مفاجأة مفتي مصر
د. علي جمعة, الطب الشرعي, د. محمد رأفت عثمان, د. آمنة نصير, مواقع الزواج الإلكتروني, الشيخ يوسف البدري, د. عبلة الكحلاوي, مفتي مصر, فتوى, علماء الدين, د. أحمد عبد الرحيم السايح, د. محمد عبد المنعم البري
08 نوفمبر 2010منع الظلم
وأوضحت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في بورسعيد الدكتورة عبلة الكحلاوي، أن من «يتأمل تشريعات الزواج سيجد أن الإسلام جمع، بتوازن، بين حقوق ولي المرأة وحقوق المرأة نفسها في قبول من ترضاه من الأزواج، ورد من لا ترضاه، ولهذا فإنه يحرّم على الأولياء الاستبداد في تزويج الفتيات، بغير رضاهن. وفي الوقت نفسه أعطى الشرع الأولياء حق رد الزواج من غير الكفء الذي لا يرضونه، لأن الزواج بغير كفء سبَّة لهم وعار عليهم، وبالتالي يكون سبباً للعداوة بين أهل الزوجين، بدلاً من المودة والتراحم اللذين تدعو إليهما المصاهرة».
وأضافت: «عندما أعطى الإسلام المرأة هذا الحق، كان يهدف إلى خير الجميع، أفراداً وجماعات، لأن الزواج الناشئ عن تراضٍ ورغبة وحرية تامة سيوجد الأسرة المستقرة المتفاهمة، ويثمر أولاداً أسوياء صحياً وفكرياً وأخلاقياً، وهذا ما جعل الله يصف الزواج بأنه آية من آياته حين قال: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» «الآية 21 سورة الروم». وأنهت كلامها بالتحذير من أنه «إذا فقدت المرأة حريتها ورضاها في الزواج، يحدث النفور والتباغض، وتكون لهما آثارهما السلبية على الأولاد».
لا للولاية بلا ضوابط
وأبدت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية الدكتورة آمنة نصير تحفُّظها عن «الاشتراط المطلق للولاية على المرأة بلا ضوابط، وربط ذلك بصحة الزواج في وقت أصبحت فيه المرأة وزيرة وسفيرة وطبيبة وقاضية ومعلمة، ووصلت الى أعلى المناصب، ومع هذا نجد من يشترطون عليها أن يتولى ولايتها من هو أقل منها، وكأنها غير قادرة على ولاية نفسها». وأوضحت أن «جميع البشر يولدون أحراراً، متساوين في الكرامة والحقوق والواجبات أمام القانون، وبالتالي فإن المرأة الرشيد حرة في اختيارها، ومن ثم لا معنى لجعل صحة زواج المرأة مشروطاً بموافقة الولي».
بدأت القضية التي انطلقت منها الفتوى بطلب مقدم إلى دار الإفتاء المصرية برقم 2036، يقول صاحبه: «تزوجت من امرأة تحمل الجنسية الإماراتية، وهي ثيِّب، وتبلغ من العمر سبعاً وثلاثين سنة. وتم عقد الزواج عند محام، بشهود ومهر ومكتمل الشروط عدا الولي، الذي لم يكن موافقاً على الزواج، بحجة اختلاف الجنسية، وبعد كتابة العقد أقمت دعوى صحة توقيع، وحكمت المحكمة فيها لصالح زواجنا، ثم وثَّقت هذا الحكم في كل من وزارة العدل ووزارة الخارجية والسفارة الإماراتية، ثم أشهرت الزواج للجميع، حتى أهل الزوجة، ولكن والد زوجتي لجأ إلى المحكمة في دولة الإمارات، مدعياً عدم شرعية هذا الزواج لعدم توافر شرط الولي، فهل هذا الزواج صحيح شرعاً؟».
أجاب الدكتور علي جمعة بأن الولاية في النكاح نوع من الرعاية التي كفلها الشرع للمرأة حفاظاً عليها، وهي تبدأ مرحلة مهمة من حياتها. وقد راعى الشرع، عند وضع أحكام هذه الولاية، أن تقوم على معاني الشفقة على المرأة، ونصرتها، وعونها. ورأى الإمام أبو حنيفة أن البالغ الرشيد لا ولاية لأحد عليها، فلها أن تزوج نفسها، بأن تباشر عقد زواجها، بكراً كانت أو ثيِّباً، وحصر الولاية الحقيقية في الصغيرة غير البالغة، وجعل الولاية على البالغة الرشيد وكالة وليست ولاية. وقد أخذ القانون المصري بمذهب الحنفية، فجعل للمرأة البالغة تزويج نفسها، ويعد زواجها صحيحاً بشروط هي الكفاءة والمهر والإشهار والشهود.
وقال: «جعل الشرع البلوغ بدءاً لكمال العقل، وجعل أيضا البلوغ بالسن معتمداً إذا لم تظهر علامات البلوغ الأخرى. وقد اختلف الفقهاء في سن البلوغ، فرأى الشافعية والحنابلة والصاحبان أبو يوسف ومحمد أنها خمس عشرة سنة قمرية للذكر والأنثى، ورأى المالكية أنها ثماني عشرة سنة، ووردت تحديدات أخرى، فقيل خمس عشرة سنة، وقيل سبع عشرة سنة، وقيل تسع عشرة سنة. أما أبو حنيفة فقد فصل فجعل سن بلوغ الغلام ثماني عشرة سنة والفتاة سبع عشرة سنة».
رأي متوازن
ويحاول عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد رأفت عثمان إيجاد توازن بين الفريقين، بتأكيده أن الولاية في الزواج يجب أن تكون «ولاية الاختيار»، بمعنى أنه من حق المرأة البالغة العاقلة أن تزوج نفسها بمن أرادت، على أن يكون الزوج كفؤاً لها، وبمهر المثل، وفي الوقت نفسه من حقها أن تختار ولياً لها من الأب، أو الأخ، أو الجد، أو الأعمام، أو الأخوال، أو غيرهم من المحارم.
ويعرض لآراء المذاهب الفقهية في القضية، فيؤكد أن «المذهب الحنفي ذهب إلى أنه إذا بلغت الفتاة العاقلة سن البلوغ، فلها الحرية في اختيار زوجها، كما تملك عقد زواجها بنفسها، بشرط الكفاءة ومهر المثل، دون استشارة أحد، لأن لها الحق في التصرف في سائر أفعالها لكمال أهليتها. وبما أن عقد الزواج كبقية العقود من حيث الإنشاء، فالمرأة تعتبر فيه كاملة الأهلية، فلها أن تزوج نفسها، كما لها أن توكِّل الغير. أما الإمام أحمد بن حنبل فيؤكد أنه لا بد من إذن وليها، ويعتبر عقداً غير نافذ إلا بعد موافقته، ويرى الشافعية أن للمرأة البالغة العاملة أن تتولى صيغة العقد بنفسها، ولكن ليس لها أن تنفرد بالزواج دون موافقة وليها. ولا توجد نصوص تدل على الأولى بالولاية، ولذا فإن الفقهاء، في ترتيبهم للأولى والأقرب قد يتفقون، ومن اتفاقهم في هذا الموضوع تقديمهم الأب على الجد والإخوة والأعمام، وأن تقديم الآباء على الإخوة من المسائل المتفق عليها بين الفقهاء».
«أعارض المفتي»
وعلى الجانب الآخر، أوضح الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور محمد عبد المنعم البري، علة أو سبب الولاية بقوله: «اجتهد بعض الفقهاء بأن الولاية تقتصر فقط على الصغيرة، بسبب عجزها عن الاختيار الصحيح، في حين أرجعها آخرون للبكارة وصغر السن معاً، مما قد يترتب عليه سوء اختيار. وانتهى فريق ثالث إلى أن الولاية على جميع النساء، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، طالما لم يسبق لها الزواج، أما من سبق لها الزواج وطلقت، أو مات زوجها، فلا يجوز لوليها أن يزوجها دون أخذ رأيها وموافقتها إذا كانت بالغة».
وأضاف: «الولاية في الزواج جزء من الولاية على النفس، وتثبت بسببين، أولهما القرابة النسبية، وهي ولاية بعض الأقارب على بعض، ويتم ترتيب الأولياء حسب درجة القرابة في عمود النسب.
وثانيهما الإمامة، وهي ولاية الحاكم ومساعديه من القضاة وغيرهم، عندما يتعذر الولي بالقرابة، أو يكون هناك تعنت منه، فقال، صلى الله عليه وسلم: «السلطان ولي مَن لا ولي له».
واعترض البري على تزويج المرأة نفسها، مؤكداً أن جمهور الفقهاء يرى أن المرأة البالغة العاقلة ليس لها أن تتولى عقد الزواج، لا لنفسها ولا لغيرها، واستدلوا لرأيهم بعدة أحاديث، منها قول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلاّ بولي، وأيما امرأة تزوجت دون إذن وليها فنكاحها باطل، فإن لم يكن لها ولي، فالسلطان ولي مَن لا ولي لها». واستدلوا كذلك بما جاء في القرآن، من إضافة العقد إلى الأولياء، في قوله تعالى: «وأنكحوا الأيامى منكم»، لأنّ الزواج من العقود المهمة، وأنّ المرأة لا خبرة لها بالرجال، وأن عاطفتها المتأججة قد توقعها في زوج غير كفء، وأن المرأة إذا تزوجت بغير كفء أصبح العقد فاسداً، وحتى لو رضي الولي، بعد ذلك، لا يصبح العقد صحيحاً.
وحذر من الاستغناء عن الولي قائلا: «إذا تم حذف الولي تبقى الأركان الأخرى للزواج تافهة، ولا معنى لها، بل ويمكن توفيرها من الشارع، كالشهود، ولهذا أؤيد من أفتوا بمعاقبة وتأديب الزوجين والشهود والكاتب والقارئ الذين يشهدون زواجاً بلا ولي. وفي الوقت نفسه نهى القرآن، صراحة، عن عَضْلِ المرأة، أي منعها ظلماً، من الزواج فقال تعالى: «فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون» «الآية 232 سورة البقرة».
لا زواج إلا بولي
وعارض عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ يوسف البدري فتوى الدكتور جمعة، مؤكداً أن «الولي شرط في صحة الزواج، ولا يجوز للمرأة أن تتولى عقد زواجها لنفسها أصالة، ولا لغيرها وكالة، فإن فعلت ذلك فالنكاح باطل. وهذا الشرط إنما اشترط ليحفظ للمرأة حياءها وسترها، كما أن فيه محافظة على مصالحها، لأن الولي غالباً ما يكون أبعد نظراً فيمن يصلح زوجاً للمرأة التي تغلب عليها العاطفة».
وعن الشروط الواجب توافرها في الولي العدل، قال البدري: «اشترط الفقهاء لمن يكون ولياً للمرأة شروطاً معينة، كالعقل والبلوغ والحرية والاتحاد في الدين والرشد والعدالة ، لضمان عدم ظلمه لها في اختياره من يصلح لها زوجاً. ووجود الولي شرط من شروط النكاح عند الجمهور، ولا يصح زواج المرأة، ثيِّباً أو بكراً، بدونه لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي»، وقوله أيضاً: «إن المرأة إذا نُكِحَت بغير وليها فلا تريح رائحة الجنة»، والقاعدة الأصولية تقول: لا اجتهاد مع وجود النص».
وطالب بالتفرقة بين تعاليم الإسلام المتعلقة بالولي، وبين بعض التصرفات الخاطئة للأولياء الذين يضيِّقون على بناتهم فيزوجونهن عنوة، ولا يتركون لهن حرية الاختيار، بسبب التقاليد البالية التي لا علاقة لها بالإسلام.
ولهذا منع الإسلام العَضْل، وهو منع المرأة أن تتزوج بمن ترغب فيه بدون عذر شرعي، أو من كفء ذي خلق، أو إجبارها على أن تتزوج بمن لا ترغب فيه، ولم يجعل الإسلام ولاية الولي مطلقة غير مقيدة، بل اشترط الولي العدل الذي لا يمنع موليته من الزواج، فإن كان غير عدل في ولايته، كفساد دينه أو رأيه، فتسقط عنه الولاية، وتنتقل إلى أحد الأقارب حسب الترتيب الشرعي، أو إلى القاضي، فهو ولي من لا ولي له. وبالتالي فإن سلطة الأب على ابنته ليست مطلقة، وبعد البلوغ تتحول إلى ولاية مشورة ونصيحة، وليست ولاية تسلط واستبداد. وقد أجاز الشرع والقانون للقاضي أن يزوجها بمن يصلح لها، بعد أن يبحث في الأمر من جميع النواحي، وبهذا يقول جميع الأئمة.
تحذير
وأيد الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور أحمد السايح الفتوى، مؤكداً أنها منصفة للمرأة، بشرط أن تكون رشيداً وبالغة، تعي مصلحتها، وليست مراهقة طائشة.
وبرر السايح تأييده للفتوى بأنه «إذا كان الأب، أو غيره، لا يملك التصرف في مال ابنته، البكر البالغ، بغير رضاها، فكيف يملك التصرف في نفسها ومستقبلها، ومن المعروف، شرعاً وعقلاً، أن النفس فوق المال، بل إن الخسارة في المال أمر هين، مقارنة بالضرر نتيجة زواجها بغير رضاها، ولهذا أعطى الإسلام للمرأة البالغة العاقلة، بكراً كانت أو ثيِّباً، كامل الحرية في رفض من لا ترضاه لها زوجاً، ولا يحق لأبيها أو وليها أن يجبرها على من لا تريده، وأحذر من يفعل عكس هذا لأنه يكون آثماً شرعاً، ومن حقها رفع أمرها للقضاء لرفع الظلم عنها».
جدل واسع أثارته فتوى جريئة للدكتور علي جمعة مفتي مصر، مؤداها أنه من حق المرأة البالغة الرشيد، سواء كانت بكراً أم ثيِّباً، أن تزوج نفسها دون شرط الولي. وقد انقسم علماء الدين حول تلك الفتوى فريقين، ما بين مؤيد ومعارض، ولكل فريق أدلته، فماذا قالوا؟