عاشت أسبوعين بالبدلة الحمراء والمفتي أنقذها من الإعدام!

حبس / سجن, قضية, مفتي مصر, النيابة العامة, جريمة قتل, حكم الإعدام, حقن المخدر, المحكمة الابتدائية في الرباط.

04 أغسطس 2010

ربما كان أمامها الأمل الأخير الذي كانت تعيش من أجله بعد أن أظلمت الدنيا أمامها، لأنها في لحظة فقدت كل شيء. قضت المحكمة بإعدامها، ثم عادت لتخفف الحكم إلى المؤبد، والتهمة هي قتل الزوج! المثير أن السجينة «الدكتورة منى» كانت تصرخ: «لم أقتل زوجي، وربما يكون زوجي حياً حتى الآن». لم تكن كلمات الطبيبة المودعة بسجن النساء بالقناطر مجرد هراء لأن جثة الزوج القتيل بالفعل غير موجودة، وظروف القضية شديدة الغرابة! «لها» عاشت تفاصيل هذه الحكاية من داخل سجن النساء...

قاتلة بلا قتيل. هذا العنوان كان يصلح لحكاية الدكتورة منى التي اقتربت من عامها الخامس والأربعين. قبل سبع سنوات كانت تعيش حياة مستقرة، تسكن في شقة فخمة في أرقى شوارع حي مدينة نصر، تقود سيارة فارهة، ترتدي ملابس أنيقة، زوجها موظف كبير في إحدى شركات الأسمنت الكبرى. الحياة جميلة، الأموال متوافرة، ولا تجد منى أي مشكلة في حياتها سوى الاهتمام بابنها الوحيد محمود تلميذ الإعدادي.
في لحظات ضاع منها كل شيء... اختفى زوجها، وبعد اختفائه بثلاث سنوات اتهمتها أسرته بقتله وإخفاء جثته. واستجابت النيابة والمحكمة لنجد الطبيبة نفسها فجأة في مواجهة حكم الإعدام.
ارتدت الدكتورة منى البدلة الحمراء أسابيع، تعيش في ذعر بعدما أحال القاضي أوراقها على مفتي الجمهورية لاستطلاع رأيه في حكم الإعدام، وتنفست الصعداء عند تخفيف الحكم! البداية كانت حين تلقت أجهزة الأمن بلاغاً من أسرة موظف كبير باختفائه، واتهمت الأسرة صراحة زوجته، وطلبت من أجهزة الأمن اتخاذ إجراءاتها ضد الزوجة التي أخفت الجثة وادعت اختفاء زوجها بشكل مريب... وتوالت الأحداث المثيرة لتكشف عن جريمة قتل بشعة!

