زواج 'اليومية'!
علماء الأزهر, مواقع الزواج الإلكتروني, ملكة يوسف زرار, د. عبلة الكحلاوي, د. عفاف النجار, د. حامد أبو طالب, د. عبد الحي عزب, زواج المتعة, د. سهير عبد العزيز
15 نوفمبر 2010الشروط الواجبة
وقالت أستاذة الشريعة في جامعة القاهرة الدكتورة ملكة يوسف زرار: «هذه المسميات الغريبة هي من ابتكارات شياطين الإنس، الذين استحلوا الزواج بنية الطلاق، وكذلك الزواج المؤقت والزواج باليومية، وكلها محرمة بالإجماع وتتنافى مع الزواج الصحيح الذي يشترط فيه نية بقاء الحياة الزوجية والاستمرار فيها، ومن ثم فإن كل هذه الأنواع من الزواج باطلة ومحرمة، ولا يجوز لأحد الإقدام عليها».
ووصفت الدكتورة ملكة الزواج باليومية بأنه يتنافى مع ما جاء في ما قاله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين خطب في الصحابة: «يا أيُّها الناس، إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً». ومن ثم فإن هذه الأنواع من العلاقات المحرمة شرعاً، وتحمل اسم زواج، لأن فيها مهراً واتفاق الزوجين، ورضا الزوجة أو وليها، بل والإشهار، لا يجعلها حلالاً شرعاً، لأنها لا يرضاها الإنسان المسلم الغيور على دينه وعرضه.
وأنهت الدكتورة ملكة كلامها برفض الزعم بأن «هذا الزواج حلال، لأن أطرافه غير مضطرين، وإنما تم بالتوافق بينهم، ويجب الوفاء بما تم الاتفاق عليه»، مؤكدة أن «الشروط الواجبة النفاذ هي التي لا تتعارض مع الشرع، وهذا ما يتفق مع قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون عند شروطهم إلا شرطاً أحلَّ حراماً أو حرَّم حلالاً».
المسمى غريب والتفاصيل أغرب، فالأهالي يبيعون بناتهم، ويلبسون عملية البيع الزي الشرعي عندما يقولون عما يفعلونه إنه «زواج»، خاصة أن فيه وثيقة زواج ومهراً وشهوداً. لكنه زواج باليومية، يحدث فيه اتفاق بين الطرفين على ألا يستمر سوى أيام، وبعدها يذهب كل طرف إلى حاله. هذا الزواج بدأ ينتشر أخيراً في بعض قرى مصر وأطلق عليه «زواج اليومية» وأصبح له سماسرة متخصصون يُوفِّقون بين الزوج، الذي غالباً ما يكون ثرياً، وبين الزوجة، التي يرضى أهلها بهذا النوع من الزواج وهم يوهمون أنفسهم بأنه زواج شرعي صحيح. لكن ماذا يقول علماء الأزهر عن هذا النوع الجديد من الزواج؟
نوع من التحايل المرفوض
تعارض العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية والعربية الدكتورة عبلة الكحلاوي، هذا الزواج، واصفة إياه بأنه نوع من التحايل المرفوض على أحكام الشرع، وعودة إلى عصر الجاهلية قبل الإسلام، حين كانت المرأة تباع وتشترى، وتعد في عداد السلع التي يستمتع بها الرجل مقابل مبالغ مالية. ثم جاء الإسلام، وجعل من خصائص الزواج الشرعي أن يتصف بالاستمرار وليس بوقت محدد.
وانتقدت كحلاوي الإجراءات الشكلية الكاملة التي يقوم بها أطراف الزواج باليومية لإضفاء صفة الشرعية عليه، من حيث الولي والشهود والمهر والإشهار. وأضافت: «أرى هذا الزواج نوعاً من زواج المتعة المحرم، وذلك لاتفاق الطرفين على مدة معينة لعقد الزواج، بعدها يصبح كل من الزوجين حراً في حياته بعد انقضاء مدة الزوجية. وهذا السلوك مرفوض لدينا، حتى وإن ادعى أطرافه أنه يحمل بعض شروط الزواج الصحيح، ويحاول المروِّجون له أن يجعلوه يرتدي عباءة الدين، حتى تكون له القابلية. إلا أن نتائجه ضارة بالمجتمع، ومسيئة الى الدين وتمتهن كرامة المرأة».
استمتاع محرم
وهاجم عميد كلية الدراسات الإسلامية في بني سويف - جامعة الأزهر الدكتور عبد الحي عزب، الاستمتاع المحرم بين الجنسين الذي يحاول أصحابه الحصول على صفة الشرعية، رغم ما فيه من شبهات لا تبيحه. ومن ثم فإن هؤلاء أبعد ما يكونون عن صفات المؤمنين، التي ذكر الله منها: «والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ».
وحذر من اللجوء إلى تلك الأنواع المستجدة، التي تحمل زوراً اسم «الزواج»، بحجة صعوبة الزواج حالياً لارتفاع تكاليفه، لأن الله وضَّح لنا البديل لمن يصعب زواجه فقال: «وَلْيَسْتَعْفْفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْْنِيهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ» آية 33 سورة النور. ومن يتأمل أوامر الشريعة في الزواج، سيجد أنها تدعو إلى التيسير، ولكننا نُعسِّر على أنفسنا حتى ظهرت هذه الأنواع الغريبة من العلاقات المحرمة، التي يحاول أصحابها إلباسها لباس الزواج حتى تكون لها قابلية».
النية
ووصفت عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر الدكتورة عفاف النجار، هذا النوع من الزواج بأنه «أشبه بزواج المتعة»، الذي يحكم عليه الإسلام بأنه باطل شرعاً، وقد كان مباحاً أول الإسلام ثم حُرِّم. وفي الوقت نفسه، الزواج الموقت حرام أيضاً، إن كان التوقيت مذكوراً في صلب العقد، فلا فرق حينئذٍ بينه وبين المتعة، ولابد من إعمال القاعدة الفقهية التي حددها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في قوله: «لا ضرر ولا ضرار».
وحذرت الدكتورة عفاف من «إضمار النية بالزواج من فتاة لمدة معينة ثم تطليقها، كما هو الحال في زواج اليومية، لأن الله مطلع على القلوب، لأنه سبحانه وصف نفسه بقوله: «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ» سورة غافر الآية 19. وسيحاسبنا على استحلالنا للحرام، أو مخالفتنا لأوامره، من خلال زواج شكلي فقط، يتنافى مع الزواج الشرعي المكتمل الأركان الذي جعله الله آية من آياته وصفة صفاته، بقوله: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم . ويطلق العلماء على هذه النية القلبية «زواج بنية الطلاق»، وقد اختلف العلماء في حكمه، والراجح عدم جوازه، وهذا ما أفتت به مؤسسات الإفتاء في كثير من الدول الإسلامية».
باطل
يرى عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الدكتور حامد أبو طالب، أن هذا الزواج من المزاعم الباطلة التي تسيء الى الإسلام، وتعد أقرب إلى تجارة الرقيق الأبيض، حتى ولو كان يحمل اسم «زواج»، أو يشتمل على بعض شروط الزواج المعترف به شرعاً، فزواج «اليومية» يعد أحد أشكال الخروج عن هَدْيِ الله في الزواج الصحيح، ومن ثم فإن من يُقبل عليه يعد خارجاً على تعاليم الإسلام في أوثق علاقة إنسانية، وقد أمرنا الله بأن نكون ممن قال فيهم: «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى» طه: 123
ويضيف: إذا استحللنا الحرام تحت مسميات جديدة، مثل زواج اليومية، فإننا نكون ممن استحلوا الكبائر، مما يستجلب غضب الله علينا، لأنه سبحانه القائل: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى» الآية 124 سورة طه.
المرأة هي الضحية
وعن الآثار النفسية لمثل هذه الزيجات الغريبة، يؤكد الدكتور سيد صبحي، أستاذ الصحة النفسية في جامعة عين شمس، أن «الضحية الأولى لها هي المرأة وأسرتها، وخاصة إذا حدث حمل وإنجاب، اذ يتنصل الزوج عادة من هذا الزواج الذي غالباً ما يتم دون علم أهله، هروباً من الرفض الاجتماعي. وتظل الزوجة المسكينة وحدها تعاني من آثار تلك الزيجة المحرمة التي ترفضها الأخلاق السوية في مجتمعاتنا العربية، ولهذا فإن الزوجة ستتعرض للنقد الشديد من المحيطين بها على مثل هذه العلاقة، مما يجعلها تصاب بالأمراض النفسية على مختلف أنواعها، بل إنها قد تفكر في التخلص من الجنين إذا حدث حمل، لتنسى آثار جريمتها التي تمت بمباركة أهلها الذين لم يكونوا أمناء عليها».
استكمال النقص
وعن التفسير الاجتماعي لتلك الظاهرة الغريبة، تقول رئيسة قسم الاجتماع في جامعة الأزهر الدكتورة سهير عبد العزيز: «أبرز أسباب هذه الظاهرة افتقاد المنظومة السليمة للقيم، وغياب التربية السليمة في مجتمعاتنا المعاصرة، والتقليد الأعمى للغرب، والتأثر بما تبثه الفضائيات، وإذا أضفنا إلى ذلك عاملاً مهماً وهو الفقر المدقع، والحياة غير الآدمية التي تعيشها أسر تلك الفتيات، مما يجعلهن يبحثن عن وسيلة للخلاص من تلك الأوضاع، حتى ولو ببيع أعراضهن تحت مسميات لها قبول اجتماعي، وهي «زواج». وعلى الجانب الآخر، نجد الثراء الفاحش الذي أتى بلا عرق وجهد، وصاحبَته أخلاق ميتة، ورغبات مشتعلة، تتلذذ برؤية الحرمان في عيون الآخرين، ومحاولة إشباعه ولو بالحرام، مما أدى إلى أن كلاً من الطرفين يحاول استكمال ما عنده بما لدى الآخر، وهم يدركون أن ما يفعلونه هو استباحة للمحرمات، ولا بديل عن التوعية الدينية بأن هذا الزواج حرام، وأن الزوجة هي من تدفع الثمن في النهاية».