إنهم يفضلون الصبي! شهادات من مصر
المجتمع المصري, صلاح عبدالله, تربية الصبي, إنجاب فتاة / فتيات, غزل البنات
31 مايو 2010نجوى: زوجي تزوج عليّ بحثاً عن الصبي
من أسعدها زمانها أنجبت بناتها قبل ذكورها»، هكذا عبّر الأجداد في الأمثال الشعبية عن مكانة البنات وأهميتهن في الأسرة، ولكن الثقافة الشعبية في الوقت نفسه تنتقد أم البنات التي لا تُنجب الذكور وتعتبرها أحياناً عاقراً.
هذا بالفعل ما حدث مع نجوى التي ظلت تحمل لقب «أم البنات» 15 عاماً بعد أن أنجبت أربع بنات، وتحكي قصتها قائلةً: «زوجي ابن خالي وثقافة عائلتنا تفضل إنجاب الذكور، وتعتبرهم حافظين لنسب العائلة. وبعد إنجابي للبنت الثانية بدأت نظرات الشفقة تُحاصرني مما جعلني أسرع بالإنجاب من جديد لعل الله يرزقني الصبي حفظاً لاسم زوجي في الدنيا، ولكن الله لم يُرد وأنجبت الثالثة والرابعة وكانوا في عائلتنا يعيّرونني وينادونني بأم البنات كأنها سُبة، رغم أن بناتي كنّ من المتفوقات وابنتي الكبرى كانت دائماً الأولى في دراستها».
وتضيف نجوى: إحدى قريباتنا ممن أنجبت ذكوراً كانت أكثر المعيّيرين لي وكانت تقول عن نفسها دائماً أنا أم الصبيان، أما زوجي فكانت الحسرة تقتله وتعتصر قلبه في كتمان. لكن المفاجأة التي قصمت ظهري أنني علمت صدفة بزواجه من أخرى فغضبت وأعلنت ثورتي عليه، وطلبت تدخل الأهل الذين ضغطوا عليه لتطليقها، بعدها أصررت على الإنجاب للمرة الخامسة، رغم اعتراضه واعتراض الكثيرين لضعف صحتي. وأنجبت بالفعل عبدالرحمن بعد 16 عاماً من زواجي، وهو الآن سبب عزتي في العائلة».
ميادة: زوجي أصابه الاكتئاب عندما أنجبت ابنتي الثانية
عندما يكون الزوج كارهاً لإنجاب البنات ومتعلقاً بالصبي يكون الوضع أصعب داخل الأسرة، هذا ما تؤكده ميادة: «منذ أيام الخطوبة كان زوجي يقول لي أنه يكره إنجاب البنات ويتمنى أن تكون ذريته كلها ذكوراً. وبدأت المشكلة بإنجابي للبنت الكبرى، ورغم أنه مثقف إلا أنه كان يستفزني دائماً ويقول لي: إنني عاقر لا أنجب إلا البنات! أما الصدمة الكبرى التي استقبلتها بالدموع والبكاء المستمر فكانت ابنتي الثانية حينها أيقنت أنني أم البنات، خاصة أن زوجي استقبل الخبر بوجه واجم وظل مكتئباً فترة طويلة وكأنه مغلوب على أمره».
وتُعرب ميادة عن أمانيها قائلةً: «كم أتمنى أن يرزقنا الله صبياً يعيد إلى أسرتي التوازن ليكون سنداً لأختيه، فمجتمعنا يرى المرأة ضعيفة دائماً مكسورة الجناح».
رفعت عبد الباسط: أبو محمد أم أبو البنات؟
أما أستاذ علم الاجتماع الدكتور رفعت عبد الباسط فيقول: «قبل سنوات وفي الأرياف تحديداً كانوا يعتبرون اسم المرأة مشكلة لدرجة أنهم ينادون أبو البنات بأبو محمد مثلاً ولا ينادونه باسم إحدى بناته. وكانت من أبرز المشاكل الاجتماعية المترتبة على إنجاب البنات زيادة عدد أفراد الأسرة حتى ولو وصل عدد الأبناء إلى 9 أو 12 حتى يتم إنجاب الصبي، أو يلجأ الزوج إلى الزواج من أخرى ولا يجد مانعاً في تطليق أم البنات وتشريدها مع بناتها حتى ينال رضا أم الصبي الذي يحفظ اسمه من الفناء ويحافظ على استمرار نسل العائلة.
ولكن الآن الوضع أصبح أخف وطأة عن ذي قبل بفضل الثورة العلمية والتكنولوجية، فارتفاع مستوى التعليم أحدث تغييراً في الثقافة الاجتماعة وأصبح العالم كله الآن يُركز على الأهمية الاجتماعية للشخص لا جنسه فأهمية الإنسان تكمن في شخصيته ووظيفته وثقافته ولا ينظر إلى جنسه هل هو ولد أم بنت. لابد من مساواة الولد بالبنت في الرعاية والصحة والتعليم وفرص العمل، والملاحظ الآن أن كثيراً من البنات أصبحنّ واجهة مشرفة لآبائهن، فهنّ ناجحات في جميع المجالات. وهذا النجاح جعل النظرة إلى إنجاب البنت تختلف عن زمان. وهناك أسر كثيرة لم تعد تُفضل إنجاب الصبي، وعلينا تدعيم هذه النظرة ولابد أن تقوم وسائل الإعلام بدورها الإيجابي في ذلك».
