مصر: نساء من القصور إلى شبح السجون
سلمى المصري, جمعيات خيرية, هشام طلعت , حبس / سجن, سوزان مبارك, المرأة المصرية / نساء مصريات, محاربة التزوير
20 يونيو 2011لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع يوماً أن تقف «هوانم» مصر، وسيدات المجتمع، أمام قاضي التحقيق ليواجهن اتهامات قد تقودهن إلى السجن لسنوات، ومن كان يتخيل أن تظل السيدة الأولى (سابقاً) سوزان مبارك، رهن الحبس ثلاثة أيام بتهمة الكسب غير المشروع قبل إخلاء سبيلها موقتاً؟
«لها» ترصد أسرار ملفات التحقيقات مع كبار سيدات المجتمع المصري، اللواتي مازلن يعشن جميعاً كابوس السجن... سوزان مبارك، وهايدي راسخ زوجة علاء مبارك، وخديجة الجمال زوجة جمال مبارك، وشاهيناز النجار سيدة الأعمال وزوجة أحمد عز، أشهر رجال السياسة في عهد الرئيس المصري السابق، وإلهام وكارولين زوجتا حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق، وزينب عبد اللطيف زوجة رئيس الوزراء المصري الأسبق أحمد نظيف، كلهن تم الإفراج عنهن موقتاً على ذمة القضية، لكن لا يزال كابوس مصادرة الأموال والحبس والمصير المجهول يطاردهن!
المشهد يكاد يتكرر، سيارات فارهة تتوقف أمام مبنى وزارة العدل في ميدان لاظوغلي، حيث يقع مقر جهاز الكسب غير المشروع، لتنزل من السيارة إحدى السيدات واضعة نظارة شمسية لإخفاء ملامحها، وحولها يسير العديد من «البودي غارد». وتمضي ساعات قبل أن تغادر هذه السيدة جهاز الكسب غير المشروع، وهي تمسح دموعها وتهرب من عدسات الكاميرات!
جميع زوجات المسؤولين الكبار وبناتهم خضن هذه التجربة، إلا السيدة سوزان ثابت صالح (70 سنة)، قرينة الرئيس المصري السابق حسني مبارك، فقد اعترضت أجهزة الأمن على إحضارها إلى جهاز الكسب غير المشروع في القاهرة لخطورة الوضع أمنياً، فقرر قاضي التحقيق المستشار خالد سليم الانتقال إليها في مستشفى شرم الشيخ، حيث يقيم زوجها الرئيس السابق حسني مبارك، للتحقيق معها قبل أن يتخذ قراراً بحبسها 15 يوماً. لكن المستشار عاصم الجوهري مساعد وزير العدل، ورئيس جهاز الكسب غير المشروع، قرر إخلاء سبيل سوزان مبارك دون أن يغلق ملف القضية.
يقول الجوهري إنه يتم حالياً فحص ثروات أسرة مبارك خارج البلاد، وإذا ثبت وجود أرصدة لسوزان مبارك فسيتم استدعاؤها مرة أخرى للتحقيق معها!
حديث الجوهري يؤكد أن خطر السجن مازال يتهدد زوجة الرئيس السابق، خاصة أنه تمت مواجهتها بممتلكاتها في مصر فقط، وهي أرصدة تبلغ 20 مليون جنيه في حساب خاص بها في البنك الأهلي، وفيلا في منطقة العروبة في مصر الجديدة، وهذه الممتلكات كانت وراء قرار حبسها الذي صدر في بدء التحقيقات، لكن وكيلها المحامي فريد الديب قدم مستندات تؤيد كلامها، مؤكداً أن حسابها البنكي كان يخص الجمعيات الخيرية التي ترأسها.
وأثبتت زوجة مبارك أنها كانت تنفق من أرصدة هذا الحساب على أعمال الخير، مثل التبرع لمستشفى السرطان، وجمعية الدكتور مجدي يعقوب، ومستشفى عين شمس التخصصي. وتنازلت في النهاية عن الحساب. وأثبت فريد الديب أن قصر العروبة لا تملكه سوزان مبارك، بل جهة سيادية.
ورغم الإفراج عن سوزان مبارك، فإن أحد المواطنين قدم بلاغاً اتهمها بالتزوير في بعض طلبات التوثيق في الشهر العقاري بهدف إخفاء ممتلكات أخرى، ولا يزال التحقيق مستمراً. وفي نيابة الأموال العامة يتم التحقيق أيضاً في بلاغات ضد قرينة الرئيس السابق، لكونها أنشأت حديقة ضخمة في منطقة القاهرة الجديدة بأموال شركات النفط الحكومية، وخصصت دخلها لجمعية مصر الجديدة التي ترأسها ولا تخضع لأي رقابة.
تقارير
لم تسلم زوجة أحمد نظيف، رئيس الوزراء الأسبق، من الاتهامات، فقد أكدت تقارير الأجهزة الرقابية تضخم ثروات زينب عبد اللطيف، وتم استدعاؤها لمواجهتها بهذه التقارير فأكدت أن معها ما يثبت شرعية كل ممتلكاتها، وأنه لا علاقة لها بثروات زوجها المحبوس.
وتكرر السيناريو نفسه، فوقعت زينب إقرارات بثلاث لغات لكشف سرية حساباتها، وأخلي سبيلها على ذمة القضية...
ولكن ملف سيدات المجتمع لم يغلق بعد، فهناك تحقيقات مع هناء وحنان، ابنتي الدكتور فتحي سرور رئيس البرلمان السابق، وعبلة فوزي زوجة أحمد عز، وكارولين الألمانية زوجة حبيب العادلي، وأخريات... وجميعهن يطاردهن شبح السجن في حال ثبوت اتهامات الأجهزة الرقابية لهن بإخفاء ثروات أزواجهن وآبائهن.
يقول المستشار عاصم الجوهري إن المتهم بريء الى حين ثبوت إدانته، وان إخلاء سبيل زوجات المسؤولين وبناتهم لا يعني أنهن بريئات، ولكن لجان الفحص تعمل الآن للتأكد من صحة المستندات، وفي حالة التأكد من وجود مصادر غير مشروعة لدخلهن فستتم إحالتهن على المحاكمة.
ويقول المحامي فريد الديب إن السيدة سوزان ثابت لا يوجد ما يدينها، وكذلك هايدي راسخ وخديجة الجمال، وقد قدمن المستندات التي تؤكد مشروعية ثرواتهن، وتقوم لجان الفحص بالتأكد من مدى صحة هذه المستندات.
ولم تستبعد مصادر قضائية استدعاء زوجات المسؤولين وبناتهن مرة أخرى إلى التحقيق، في ظل ورود بلاغات جديدة تتهمهن بالفساد والثروة غير المشروعة.
المسؤول الأول
ربما كان زوجها هو الأكثر شهرة من بين كبار المسؤولين السابقين، وقد حمّله الخبراء المسؤولية الكبرى في انهيار حكم الرئيس المصري السابق، ولهذا السبب كان الاهتمام منصبّاً على موعد التحقيق مع سيدة الأعمال الشهيرة شاهيناز النجار، عضو البرلمان السابقة، وزوجة رجل الأعمال المحبوس أحمد عز، والتي تملك مليارات الجنيهات في البنوك بالإضافة إلى عقارات واستثمارات.
وتركّز التحقيق على ثروات زوجها أحمد عز، والسؤال عما إذا كان يخفي ثرواته داخل أرصدتها وممتلكاتها. وتولى التحقيق معها المستشار خالد سليم، القاضي الذي يحقق مع الرئيس السابق وأسرته. وأثناء التحقيقات التي استمرت ست ساعات قدمت شاهيناز النجار 26 حافظة مستندات تتضمن ما يثبت أن جميع الممتلكات التي بحوزتها لم يكن لأحمد عز علاقة بها، وإنها كانت تملك ثروة طائلة قبل زواجها منه.
