حق المرأة اليمنية في الحياة نصف حق الرجل!
القانون والمرأة, قتل, اليمن, جائزة الأسرة العربية, مجلس المساواة العرقية, قضية / قضايا المرأة, الشريعة الإسلامية, آراء الفقه, الحقوق الدستورية, الحقوق التشريعية, المرأة اليمنية / نساء يمنيات, رمزية الارياني
11 أغسطس 2010يرى المحامي أسامه الاصبحي، رئيس مؤسسة «عدالة» القانونية، إن القانون اليمني يأخذ بتصنيف دية المرأة تبعاً للموروث الفقهي المعتاد والجزئي.
ويلفت إلى أن الأدلة التي يستند الفقهاء إليها في نظرتهم الدونية إلى الأنثى هي القياس بالميراث والقوامة وقول امرأة عمران «رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى» وكذلك قول الله تعالى: «كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى».
ومن الأحاديث يستدلون بحديث معاذ بن جبل: «دية المرأة على النصف من دية الرجل». وحديث عمر بن شعيب: «عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها». أما الحديث الثالث فهو حديث عمر بن حزم وفيه القول بتنصيف دية المرأة.
وأضاف الأصبحي: «الأنثى نفس كاملة الأهلية والحقوق ديتها كدية الذكور، وأروشها كأروشهم. وهناك فقهاء مؤيدون لتعديل قانون العقوبات اليمني في مسألة الدية على أساس أنه لا يوجد نص قرآني يقول بالتنصيف.
وقد جاء ذكر الدية عند القتل الخطأ دون تخصيص «وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ، ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله». ويؤكد أصحاب هذا الرأي أن التنصيف يتعارض مع مدلول قول الله تعالى: «وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن والجروح قصاص».
ومع قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم». ويرى الفقهاء المؤيدون لتساوي الإناث والذكور في الديات والأروش ان الأحاديث التي حشدها المرجحون للتنصيف ليس فيها حديث واحد صحيح وصريح يفيد ذلك، وقد ضعفت سنداً جميعها.
أما الآية التي اعتمدوا عليها في التنصيف عن قتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فقد روى الطبري أنها نزلت في قبيلتين اقتتلتا. ويرى السيد قطب أن مجالها هو مجال الاعتداء الجماعي الذي لا يعرف من القاتل فيه فإذا أقيم ميزان القصاص كان الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى، ولا علاقة لذلك بآية «النفس بالنفس» حيث مجالها الاعتداء الفردي. واستشهاد القائلين بالتنصيف بقول امرأة عمران «وليس الذكر كالأنثى» دليل ضعيف. والإمام الشوكاني اعتبره رفعاً لشأن الأنثى وفسر الآية بقوله: «وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وضعت فأمر هذه الأنثى أعظم وأجل وأفخم من أمر ذلك الذكر.
ذلك ان جل ما كانت امرأة عمران تبتغيه من كونه ذكراً يكون خادماً للكنيسة أما هذه الأنثى فشتان شتان فإن لها شأناً فخيماً وأمراً عظيماً».
وعن أثر هذا الانتقاص في حقوق المرأة يقول الاصبحي: «القانون لايعترف بأن الأنثى نفس مكافئة لنفس الذكور، وعليه حين تقتل لا تستحق إلا نصف دية النفس الذكورية. وجزم المشترع بأن الأنثى ليست نفساً، أو على الأقل ليست نفساً مساوية للنفس الذكورية.
وجزم بأن انسانيتها ناقصة بنسبة 50% عن الرجل، ولهذا لا تستحق من الدية والأروش سوى النصف، وليس لها قيمة حتى في الحياة والله أعلم».
وتقول رشيدة الهمداني، رئيسة اللجنة الوطنية للمرأة أن هذا النص هو تمييز واضح يهدر حق المراة الذي كفله الله لها في الحياة، ويهدر حقوقها في التعويضات مقابل الجروح لأنه يعطيها نصف ما يستحق الرجل في الجروح والدية وتشير الى ان اللجنة كإطار رسمي ممثل للنساء بذلت جهودا كثيرة في سبيل اقناع اعضاء مجلس النواب بتعديل القانون، لكن غالبية أعضاء المجلس كانوا متعصبين للقانون ومتمسكين بإبقائه على ماهو عليه. وتنوه الى ان هذا القانون يتناقض مع الدستور اليمني الذي يقر بحق المساواة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة، والمفروض أن ينبثق القانون من الدستور ويكون متوافقاً معه وليس العكس.
وتوكد المحامية نبيلة المفتي ان المشترع لم يكتفِ بتحديد دية المرأة بنصف دية الرجل بل حدد كل الاروش والتعويضات عن الإصابات للمرأة بنصف ما حدده للرجل، «وهذا التنصيف فيه اجحاف كبير بحق المرأة. وللأسف الشديد أنهم يردون الأمر إلى الشريعة الإسلامية، وإذا بحثنا في الشريعة الاسلامية لن نجد آية قرانية أو حديثاً نبوياً صحيحاً يؤكد أن دية المرأة نصف دية الرجل، بل على العكس سنجد أن الشريعة الاسلامية تؤكد بنصوص القرآن أن دية المرأة تساوي دية الرجل. لكنهم يستدلون بحديث ضعيف ويتركون الأحاديث القوية.
