عائدون الى الدراسة بعد انقطاع طويل
علم إجتماع, مشكلة / مشاكل الدراسة, العودة إلى المدرسة, الصحافة المغربية, موسوعة غينيس, واللغة العلمية
12 أبريل 2011البعض ينتبهون متأخرين ويقررون العودة الى الدراسة بعد انقطاع طويل، فتواجه هؤلاء صعاب كثيرة، لكن إصرارهم وطموحهم يجعلانهم يتغلّبون على ذلك. لكن، ما هي الدوافع التي تجعل الانسان يقرِّر فجأة أن يعود تلميذاً في مرحلة متأخرة من العمر؟ وما الهدف من العودة الى تحصيل العلم؟ ذلك ما نحاول استجلاءه في هذا التحقيق الذي نبدأه بشهادات من مصر.
رحاب الطحان: أهداف اجتماعية وانسانية
أما رحاب الطحان، وهي ناشطة بمجال العمل الاجتماعي ومذيعة في راديو «حريتنا»، فعودتها إلى صفوف الدراسة كانت لأهداف اجتماعية وإنسانية.
تخرجت الطحان من كلية التربية والاقتصاد المنزلي عام 2000، وعملت فترة طويلة في التدريس، وكان لها نشاط اجتماعي منذ نعومة أظافرها. لذا قررت دعم مهاراتها في مجال العلاقات العامة والإدارة. تقول: «لاحظت في مجال العمل الاجتماعي وحقوق الإنسان أن كلاً منّا يعتمد على مهاراته الخاصة دون أن يصقلها، ونظراً لعشقي للعمل الاجتماعي قررت أن أكون أكثر تميزاً في الدراسة العلمية، فتقدمت إلى دراسة دبلوم علاقات عامة في كلية الإعلام.
ولا مانع من استكمال الدراسة حتى أحصل على الماجستير على الأقل، خاصة أن العمل الاجتماعي لا يقتصر على إدارة المشاريع الإنسانية للمؤسسات الاجتماعية، ولا حتى التخطيط لتلك المشاريع، بل يجب أن يكون الناشط الاجتماعي على دراية علمية بالعلاقات العامة والدعاية والإعلام، فضلاً عن دراسة طرق مخاطبة الجهات المانحة لتمويل المشاريع بأسلوب علمي دقيق حتى نتمكن من تنمية مجتمعنا بشكل صحيح».
ورغم أن الطحان مازالت في عامها الأول في دبلوم العلاقات العامة، وتشكو من المحاضرات المسائية وإجبار الطلاب على حضورها وصعوبة توافق ذلك مع عملها، فهي مصرة على الاستمرار، وتؤكد أن دراستها العلمية وحبها لجمعيتها الخيرية «أجيال رحاب الطحان» هما سر النجاح، خاصة أن الجمعية تعمل على رعاية جميع الأجيال، أطفالاً وشباباً ومسنين، بتقديم خبرة المسنين إلى الأطفال والشباب وتنمية الحس الاجتماعي لدى الشباب والأطفال برعاية المسنين، مؤكدة أن تلك الفترة تدعو إلى الاستفادة من جميع طاقات المجتمع.
د. ناهد نصرالدين: خذلتها الثانوية فعادت اليها ثم الى الجامعة
معهد السكرتارية لم يرضِ طموح الدكتورة ناهد نصر الدين أستاذة علم الجمال في كلية الآداب بجامعة القاهرة، فقد خذلتها الثانوية العامة والتحقت بمعهد سكرتارية تخرجت فيه عام 1973، فعملت موظفة في جامعة القاهرة. ونظراً الى عشقها لعلم الفلسفة ظلت دراسة الفلسفة تداعب خيالها حتى قررت العودة إلى المدرسة الثانوية، فذاكرت في المنزل وذهبت إلى المدرسة للامتحانات. وتمكنت من الحصول على مجموع يؤهلها لدخول كلية الآداب قسم الفلسفة، فتخرجت عام 1984.
ومن مؤهل فوق متوسط إلى مؤهل عالٍ تدرجت الدكتورة ناهد في السلم الوظيفي في جامعة القاهرة، فكانت كلما حصلت على مؤهل دراسي أعلى تحصل على ترقية. ثم قررت دراسة التربية وأسس التدريس، وتوضح السبب قائلة: في تلك المرحلة التي قررت الالتحاق خلالها بمعهد البحوث التربوية التابع لجامعة القاهرة كان أولادي في مرحلة لا بأس بها من الدراسة، ورغم أني كنت أتابعهم في المذاكرة كنت أشعر بأنني أفتقد الأسلوب العلمي في التدريس وإيصال المعلومة، فقررت الحصول على دبلوم في التربية والتدريس حتى أستطيع مساندتهم كما ينبغي. وبالفعل كنت خريجة أول دفعة من المعهد عام 1990، لكن حاجتي الى العلم لم تتوقف فسجلت الماجستير في الفلسفة وحصلت عليه عام 1996، وأتبعته بالدكتوراه عام 2003».
