التمييز لا يزال مستمراً... إنهم يفضلون الصبي!

أمجد خيري, د. نصر فريد واصل, د. عفاف النجار, رأي الدين, علم النفس, تربية الصبي, إنجاب فتاة / فتيات, رأي الطب

31 مايو 2010

رغم ما حققته المرأة من نجاحات في مختلف ميادين العلم والعمل، ورغم اثباتها لجدارتها وتفوقها في كثير من الأمور لدى مقارنتها بالرجل، فإن معظم الناس ما زالوا يفضلون المولود الصبي على البنت، حتى ان هناك رجالاً يتزوجون مرة ثانية لا لشيء إلا من أجل انجاب صبي لم تُوفّق الى انجابه الزوجة الأولى.
إذا كانت ظروف الحياة في المجتمعات القديمة قد ساهمت في النظر الى البنت على أنها أدنى من الصبي لأن مساهمتها في الانتاج في ما بعد أقل بكثير من مساهمة الرجل، فإن العالم اليوم قد تبدَّل وتغيَّر باتجاه المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، فما هي أسباب استمرار تفضيل الصبي على البنت؟ وكيف يمكن التخلص من هذا التمييز بين المواليد؟

الدكتور ماهر حمزة: لا أنكر تردّدي في إطلاع الأم على حملها لأنثى عبر أسلوبي التمهيد والإرجاء
تفضيل إنجاب الذكر جعل من تقنية الPGD وسيلة إجتماعية لا طبية للتأكد من سلامة الصبغيات الوراثية.
يروي الطبيب النسائي وصاحب مستشفى للتوليد الدكتور ماهر حمزة ما لمسه إجتماعياً من معاينته للحوامل في مستشفاه الخاص الكائن في القرية وعيادته البيروتية. يعتبر أن موضوع تفضيل «إنجاب الصبي» لا يزال ماثلاً بقوة «وهو موجود في كل البيئات والطبقات الإجتماعية وإن خفّ الجهر به بشكل علني. فهناك العامل الطبي المساعد الذي مكّن البعض، خصوصاً ميسوري الحال، من اللجوء إلى تقنيات تضمن لهم إنجاب المولود الذكر بعد أن رزقوا الإناث». في حين أن البعض قد «يعتمد وسائل قديمة مثل الحسابات الفلكية الصينية أو النظام الغذائي حين تتعذر الإستعانة بوسيلتي فصل الحيوانات المنوية الذكرية عن الأنثوية أو فصل الأجنة بواسطة عملية ال (PGD Preimplantation genetic diagnosis) التي يفوق نجاحها نسبة99 %». وهذه الأخيرة تعدّ تقنية مكلفة كونها عبارة عن «عملية طفل أنبوب بالإضافة إلى كلفة إختيار جنس الجنين». ويلفت الدكتور حمزة إلى أن إمتياز تطبيق هذه التقنية غير مذكور في القانون اللبناني : «ما من قانون يمنع أو يسمح بهذا الموضوع وينظمه في لبنان، ولذا نخشى أن يأخذ الأمر أبعاداً غير طبية».
أما بالنسبة إلى تقنية الPGD، فقد أخذت منحى غير طبي في مجتمعنا في حين أن «هدفها الجوهري التأكد من سلامة الصبغيات الوراثية من إنتقال أمراض كاللوكيميا، وهنا قد يتم تحديد جنس المولود خصوصاً أن ثمة أمراضاً تنتقل إلى الإناث دون الذكور وبالعكس. وقد يلجأ البعض إلى هذه التقنية بناء على رغبة شخصية لا طبية».

ماذا عن ردّة الفعل العائلية عند العلم بأن الحمل يخبىء مولودة أنثى؟
يجيب الدكتور ماهر حمزة: «لا شك أن غالبية العائلات تفضل إنجاب الذكر على الأنثى سواء في القرية أو المدينة خصوصاً لدى إنجاب المولود الثاني وذلك إرضاء للزوج والأهل، إذ تكون "بشارة" غير محببة إطلاع الأم بحملها للإثنى. في أشهر الحمل الثلاثة الأولى  تتابع كل الأمهات نمو الجنين، لكن لاحقاً تمسي التفاصيل غير المتعلقة بجنس المولود جانبية. وحين أمتنع عن تحديد جنس الجنين نظراً لوضعية الجنين داخل الرحم، قد يشكّك البعض في كلامي ويقوم بتحليله الخاص. لا أنكر تردّدي أحياناً في إطلاع الأم على جنس المولود خصوصاً من سبق أن أنجبت مولودة أنثى، عبر أسلوبي التمهيد والإرجاء لأن الأمر يشكل لدى البعض أزمة حقيقية». ويضيف أن ثمة مواقف طريفة خبرها مهنياً "فقد أقدم بعض الرجال على ترك زوجته في المستشفى عقب ولادتها لطفلة، وآخر دفع تكاليف الولادة ودعا عائلة زوجته لنقلّها إلى المنزل بعد دفع تكاليف الولادة».
أما عن مدى إدراك المجتمع الشرقي حتمية مسؤولية الرجل في تحديد جنس المولود لا المرأة، فللدكتور حمزة إضافة أكثر وطأة على كاهل المجتمع الذكوري: «للأسف لم يقتنع الرجل بعد بهذه الحقيقة العلمية المرتبطة بشكل نهائي بالرجل، حتى أن الطب أثبت أن إحتمال حصول الحمل من عدمه مرتبط بشكل وثيق بالرجل. وذلك بعد ملاحظة الهبوط الحاد في نسبة الحيونات المنوية لدى الرجال بفعل الضغوط الحياتية والبيئة والنظام الغذائي، وهو مسؤول بنسبة أكثر من 70 في المئة في حال عدم حصول الحمل مقارنة عشرة في المئة في الفترة السابقة».