التمييز بين الصبي و البنت في شهادات ومواقف من مصر
لا تزال بعض الأسر في مصر تُفضل إنجاب الصبي، حتى أن هناك رجالاً لا يترددون في الزواج بأخرى بحثاً عن الصبي، وهناك عائلات تنظر الى أم البنات على أنها أقل من غيرها. فما هي أسباب استمرار هذا الأسلوب في التفكير وكيف نتخلص منه؟! «لها» ترصد الحكايات والآراء المختلفة.
الفنان صلاح عبد الله: لقب أبو البنات يُسعدني ولم يشغلني إنجاب صبي
يؤكد الفنان صلاح عبد الله سعادته بلقب «أبو البنات» ويرفض مقولة أن البنت ضعيفة مكسورة الجناح ولابد من ولد داخل الأسرة لمساندتها. ويرجع ضعف شخصية الفتاة إلى تسلط الأبوين في التربية وفرض رأيهما في كل صغيرة وكبيرة تخصها، وهذا ما حاول تفاديه في تربيته لبناته الثلاث (20 و17 و7 سنوات). ويقول: «تجنباً لضعف الشخصية منحت بناتي الحرية الكاملة بما يتناسب مع تعاليم ديننا وتقاليد المجتمع تحت توجيهنا أنا وأمهن ، ودائماً نحقق التوازن في المعاملة والتربية فهي تمثل جانب الشدة وأنا جانب الدلال».
ويؤكد عبدالله أنه لم يعترض على قدره قط ويحمد الله دائماً على بناته الثلاث، ويوضح: «لم أطمح الى إنجاب صبي ولم أتمنَ ذلك، فأنا لا أعترض على الأمور القدرية وأرى أن الأبناء رزق من الله علينا شكره دائماً عليه».
محمد بسيوني: لا فرق بين البنات والأولاد وأستمتع بأبوتي لبناتي
البنات ألطف الكائنات بالنسبة الى محمد بسيوني رئيس مؤسسة «إنصاف» لحقوق الإنسان، وهو لا يرى أن عدم إنجاب الصبي أزمة على الإطلاق، فهو يستمتع بأبوته مع بناته الثلاث، ويقول: «فرحت كثيراً ببناتي الثلاث وأستمتع بأبوتي لهنّ. فالمعروف أن البنت أكثر حناناً من الولد، كما أنها صديقة أبيها وقريبة منه جداً وهذا ما ألمسه في معاملتهم. ولا أعتقد أنه لو كان الله رزقني الولد كانت معاملتي له ستختلف عن البنات، وإنما كانت ستظل ممارساتي اليومية واحدة في متابعة الجميع ومناقشة أمورهم اليومية، بالإضافة إلى حفاظي على صحتهم ومظهرهم وتوفير حياة كريمة لهم. هذه الأمور مهمة سواء كانت للذكور أو البنات فهذا واجب الوالدين تجاه أبنائهما».
يؤمن بسيوني بأن البنت الآن اختلفت عن الولد فأصبح هناك الكثير من العائلات تتولى البنات مسؤولية إعالتها ورعايتها، «فلم تُعد البنت مكسورة الجناح مثل زمان، والسبب يرجع إلى اختلاف الثقافة وارتفاع نسبة التعليم». كما يرى أن الهوس بإنجاب الذكور موجود في العالم كله، ويوضح قائلاً: «لم أكن أتخيل أن النظرة الى البنت على أنها الأضعف وأنها لا حول لها ولا قوة موجودة أيضاً في بعض الدول الأوروبية وهو ما لمسته في رحلاتي الى الخارج. لقد أصابتني الدهشة عندما وجدت في كلام النساء في بعض هذه الدول حرصاً على إنجاب الصبي، فبعضهنّ مازال يؤمن بضرورة وجود الأخ الولد ليحافظ على أخته ويحميها لضعفها وعدم قدرتها على حماية نفسها بالشكل الكافي».
يفسر أستاذ علم النفس في جامعة القاهرة الدكتور أمجد خيري تفضيل المجتمع لإنجاب الصبي على الفتاة بأنه «مجتمع ذكوري يرى الولد السند بينما البنت لا حول لها ولا قوة. وبالتالي شاعت النظرة الدونية الى الفتاة، هذا بالإضافة إلى أن إنجاب الفتاة في بعض المجتمعات يعتبر عالة على الأسرة خصوصاً المجتمعات الريفية».
ويضيف د. أمجد: «للمجتمع الذكوري سمات عديدة ظالمة للنساء أهمها العنف ضد المرأة، ومن أبرز أنواع العنف الموجه ضدها النظرة الدونية اليها واعتبارها مواطناً درجة ثانية. حتى الأمثال الشعبية ظالمة لها وتقول عند الولادة: «لما قالوا لي ده ولد اتشد ظهري واتسند، ولما قالوا لي دي بنيّة الحيطة وقعت عليّ». هذا المثل يشرح هوان حال المرأة بعد إنجاب البنت، وجعل المرأة السبب الرئيسي لإنجاب البنت، رغم أن العلم أثبت أن السبب هو الرجل. هذا بالطبع يُدمر نفسية الأم ويصيبها بالاضطراب، فقد كشفت دراسة حديثة في قسم النساء والتوليد بإحدى الجامعات عن تأخر طلق الولادة إذا علمت الأم مسبقاً بأن المولودة بنت وهذا يكشف رفضها النفسي للولادة وخروج الفتاة إلى الدنيا كي لا تكون سبب هوان أمها».
ويحذر خيري من خطورة هذه النظرة إلى الفتاة وتأثيرها السلبي عليها بقوله: «ثقافة إنجاب الذكور تجعل البنت تشعر بالدونية، كما أن التربية الصارمة والتمييز يجعلانها تكره أنوثتها وتفشل عند زواجها، فتعيش المأساة مرتين أولاهما في بيت أهلها وثانيتهما في بيت زوجها».