إبداعات شبابية في الثورة المصرية
التصوير الفوتوغرافي, سلمى المصري, صور فوتوغرافية, مواقع الزواج الإلكتروني, حسني مبارك, شعراء, أغنية, أشعار, مظاهرة / مظاهرات, الثورة المصرية
21 مارس 2011شعراء الانتفاضة
تحول ميدان التحرير في ثورة المصريين إلى ما يشبه سوق عكاظ الذي كان يلقي فيه العرب أروع قصائدهم، فسال الشعر على لسان الشباب وتدفقت إبداعهم.
محمد طلبة عضو في جماعة «مغامير» الأدبية، وأحد المشاركين في «ثورة 25 يناير» منذ يومها الأول، كتب شعراً في التحرير يصف فيه الجو الذي يعيشه المتظاهرون، بالإضافة إلى رصد الأحداث في صورة شعرية. وبعد تنحي مبارك عن الحكم كتب قصيدة في رثاء شهداء الثورة بعنوان «كنا الميدان» تقول كلماتها:
كنا الميدان | والخوف |
أما محمد سلامة، وهو محاسب شاب لديه موهبة شعرية، فشارك في الثورة منذ بداية اندلاعها وكان يكتب الشعر يومياً، وأول مقاطع قصيدته عن الثورة كانت في أول يوم أثناء حصار الأمن المركزي للمتظاهرين، ومحاولتهم تضييق الخناق عليهم. وجاءت قصيدته على هيئة يوميات للثورة، حتى قبل التنحي بيوم. ويوم التنحي لم يشعر بنفسه إلا وهو يصرخ بمقطع من قصيدته كتبه يوم جمعة الغضب مخاطباً الشعب المصري ويقول :
وأنت الصامدُ القادرْ
وأنت الخارجُ النافرْ
وأنت الأصلُ والمتبوعُ في التفكيرْ
وأنت الثابتُ الأبديُّ
والمسكونُ بالتغييرْ
وأنت الشاعرُ المفتونُ بالإيقاع ِ
في تفعيلة التفجيرْ
وهذا الفجرُ أغنيتي
وهذا الفجرُ أغنيتي
مطرب الثورة
أغانٍ شابة كثيرة خرجت إلى النور أثناء الثورة، وتفجرت المواهب والإبداعات، وكان أبرزها رامي عصام الذي شارك في الاعتصامات كفرد من الشعب، فانتهى به الأمر إلى الحصول على لقب مطرب الثورة.
لم يخطط رامي عصام لأن يكون مطرب الثورة، فهو طالب في كلية الهندسة عمره 23 عاماً، يحب الموسيقى والغناء، وله تجارب غنائية على الإنترنت. وكانت بداية مشاركته في الثورة كأي مواطن عادي أثناء جمعة الغضب «28 يناير» في مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية حيث يعيش مع أهله. إلا أنه بعد ثلاثة أيام من المشاركة اليومية قرر الانتقال إلى بؤرة الأحداث في ميدان التحرير، فنصحه أحد أصدقائه هناك بحمل الغيتار معه، من أجل التخفيف عن المعتصمين ليلاً في الميدان وإشاعة جو من المرح.
«مشاكل» هو اسم مشروع غنائي لرامي عصام كان يتحدث فيه قبل الثورة عن سوء أحوال مصر ومشاكلها. ولأن الموسيقى التي يستخدمها في ألحانه شبابية خفيفة، كانت تصل أسرع إلى الشباب في ميدان التحرير. ورغم أن رامي وصل إلى هناك قبل إقامة الإذاعة الداخلية في الميدان، فإن الكثيرين التفوا حوله يتغنون معه في حب الوطن ومشاكله.
يقول رامي: «كنت أكتب الأغاني وألحنها في الميدان ويشاركني الناس في الغناء. وعندما جاء الخطاب الثاني للرئيس السابق محبطاً، جمعت شعارات الثورة في أغنية ولحنتها، وأضفت إليها جملة واحدة من عندي وهي «كلنا إيد واحدة وهدفنا حاجة واحدة... ارحل ارحل ارحل ارحل». أما شعاراتنا في التظاهرات فمنها «مش هنمشي هو يمشي» و«يسقط يسقط حسني مبارك» وغيرهما، فغنى المعتصمون معي بقوة واستطعنا تحويل الإحباط إلى روح إيجابية وإصرار على مطالبنا».
ويضيف: «لم أشعر قط بأنني مطرب في الثورة، ولم يكن هدفي ركوب الموجة مثل كثير من الفنانين الذين قدموا إلى الميدان، بل كنت إنساناً عادياً يدافع عن الميدان في «معركة الخيول والجمال»، ولي صور وأنا مصاب في رأسي وفمي. وكنت أغني على المسرح وأنا مجروح والجمهور أيضاً مجروح. وكانت المفاجأة بالنسبة إلي أنني عندما خرجت من ميدان التحرير بعد الثورة وجدت أن لقبي أصبح «مطرب الثورة»، وحظيت بشعبية كبيرة لم أسع إليها مطلقاً، بل كان هدفي وأصدقائي التخفيف عن المتظاهرين وابتكار أغانٍ بهتافات الثورة، إلى جانب الهتافات العادية لدفع الملل بعيداً عنا».
لم يكن رامي بعيداً عن الأحداث والشائعات الكاذبة حول الشباب، وعندما صرح المسؤولون أن الشباب الثائر قلة مندسة ومخربون في البلد، غنّى «اضحكوا يا ثورة.. قالك إيه إننا بنخرب.. اضحكوا يا ثورة ها ها ها»، وكأن الشباب كانوا يتفننون في درء الإحباط بعيداً عن مطالبهم في العدالة الاجتماعية والتغيير إلى الأفضل.
والآن يعمل رامي على إعداد ألبوم يجمع فيه جميع أغاني الثورة التي غنّاها في ميدان التحرير، ويبحث عمن يساعده في تخصيص عائد هذا الألبوم لمصلحة إصلاح التعليم في مصر.
فوتوغرافيا الثورة
حسين عبد الواحد مهندس عمره 30 عاماً، يهوى التصوير إلى حد الاحتراف، ولكنه قرر التظاهر كمواطن وليس كمصور يبحث عن الأحداث لجني الأموال، ونزل في جمعة الغضب 28 كانون الثاني/يناير إلى الشارع بدون الكاميرا وعبّر عن رفضه للفساد، وأصيب في رأسه ورجله أثناء معركة «الخيول والجمال». إلا أنه عندما لمس التضليل من الإعلام المصري قرر حمل كاميرته إلى أرض المعركة ليرفع الصور على الموقع الاجتماعي «فيسبوك»، لعله يساهم في عودة المعارضين للثورة إلى صوابهم.
يقول: «عندما رفعت الصور على «الفيسبوك» نقلت الواقع الذي نعيشه في الميدان، ونفيت جميع شائعات الإعلام المصري عنا».
رفض حسين عبد الواحد الكسب من صور الثورة، وأقام معرضاً فوتوغرافياً هو وأصدقاؤه المصورون في ميدان التحرير في جمعة النصر، توثيقاً للأيام التاريخية، فكانت الصور على أعمدة الإضاءة وجدران وحوائط ميدان التحرير وعلى الأرض، مؤكداً أنه رغم الزحام فإن المحتفلين بجمعة النصر حافظوا على المعرض.
الروح الكوميدية في الثورة المصرية
اللافتات الاحتجاجية من أبرز صور الإبداع، سواء كانت بنقد لاذع للحكومة والرئيس المتنحي، أو برسوم كاريكاتيرية ساخرة من المسؤولين الفاسدين، أو لافتات تحمل مرارة الظلم مع طابع كوميدي.
ساعد على ظهور الروح الكوميدية في الثورة المصرية تشبث الرئيس الراحل بالحكم، رغم استشهاد المئات وإصابة الآلاف من الشباب برصاص وزارة الداخلية، بالإضافة إلى إطلاق الشائعات في الإعلام المصري للتشكيك في وطنية المعتصمين من الثوار في ميدان التحرير، فكانت الكوميديا وخفة الدم على اللافتات الاحتجاجية سلاح الثوّار الوحيد، ومنها «لافتة» الشاب الحديث الزواج الذي فضّل تمضية شهر العسل وسط المعتصمين عند اندلاع الثورة، فاعتصم في ميدان التحرير 15 يوماً، وحمل لافتة عريضة مكتوباً عليها «ارحل مراتي وحشتني متزوج منذ 20 يوم». وآخرون كانوا يحملون لافتات تطالب الثوّار بالضحك والابتسامة «اضحك الثورة تطلع حلوة».
ورداً على اتهامات المسؤولين السابقين للشباب بأنهم ذوو أجندات ممولة من الخارج، حمل الكثيرون لافتات مكتوباً عليها «أنا زهقت من الكنتاكي ارحمني وارحل».
أما الأطفال فكان لهم نصيب كبير في الاحتجاجات، كل منهم يحمل لافتة مكتوباً عليها «ارحل عندي مدرسة» أو «ارحل عندي حضانة»، أما من لم يتعدوا العامين فكانوا يحملون «ارحل رجلي وجعتني».
لم يكن ميدان التحرير موقعاً للثورة المصرية المطالبة بتغيير النظام وإسقاط الفساد والفاسدين فحسب، لكنه كان أيضاً شاهداً على إبداعات شبابية كثيرة في الشعر والغناء واللافتات والنكات أيضاً. فالمتظاهرون أمضوا 18 يوماً في الميدان لتتفجر مع ثورتهم حالات إبداع تلقائية. فما هي أبرز صور تلك الإبداعات؟ وماذا يقول صناعها؟
خطَّاط عند الحاجة
الجميع في الميدان كانوا يستغلون مواهبهم، فمنهم من يتميز بصوت قوي فيقود الهتافات، ومنهم الموهوب بالرسم فيرسم الكاريكاتور على اللافتات، ومنهم الموهوب في الأشعار والتأليف فتسيل الشعارات المبتكرة على لسانه.
ماجد إبراهيم كاتب شاب انضم إلى صفوف المتظاهرين يوم الخميس 27 كانون الثاني/يناير، واستغل هو أيضاً موهبته في الكتابة وألف العديد من الشعارات. ولم يكتفِ بذلك بل اصطحب سلاحه الفتاك إلى أرض المعركة «أقلام وورق مقوى»، وجلس على الأرض معلناً أنه «خطاط» متطوع، فتهافت عليه الثوّار ليحمل كل منهم لافته مختلفة.
ويقول ماجد: «كنت الشرارة الأولى لوجود الخطاطين المتطوعين، وتوالى بعدها الكثيرون، ورسموا على أرض الميدان شعارات الثورة وتكريمات الشهداء. ولكن أفضل ما رأيته في ميدان التحرير كان لافتة الشاب الذي ظهر فور تنحي الرئيس مبارك بابتسامة عريضة حاملاًً لافتة يقول فيها «ارحل يا ريس كنا بنهزر معاك إمضاء الكاميرا الخفية».
ويحضّر ماجد حالياً كتاباً يرصد فيه أحداث الثورة بعنوان «ثورة التوك توك».
الثورة الضاحكة
الشعر والغناء والكتابة ليست الإبداعات الوحيدة للثورة المصرية، بل إن النكات أحد أشكال ذلك الإبداع، فالشعب المصري المشهور بخفة الظل أطلق الكثير من النكات منذ بداية الثورة، مما جعل البعض يطلقون على ثورة مصر «الثورة الضاحكة».
فاعتراضاً من الشباب على ادعاء محمد البرادعي و«الإخوان المسلمين»أنهم مفجرو الثورة المصرية أطلقوا النكتة القائلة: «البرادعي وأحد الإخوان ورجل الأعمال أحمد عز راكبين سيارة مع سائق، وقال البرادعي: أنا لما بخطـب فى الناس يصفق لي مليون، فقال الإخواني :أنا لما بروح مسجد يصفق لي نصف مليون، قال أحمد عز: أنا لما بدخل الحزب الوطني يصفق لي ربع مليون، فقال لهم السائق: وأنا لو دخلت بكم في حائط الآن سيصفق لي 80 مليون».
زواج الثوّار
الإبداع وصل أيضاً إلى العلاقات الإنسانية، حتى أن هناك قصص حب وزواج ظهرت وسط الثورة، وكانت أكبر فرحة في بيت عائلة ثوّار التحرير هي عقد قران اثنين من الشباب وسط أكثر من مليوني متظاهر. وفور انتهاء المأذون من عقد القران علت زغاريد الأمهات في سماء الميدان وسط تكبيرات المتظاهرين مستبشرين لنصرهم بالحدث السعيد.
العريس لا ينتمي إلى أي حزب سياسي والعروس ناشطة سياسية، جمع الحب بينهما في التظاهرات فقررا الزواج يوم الأحد 6 شباط/فبراير تمضية وقضاء شهر العسل في التحرير وسط المتظاهرين، ليكملا مشوارهما الوطني مع رفقاء الدرب. وبدلاً من التقاط صورة الزفاف في استديو كما جرت العادة كانت صورة زفافهما أمام دبابات الجيش الموجودة في ميدان التحرير. ومنذ ذلك اليوم وأصبحت صورة الدبابة الصورة الرئيسية لأي عروسين في مصر، وأصبح ميدان التحرير النزهة الرئيسية لزيجات 2011 من أجل التقاط صور زفاف النصر.
في المقابل تزامنت فرحة تنحي الرئيس السابق مع زفاف شابين آخرين أقاما زفافهما بعد التنحي بخمسة أيام فقط، وأطلقا على زيجتهما اسم «الزيجة التي هزت عرش مصر»، وكتبا ذلك على دعوة الحفلة مسبوقاً بجملة «في السنة اللي خلعنا فيها مبارك جوزنا فيها أسامة وميار».
أما أغاني الحفلة فكانت على أنغام الأغاني الوطنية الشابة الحديثة، مثل أغنية محمد منير «إزاي» وأغنية محمد حماقي «بلدي بحبها»، بالإضافة إلى أغاني «راب» لمطربين شباب أفرزتهم الثورة.
أخلاق الميدان
وفي النهاية يجمع علماء النفس والاجتماع على أن الإبداع الحقيقي لثورة «25 يناير» تمثل في أخلاق الميدان، من حب للآخر والتخلي عن الأنانية. فجميع المتظاهرين كانوا يعيشون كأسرة واحدة، بالإضافة إلى روح العمل التطوعي التي طغت على الميدان، فحضر أطباء متطوعون لإسعاف الجرحى، وتطوع المتظاهرون وغيرهم من الشباب بعد فض الاعتصام لاعادة تنظيف ميدان التحرير وكوبري قصر النيل وتجميلها.
واللافت أنه بعدما كانت مصر تسجل أعلى معدلات التحرش يومياً في المواصلات العامة، لا سيَّما في التجمعات والأعياد، لم تُذكر حالة تحرش واحدة في صفوف المتظاهرين، حتى في التظاهرات المليونية التي كان يتعدى المتظاهرون فيها أكثر من 3 ملايين متظاهر في ميدان التحرير.