رأي علم النفس
يفسر أستاذ علم النفس في جامعة القاهرة الدكتور أمجد خيري تفضيل المجتمع لإنجاب الصبي على الفتاة بأنه «مجتمع ذكوري يرى الولد السند بينما البنت لا حول لها ولا قوة. وبالتالي شاعت النظرة الدونية الى الفتاة، هذا بالإضافة إلى أن إنجاب الفتاة في بعض المجتمعات يعتبر عالة على الأسرة خصوصاً المجتمعات الريفية».
ويضيف د. أمجد: «للمجتمع الذكوري سمات عديدة ظالمة للنساء أهمها العنف ضد المرأة، ومن أبرز أنواع العنف الموجه ضدها النظرة الدونية اليها واعتبارها مواطناً درجة ثانية. حتى الأمثال الشعبية ظالمة لها وتقول عند الولادة: «لما قالوا لي ده ولد اتشد ظهري واتسند، ولما قالوا لي دي بنيّة الحيطة وقعت عليّ». هذا المثل يشرح هوان حال المرأة بعد إنجاب البنت، وجعل المرأة السبب الرئيسي لإنجاب البنت، رغم أن العلم أثبت أن السبب هو الرجل. هذا بالطبع يُدمر نفسية الأم ويصيبها بالاضطراب، فقد كشفت دراسة حديثة في قسم النساء والتوليد بإحدى الجامعات عن تأخر طلق الولادة إذا علمت الأم مسبقاً بأن المولودة بنت وهذا يكشف رفضها النفسي للولادة وخروج الفتاة إلى الدنيا كي لا تكون سبب هوان أمها».
ويحذر خيري من خطورة هذه النظرة إلى الفتاة وتأثيرها السلبي عليها بقوله: «ثقافة إنجاب الذكور تجعل البنت تشعر بالدونية، كما أن التربية الصارمة والتمييز يجعلانها تكره أنوثتها وتفشل عند زواجها، فتعيش المأساة مرتين أولاهما في بيت أهلها وثانيتهما في بيت زوجها».

رأي الدين
يقول مفتي مصر السابق الدكتور نصر فريد واصل: «رغم أن العلم يتوافق مع تعاليم الإسلام بأن الرجل هو المسؤول عن نوع الجنين، فإن عناد الأزواج يجعلهم ينكرون ذلك، ويحمّلون المرأة المسؤولية. والغريب أن هذا التعسف منتشر في مجتمعاتنا العربية، وبين مختلف المستويات الثقافية بدرجات متفاوتة، مع أنه يُفترض أن الرجل أصبح أكثر نضجاً وتفهماً، لكن للأسف يؤكد الواقع أن الأزواج يهتمون بالرعاية الصحية للذكور أكثر من الإناث، مما أدى إلى جعل وفيات الإناث تزيد على الذكور، وهذا نوع من القتل العمد إذا أهمل الزوج متعمداً علاج ابنته، وسيحاسبه الله حساباً عسيراً».
ويضيف الدكتور نصر: «إن تحديد نوع الجنين بإرادة الله وحده، ولا دخل للبشر فيه حتى وإن تدخلوا طبياً فإن ذلك يكون ضمن الأقدار الإلهية، حيث قال تعالى: (لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور· أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير) «سورة الشورى»:(آية49 ـ 50 ).
وأكد أن الله توعد من يهينون البنات ويتمسكون بأخلاق الجاهلية، تجاه إنجاب الإناث فقال تعالى: (وإذا بُشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم  يتوارى من القوم من سوء ما بُشر به أيمسكه على هونٍ أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) «سورة النحل» (آية59). وأخبرنا أن أفعال هؤلاء الجهلاء لن يغفرها لهم فقال: (وإذا الموؤدة سُئلت بأي ذنبٍ قُتلت) «سورة التكوير» (آية8).

وتؤكد عميدة كلية الدراسات الإسلامية الدكتورة عفاف النجار أن التنظيم الدقيق والمتوازن للكون يقتضي وجود الجنسين حتى تستمر الحياة البشرية، ولهذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن التفرقة بين البنات والبنين فقال: «ساووا بين أولادكم في القُبل»، ويلاحظ أن أولادكم جاءت عامةً للتأكيد على العموم. ولم يكتفِ الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، بل إنه حارب تفضيل الذكور بأن جعل إنجاب الإناث طريق الأزواج والزوجات إلى الجنة بل ورفقته فيها فقال: «من سعى على ثلاث بنات فهو في الجنة، وكان له كأجر مجاهد في سبيل الله صائماً قائماً». ويكفي أبو البنات وأمهاتهن فوزاً في الآخرة أن يكونوا مع الرسول في الجنة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا وضم إصبعيه كناية عن قرب الجوار في الجنة». وفصّل بعض أوجه الرعاية بهن قائلاً: «من كان له ثلاث بنات يؤدبهن ويرحمهن ويكفلهن ويزوجهن وجبت له الجنة البتة. قيل: يارسول الله فإن كانتا اثنتين؟  قال: وإن كانتا اثنتين»، فرأى بعض القوم أن لو قالوا: واحدة. لقال: واحدة.