رغم طول المشوار الذي قطعته الدكتورة ناهد وإصرارها على النجاح، لم تستطع التدريس في كلية الآداب نظراً الى حصولها على الدكتوراه في سن أكبر من السن المسموح بها في بداية التدريس. وتحكي عن خوضها طريقاً جديداً في العلم قائلة: «لم أترك كبر سني يحبطني، فأنا أشعر بأن لدي طاقة وخبرة وعلماً يجب نقلها إلى الشباب، فاستثمرت خبرتي وعلمي في التدريب، ورجعت إلى صفوف الدراسة، وحصلت على دورات تدريبية في التدريب والتنمية البشرية والحاسب الآلي، فجمعت بين الفلسفة والتنمية البشرية والتكنولوجيا وأصبحت أعطي دورات تدريبية للشباب تابعة لوزارة الشباب ووزارة التضامن الاجتماعي. وهكذا حققت حلمي في العلم والتدريس ونقل خبراتي إلى الشباب، بالإضافة إلى تأليف العديد من الكتب».
وتؤكد الدكتورة ناهد نصر الدين أن سر نجاحها هو اقتناعها بأن لا يُغلق باب في وجه إنسان إلا وفتح الله له 100 بدلاً منه، وما على الإنسان إلا السعي لاكتشاف الأبواب المفتوحة، مشيرة إلى أن هدفها الأكبر حالياً هو مساندة الشباب عن طريق تثقيفهم، لذلك كونت جمعية مع بعض زملائها لمساندة البحث العلمي لدى الشباب.
فاطمة سليمان: عادت من أجل الماجستير
العمل في دنيا الصحافة كان يداعب مخيّلة فاطمة سليمان منذ دراستها الجامعية تخرجت في كلية الآداب قسم الفلسفة جامعة القاهرة عام 1997، وأصرّت على تحقيق حلمها. وعملت في عام دراستها الأخير محررة تحت التدريب في إحدى الصحف القومية المصرية، ثم تنقّلت بين العديد من الصحف الخاصة بعد التخرج. لكنها قررت العودة إلى مقاعد الدراسة لتحضير الماجستير في مجال الصحافة. وعن ذلك تقول: في البداية كنت أنوي تحضير دراسات عليا في مجال الفلسفة الإسلامية، ولكن بعدما دخلت مجال الصحافة، أردت أن أجمع بين الموهبة التي كان يشيد بها الجميع والدراسة، فقد كنت أصغر رئيس قسم في إحدى القنوات الخاصة قبل أن يمر عام على تخرجي في الجامعة...
الزواج اقتطع كثيراً من وقتي، ولكنني قررت عدم الاستسلام، فالعلم بالنسبة إلي حياة وأستمتع كثيراً عندما أتعلّم أشياء لا أعرفها. لذا تقدمت إلى اختبارات دبلوم الصحافة في كلية الإعلام، وبالفعل نجحت والتحقت بالعام الأول. إلا أن حملي بطفلي الثاني حال دون استمراري، فرعاية زوج وطفلة ومجهود الحمل بالإضافة إلى مجهود العمل كانت أموراً صعبة. لذا اعتذرت عن دخول الامتحان. وأعترف بأن تحقيق التوازن بين العمل والأسرة والدراسة في تلك الفترة كان ضرباً من المستحيل. وبعد خمس سنوات من الاعتذار عن دبلوم الصحافة عدت اليه، وعدت إلى العمل في قسم الصحافة الإلكترونية في إحدى المؤسسات الصحافية».
وتؤكد فاطمة أنها عاشقة لهذا النوع من الصحافة وأنها كانت مؤمنة منذ بداية الصحافة الإلكترونية بأنها المستقبل. وتتابع: «بالفعل حصلت على دبلوم الصحافة في عامين. وأهم ما كان يدفعني إلى الاستمرار والنجاح بتقدير هو رغبتي في استكمال الماجستير، لأن حصولي على الماجستير في علوم الإعلام كان شرطه اجتياز دبلوم الإعلام بتقدير جيد على الأقل. والدبلوم كان يشترط الحضور والدراسة كانت صعبة إلى حد كبير، فبدأت أغيّر نمط حياتي وتخلّيت عن قيادة سيارتي في الذهاب إلى العمل حتى أستغل وقت المواصلات في القراءة والإطلاع بهدف ان أحصل على أعلى تقدير ممكن. كما كوّنت فريقاً للعمل مع زملائي وكل منا تعهد تلخيص مادة معينة لنتبادلها في النهاية. أما وقت المذاكرة لديَّ، فكنت أستغلّه عند الطهو أو الغسل وأعلّق الأورق أمامي على الحائط وأحفظ وأردد مع نفسي».
