أسيرات فلسطينيات محرّرات
الرئيس الفلسطيني محمود عباس, حبس / سجن, الأمراض المزمنة, نساء فلسطين, الإحتلال الأميركي
03 يناير 2012لطيفة أبو ذراع
ثاني لقاءاتنا كان مع الأسيرة المحررة لطيفة محمد أبو ذراع (47 عاماً)، وهي حاصلة على دبلوم لغة عربية، وأم لسبعة أولاد... روت لنا قصتها: «حكم علي بالسجن 25 عاما، امضيت منها 8 سنوات. لم أتوقع أن أسجن لأنني كنت أحسب الأمور بدقة، وفي المقابل لا أستطيع الجلوس والنظر إلى ما يدور حولي من النافذة فقط... في بداية عام 2002 هدم الاحتلال الإسرائيلي بيتي، وكان لدي أصدقاء استشهدوا وهدمت بيوت كثيرة وتشرّد آخرون... كل مرحلة من وجهة نظري لها طريقة في النضال، ولو عاد الزمن بي إلى الوراء سأفعل ما سجنت لأجله ولكن بحرص أكثر».
وتحدثت أبو ذراع عن الإضرابات داخل السجن فقالت: «منذ أول يوم دخلت فيه إلى سجن الرملة كان هناك مشكلة ما بين الأسيرات وإدارة السجن، وعزلت ممثلة الأسيرات آمنة منى، وضربت أسيرات أخريات، وأعلنت الأسيرات الإضراب عقب ما حدث. أما ثاني إضراب خضته فكان عقب ضرب آمنة منى دون سبب، فقد امسك بها ضابط الأمن وجرّها من شعرها على الأرض إلى العزل. وبدأنا جميعا بالدق على الأبواب بأيدينا وبعبوات المعلبات. أما ثالث إضراب شاركت فيه فكنت في العزل وكان قد صدر حكم من المحكمة ضدي بتقييد يدي ورجلي لمدة أربع سنوات، وحتى في الساعة التي كانوا يخرجونني فيها كانوا يقيدونني. وفي إحدى المرات ذهبت إلى المستشفى ولم يوافقوا على فك قيودي وحقنوني بحقنة اليود التي كانت تشعل جسدي، وكنت لا أستطيع تحريك يدي والتهمة هي أنني أشكل خطرا عليهم. واذكر في إحدى المرات انه تم ضرب إحدى الأسيرات على يديها ورجليها وهي مقيّدة، وعندما شاهدت الموقف لم أتحمل وطلبت من المسؤول في السجن أن يمنع السجانة من ضرب السجينة فردّ علي بان لا أتدخل، واستمرت السجانة بضرب الأسيرة بعنف على ظهرها، ففقدت صوابي، وهجمت على السجانة، لكي أمنعها من ضرب الأسيرة، ولكن السجانة هجمت علي لكي تضربني فضربتها».
وأضافت: «وضعوني على اثر ذلك في غرفة عزل تحتوي على كاميرات مراقبة وكان الحمام في داخل الغرفة بلا باب، ومن ثم وضعوني لمدة أسبوع في العزل ومن ثم حولوني إلى سجن الرملة وهناك منعوني لمدة أسبوعين من الحصول على أدوات التنظيف مثل الشامبو والأشياء الخاصة بالنساء. وكان في غرفة السجن حمام عربي وفوق قاعدة الحمام مباشرة حنفية ماء كنت اشرب منها. كما انه تم عزلي مع السجينات الجنائيات المسجونات بسبب المخدرات أو القتل أو سوى ذلك. وغير هذا العذاب كان هناك سجانات مدنيات عندما كن يعرفن أنني سجينة أمنية كن يتعاملن معي بالكثير من الحقد، بالإضافة إلى أن بعض السجينات المدنيات كن دائمات الصراخ لأنهن بحاجة إلى جرعة من المخدرات».
