الطبيب المعالج والخطأ الطبي...
المملكة العربية السعودية, جراحة التجميل, سلامة الصحة, الخطأ الطبي, طبيب الجلد, الجنين, مستشفى, مريض / مريضة, إحصاءات, مستشفى الملك فيصل, المرأة الحامل
17 مايو 2010ادخل زوجته المستشفى لتضع طفلها وتخرج عمياء!
في هذه القصة التي دارت أحداثها في مستشفى حكومي في الرياض، دخلت الزوجة أم ربيع (21 سنة) وهي في شهرها السابع إلى المستشفى في مراجعة شهرية ليتبين أنها في حالة ولادة ويتم إدخالها فوراً لإجراء عملية ولادة قيصرية. وأخبرت الطبيبة المشرفة على الولادة الزوج بخيت الدوسري (25 عاماً ) بأن زوجته ستعطى حقنة لتسهيل الولادة وللمحافظة على رئة الطفل سليمة.
يقول الدوسري: «لم تكن زوجتي والجنين يشكوان من شيء، إلا أن الطبيبة اخبرتني عن الإبرة وأكدت لي أن ليس لها أضرار جانبية على الحامل أو الجنين. فوافقت على ذلك إنما لم أوقع أي أوراق تؤكد كلام الطبيبة. تمت عملية الولادة ورزقنا فتاة (ربيعة) لتخرج زوجتي وكأنها في غيبوبة. وعندما أفاقت في غرفتها اخبرتني بأنها لا ترى إلا اللون الأسود، فاتصلت بالطبيبة على الفور لتأتي وتكشف على حالة زوجتي ثم اخبرتني زوجتي بأنها قبل أن تخضع للبنج أعطتها الطبيبة إبرة على أربع مراحل وأخبرتها بأني موافق على إعطائها هذه الإبرة وأنها تُسهل عملية ولادة الطفل سليماً. ومن بعدها أحست زوجتي بأنها تتعرق بشدة مع الإبرة الثالثة وفي المرة الرابعة ارتسم اللون الأسود في صفحة عينيها وكأنها أُدخلت غرفة مظلمة. فسألت الطبيبة ماالذي حدث وأخبرتها بأنها الآن ستخضع للبنج ومن ثم تلد وتضع الطفل بسلامة».
وصلت الطبيبة إلى الغرفة وعندما سألها الزوج عن الإبرة أخبرته بأنها غير مضرة بل على العكس فهذه الإبرة لقتل البكتيريا والفطريات في الأنف. وبعد نحو ساعة أشارت الطبيبة للزوج بأن هذه الإبرة تعمل على فتح رئة الطفل. وعندما طلب الزوج تفقد الدواء قامت الطبيبة بإعطاء الوصفة الطبية للزوج ليتبين أن هذا الدواء لا يمكن إعطاؤه لمن لديها ولادة مبكرة إلا قبل عملية الولادة بيومين على الأقل، ومن أضرارها الجانبية التأثير على العصب البصري وفقدان النظر والاضطرابات النفسية. وأضاف الدوسري: «زوجتي سليمة لم تكن تعاني فطريات كما ذكرت الطبيبة التي لم تلتزم الصدق في أيٍ من أجوبتها عندما سألتها مراراً عن طبيعة هذا الدواء».
وبعد مرور أسبوعين على حادثة زوجته وإصابتها بالعمى اتصل به المستشفى وعرض عليه التكفل بعلاج زوجته، لكنه رفض هذا العرض وطالب بتدخل اللجنة الطبية، الأمر الذي رفضه المستشفى، مما دفعه إلى رفع شكواه إلى وزارة الصحة.
وأوضح أن طبيب عيون أكد له ان زوجته فقدت بصرها نهائياً.
المستشفى لا تعليق
وفي محاولة للتحدث مع المستشفى للوقوف على حالة أم ربيع وما حدث معها، رفضت إدارة العلاقات العامة في المستشفى التعليق على الموضوع مكتفية بعبارة «لا تعليق الى حين الانتهاء من درس ملف المريضة».
