قنبلة موقوتة إسمها: البطالة!
قلّة النوم, محاربة الإكتئاب, إنتحار, هجرة, سن اليأس, علم إجتماع, إدمان, ربّ العمل, تحرّش جنسي, الملل , بطالة
10 أكتوبر 2011ياسمين عبد القادر: تحرشات المدراء سبب بطالة الفتيات
في المقابل تؤكد ياسمين عبد القادر (29 عاما) أن أسباب البطالة لدى الفتيات أو النساء مختلفة تماماً، وتقول: «أنا خريجة كلية تجارة خارجية دفعة 2004، وتابعت دورات تدريبية في مجالات مختلفة، منها السكرتارية والحسابات والتنمية البشرية أيضاً، لتؤهلني لسوق العمل. وبالفعل عملت كثيراً إلا أن النظرة الذكورية إلى النساء في المجتمع العربي هي سبب بطالتي، فالمدير يعتبر السكرتيرة التنفيذية جارية لديه، مما ملكت أيمانه، ويحق له كل الحق الاستمتاع بها، سواء قبلت أو أبت. وتبدأ المقدمات بسلسلة من التحرشات الجنسية، وبالتالي أعيش في بطالة مستمرة، فهذا هو قانون الكثير من أصحاب القطاع الخاص، أما الحكومة فيومها بسنة كما يقولون فضلاً عن أن رواتبها لا تكفي».
حق الإنسان في العمل يكاد يعادل حقّه في الحياة، فمن دون عمل لا يستطيع الانسان أن يحقق ما ينطوي عليه من مواهب وطاقات، ولا يستطيع أن يؤمن أبسط حاجاته المادية والمعنوية، فإذا طالت فترة البطالة تقود الشباب الى الضجر واليأس اللذين يقودان بدورهما الى ادمان المخدرات الذي قد يؤدي الى الجريمة في حق الغير أو في حق المدمن نفسه. إن المجتمعات التي يكثر فيها عدد الشباب العاطلين عن العمل، لا يجب أن تطمئن الى أمنها ومستقبلها، فمشكلة من هذا النوع قد تؤدي الى انفجار لا تحمد عقباه. في هذا العدد تقدم«لها» صورة عن واقع البطالة في كل من مصر ولبنان.
قنبلة خطيرة توشك على الانفجار في وجه الجميع في مصر اسمها بطالة الشباب وإهدار طاقته، فلا أحد يعلم مدى الكبت والاكتئاب اللذين يعانونهما إلا ذويهم أو أقرانهم، أما المجتمع فلا يبالي بقضيتهم رغم الخطورة التي يواجهها.
وقد أكدت دراسة حديثة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر، أن البطالة تدفع الشباب إلى المواقع الإباحية على الإنترنت، وتزيد حالات الاغتصاب في مصر بصورة لا بد من الوقوف أمامها.
وأشارت إلى أن ما يُرصد إحصائياً بصورة رسمية لا يمثل سوى نسبة 5 في المئة من الحوادث، وأن الحالات الأخرى لا يتم التوصل إليها، إما لعدم الإبلاغ أو لأن الجريمة وقعت من أحد أقارب المجني عليها.
في موازاة ذلك، كشفت نتائج مسح «النشء والشباب في مصر» الذي أجراه مجلس السكان بالتعاون مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، أن حوالي 18 في المئة من الشباب يتطلع إلى الهجرة. كما أكدت دراسة للدكتورة عبير فضل، الباحثة في جامعة عين شمس، أن الفقر والبطالة أبرز أسباب عدم شعور الشباب بالانتماء إلى وطنهم.