وحدثتنا عن طبيعة وضعها الصحي داخل السجن فقالت: «كان وضعي يتطلب العلاج، وعندما كنت في سجن الشارون أجريت لي صور طبقية وكان لدي ألياف في الرحم، وعندما صوروني كانت كريات الدم البيضاء فوق معدلها بثلاثة أضعاف، وأرسلوني إلى المستشفى لمعرفة السبب، واكتشفوا أن معدتي لا تعمل بشكل طبيعي لأنها لا تهضم. وصورني باستخدام المنظار فوجدوا أن لدي أكياس ماء تؤدي إلى الرحم. وفي آخر عامين في سجن الدامون لم يكن هناك أي علاج لي، وأصبح الحديد في دمي صفراً، وارتفع الكولستيرول لدي بالإضافة إلى التخثر في الدم. ورغم ذلك لم يكن هناك استجابة من إدارة السجن لإكمال علاجي، كما أن الدواء الذي كانوا يعطونني إياه كان عبارة عن مسكنات».
وعن لقائها بعائلتها قالت: «أمضيت فترة طويلة أتخيل أن أولادي بقوا كما تركتهم وذلك ليس بسبب البعد، ولكنني لم أشأ أن اشعر بأنهم كبروا. وهنا توقف معي ومعهم الزمن، وكنت أفكر في أولادي كل ساعة وكنت اشعر في السجن بأنني مع أولادي وهم أيضا معي».
حول صفقات التبادل التي كانت تسمع عنها وعما إذا كانت تفكر أنها ستكون ضمن تلك الصفقات قالت: «عندما صدر الحكم علي في المحكمة، كانت النيابة العامة قد طلبت إصدار حكم المؤبد وصدر الحكم فغضب المحامي الخاص بي، فقلت له: لا تحزن هذا فضل من الله، ولكن ثق تماما واخبر القضاة أن يثقوا بأنني في يوم من الأيام سأخرج من السجن، فرد القاضي علي من خلال المترجم سائلا كيف ستخرجين؟ فقلت له الأمل موجود، فأمر القاضي بإخراجي بسرعة من القاعة. ابني الصغير حضنني في المحكمة، وقال لي «لا تبكي لأنك بطلة ورفعت رأسنا». وكانت تلك آخر مرة أحضن فيها أحد أولادي. واعتبرت أن السجن صفحة أخذت منها العبر وطويتها، وصحيح أنني عشت في السجن ولكنني لا أريده أن يعيش في داخلي، لأن لدي تربية أولاد ودراسة في الجامعة».
وحدثتنا عن الأسيرات الحوامل داخل السجن فقالت: «تذهب الأسيرة إلى مستشفى الولادة وتكون مقيّدة الرجلين واليدين أثناء المخاض. والمثال على ذلك الأسيرة منال غانم. وجميع الأسيرات اللواتي وضعن في السجن كان حكمهن مطابقا للمدة المسموح بقاء رضيعها فيها داخل السجن إلا الأسيرة منال غانم أخذوا منها ابنها وأرسلوه إلى عائلتها. وكانت هذه مأساة، فالطفل لا يعرف أحدا في عائلته. وكانت الأم قد تعودت على ابنها وفجأة أخذوه ووضعوها في سجن الرملة وحدها وبعد ذلك أعادوها إلى القسم الذي كنت فيه، وكانت لحظات حزينة مؤلمة جدا».
وتحدثت عن طموحاتها فقالت: «إن شاء الله تنجح ابنتي في التوجيهي بمعدل عال، وأريد أن أدرس تخصص العلوم السياسية في الجامعة، كما أن لدي هواية تنسيق الورد الصناعي، ولدي أولاد أخوة عددهم تقريبا 20 فردا أرغب في أن انشئ مشروعا مشتركا معهم».