فتحي: لا توجد جهة تحمي الطبيب ولا من يعتذر منه
من جانبه، ذكر اختصاصي جراحة العظام في مستشفى ابو زنادة الدكتور عادل فتحي أن هناك سوء استخدام لشكوى المريض من الطبيب المعالج، «وما نعنيه بأنه وبعد تقدم المريض بشكوى ضد الطبيب يتم تعطيل الطبيب عن ممارسة عمله وعرضه على القضاء، وبعد ذلك قد تكتشف الجهات المختصة عدم وجود خطأً في الاساس دون الاعتذار للطبيب... ليس هناك جهة لحماية الطبيب من هذا الأمر، فأي شخص يتقدم بشكوى يسبب الضرر للطبيب لسنوات وبعد انتهاء القضية لا يوجد من يعتذر له. وهذه النقطة يجب أن يُسلط عليها الضوء. وبالنسبة الى جراحة العظام فالأمر معقد جداً لأن الجراحة العامة مبرمجة من الألف إلى الياء ومحدد ما يتم التعامل معه. أما جراحة العظام فكلٍ حسب الحالة، فهناك نوع الكسر وسن المريض وجنسه وهناك من يعاني هشاشة العظام. لذلك لا تقاس نسبة الخطأ الا لكل حالة على حدة. وفيما يتعلق بمضاعفات العملية لا يوجد طبيب يقصد أن يضر مريضه فالطبيب الذي يجب أن يُحاسب هو الذي لا يستطيع اجراء عملية ويقوم بها، لكن أن يجري الطبيب المختص عملية لمريضِ ما ويقع خطأ او مضاعفات فهذا أمر وارد لأنه غير متعمد». وقال فتحي إن الاخطاء الطبية في جراحة العظام تؤدي إلى نسبة اعاقة في الاعضاء او تشوه في المكان الذي أُجريت فيه العملية (كاليد او القدم أو الساق)، لكن نسبة الوفيات قليلة جداً لأن العظام لها مجال اوسع بعيداً عن المخاطرة والوفاة. «وأعتقد أن أكبر نسبة وفيات هي في أمراض النساء والولادة بسبب النزف وما الى ذلك».
وأضاف: «بالنسبة الى الحادثة التي وقعت مع الطبيب طارق الجهني الذي توفي بسبب خطأ في التخدير علمت ان الطبيبة استاذة تخدير في كلية الطب ولكن غير مرخص لها العمل في السعودية، لذلك فهي وقعت في خطأ اداري ولا طبي. وقضية الدكتور الجهني تأثر بها الرأي العام السعودي لكن الجهني كان يعاني مشاكل منها صعوبة تنويمه، إضافة إلى رقبته القصيرة ووزنه الزائد جداً. وبالتالي كان هناك صعوبة في التخدير، لكنه قدر من الله وماشاء فعل». وأردف فتحي حديثه قائلاً «للأسف نحن نعاني من الشكاوى الكيدية التي يتقدم بها بعض الأشخاص لوزارة الصحة التي تحيل القضية على اللجنة الشرعية التي تستمر في التحقيق لمدة سنتنين على الاقل لننتظر النتيجة من اللجان الشرعية الطبية المختصة لتُحصي الحالات والاطباء المخطئين لإدانتهم. مثلاً اذا كان هناك ألف حالة منظورة ودين 50 طبيباً فهناك 950 طبيباً لا ذنب لهم في ايقاف عملهم وممارستهم لواجبهم الطبي، وهنا يكمن سوء استخدام حق الشكوى.