الدراسة عن بعد
بعدما تذوقت فاطمة طعم النجاح وحصلت على تقدير عالٍ وكرمتها الجامعة لأنها من أوائل الدفعة، دفعها زملاؤها الى مواصلة مسيرة العلم ليكونوا فريق عمل أكثر نجاحاً. هكذا تقدمت إلى الماجستير، وتقول: «وجدت أن الماجستير في حاجة إلى تفرغ أكثر في حين أن أولادي كانوا في حاجة إليّ لمتابعتهم في الدراسة. حينها أحسست بفداحة الظلم الواقع على المرأة المصرية التي لا يتوافر لديها امكان الدراسة عن بعد كما هو الحال في الدول المتقدمة، بل على المرأة المصرية أن تختار ما بين تحقيق ذاتها ونجاحها وبين استقرار عائلتها، فاخترت عائلتي وتركت الدراسة لمدة عامين من جديد. ولحسن حظي أعلنت كلية الإعلام في جامعة القاهرة لأول مرة عن الماجستير الإلكتروني وهو يعتمد على التعليم عن بعد والتواصل مع الأساتذة عبر الإنترنت، فكان ذلك أفضل اختيار لي. والجميل في الأمر أنه ماجستير في علوم الإعلام كلها ولمدة عامين فقط، وأنا الآن في عامي الأخير وأعّد لمناقشة الرسالة حتى أتابع الدكتوراه».
وتضيف فاطمة التي أخذت طريقاً سريعاً في التّرقي في عملها بفضل إصرارها على استكمال الدراسة وأصبحت «مساعد رئيس مواقع الإنترنت» في دار التحرير والنشر: «أتمنى من الله أن يمنحني الصبر حتى أظل أجهد وأوفق بين عملي ودراستي ومنزلي، فزوجي حتى الآن مندهش من قدرتي على المواصلة دون إخفاق في أي جانب. وأتساءل لماذا لا تهتم مؤسسات التعليم في مصر بإدراج جوانب مهمة من التنمية البشرية في التعليم مثل إدارة الوقت؟ فتلك المسألة كانت عائقاً كبيراً أمامي. وظللت أسأل جميع أساتذتي كيف أدير وقتي بطريقة صحيحة حتى أستمر في النجاح، ولماذا أيضاً لا يتوافر في مصر التعليم عن بعد حتى يمكن لجميع النساء تحقيق أحلام العودة إلى الدراسة؟ فالنجاح لا يقتصر على المرأة وحدها بل يشمل أسرتها أيضاً حتى وإن لم تكن عاملة.
ناصر عبدالحفيظ: عشق الفن هو الحافز
ناصر عبد الحفيظ فنان شاب حلم بدخول عالم الفن كان يداعب أفكاره منذ كان في الثانوية العامة، لكن أهله رفضوا، خاصة أنه من صعيد مصر، وثقافة الجنوب المصري ترفض دخول أولادها عالم الفن، فاستكمل دراسته الجامعية في كلية الآداب قسم التاريخ والحضارة. إلا أن الفن ظلّ يداعب مشاعره وأحلامه بعد التخرج في الكلية، فسافر إلى القاهرة وعاد إلى مقعد الدراسة بعد الانقطاع عنها. يقول: «أعشق القراءة والفن خاصة النقد الفني. وفي المرحلة الثانوية كتبت نقداً لمسرحية، كما حصلت على جائزة أفضل مؤلف شاب من مركز إعداد القادة التابع لوزارة الشباب والرياضة.
حينها نصحتني الدكتورة نهاد صليحة، وكانت عميد المعهد العالي للفنون آنذاك، بدراسة النقد الفني، إلا أن والدي رفض استكمال دراستي في مجال الفن وأجبرني على الدراسة الجامعية التقليدية، فتخرجت في كلية الآداب، لكنني لم أستطع العمل بتلك الشهادة بعد تخرجي فرجعت إلى الدراسة وسافرت إلى القاهرة لألتحق بأكاديمية الفنون وأدرس النقد الفني. وعندما علم والدي قطع عني المصروف، فاضطررت للبحث عن عمل الى جانب الدراسة، وساعدني الكاتب الكبير إبراهيم أصلان في ذلك وسمح لي بكتابة مقالات نقد فني في جريدة «الحياة» الدولية».
