن نتهمها بالترويج للفكرة».
كنز الأحلام
في محافظة الإسماعيلية، وبالتحديد في أطراف المدينة، شاهدت ربة منزل حلماً يتضمن وجود كنز أسفل منزلها، فسارعت لتحكيه لزوجها، وطلبت منه أن يستأجر عمالاً لاستخراج هذا الكنز، فتردد الزوج كثيراً ولكنها أقنعته بوجهة نظرها تحت إغراء المال، وحلم الثراء، فوافق على طلب زوجته. واستأجر عاملاً بعدما أوهمه أنه سيشاركه إصلاح أثاث المنزل، وشاركه الحفر بضعة أيام كانت الزوجة خلالها تحترق لهفة، حتى أنها أخبرت زوجها بأنها شاهدت حلماً جديداً يؤكد أن الذهب بات قريباً منها.
كما دفعها طمعها إلى المشاركة في الحفر ليلاً ونهاراً، ولم يبدُ الإجهاد على وجهها مطلقاً، لأنها كانت تتحرق شوقاً إلى لحظة النهاية، دون أن تدري أن النهاية لن تكون سعيدة.
ففي لحظة انتهى كل شيء، واستيقظ أهالي المنطقة على صوت دوي مفزع وغبار كثيف، ووجدوا منزل جارهم هشام منهاراً فوق أصحابه. واتجه رجال الإسعاف والشرطة إلى المنزل، ونقلت الزوجة إلى المستشفى وهي تصارع الموت. فيما قضى الزوج والعامل. وقبل أن تلفظ الزوجة أنفاسها الأخيرة أكدت لرجال المباحث أنها السبب في كل ما جرى، وأن طمعها دفعها الى رتكاب حماقة كبرى دفعت وزوجها ثمنها، ثم ماتت دون أن تصل إلى شيء.
الدكتور حسن بركات: الاعلام مطالب بالتوعية
أماأستاذ علم الاجتماع في معهد الخدمة الاجتماعية الدكتور حسن بركات فيقول: «ظاهرة البحث عن الكنوز الوهمية والتنقيب عن الآثار لم تعد مقصورة على المدن، بل وصلت إلى القرى، فبمجرد أن يطلق أحد شائعة أن هذه القرية فيها آثار وكنوز، حتى يبدأ الجميع الحفر ويضيعون أوقاتهم وأموالهم بحثاً عن الكنز، رغم أن النتيجة الحتمية هي الفشل. والأسباب التي تدفع أعداداً متزايدة من الناس الى ارتكاب مثل هذه الجرائم، أولها التغيرات الاقتصادية التي طرأت على المجتمع، حيث أدى تدهور المستوى الاقتصادي للأسر ووقوع شرائح متزايدة من المجتمع تحت طائلة الفقر إلى دفعها للبحث عن وهم الثراء السريع.
أما السبب الثاني فيتمثل في الظروف الاجتماعية. فقد أدى انخفاض المستويات التعليمية للأفراد إلى تغيير القيم، حيث أصبح الثراء هو القيمة المطلقة بغض النظر عن العلم والوظيفة والمكانة الاجتماعية، والتوعية مطلوبة من خلال الإعلام لتفادي سقوط ضحايا جدد للكنوز الوهمية».