وأرى أن انتظام هذا الأمر يكون بتحديد غرامة على من يقدم شكوى كيدية ضد طبيب دون التأكد من وجود الخطأ الطبي، والزام جميع الاطباء الحصول على ترخيص من الهيئة الطبية (الهيئة السعودية للمتخصصات). هكذا يُمنع أي شخص من تجاوز تخصصه والعمل في مجال اخرى. وهناك أيضاً مشكلة وجود مستشفيات غير مجهزة لاجراء عمليات كبرى، لذا يجب تقسيم المستشفيات من حيث إجراء العمليات الكبرى او الصغرى أو عمليات جراحية أو عيون أو عظام وما الى ذلك، وهذا ما سيقلل المشكلات والاخطاء الطبية». يؤكد فتحي أن ثقافة المجتمع تضع بعض المستشفيات في خانة «التغاضي عن الخطأ او نفي الخطأ»، وذلك لعدم بث الرعب في نفوس المراجعين او من يعالَج في المستشفى الذي حدث فيه الخطأ، ويقول: «لا يوجد من هو معصوم عن الخطأ، وهو أمر وارد حدوثه لكن على الناس أن يعرفوا أن الخطأ سيحدث بنسبة واحد في المئة الف أو في المليون. ولغياب الاحصاءات نجد أن نسبة الاخطاء الطبية في الغرب اعلى بكثير من النسبة الموجودة في السعودية، لذا نستطيع القول ان الأمر ليس ظاهرة لدينا».
مع غياب الإحصاءات الدقيقة، ومع تزايد قصص الوفيات التي باتت تزرع الرعب في قلوب المواطنين، يبقى الدعاء «يارب لا تجعلني أموت ضحية خطأ طبي» من الأدعية المترددة كثيراً في الآونة الأخيرة، حتى أن من يُصاب بقليل من الزكام بات يخشى دخول المستشفى لئلا يخرج بعاهة أو كرسي متحرك، إن خرج في الأصل. هذا هو حال البعض بعدما سمعوا بمعاناة غيرهم ممن عانوا أخطاء طبية ومازالت قضاياهم تُنظر في الهيئات الطبية المختصة دون أي نتيجة تُذكر. «لها» تفتح تحقيقاً موسعاً لمواجهة الطبيب بالأخطاء الطبية مع الأخذ برأي الهيئة الطبية الشرعية للوقوف على ما اذا كانت الأخطاء الطبية ظاهرة أم لا في السعودية.
جمجوم: الخطأ الطبي في جراحات التجميل والترميم كألف خطأ في اي مجال طبي آخر
قال استشاري جراحات التجميل والترميم في مستشفى الحرس الوطني في جدة الدكتور هيثم جمجوم إنه لا بد من توضيح الفرق بين مصطلحي الخطأ الطبي والمضاعفات الجانبية للعملية. يقول: «المضاعفة التي من الممكن ان تحدث خلال أي عملية ولم يتم شرحها للمريض قبل العملية تُحسب من جانب المريض على انها خطأ طبي، وقد تكون معلومة أُخفيت عن المريض سواء بجهل الطبيب أو نسيانه لكن المريض لم يكن ليتوقع حصول هذا الامر. اما الخطأ الطبي فهو نوع من عدم العلم الكافي بالاجراء العلاجي سواء كان علاجياً أو طبياً، او اهمال أثناء تأدية العلاج الجراحي او الطبي والاهمال في المتابعة. وهذا ما يُصنف كخطأ وأضح بحق المريض. والمضاعفات اذاً ليست خطأ لأن هناك الكثير من العمليات والأدوية التي تحتوي وصفاتها الطبية على صفحة كاملة عن الاعراض الجانبية من جراء اخذ هذا الدواء أو ذاك. فإذا تناول المريض دواء وتعرض لمشكلة هل من الممكن ان نعتبر هذه المضاعفة خطأ طبياً؟ وهناك مضاعفات متعارف عليها، وعلى سبيل المثال كأن يُذكر بأنه 5 في المئة قد يحدث التهاب، وفي حال حدوث 50 في المئة نسبة الالتهاب هنا تتحول من مضاعفة الى خطأ طبي زاد عن حدٍ معين».
وأضاف جمجوم: «قبل اثبات الخطأ علينا اولاً التفريق بينه وبين المضاعفات وشرح ذلك للمريض. وثانياً يجب وجود لجان شرعية مكونة من أطباء لدرس القضية أو الحادثة، من ثم وجود المحكمة والقاضي قبل الافصاح عن القصة اعلامياً لعدم إحداث بلبلة. وقد يحدث الخطأ الطبي بعد العملية أيضاً، فعلى سبيل المثال حدث للمريض التهاب بعد العملية وتم اخبار الطبيب لكنه لم يتخذ الاجراءات اللازمة للعلاج ليتسبب الالتهاب بمشكلة أخرى. هنا يقع خطأ طبي ناجم عن تقصير الطبيب وعدم اهتمامه بالمريض خاصة في الأيام التي تلي العملية. ويعود الخطأ الطبي الى واحد من أمرين، اما قلة علم او جهل في اجراء العلاج الطبي، أو الجراحي أو أن هناك تقصيراً واهمالاً في المتابعة ادى إلى تحول المضاعفة الى خطأ طبي».
وفي ما يتعلق بأخطاء جراحات التجميل ذكر جمجوم أن هذا المجال كغيره من المجالات الطبية معرض للأخطاء، «لكن تكمن مشكلة جراحة التجميل في فروعها ومجالاتها الواسعة مثل العمليات التي لا تصلح أن تُجرى لأشخاص يعانون من اوزان زائدة، وهناك من يخاطر في شفط الدهون الذي يجب أن يتم بكمية معينة دون أي تجاوز. فالأشخاص الذين يأتون لاجراء جراحة تجميلية ليسوا بمرضى بل هم أشخاص طبيعون يعملون على تحسين مظهرهم الخارجي، لذلك فالخطأ هنا كألف خطأ في اي مجال آخر. فمثلاً في عملية زراعة قلب إن مات المريض فذلك قد يعود لأن قلبه ضعيف ولم يتحمل، إنما من غير المقبول أن يأتي شخص ليقوم بعملية شفط دهون ليخبرونا لاحقاً بأنه مات!».
وشدد جمجوم على أن من حق المريض إذا شعر بوجود مشكلة غير عادية أن يتقدم بشكوى يشرح فيها ما حدث له بسبب اهمال أو تقصير أو حتى خطأ في العملية وتحويلها إلى الجهات المختصة للتحقيق في القضية ومعاقبة المخطىء إن كان هناك إثبات بأنه خطأ وليس مضاعفة... «لا ادافع عن طبيب أو مستشفى، لكن مقابل كل خطأ هناك الآلاف ممن عولجوا ونجحت عملياتهم وخرجوا أصحاء وسليمين، أي انه لا يجوز أن نعمم الخطأ او المضاعفة على الجميع لكي لا ننشر الذعر بين الناس».
الهيئة الطبية الشرعية: ليست كل حالة وفاة تحدث في المستشفيات نتيجة خطأ طبي
ذكّر عضو الهيئة الطبية الشرعية في العاصمة المقدسة ومدير مستشفى حراء العام في مكة المكرمة الدكتور وليد بن عبد الحليم محمد حسين بما نُشر في مجلة «الملتقى الصحي» العدد 92 جمادى الاخرة 1429هـ حول موضوع محاضرة القاها الدكتور سالم باسلامة في ختام ندوة الاخطاء الطبية التي نظمتها الندوة العالمية للشباب الاسلامي، وقال خلالها إن وزارة الصحة تلقت نحو 40 ألف شكوى في هذا الصدد خلُص منها 80 في المئة إلى عدم وجود تقصير أو قصور أو خطأ في الاساس. وأوضح باسلامة أيضاً أن الاخطاء الطبية هي مشكلة عالمية مستعرضاً بالأرقام الاخطاء التي حدثت في اليابان وبريطانيا والولايات المتحدة الاميركية، حيث أظهرت الاحصاءات أن نحو 98 الف شخص يموتون سنوياً في الولايات المتحدة وحدها بسبب اخطاء طبية، مما يعتبر ثامن اسباب الوفيات هناك وهي اعلى من وفيات حوداث السيارات، وهناك حوالي 40 الف شخص يموتون سنوياً في بريطانيا من هذه الاخطاء وهي ثالث سبب بعد السرطان وأمراض القلب، وأن 15 الف خطأ طبي وقع في 82 مستشفى في اليابان خلال أقل من عامين.
وقال حسين: «محلياً، ووفق ما نُشر في صحيفة «المدينة» العدد (16519) ليوم الثلاثاء 12/7/1429هـ الموافق تموز/ يوليو 2008م وبحسب احصائية اعدها مركز الصحيفة أن الاخطاء الطبية في السعودية بلغت أكثر من 26 الف خطأ طبي خلال سبعة اعوام، بواقع 4320 خطأ طبياً سنوياً. واللافت أن هذه الارقام المهولة حدثت في دول تُطبق اعلى معايير الجودة العالمية، مما يعني أن المشكلة أكبر بكثير من أن يتم تناولها بطرح فردي، وبالتالي فإن المطالبة بوقف هذا الطبيب أو ذاك من ممارسة المهنة لن تحل المشكلة، ولفهم هذه الظاهرة، إن صح التعبير، يجب النظر اليها بمفهوم شمولي والبحث في جذور المشكلة والاسباب التي أدت إليها في محاولة لتقليص حجم الاخطاء الطبية. وأتعجب أحياناً من عدم الاقتناع بما يصدر عن اللجان الطبية الشرعية حال ثبوت عدم الادانة، وتناول القضية وكأن اللجان قد جاملت الطبيب المعني».
وأوضح حسين أن هذه اللجان، وتحديداً الهيئة الطبية الشرعية، يرأسها قاضِ وتضم في عضويتها ثلاثة استشاريين احدهم يتبع وزارة التعليم العالي والآخران من وزارة الصحة، بالاضافة إلى إداري خبير في الانظمة المعنية وأمين اللجنة. وقال: «أرى أن ما يتم تناوله من عدم اقتناع المدعي هو نتيجة تهيئة مسبقة بأن هناك خطأ طبياً دائماً، دون النظر إلى مضاعفات المرض المعروفة علمياً. والمشكلة لدى العديد من ذوي المرضى والتي لمستها أثناء ثلاث سنوات كعضو في الهيئة الطبية الشرعية، هي عدم وجود ثقافة التفريق بين الخطأ الطبي ومضاعفات المرض، فليست كل حالة وفاة تحدث في المستشفيات تكون نتيجة خطأ طبي بل قد تكون مضاعفات معروفة وموثقة في المراجع العالمية. وعلى سبيل المثال فإن نسبة الوفاة لحالة جلطة قلبية حادة مع صدمة دموية وفشل وظائف القلب قد تصل إلى 80 في المئة. وترتفع هذه النسبة في حال وجود عدم انتظام في ضربات القلب. اذاً وفاة المريض هنا هي نتيجة مضاعفات ولا يمكن اتهام الطبيب بالخطأ في حال إعطائه المريض علاجات وريدية وهكذا...».
وأضاف أن «ما يؤخذ على البعض هو التركيز على حالات فردية والقيام بنشرها بشكل متكرر ومن زوايا مختلفة حتى يُخيل للقارئ أن هذا الخطأ يحدث يومياً، وهو ما يؤثر على الرأي العام ويوحي بوجود مشكلة قد لا تكون بالحجم الذي يتم طرحه إذا ما أخذنا في الاعتبار نسبة حدوث الخطأ مقارنة بأعداد المرضى والمراجعين. وقطعاً، انعكس هذا سلباً على ثقة المرضى و ذويهم من مرتادي المستشفيات. وأذكر على سبيل المثال حادثة وقعت أخيراً لأم كانت تراجع بإبنها جراء آلام مبرحة وغير محددة في البطن. وبعد التقصي طلب الاطباء اجراء عملية استكشاف (وهو اجراء طبي معروف)، هنا اعترضت الأم واتهمت المستشفى بأنه يريد اجراء الاستكشاف بسبب نسيان قطعة شاش جراء عملية استئصال الزائدة قبل سنوات، وهو افتراض غير صحيح. السؤال هنا لماذا افترضت الام هذا الافتراض الغريب؟ الا أنه بعد جلوس الأطباء مع الأم أفادت مباشرة أن هذا هو ما يُنشر في الصُحف. لنجد أن هذا الافتراض بُني على حالة واحدة أو اثنتين تم نشرهما وتداولهما بشكل مكثف، مقابل اجراء مئات الالاف من عمليات استئصال الزائدة في مستشفيات السعودية دون اي مضاعفات تُذكر».