ويتابع: «دراستي للنقد أفادتني كثيراً بعد ذلك في العمل كممثل، وعملي أثناء الدراسة كمساعد مخرج صقل موهبتي أيضاً. وأحمد الله أن عودتي إلى صفوف الدراسة هي التي فتحت أمامي الباب كي تظهر موهبتي بشكل جيد، وبالفعل شاركت في العديد من الأعمال مثل مسرحية «قطط الشارع»، ومسلسل «ناصر» وغيرهما».
نبيل أحمد: أعتزم دخول موسوعة غينيس
قالوا إن الفنون جنون، وعشق نبيل أحمد للفن والرسم والزخرفة والديكور جعله يسعى لمعرفة شتى أنواع الفنون، ويعود إلى صفوف دراسة الإعلام بعد انقطاع عن الدراسة استمر خمس سنوات معتبراً ان الإعلام هو أحد فروع الفن.
يحكي نبيل عن دوافعه للعودة إلى الدراسة قائلاً: «تخرجت في كلية الفنون الجميلة قسم تصميم داخلي وديكور عام 2004، وأثناء الدراسة حصلت على دورات تدريبية عديدة في الخط العربي، فأنا عاشق للفنون وأحب أن ألم بجميع مجالاتها، كما حصلت على دورات تدريبية في الغرافيك. وبعد التخرج عملت في التدريس في القطاعين الخاص والعام، كما عملت اختصاصي الأنشطة الفنية في جمعية الرعاية المتكاملة، ومدرب الورش الفنية في الإدارة العامة للمساعدات الثقافية. وعملت أيضاً مدرّباً في دار الأوبرا المصرية وأعطيت دورات تدريبية في الرسم. وأنا أثق بأن دراستي المختلفة لجميع مجالات الفن هي سر تميزي، ولأنني أسعى وراء طموحي دائماً قررت الالتحاق بدراسة الإعلام من صحافة وتلفزيون وعلاقات عامة بالتعليم المفتوح».
ويضيف: «أثق دائماً بأن العلم هو سلاح الإنسان، وأن السعي وراء العلم هو سر النجاح، وقد اخترت دراسة الإعلام بدلا من تحضير دراسات عليا في مجالي، لأنني أرى أن الإعلام فن، فأنا أحب أن أتعرف على الإخراج الصحافي للصحف والمجلات عن قرب، ولأنني فنان في الأصل أستطيع أن أضيف لمسة متميزة. ودراستي للتلفزيون تقرّبني أكثر من الإبداع في مجال ديكور الاستديو، وهذا فن في صميم مجالي. أما العلاقات العامة، فأنا في أشد الحاجة إليها من أجل الترويج لمشاريعي الفنية. ورغم أنني مازلت في العام الثاني في الدراسة لا أنكر أن دراستي للإعلام ساعدتني كثيراً في التخطيط للحملة الإعلامية التي قمت بها للإعلان عن مشاركتي في «محكى القلعة» الثقافي بتصميم وتنفيذ أكبر مصحف في العالم مكتوب يدوياً، واعتزامي دخول موسوعة غينيس.
نظرة اجتماعية
يؤكد أستاذ علم الاجتماع الدكتور رفعت عبدالباسط، أن المجتمع يقدّر طلّاب العلم في الكبر ويحترمهم، خاصة أنه كلما ازداد الإنسان علما ازداد تواضعاً، وهذا يكون واضحاً في كبار السن أكثر من الشباب الذين يغلب على بعضهم الغرور نظراً الى صغر سنهم.
ويشير أستاذ علم الاجتماع إلى أن التنشئة الاجتماعية الصحيحة التي تحث الإنسان على المعرفة الدائمة وتعلّم كل جديد هي التي تدفع الإنسان إلى العودة إلى صفوف الدراسة مهما طال الانقطاع. وأوضح أن التنمية لا تتم إلا بالعلم الذي ينعكس على الأخلاق، فالمجتمع الذي يشكو من ضعف القيم يشكو من تدهور التعليم.
ويحث عبدالباسط النساء بصفة خاصة على الاهتمام بالتعليم وتطوير الذات ولو بأخذ دورات تدريبية كل فترة، حتى لا تجد المرأة فجوة زمنية كبيرة بينها وبين أولادها، لأن الجيل الصغير حالياً لديه الكثير من المعلومات وبارع في التكنولوجيا... فالأم مدرسة إن أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق.