حجاب 'الباروكة' يثير جدلاً بين رجال الدين والفنانات المحجبات
الحجاب, صابرين, شمس البارودي, ميار الببلاوي, د. مهجة غالب, د. نصر فريد واصل, د. عفاف النجار, د. سعاد صالح, رجل / رجال دين, حجاب الممثلة, سهير البابلي, مسلسل
05 يوليو 2010اكتفت الفنانة المعتزلة شمس البارودي بالتعليق على ما يحدث قائلةً: «لا استطيع أن أصف ما يحدث سوى أنه خطأ، حيث قال الله سبحانه وتعالى: «ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن» أي أزواجهن الحقيقيين، أما أن تقوم الفنانة المحجبة بوضع الماكياج والباروكة فهذا حرام».
وأنهت كلامها بالتأكيد أن القضية واضحة تماماً وليست في حاجة الى اجتهاد علماء الدين.
على عكس الآراء السابقة جاء رأي الفنانة المحجبة ميار الببلاوي لتتفق مع صابرين، كونها تُشارك في بعض المسلسلات الدينية والاجتماعية وترتدي الباروكة أو ضفائر أسفل الطرحة، مؤكدة جواز التمثيل بالباروكة. وأضافت: ولا أقول ذلك من فراغ، وإنما لأنني درست وتخرجت في معهد الدعوة، وكذلك معهد الدراسات الإسلامية، وأعطتني وزارة الأوقاف التي تتبعها الحق في الفتوى. واستشهد هنا بما كانت تفعله بعض الصحابيات، حيث كن يغطين شعرهن بسعف النخيل لحرارة الجو، وهي مثل الطرحة، إلى جانب أنهن كن يغزلن من الصوف ما يضعنه على رؤوسهن كغطاء للرأس في الشتاء، ومن ثم فأنا أعتبر أن ما قمت به مشابه لفعل الصحابيات، فالباروكة مثل قبعة الفراء، والمهم هو ألا يظهر شعر المرأة».
اجتهاد جديد
ويؤكد المفكر الإسلامي الدكتور عبد الصبور شاهين، الأستاذ في كلية دار العلوم-جامعة القاهرة، أنه يمكن أن تضع المرأة الباروكة كحجاب بشرط أن تغطي الباروكة شعرها كاملاً، لأن الشعر المستعار هنا يخفي الشعر الحقيقي للمرأة الذي يحرم إظهاره لغير المحارم من الرجال، وبالتالي يمكن جعل الباروكة تقوم مقام الحجاب. ورفض اجتهادات غالبية الفقهاء والمفسرين للحديث النبوي «لعن النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة»، حيث فسروا «الواصلة والمستوصلة» بمن تصنع الشعر المستعار ومن تضعه على رأسها، فقال: «مع احترامي الشديد لاجتهادات الفقهاء والمفسرين القدامى والمعاصرين في هذا التفسير، اجتهد أن الواصلة هي التي تساعد في ارتكاب الفاحشة بالمساعدة في ايصال الراغبين والراغبات في ارتكاب الفاحشة إلى مكانها، أما مسألة وصل الشعر فالإثم فيها أخف كثيراً من تسهيل ارتكاب الفاحشة مما يستلزم اللعنة التي جاءت في بداية الحديث».
وأنهى كلامه بالتأكيد أن اجتهاده لا يعني رفضه «اجتهادات الآخرين وأن المجتهد الموضوعي الذي يبتغي وجه الله فقط يضع نصب عينيه المقولة الشهيرة للإمام الشافعي: «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب». ولهذا فأنا من أنصار عرض القضية برمتها على المجامع الفقهية مثل مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر لإصدار حكم شرعي قاطع ونهائي، حتى يتم القضاء على الالتباس على عامة الناس».