وأضافت المفتي انهم «يقولون أن دية المرأة نصف دية الرجل لأن الرجل يعيل أسرة وعندما يقتل تفقد الأسرة عائلها. وهذا الاحتجاج مجافٍ للصواب لأن الدية عقوبة بدلاً من القصاص ولاعلاقة لها بالإعالة. وإذا سلمنا بهذا التبرير فسنجد ان هناك نساء يُعِلن أسراً بكاملها، وفي المقابل هناك رجال لايعيلون أسرهم. فهل إذا قتل أحدهم نحدد له نصف دية لانه لايعيل أسرته، هذا الكلام غير صحيح لأن الدية تقوم مقام القصاص وبالتالي يجب ان تكون دية المرأة مساوية لدية الرجل. كما ان الدية حق خاص ولايجوز للقاضي ان يحكم بالدية إلا في الحالات التي لم تُستوفَ فيها شروط القصاص».
وأكدت المفتي ان «الشريعة الاسلامية تساوي بين الذكور والإناث بالعقوبات والتكاليف، فالرجل يصلي خمسة فروض والمرأة تصلّي خمسة فروض وفي العقوبات يقول القران الكريم «والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهم» وفي عقوبة الزناء يقول تعالى «والزانية والزاني فاجلدوا كل واحداً منهم مائة جلدة». هذه هي الشريعة الاسلامية التي تقر التساوي بين الذكور والإناث في التكاليف الشرعية. والعقوبات الحدية لايمكن ان تجعل دية المرأة نصف دية الرجل والله سبحانه وتعالى يقول «النفس بالنفس والعين بالعين». إذاً القاعدة العامة في الإسلام المساواة والتميز التشريعي جاء بنا على اجتهادات فقهية تستند الى أدلة ضعيفة، والأولى بنا أن نجعل باب الاجتهاد مفتوحاً لكي يكون الإسلام صالحاً لكل زمان ومكان».
يحدد المشترع اليمني في المادة 42 من قانون العقوبات «دية المرأة نصف دية الرجل»... ويرى قانونيون ورؤساء منظمات حقوقية هذا التشريع انتقاصا واضحاً لحقوق المرأة بما في ذلك حقها في الحياة. في هذا التحقيق نحاول البحث عن المنطلقات التي استند إليها المشترع في صياغة هذا القانون مع آراء بعض معارضيه..
وأكد المحامي عبد العزيز البغدادي رئيس المرصد اليمني لحقوق الانسان ان القانون يمثل مخالفة واضحة للدستور اليمني، كون الدستور يقر بمبدأ المساواة. ومخالفة القانون للدستور تدل على وجود اختلال تشريعي في البلد ولا بد من إعادة النظر في معايير التشريعات القانونية.
ويرى البغدادي أن مشكلة التشريعات تكمن في ضيق آفاق الاجتهاد والإستناد إلى تأويلات واجتهادات فقهية سابقة في أضيق حدودها. كما ان المشترع يتجاهل الالتزامات الدولية التي تقع على اليمن بفعل توقيعه بعض الاتفاقات الدولية، خصوصاً ما يتعلق بحقوق الإنسان.
تمييز
رمزية الارياني رئيسة اتحاد نساء اليمن أكدت في بداية حديثها أن الاتحاد يعمل منذ 2001 مع منظمات نسوية من أجل تعديل القوانين التي فيها تمييز ضد المرأة، ومنها قانون العقوبات الذي يحدد دية المرأة بنصف دية الرجل. «وقد شكل الاتحاد وفداً للتحاور مع علماء الدين في المجلس التشريعي، فوجدنا ان هناك تشدداً من البعض وإصراراً على التمسك بالنص القانوني ويقولون ان هذا اجتهاد العلماء، وقلنا لهم ان الاجتهاد ليس قرآناً ولا هو أقوى من القرآن الذي يقر بمبدأ المساواة بين الجنسين. وحاولنا إقناعهم بأن الرأي يتغير في كل زمان ومكان وليس ثابتاً لكن دون جدوى لذلك اضطررنا لأن نصعّد قضيتنا وان نصل الى رئيس الجمهورية الذي وعدنا بتعديل كل القوانين التي فيها تمييز ضد النساء. وقد تم تعديل البعض منها لصالح المرأة».
وعن أثر هذا التشريع القانوني على مكانة المرأة الاجتماعية والأسرية، تفيد الارياني أن له أثراً سلبياً فالمرأة لا تساوي إلا نصف الرجل في المجتمع، وتضيف: «ان خطورة هذا النص انه يتعارض مع القرآن لأن القرآن ذكر المساواة بين الرجال والنساء في 66 آية، بل ان الله ميز النساء بأن أنزل سورة بإسم النساء. وهذا النص ليس أكثر من تكريس لعادات وتقاليد ويجسد نظرة المجتمع الدونية إلى المرأة بذريعة أنه اجتهاد فقهي».