عادات وتقاليد في رمضان...
السفارة الباكستانية في بيروت,عادات وتقاليد,شركة صوت القاهرة,دمشق,مساجد,ليلى طرابلسي,شهر رمضان,إسطنبول
08 أغسطس 2011تستقبل المدن الإسلامية والعربية شهر رمضان بسعادة عارمة، وترصّع مساجدها وشوارعها وحاراتها بالزينة والرايات المرحّبة بهذا الشهر، فكأنما كل ما مرّ عليها خلال أشهر السنة ليس إلا محطة انتظار زمنية يتوق من يجلس فيها إلى قدوم رمضان. بين اسطنبول وبيروت والقاهرة ودمشق اختلفت تفاصيل العادات والتقاليد وتفرّدت كل واحدة من هذه المدن بتقليد خاص في الاحتفال برمضان، ولكن الجامع بينها التعبّد لله والصلاة وسيادة الشعور بالسعادة مهما كانت طبقة الصائم الاجتماعية.
في اسطنبول زيارة جامع «الخرقة النبوية الشريفة» تقليد لا يفوّته الأتراك
في رمضان تطغى على اسطنبول روحانية هذا الشهر وبركته في مظاهر الحياة على اختلافها. فتستقبل اسطنبول الشهر بتزيين منارات مساجدها، وترفع الرايات المرحّبة برمضان. ويزدحم سوق العطّارين الذي يعدّ أكبر أسواق اسطنبول وأقدمها بالمتسوقين الذين يبتاعون ما لذّ وطاب ليعمّروا به موائد الإفطار. ومساء تشهد المساجد ازدحام المصلين لأداء صلاة التراويح. ويعدّ جامع السلطان أحمد المعروف بـ«الجامع الأزرق» من الجوامع التي يتوافد عليها المصلّون بكثرة خصوصًا لإحياء ليلة القدر.
ويقام في الجامع الأزرق معرض ضخم للكتب الإسلامية يبدأ في اليوم الأوّل من شهر رمضان ويستمر حتى نهايته، وتبدأ نشاطات هذا المعرض بعد صلاة المغرب، إذ يتوافد آلاف المصلين نساء ورجالاً إلى ميدان السلطان أحمد لأداء صلاتي العشاء والتراويح ثم يتجوّلون في معرض الكتاب الموجود في الصحن الداخلي للجامع.
وتعدّ زيارة جامع «الخرقة النبوية الشريفة» وإلقاء نظرة على عباءة الرسول صلى الله عليه وسلم من أشهر مظاهر شهر رمضان عند الأتراك. فقد حُفظت الخرقة النبوية الشريفة منذ تشييد الجامع عام 1853 وكان قد نقلها السلطان سليم من الحجاز إلى اسطنبول أثناء حكمه للدولة العثمانية، وكان السلطان عبد الحميد الثاني قد سمح في ما بعد بفتح صندوق الخرقة لعرضها على المواطنين في شهر رمضان.
إذ يفتح باب مكان الأمانة الشريفة للعامة في النصف الثاني من الشهر الفضيل فقط، وفي كل عام يتوافد الآلاف من الأتراك من جميع أنحاء البلاد لرؤيتها والتبرك بها، وقد نُظمت مواعيد الزيارة لتتمكن كل الوفود والحشود القادمة من مشاهدتها، وتخصص ساعات النهار قبل موعد أذان المغرب للرجال، أما النساء فتكون زيارتهن في الليل، وتقوم حافلات الجمعيات الخيرية بعد انتهاء النساء من زيارة الجامع بإعادتهن إلى أقرب نقطة من أمكنة إقامتهن. وعادة ما يصاحب فترة زيارة جامع الخرقة الشريفة إقامة سوق، تباع فيه الكتب والملابس الشرقية والحلويات والسبحات وأغطية الرأس، كما يسمح للناس في رمضان بزيارة حجرة الأمانات المقدسة الموجودة في قصر توبكابي والتي تحتوي على مقتنيات للرسل والأنبياء والصحابة.
القاهرة فوانيس تضاء وجوامع تزدحم بالمصلين
تعيش القاهرة بشوارعها وأزقتها بركة شهر رمضان الكريم. ويستقبل سكان المدينة هذا الشهر الفضيل بسرور ينعكس في عاداتهم وتقاليدهم، فترتدي قاهرة النعمان ومدينة الألف مئذنة أطواق أنوار الزينة الليلية المرصّعة بالفوانيس الرمضانية، وتمدّ الحبال بين البيوت المتقابلة في الأحياء القديمة لتتدلّى منها الفوانيس والرايات المرحّبة بشهر رمضان، وكأنها رمزٌ للترابط الاجتماعي بين سكان المدينة، وتتوّج هذا المشهد تراتيل صلاة التراويح التي تصدح من المآذن بعد صلاة العشاء. وتختلط الشعائر الدينية بروائح المسك والعنبر، وتعمّ الاحتفالات في الأحياء القديمة والحديثة، فتجد الأطفال يحملون الفوانيس ويرددون الأهازيج والأناشيد الرمضانية التقليدية. ويتبادل المصريون خلال رمضان تحية «رمضان كريم» التي تُرد «رمضان أكرم». ولهذه التحية معنيان، الأول مرتبط بالكرم الإلهي الذي يغمر المسلمين، فتُغفر لهم الذنوب والخطايا في رمضان، والمعنى الثاني الكرم المادي حيث تعمر موائد الإفطار بما لذّ وطاب ببركة رمضان.
وفي اليوم الأول من رمضان يتناول أفراد العائلة الإفطار في منزل الجدين، تأكيدًا لصلة الأرحام. ومن العادات الرمضانية أنه بعد أذان المغرب يتناول الصائمون عصير قمر الدين أو غيره من العصائر، ثم يؤدي الجميع صلاة المغرب، وبعدها يتناولون وجبة الإفطار.
وفي رمضان تعجّ المساجد بالمصلين لأداء صلاة التراويح، غير أن جامع عمرو بن العاص وهو أول مسجد بُني في مصر، يستقطب أكبر عدد من المصلين الذين يصل عددهم ليلة القدر إلى ما يقرب نصف مليون من مختلف الأعمار، حيث تمتلئ الشوارع والأزقة المحيطة به بالمصلين الذين يأتون من مختلف مدن مصر، فيبدو المشهد رائعًا.
في دمشق لكل عشرة أيام من رمضان مقولة
تنفرد دمشق بتقاليد مميزة إذ يمارس أهلها عادات قديمة وعريقة في رمضان توارثوها عن أجدادهم. فهم يستيقظون فجر كل يوم على مدفع السحور ونداء المسحراتي، ويدعى شعبيًا «أبو طبيلة»، الذي يتجول في الأحياء الشعبية داعيًا بصوته الشجي وقرع طبلته الصائمين لعبادة الله وقيام الليل وإعداد وجبة السحور.
وهناك مثل سائد يردده الدمشقيون عن رمضان وهو: «العشر الأول من رمضان للمرق» أي الاهتمام بإعداد وجبات الإفطار، «والعشر الأوسط للخرق» أي شراء ثياب العيد، و«العشر الأخير لصرّ الورق» أي الانهماك بإعداد حلوى العيد. كما تزدحم الأسواق خاصة في العشر الأخير من رمضان مثل سوق الحميدية والبزورية وخان الجمرك وغيرها من الأسواق العتيقة.
وفي شهر رمضان يشدّد الدمشقيون على توطيد أواصر القربى وصلة الأرحام ويتبادلون الزيارات العائلية بعد العشاء، أما الأغنياء والميسورون وكذلك متوسطو الحال فيجمعون التبرّعات والهبات ليوزّعوها على الفقراء.
في طرابلس اللبنانية زيارة الأثر النبوي والتبرّك به، في بيروت سيبانة رمضان تقليد قديم لم يندثر مع الزمن
لشهر رمضان في لبنان عادات وتقاليد دينية واجتماعية وثقافية تكاد تكون نفسها في كل مدنه، ويعود بعض هذه العادات والتقاليد إلى مئات السنين، ومعظمها مرتبط بحقب تاريخية. فمن عادات سكان مدينة طرابلس في شمال لبنان خلال رمضان زيارة الأثر النبوي في جامع المنصوري الكبير، وهو عبارة عن شعرة واحدة من لحية النبي محمد (صلعم)، حيث يأتي المؤمنون لتقبيل هذا الأثر الشريف والتبرّك به. ويقال إن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني أهدى الطرابلسيين هذا الأثر الشريف، مكافأة لهم لأنهم أطلقوا اسمه على أحد جوامعها والذي يعرف اليوم بالجامع الحميدي، وقد اتفق علماء المدينة على وضعه في الجامع المنصوري الكبير لأنه أكبر جوامع المدينة. كما تمتاز طرابلس بتقليد خاص في استقبال شهر رمضان حيث تقوم فرق من الصوفية قبل حلول الشهر بجولات في شوارع المدينة ويردّد أفرادها الأناشيد والمدائح النبوية لتحضير الناس وتهيئتهم للصوم.
أما في بيروت، فمن عادات سكانها «سيبانة رمضان»، وهي عادة بيروتية قديمة لا تزال قائمة حتى اليوم، وكانوا يسمّونها «استبانة رمضان» أي تبيان لحقيقة حلول شهر الصوم، فيخرج الرجال مساء إلى الأماكن المرتفعة بصحبة المشايخ الثقاة ليلة الثلاثين من شعبان لتحرّي هلال رمضان، فإذا ثبتت عندهم الرؤية توجهوا إلى المحكمة الشرعية للإدلاء بشهادتهم، عند ذلك تطلق المدافع من السراي الكبير إعلانًا ببدء الصيام. ومع مرور الزمن حرّفت اللفظة إلى سيبانة رمضان، وأصبحت تقليدًا لدى العائلات البيروتية إذ يتوجّهون إلى شواطئ بيروت في مناطق المنارة والروشة وفي مناطق المتنزّهات مثل حرج بيروت حيث يتناولون الطعام في الهواء الطلق مودّعين شهر شعبان.
ومن التقاليد العامة في لبنان «مدفع رمضان» وهو تقليد عرفه اللبنانيون منذ العهد الفاطمي، وقد ابتدعه القيّمون لتنبيه الناس إلى وقت الإمساك وموعد الإفطار. ويتولّى الجيش اللبناني راهنًا مهمة القيام بهذا التقليد داخل المدن الرئيسية الكبرى، ويقضي بإطلاق ثلاث قذائف من النوع الخلّبي عند ثبوت شهر رمضان، ومثلها عند ثبوت شهر شوّال لإعلامهم بحلول عيد الفطر. وخلال الشهر تطلق قذيفة واحدة عند المغرب وأخرى عند الإمساك.
ويمضي اللبنانيون المسلمون نهار الصوم في العمل، وبعد صلاة العصر يتوجّهون إلى الأسواق لشراء احتياجاتهم من الخضر واللحوم والحلويات. وبعد صلاة العشاء والتراويح يغتنم اللبنانيون ليالي الشهر لزيارة الأقارب توطيدًا لصلة الأرحام. كما تشهد المساجد احتفالات يومية في رمضان حيث تتلى آيات من الذكر الحكيم وتقام حلقات الذكر وإنشاد المدائح النبوية.