اتهام!
تحريات المباحث، وتحقيقات النيابة مع الدكتورة منى، وشهود الحادث، بالإضافة إلى تقارير المعامل الفنية أدانت الطبيبة. حاولت الزوجة أن تدافع عن نفسها لكن القرائن كلها كانت تتهمها!
السيناريو الذي كشفته التحقيقات كان شديد الإثارة لجريمة لا تقع إلا في أفلام السينما، فالزوجة كانت تعاني مشكلات مستمرة مع زوجها بسبب رغبتها المستمرة في الحصول على المال.
تعددت المشكلات بينها وبين زوجها، ووضعت خطة للتخلص منه، حيث دست له المخدر، وحينما فقد وعيه قتلته، ثم استغلت عملها كطبيبة في تحضير بعض المحاليل التي تحتوي على أحماض قوية تذيب الحديد!
نجحت الزوجة في تنفيذ جريمتها أثناء نوم ابنها، وتخلصت من الجثة قبل طلوع الصبح، وتنفست الصعداء وتمكنت من تنظيف أرض الجريمة، وبدأت تمارس حياتها بشكل طبيعي، التحقيقات في القضية تقول: إنها أبلغت الشرطة بعد ثلاثة أيام عن اختفاء زوجها!
أوراق القضية في قسم شرطة مدينة نصر كانت تؤكد أن الزوجة قالت للشرطة إن زوجها أبعد من منصبه قبل اختفائه بسبب خلافات بينه وبين بعض تجار الأسمنت، وشككت الزوجة في تورطهم في اختفاء زوجها!
وأكدت أن زوجها كان يتلقى مكالمات تهديد، وقبل اختفائه بساعات تلقى مكالمة مثيرة رفض أن يخبر زوجته بمحتواها وغادر المنزل بسرعة، وشارك الابن والدته في رحلة البحث عن الأب المختفي!
بعد أشهر من اختفاء الزوج أقامت الدكتورة منى دعوى تطالب فيها بمعاش عن زوجها ووافقت المحكمة، ومضت الأمور خلال 3 سنوات على ما يرام للزوجة التي حصلت على نصيبها من الإرث وبدأت تعيش حياتها بشكل طبيعي.
وانقلبت الأمور رأساً على عقب حينما تلقت الشرطة بلاغاً من أسرة الزوج تتهم الدكتورة منى بقتله، وبدأ التحقيق في القضية من جديد بعد وجود تحريات ادانت الزوجة، وأكدت أن الزوج لم يغادر منزله يوم اختفائه، وهذا ما ذكره ابنها نفسه!
واعترفت الزوجة خلال التحقيقات بتورطها في قتل زوجها حتى تستولي على الإرث، لكنها عادت أمام المحكمة لتتراجع عن اعترافها التفصيلي، وانكرت من جديد، رغم أنها رسمت سيناريو واقعياً للحادث!
قررت المحكمة تجديد حبسها، وبعد جلسات عدة قرر رئيس محكمة الجنايات إحالة أوراق الدكتورة منى على مفتي الجمهورية واستطلاع رأيه في إعدامها، لكن المفتي فاجأ الجميع ورفض إقرار حكم الإعدام.
وأكد في مبررات قراره أنه لم يتم العثور على جثة القتيل، والزوجة تشكك رغم القرائن في مقتل زوجها، ومع وجود احتمال ضئيل بعدم وقوع الجريمة يجب التراجع عن حكم الإعدام.
استجابت المحكمة لرأي مفتي الديار المصرية وتراجعت عن حكم الإعدام، وخفضت العقوبة درجة ليصبح الحكم هو السجن المؤبد 25 سنة، وقررت الدكتورة منى الطعن بالنقض. وحاولت في الأيام الأولى لحبسها أن تتجاوب مع أجواء السجن، لكنها فشلت وانزوت مع نفسها، فما كان من اللواء عاطف الشريف مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون إلا أن طلب من العميدين عمرو نهاد رئيس منطقة سجون القناطر وإسماعيل بركات مأمور سجن النساء مساعدة الدكتورة منى على الاندماج مع السجينات، وتم ترشيحها لتعمل كأمينة للمكتبة.
لم تمض أسابيع حتى عادت إل‍يها الابتسامة الممزوجة بأمل في قبول النقض، وتعلمت الدكتورة منى بعض المهن التي تدر عليها دخلاً مثل الكروشيه، وتقول: «اسودت الدنيا أمامي في لحظة، كنت أعيش حياة مرفهة لكنني الآن أعيش أسوأ أيام حياتي. أسرتي هجرتني بلا مبرر، والدي توفي، ولم يبق لي سوى أختي التي حاولت أن تستولي على مدخراتي عندما رفضت أن أحرر لها توكيلاً عاماً».
تُكمل: والدتي أيضاً لا أعلم عنها شيئاً. أصبحت مثلهم تصدق أنني قتلت زوجي، رغم أنني بريئة من هذه الجريمة، حتى ابني كان يزورني إلا أنه انقطع عن هذه الزيارة منذ 3 سنوات دون أن أعلم السبب».
تبكي منى وتقول:«أرسلت لابني عدة رسائل، فهو الوحيد الذي يجب أن يصدقني، ويكذب كل ما يقال عني، فهو يعلم جيداً أن أمه لا تقتل، فلا يوجد مبرر يدفعني لقتل زوجي، فالحياة بيننا كانت تسير على ما يرام، ولكن هناك بعض الجيران كانت توجد بيننا وبينهم مشكلات فسارعوا الى تقديم شهاداتهم ضدي، واتهموني بقتل زوجي حتى يتخلصوا مني.
والآن أعيش على أمل واحد، هو أن يعود لي ابني حتى أحكي له ما يحدث لأمه في السجن، وأطلب منه ألا يتخلى عني في هذه الظروف الصعبة، لكن أسرة زوجي نجحت في تأليب ابني عليّ».
تختتم الدكتورة منى حديثها وتعود إلى المكتبة، تبتلع أحزانها وترسم ابتسامة على وجهها وهي تناول السجينات الكتب التي يطلبنها.