التمثيل ليس ضرورة
إذا كانت هذه بعض الآراء التي تبيح وضع حجاب الباروكة بضوابط محددة، فإن هناك من يعارضونه تماماً، ومنهم الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الذي يؤكد أنه لا يجوز تطبيق قضية فقه المضطر على الممثلات اللواتي يضعن الباروكة على رؤوسهن كبديل للحجاب بحجة الحبكة أو الضرورة الفنية؛ لأن التمثيل ليس ضرورة حياتية، فمن ترفض التمثيل بباروكة لن تموت جوعاً، والقاعدة أنه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». كما أن الإسلام يدعو إلى سد منافذ الشيطان، حيث تعد الباروكة هنا نوعاً من الزينة التي تجعل المرأة أجمل في نظر الرجال، ولهذا فالإسلام يحرص على سد أبواب الفتنة انطلاقاً من قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان»، ولهذا فإن الوقاية خير من العلاج.
جدل الفنانات المحجبات
ولم يتوقف الجدل على علماء الدين بل امتد إلى الفنانات المحجبات أنفسهن اللواتي اختلفت آراؤهن، فرفضت الفنانة سهير البابلي ما فعلته صابرين، مؤكدة أنه ليس ضرورة معتبرة أو ملحة، وأنها شخصياً عانت كثيراً من الناحية المادية بعد ارتداء الحجاب، وأضافت: «لكن لم تكن المادة فقط هي سبب عودتي الى الفن لأنني أسعى لتقديم فن راقٍ يفيد الناس ليس مثل ما يقدمونه حالياً مما يحمل الكثير من الإسفاف والسطحية وأشياء أخرى لا يليق بنا الحديث عنها.
ولهذا أرفض استعانة بعض الفنانات المحجبات بالباروكة في بعض المشاهد، لأن الباروكة حرام شرعاً. وأنا لن أفعل ذلك مطلقاً لأن الحجاب له أصوله وقواعده التي على كل محجبة أن تلتزم بها».
التنويه الذي عرضته إحدى الفضائيات عن مسلسل «شيخ العرب همام» وظهور الفنانة صابرين فيه وهي تضع باروكة (شعراً مستعاراً) فوق رأسها، أعاد الجدل الساخن والمثير حول حجاب الباروكة، وهل يجوز في حالات الضرورة أم لا؟ وإذا كانت هناك ضرورات تبيحه فما هي؟ إلا أن الجدل هذه المرة لم يكن مقصوراً على رجال الدين، بل امتد إلى الفنانات المحجبات أنفسهن بين من تؤيد حجاب الباروكة وبين من تعترض عليه؟ «لها» ترصد الآراء.
في البداية أوضحت الفنانة صابرين الأسباب التي جعلتها ترتدي الباروكة قائلةً: «ما فعلته لا يتعارض مع حجابي، فأنا وضعت باروكة بعدما أقنعني المخرج حسني صالح بأنه ليس منطقياً ظهوري في بعض المشاهد وأنا أجلس في المنزل أو في غرفة النوم بجوار زوجي في المسلسل، وهو الفنان يحيى الفخراني، وأنا أضع الحجاب مما يعد خروجاً عن مصداقية الأحداث، وسيجعل المشاهد لا يقتنع بما يتم تصويره.
ولذلك وضعت الباروكة أثناء تصوير تلك المشاهد فقط، أما باقي المشاهد فقد تم تصويرها وأنا ارتدي حجابي الذي اعتز به ولم أفكر يوماً في خلعه أبداً، إلا أنني فوجئت باعتراض كبير من البعض، الى درجة أن مجموعة من الشباب أنشأت «غروب» على الفيس بوك طالبت فيه بمقاطعة المسلسل وعدم عرضه في شهر رمضان، بل طالبت الأزهر بعدم الموافقة عليه!». وأضافت: «أنا لم أخلع حجابي مثلما زعم بعض مواقع الإنترنت بمجرد ظهور الإعلان عن المسلسل على إحدى القنوات الفضائية». ونفت ما نشرته بعض الصحف أنها حصلت على فتوى من بعض العلماء بوضع الباروكة، مؤكدة أنها لم تحصل على أي فتوى بهذا الخصوص، وإنما وضعت الباروكة لاقتناعها بأن الضرورات تبيح المحظورات، ولأن عملها ضرورة أساسية لحياتها ومعيشتها، وهو الباب الرئيسي لدخلها، فهو يعد من أهم الضروريات في حياتها، وأن الله يعلم ما بداخلها. وأنهت كلامها قائلةً: «لا أهتم بما يقال لأنني أحترم نفسي في أعمالي وحياتي، ومقتنعة تماماً بما أفعله، فلا أحد يمتلك مقاليد الجنة لأن غير المحجبات قد يكن أفضل من محجبات حجاباً ظاهرياً».
خداع الآخرين
وتقول الدكتورة مهجة غالب، رئيسة قسم علوم القرآن بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر: «أرفض القول ان باروكة الحجاب حلال، ولو كان في مشهد تمثيلي أو في الشارع. ولا شك أن الباروكة من وسائل التزين، حيث يتم وضع المساحيق والعطور لزيادة الجمال، ولهذا حرّم الإسلام الباروكة لأنه يظهر المرأة على غير حقيقتها مما يعد وسيلة لخداع الآخرين، فضلاً عن أنه يتنافى مع الحشمة والحجاب، لهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لعن النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة». أما من تتزين لزوجها الحقيقي وليس في دور تمثيلي فأرى ان عملها لا شيء فيه».
الباروكة المباحة
وعن الحالات التي يجوز فيها وضع حجاب الباروكة ولا يكون ذلك حراماً، قالت مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر: «حجاب الباروكة قد يصلح بديلاً شرعياً للحجاب في حالات الاضطرار الشديد التي قد تهدد الحياة أو المستقبل، مثلما حدث مع المسلمات المحجبات في الولايات المتحدة وأوروبا عقب أحداث الحادي عشر من ايلول/سبتمبر، وتعرضهن للاعتداءات في الشوارع وأماكن العمل الى درجة تهدد حياتهن أو مستقبلهن الوظيفي الذي قد لا يمتلكن غيره وينفقن منه على أسرهن. فمثل هذه الحالات تعد ضرورات تجيز وضع حجاب الباروكة».
وأوضحت أنه يمكن أيضاً اللجوء إلى حجاب الباروكة للضرورة القصوى للمحافظة على مستقبل الطالبات إذا منعتهن السلطات من وضع الحجاب، مثلما منعت تركيا قبل سنوات دخول المحجبات المدارس والجامعات، بل فرضت عقوبات عليهن إذا خالفن التعليمات، وهذا ما جعل المحجبات يتحايلن على هذا القانون الظالم المخالف للإسلام بل المعادي له، وبالتالي يكون استبدال الباروكة بالحجاب جائزاً بشكل موقت كوسيلة هروب من ضغوط معينة أو حل لمشكلة في العمل أو الدراسة.
تحايل
وتعترض الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، على اعتبار أداء دور تمثيلي من الضرورات الملحة المعمول بها شرعاً، «لأن للضرورات الشرعية مواصفات اجتهد الفقهاء في تحديدها، وليس من بينها التمثيل. ولو أجزنا ذلك لرأينا كل المحجبات غداً في الشوارع وقد وضعن الباروكة فوق رؤوسهن سواء كان فوق حجاب أو فوق الشعر نفسه». واعتبرت مسألة الاستعاضة بغير الشعر الطبيعي نوعاً من أنواع التحايل. وبلغ من حرص الإسلام على إغلاق مواطن الفتنة ومداخل الشيطان أنه عندما أجاز للمسنة التخفف من الثياب أو حتى ارتداء الباروكة محل الحجاب باعتبارها ليست محلاً للفتنة، طالب في الوقت نفسه بالستر والاستعفاف لقوله تعالى: «والقواعد من النساء اللائي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم» (آية 60 سورة النور). ومن يلاحظ النص القرآني يجد أن الستر والاستعفاف أفضل حتى للقواعد لأن منهن متصابيات قد يكن مدخلاً للفتنة.