الدكتورة عزة كريم: الهجرة غير الشرعية والإدمان والتحرش الجنسي وفقدان الانتماء أسوأ نتائج البطالة
من جانبها ترى الدكتورة عزة كريم، أستاذة علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن أسوأ نتائج تترتب على البطالة هي الهجرة غير الشرعية للشباب، إضافة إلى زيادة ارتكاب الشباب لجرائم مختلفة، فضلاً عن الإدمان والسرقة وتأخر سن الزواج والتحرش الجنسي، وعدم المواطنة وعدم الانتماء إلى المجتمع. وتقول: «كل النتائج السابقة للبطالة تؤدي إلى زيادة العنف في المجتمع، ونستطيع القول إن أكبر سبب لقيام الثورة المصرية هو بطالة الشباب الذين شعروا بأن الدولة تهمش حقوقهم وتتعامل مع أصحاب الأعمال بنظام رأس المال، فانفجروا وكانوا شرارة بداية الثورة».
وتؤكد أستاذة علم الاجتماع أن أسباب البطالة تكمن في عدم اهتمام الدولة بالشباب، وبالتالي الاستغناء عن قوة كبيرة من العمالة، فضلاً عن سوء أحوال التعليم الذي لا يخدم سوق العمل، لذا فإن الحل يكمن في تحسين جميع مراحل التعليم والتركيز على تعليم الشباب منهجاً علمياً لحل المشكلات، إضافة إلى فتح أبواب جديدة للاستثمارات.
كريم محمد: تخليت عن طموحي لأحارب ملل البطالة
هذا أيضاً كان حال كريم محمد (26 عاماً بكالوريوس تجارة دفعة 2008) طوال العامين اللذين لم يعمل فيهما، مؤكداً أن البطالة قتلت طموحه بعدما كان يتمنى العمل محاسباً في بنك، لكنه اصطدم بالبطالة على أرض الواقع ولم يجد عملاً كمحاسب في شركة صغيرة.
ويضيف: «الواسطة هي سبب بطالتنا، فهي أيضاً كانت سبب عملي منذ عام في مجال تركيب وإنشاء الألومنيوم، صحيح أنه ليس مجالي لكني وافقت عليه خشية أن يقتلني الملل من كثرة المكوث في البيت، فقد استطاع والدي بعد فترة كبيرة من المحاولات أن يقدم أوراقي في عمله وقبلوني، وبالفعل عملت في التركيبات أولاً ثم المبيعات. ولكن المرارة الحقيقة أني كنت أجد عمالاً أقل مني في المستوى العلمي ويسيئون معاملتي لأني جديد في المهنة».
تميم محمد: البطالة للغلابى
الواسطة كانت سبباً لعمل تميم محمد (28 عاماً، بكالوريوس حاسبات ومعلومات)، فهو نسيب كريم ونجح والد الاخير في إلحاق تميم بالشركة نفسها، فترك هو الآخر مجال دراسته وعمل في تركيب الألومنيوم.
ويقول تميم: «البطالة للغلابة الذين لم يستطيعوا تعليم أولادهم في مدارس لغات، فلا يعمل الآن في مصر إلا خريجو الجامعات الأميركية والبريطانية والفرنسية وهم الأثرياء الذين يدفعون بالدولار، لذا وافقت على هذا العمل بعد رحلة طويلة مع البطالة استمرت حوالي أربع سنوات. فبعدما مللت من الفراغ طرقت أبواب مهن لم أتوقعها، فعملت بائعاً في محل شعبي صغير وعملت «كاشير» في محل كشري صغير، حتى نجح خالي في إلحاقي بالشركة وتدرجت فيها من عامل تركيب وإنشاء إلى قسم المبيعات حتى وصلت إلى التصميم الخارجي للمنازل والقصور، وهذا كان بإصراري على النجاح، وقد تابعت دورات تدريبية عديدة في مجال التصميم وها أنا الآن محترف وتأتيني عروض للسفر وأنا أتأنى كي أختار أحسنها».
محمد جميل: أهرب من الملل بالنوم والجلوس في المقهى
«المقصود هو تهميش الشباب وقتل طموحهم ليبعدوا عن الحياة العامة أو يهاجروا بعيداً عن مصر، هذا هو السبب الرئيسي للبطالة التي نعيشها أنا وملايين من الشباب في مصر». هكذا بدأ محمد جميل (25 عاماً، بكالوريوس تجارة دفعة 2008) كلامه وأضاف: «أنتمي إلى الطبقة المتوسطة التي ترى أن التعليم هو ستر الزمان والضمان الوحيد لأبنائها، لذا لم أتعلم صناعة وأنا صغير، إلا أني وجدت الآن أنه لا يعمل إلا الحرفيون، أما الوظائف المتاحة أمامي فهي ضابط أمن براتب ضعيف لا يتجاوز الـ500 جنيه، وإضافة إلى ضعف الراتب أجدها مهنة مهينة لشاب يحمل مؤهلاً عالياً».
وبمرارة يصف حالته النفسية: «أنا الآن أنفق من معاش والدي المتوفى وسينقطع المعاش لأني تخطيت السن القانونية، فضلاً عن ذلك أعيش في ملل وفراغ قاتل، أهرب منه بالنوم طول النهار والجلوس مع أصحابي في المقهى ليلاً».
محمد نبيل: أتمنى السفر خارج مصر لأعمل ويا حبذا لو كانت هجرة
محمد نبيل، مدير مخازن في شركة خاصة، يفكر أيضاً في السفر ويتمنى الهجرة، نظراً إلى رحلته السيئة مع ظروف العمل. ويقول: «لم أتخيل يوماً أني سأظل آخذ مصروفي من أبي بعد تخرجي، وكنت أخجل كثيراً من هذا الأمر، مما دفعني إلى العمل في مهن لم أحبها. وعملت كحرفي أيضاً والسبب أني لا أريد أن أثقل كاهل والدي بأعبائي بعد التخرج من الجامعة، واستمررت في البحث عن عمل حتى عملت بقسم التصدير في الشركة التي أنا فيها حالياً، ثم مدير مخازن. ورغم أنها وظيفة لا ترضي طموحي المادي نظراً لضعف راتبها، ولا العملي لأنني غير مستقر نفسياً فيها، فإني لم أنلها إلا عن طريق الواسطة».
ويضيف بكل أسى ومرارة: «أتمنى السفر خارج مصر، فعملي هنا لا يسمح لي بالتفكير في الزواج ولا تأسيس أسرة، ولكن العائق الوحيد أمام سفري هو أنني أساند والدي في تربية إخوتي، فأنا الابن الأكبر وإخوتي صغار لا يُعتمد عليهم، كما أن أبي وأمي في حاجة إلى رعاية مني كابن، لذا فأنا أقف ممزق الوجدان».
مصطفى عادل: الواسطة هي السبب
ويتفق معه في الرأي مصطفى عادل، بكالوريوس تجارة دفعة 2008، قائلاً: «بسبب الوساطة نعيش البطالة حتى إذا عملنا فنحن مهددون بالتسريح في أي وقت... عملت بالمبيعات في سلسلة محلات كبرى خاصة ببيع الأجهزة التكنولوجية، الموبايل واللاب توب وغيرهما، ورغم حبي للعمل كان مديري المباشر سبباً لأن أتركه حتى يفسح الطريق أمام أحد أقاربه، خاصة أنن الأحدث في المكان، وبالفعل لم أسلم من مقالبه وتعنته معي، وقاومت فترة كبيرة حتى نفد صبري وتقدمت بالاستقالة».
ويضيف مصطفى: «هذا هو الحال في القطاع الخاص الذي هو ملاذنا الوحيد من البطالة، أما القطاع الحكومي فحدث ولا حرج، رغم وعود المسؤولين وتصريحاتهم بتوفير فرص عمل عديدة، علماً أنه لا يوقَّع عقد موقت فيه إلا بدفع رشوة».
الروبي عادل: خمس سنوات دون عمل هي الأسوأ في حياتي
الروبي عادل، يحمل مؤهلاً فوق متوسط، معهد حاسب آلي دفعة 2003، ولكنه لم يعمل إلا في 2008. يقول: «السنوات الخمس التي أمضيتها بلا عمل كانت أسوأ أيام مرت عليَّ في حياتي، ومهما قلت عنها تعجز الكلمات عن وصفها، حتى أني عملت بائعاً في محل لأقضي على الملل الذي كنت أعيش فيه وأشعر بالاستقلالية المادية التي كنت أحلم بها».
ويضيف: «المشكلة في مصر ليست البطالة وحدها، فهناك كارثة اسمها الواسطة وهي السبب الأساسي في بطالة جميع الشباب، حتى أنا لم أعمل «مدخل بيانات» في إحدى الشركات إلا بالواسطة».
نعمة عبد المنعم: لن أتنازل عن مؤهلي
وجهة نظر نعمة عبد المنعم (22 عاماً) التي تحمل إجازة في الآداب مختلفة، فهي ترى أنها يجب ألا تتنازل وتعمل في مهنة مختلفة عن مؤهلها الدراسي، وتقول: «درست في كلية الآداب قسم اللغة العربية، وليس لي حاجة في المجتمع، ولا يمكنني حتى العمل كمدرّسة لأن الراتب لا يكفي الانتقالات، أما المهن الأخرى المتاحة حالياً فهي بائعات في محلات الملابس، وأنا أرفض هذا المبدأ. وكي لا أثقل على والدي وأشغل فراغي فأنا مشتركة في شركة تجميل حالياً، وأسوِّق لمنتجاتها من المنزل لأصدقائي وعلى «الفيسبوك» وأكسب منها 400 جنيه شهرياً. صحيح أن هذا ليس عملاً ولكنني أجده متنفساً لي في الفراغ الذي أعيشه».
الدكتور هاشم بحري: الإنسان السوي نفسياً هو القادر على الحب والعمل والبطالة قد تؤدي إلى الانتحار
هناك قول علمي يؤكد أن الإنسان السوي نفسياً هو القادر على الحب والعمل، والحب هنا بكل معانيه حب الله والذات والآخرين. ووجد العلماء أيضاً أن من الأسباب التي تؤدي إلى الاكتئاب عدم شعور الإنسان بقيمته ودوره في الحياة، لذا فإن البطالة تصيب الشباب بالاكتئاب الذي قد يؤدي إلى الانتحار إذا تفاقم في مرحلة متأخرة منه. هكذا بدأ الدكتور هاشم بحري أستاذ الطب النفسي حديثه عن البطالة.
ويضيف: «العمل له قيمة شديدة جداً لا يقدرها إلا المحروم منها، فحتى ربة المنزل تعتبر امرأة عاملة، ولها دور يتمثل في مسؤوليتها عن المنزل وتربية أولادها، ومن هنا تشعر بقيمتها في الحياة. والبطالة تجعل الإنسان يفقد الثقة بنفسه وبالتالي يصاب باكتئاب، ويشعر بأن لا فائدة منه في المجتمع، وغير مرجو منه الدخول في أي علاقة، مما قد يدفعه في حالة متأخرة إلى الانتحار». ويرى بحري أن المشكلة التي يمر بها الشباب أنهم أمام نوعين من البطالة، الأولى في صورتها العادية، والثانية بطالة مقنّعة، حيث يوقع الشاب أحياناً استقالته مع عقد العمل في آن واحد، ومن هنا يحق لصاحب العمل طرده في أي وقت دون أدنى مسؤولية، وبالتالي يشعر الشاب بعدم الاستقرار والأمان طوال فترة عمله، سواء طالت أو قصرت، هذا فضلاً عن أن عمالة الأطفال الموجودة في مصر أحد أسباب بطالة الشباب والكبار.
ويؤكد أن البطالة آفة تهدد المجتمع، لأنها تؤدي إلى غضب شديد قد يخرج في شكل عدوان، فمن الممكن أن يكون العدوان خارجياً فيؤذي الشخص المحيطين به، أو عدواناً داخلياً فيؤذي نفسه بأي شكل وقد يصل إلى الانتحار، فضلاً عن ذلك فإن الإحباط لا يقتصر على الشاب، بل ينتقل إلى أسرته التي كانت تتمنى رؤية ثمرة كفاحها وترى ابنها في أفضل المناصب. إلا أن هناك حلولاً كثيرة لأزمة البطالة، على رأسها تنمية المشاريع الصغيرة للشباب.