وقدمت شاهيناز أيضاً ما يؤكد أن عز لم يكتب ثروته لها. وقررت أجهزة التحقيق صرف شاهيناز موقتاً من سراي الكسب غير المشروع، مع استمرار منعها من السفر والتصرف بممتلكاتها، الى حين انتهاء خبراء اللجان الفنية من فحص ممتلكاتها والمستندات التي قدمتها.
المثير أن تحقيقات جهاز الكسب غير المشروع أكدت وجود زوجتين لحبيب العادلي وزير الداخلية السابق، منهما الإعلامية إلهام شرشر، طليقة رجل الأعمال أشرف السعد صاحب قضية توظيف الأموال الشهيرة، والتي تمت مواجهتها بتقارير جهاز الرقابة الإدارية التي أكدت أن العادلي كتب لها شققاً وفيلات وأراضي.
وعلى مدار ساعتين دافعت إلهام عن نفسها أمام المستشار صفوت طرة وأكدت أنها تعمل في جريدة «الأهرام» وكانت تملك ثروة قبل زواجها من وزير الداخلية الأسبق، ونفت أن يكون العادلي قد كتب لها هذه الممتلكات.
وقرر المستشار عاصم الجوهري إخلاء سبيلها بعدما وقعت ثلاثة إقرارات، بالإنكليزية والعربية والفرنسية، للكشف عن سرية حساباتها خارج مصر، وتم تكليف اللجان الفنية بفحص المستندات.
هايدي الأغنى!
لم يختلف الأمر كثيراً مع هايدي راسخ، زوجة علاء مبارك، وخديجة الجمال، زوجة جمال مبارك، فقد استدعيتا إلى جهاز الكسب غير المشروع في ساعة متقدمة من الليل بعيداً عن كاميرات الصحافة والفضائيات.
ويقول المستشار عاصم الجوهري، رئيس جهاز الكسب غير المشروع، لـ«لها» إن التحقيق مع هايدي وخديجة لم يشمل مواجهتهما فقط بثرواتهما، ولكن لإرشاد أجهزة التحقيق الى بعض مصادر دخل زوجيهما علاء وجمال.
وقرر الجوهري إخلاء سبيل هايدي وخديجة من جهاز الكسب غير المشروع على ذمة القضية، وذلك بعد ثماني ساعات تحقيق متواصلة، تم خلالها استعراض تقارير جهاز الرقابة الإدارية التي حصرت ثروتي هايدي وخديجة. وتبيّن أن هايدي راسخ، ابنة رجل الأعمال الهارب مجدي راسخ، هي الأكثر ثراءً، والمفاجأة أن هايدي نفسها أكدت أن التقارير الرقابية أغفلت جزءاً من ممتلكاتها، وأبدت استعدادها التام للكشف عن بقية ثرواتها في البنوك داخل مصر وخارجها.
وأوضحت أنها لم تستفد من زوجها علاء، نجل الرئيس السابق، بل كسبت جزءاً كبيراً من ثروتها من والدها، وهذا ما أكدته أيضاً خديجة الجمال. لكن التحقيقات كشفت وجود أرصدة كبيرة في حسابات خديجة وهايدي تحتاج إلى تفسير، ووقعت زوجتا علاء وجمال إقرارات بكشف سرية حساباتهما خارج مصر. وتعهدتا تقديم مستندات إضافية تكشف حقيقة ثرواتهما، والمثير أن مباحث الأموال العامة كشفت حصول هايدي راسخ على شقة بمساحة 1200 متر في فندق فورسيزونز الذي يملكه رجل الأعمال هشام طلعت المحبوس بتهمة قتل المطربة سوزان تميم. وأكدت التقارير الرقابية أن هايدي استغلت نفوذ زوجها لتحصل على هذه الشقة بمبلغ مليون و600 ألف دولار فقط، رغم أن سعرها الحقيقي خمسة ملايين دولار، واكتفت بدفع مليون دولار، فيما سدد هشام طلعت بقية المبلغ ليضيع على الدولة ما يقرب من ثلاثة ملايين دولار.