وعن وصول نسبة الاخطاء الطبية إلى حد الظاهرة في السعودية قال حسين: «لست هنا في صدد انكار وجود أخطاء طبية، إلا أنه ينبغي دوماً الاخذ بالمعلومة الصحية والموثقة بالاحصاءات حتى لا يترتب على ذلك الخروج بقرارات خاطئة. ويجب أن أذكّر بأن نسبة من الاطباء اصبحوا يعملون بمبدأ الإحتراز وتجنب المشكلات وليس بمبدأ التفكير والإبداع، ولا أعتقد أن هذا يخدم مصلحة المريض بل أعتقد جازماً أن هذا التوجه خطير جداً وهو نتيجة حتمية لما يُنشر بصفة شبه يومية من تضخيم لموضوع الاخطاء الطبية وترهيب الاطباء الممارسين دون الاستناد إلى أسس علمية بل إلى العاطفة».
حافظ: تعريف المريضة بالفرق بين الخطأ الطبي والمضاعفات يُجنب الطبيب الوقوع في المحظور
قال استشاري امراض النساء والولادة والمسالك البولية النسائية وأمراض الحوض وجراحات الحوض الترميمية النسائية في مستشفى الملك فيصل التخصصي في جدة الدكتور بندر احمد حافظ إن الخطأ الطبي مختلف تماماً عن المضاعفات التي تحدث في العملية، «وهناك الكثير من الاخطاء التي لا تُصنف خطاً طبياً بقدر كونها مضاعفات ويُطلق عليها خطأ طبي لأن المريض لم يعرف من طبيبه المعالج أن هناك أموراً ستحدث بعد العملية تُسمى مضاعفات، سواء أكان المريض سيخضع لعملية جراحية او سيأخذ علاجاً طبياً. والخطأ الطبي من وجهة نظري هو الناتج عن عدم اهتمام الطبيب او الفريق الطبي بحالة المريض، مما يؤدي إلى مضاعفة يمكن تفاديها إذا تم التنبه لها في وقتها».
وأضاف: «غالبية الحالات التي تحدث لا نضعها في مذكرة ولا نحصيها، لذلك نجد أن الخطأ يتكرر دون التعلم والاستفادة منه. من هنا أقول إن الأخطاء الطبية في مجالنا ليست مختلفة بل هي كما النسب الموجودة في أي مجال طبي آخر، وفي غياب الاحصاءات لا نستطيع الجزم أي تخصص يسجل اخطاء اكثر من غيره».
ومن الأمثلة التي يمكن ذكرها عن الأخطاء الطبية في امراض النساء والولادة «أن تأتي سيدة لديها حمل خارج الرحم. وبعد التأكد من هذا الامر بفحص الأشعة الصوتية يأتي الطبيب ليتحدث مع السيدة ويخبرها بالعملية وبعد الاتفاق على ان العملية لا تحتاج الى علاج. ثم تجرى العملية واستخراج الانبوب وما الى ذلك. وهناك بعض السيدات اللواتي يطلبن عملية تنظيف، فمن الممكن أن يجري الطبيب التنظيف وقد يكون هناك حمل داخل الرحم لكن الطبيب لم ينتبه، علماً أن هذه الحالات نادرة جداً. لكن إذا افترضنا أنها حدثت قد يزيل الطبيب الجنين من الرحم دون أن يدرك ذلك. وتقع خلال العمليات أخطاء لا يتداركها الطبيب في حينها، كأن يحدث قطع للحالب ويتم اغلاق الجرح لتأتي المريضة بعد ذلك بالشكوى من آلام في الظهر او وجود التهابات، ليبرر لها الطبيب ذلك بأنها مضاعفات عادية تحدث بعد الولادة دون ادراكه أنه قد تم قطع الحالب وبالتالي تتفاقم المشكلة وتزداد حالة المريضة سوءاً»
وشدد حافظ على ضرورة توعية المريضة قبل خضوعها لأي جراحة بحيث يشرح لها الطبيب المضاعفات التي قد تحدث أثناء العملية أو بعدها ليس بغرض زرع الرعب في قلبها انما لاطلاعها على ما سيحدث معها. «الطبيب المختص الذي يجري عمليات كثيرة من المؤكد أنه سيقع يوماً في خطأٍ ما، فالدراسات تورد أن نسبة الالتهابات التي تحدث من أي عملية في الحوض تكون اقل من 3 في المئة، فإن لم يتم اخبار المريضة بذلك وأصيبت بالتهاب نكون قد غششناها».
وحول انكار بعض المستشفيات للاخطاء قال حافظ إن هذه الحالات تعود الى أسباب كثيرة، منها «عدم وجود جهة محايدة للحكم في الموضوع وعدم وجود جهة مختصة في هذه القضايا، فالمريض الذي يُقدم شكوى غرضه أن يُعوض مادياً او معنوياً. ولا يوجد من يحكم بالحق في غياب محامين للتحقيق في هذه القضايا ومعرفة الأسباب.
وحول الطرق التي يجب اتباعها للحد من انتشار الاخطاء وتكرارها ذكر حافظ أن هناك «طرقاً عالمية يتم اتباعها، ويجب التركيز على العمليات لأن أي خطأ يحدث خلالها قد يودي بأرواح. ويجب على الطبيب التأكد من هوية المريضة والطاقم الطبي المشرف عليها والآلية التي سيتم اجراء العملية بها، وعمل اشارة على بطن المريضة (Mark). كذلك على الفريق الطبي التأكد من سلامة معدات العملية والادوات المستخدمة فيها، ووجود عدد معين من الممرضات والمساعدات المتمرنات والمختصات مع الطبيب داخل الغرفة، ناهيك عن وجود الاطباء المتخصصين والهيئات الطبية الرقابية التي تعمل على مراجعة شهادات الاطباء وخبراتهم للتأكد من حرفية الطبيب».
خطأ طبي عند الولادة حوّل حياة طفلة جدة «ريفال» وأسرتها إلى جحيم..
هي قصة حدثت في احد المستشفيات الخاصة في جدة قبل أسابيع. فقد ولدت الطفلة ريفال وبسبب قطع الأوكسيجين عنها بعد الولادة أصيبت بشلل رباعي وتليّف في المخ، وحالتها الصحية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم إذ بدأت تعاني التهابات مستمرة ودرجة حرارة مرتفعة وضيقاً في التنفس. كانت طفلة تبث الأمل في والديها وها هي اليوم تحول حياة الزوجين إلى جحيم بجسدها الصغير الممدد على السرير لا يتحرك فيه سوى نبضات قلبها الضعيفة، وقد زٌرع في بطنها أنبوب موصول بالمعدة مباشرة لإعطائها جرعات من الحليب.
يقول والد ريفال ماجد: «بعد ولادة طفلتي أخفيت النتائج السلبية لتدخل طفلتي العناية المركزة مباشرة. وعندما سألت الطبيب المختص في قسم عناية الأطفال ذكر أنها تحتاج إلى أوكسيجين ومتابعة حالتها فقط وستكلفني مبلغ 2000 ريال. سددت الفاتورة، وبعد 3 أيام عدت لأسأل عن حال طفلتي ليفاجئني الطبيب بأنها تعاني تشنجات وصعوبة في البلع. وبعد مرور 18 يوماً على وجودي في المستشفى الى جانب طفلتي أصدر المستشفى تقريراً بعد أن طلبته من مدير العيادات، وهو التقرير الفاجعة الذي اثبت أن طفلتي لا تعاني أي شيء وبإمكانها الخروج فوراً من المستشفى، وعندما عدت لأسأله أجاب: «هل تريد الحقيقة؟ لقد تغيرت النتائج عن أمس».
ويطالب ماجد بإظهار الحق، «وأنا على ثقة تامة بالقضاء السعودي وعليهم أن ينظروا بنظرة الشفقة والرحمة الى هذه الطفلة البريئة وأن يحاسبوا كل من تسبب لها بهذا العجز وارتكب بحقها هذا الخطأ الذي حولها إلى جثة هامدة لا تتحرك و تتنفس بصعوبة شديدة. وأطالب بتعويض مقداره 3 ملايين ريال سعودي لإعانتها طيلة عمرها»