فتنة أبو العيش
لقاؤنا الأخير كان مع الأسيرة المحررة فتنة أبو العيش من نابلس التي خرجت من السجن ولديها معرفة وثقافة كبيرتان... كان الحكم المطلوب لها مؤبداً، واستطاع المحامي أن يخفضه إلى 15 عاما. تحدثت عما تعرضت له داخل السجن فقالت: «لم أتعرض للعزل ولكنني تعرضت للضرب المبرح من الجيش والشرطة في بداية اعتقالي. وكانوا يقيدونني خلال فترة التحقيق ويستخدمون معي التعذيب النفسي، ويطلقون علي شتائم وقحة، وكنت أبقى مقيدة اليدين والقدمين بالكرسي لمدة 9 ساعات تقريبا».
وتابعت: «أضربت عن الطعام في أول فترة اعتقالي لكي يخرجوني من الزنزانة، وبعد فترة أعادوني إلى غرف الأسيرات في السجن. وكنت أمرض داخل السجن وأشعر بأن لدي مشكلة في ظهري وضعفاً في نظري. وكانت تمرّ علي أيام لا أحب فيها فراشي ولا الوقوف ولا الجلوس وابكي بشدة لأن ظهري كان يؤلمني كثيرا، ولا أزال أعاني منه، وسأستمر في علاجي عند الأطباء في نابلس».
وأضافت: «لم يتمكن احد من زيارتي خلال أربع سنوات بسبب الرفض الأمني، ولكنهم تمكنوا من ذلك في السنتين الأخيرتين وذلك بمساعدة الصليب الأحمر والمحامين الفلسطينيين. وعندما رأيت أهلي بعد أربع سنوات من الأسر كانوا جميعهم قد تغيروا في الشكل، وتعرفت على أمي وأبي ولكنني لم اعرف إخوتي. وعندما نظرت إليهم بدأت أبكي وأضحك في آن واحد، وحتى رفيقاتي في السجن كن يبكين معي».
وقالت بحسرة: «تركت الأسيرات في وضع صعب، وكن يقلن لنا سلّمن على أهلنا وتواصلن معهم». وتحدثت عن لحظة اللقاء مع عائلتها: «أنا حتى الآن مصدومة ولا استوعب وضعي الجديد وكأنني أحلم، ولا أصدق أنني بين أهلي، ودائما أسرح وتلاحظ أمي ذلك وعندما تسألني عن السبب أقول لها تخيّلت أنني مازلت داخل السجن، واعتقدت أنكم زميلاتي الأسيرات وكنت سأنادي عليكم بأسمائهن. مكثت في السجن 6 سنوات عشت فيها الأمور الحلوة والصعبة مع الأسيرات اللواتي كنّ بالنسبة إلي أكثر من أخوات. وفي لحظة اللقاء أغمي علي وقام إخوتي برفعي عن الأرض، وكنت قد تركت إخوتي العشرة الصغار ورائي عندما دخلت السجن وعندما خرجت وجدتهم قد أصبحوا شبابا، وكنت أتوقع أن أراهم مثلما تركتهم أو كبروا قليلا، ولكن ليس الى هذه الدرجة، لأنني كنت أتخيل كل شيء كما تركته».
وتابعت: «كنت أحفر على جدران غرفة السجن اسمي، وفي غرفة أخرى كتبت اسمي على الحائط باللون الأسود، لأنني كنت أريد أن اشعر من سيدخل الغرفة التي كنت فيها من أسيرات أو أسري بأنه كان يوجد أسيرة فتاة هنا. وحتى اليوم ما زلت أشعر بأنني داخل السجن، وأفيق الساعة الخامسة صباحا، وأوقظ عائلتي وأقول لهم «الآن حان موعد العدد» كما في السجن، ولا أستطيع أن أرى شباكا له قضبان فما زال هاجس السجن في داخلي».
واختتمت فتنة أبو العيش حديثها قائلة: «أتمنى أن أكمل تعليمي، وان يتم الإفراج عن بقية الأسيرات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، أن أفعل ما بوسعي لصالح قضيتي ووطني.
ترقبن بأمل كبير فرصة حصولهن على الإفراج بعد تحقيق صفقة التبادل الأخيرة التي أدت إلى الإفراج عن العديد من الأسرى والأسيرات الذين سجنوا لسنوات عديدة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وكان حكمهن بالسجن لسنوات طويلة يجعل من خروجهن من السجن أمرا صعبا أو مستحيلا، ولكن المستحيل أصبح واقعا وتم الإفراج عن 27 أسيرة مع بقاء أخريات في السجن. وتبين بعد الإفراج أن عددا من الأسيرات المحررات يعانين أمراضا مزمنة تحتاج إلى علاج دائم. وللمزيد حول هذا الموضوع التقينا عددا من الأسيرات المحررات.
كان اللقاء الاول مع الأسيرة المحررة أمل جمعة من مخيم عسكر الجديد التي تخضع للعلاج في أحد مستشفيات الضفة الغربية. وهي كانت محكومة بالسجن 38 عاما، ولكن الحكم النهائي كان 11 عاما، أمضت منها ثماني سنوات ومن ثم خرجت من السجن مع صفقة تبادل الأسرى الأخيرة. تحدثت عن عملية التحقيق في السجن فقالت: «كانت قاسية وكان أصعبها الشبح بالكرسي، أي تقييد اليدين والرجلين بالكرسي لساعات طويلة. وكانوا يشغلون التكييف البارد جدا علي، وكان هناك تجاهل لمطالبنا الشخصية النسائية».
وتابعت: «ضُربت خلال التحقيق كثيرا، وخضت معركة الأمعاء الخاوية ولكن رجلي بعد فترة توقفتا عن الحركة، وصار لدي نزف حاد. وطلبوا مني أن أفكّ الإضراب عن الطعام. وهذه التجربة كانت صعبة لكنها ضمنت تحقيق بعض المطالب».
وأضافت: «كنت أتخيّل أن السجن كالمنفى، وأنني لن أرى أي أسيرة، ولكنني وجدت أن كل أربع أسيرات موجودات في غرفة صغيرة جدا فارتاحت نفسيتي. ومن ناحية أخرى تعرضت للعزل مرتين بسبب بعض المشاكل مع إدارة السجون، ولأنني لم أقبل الوضع الذي أعانيه، وبقيت في السجن لمدة سبع سنوات وسبعة شهور».
وتحدثت أمل عن خروجها من السجن، فقالت: «ما صدمني هو أنني لم اعرف الكثير من الناس الذين قابلتهم وتحديدا من الذين كانوا صغارا في السن عندما تم سجني. وطوال مدة سجني زارني أهلي سبع زيارات، ولي أخ مشلول لم أره طوال فترة سجني لان الاحتلال رفض ذلك. وكنت اطمئن على أهلي من خلال الصليب الأحمر والمحامين، وكنت أتضايق جدا عندما أرى أهلي على شاشة التلفزيون وهم يبكون بسبب سماعهم عن مرضي وقلقهم علي، وكان هذا الأمر يحزنني ويجعل في داخلي غصّة. وحتى الآن أنا مصدومة بما شاهدته عندما خرجت من السجن. كما أنني تركت في السجن سبع أسيرات ومنهن ورود قاسم، وكلّي أمل أن يفرج عنهن جميعا».
وتحدثت عن حالتها الصحية داخل المعتقل فقالت: «أجريت لي عملية استئصال الرحم ولكني لا أزال مريضة وفي حاجة ماسة إلى العلاج والدواء بشكل دائم. كما أنني فقدت جميع أسناني بسبب الماء الذي كنت اشربه في السجن حيث أعطوني أدوية للهلوسة. وهناك بعض العلاجات التي كانوا يقدمونها لي، وهي تعمل على تشميع الكبد إذا استعملت كثيرا، وكانوا أحيانا يقولون لي أن الدواء الخاص بعلاجك غير موجود».
وأكدت أن «جميع الأسيرات يعانين أمراضا، فالمكان هو الذي يصيب الإنسان بالمرض، إضافة إلى الصراصير التي تحوم حولنا. والغرفة التي كنا نعيش فيها كانت بمثابة حظيرة للحيوانات».
وختمت: «ليس لدي أي طموحات، فقط أريد أن استكمل علاجي، ولا أفكر في العمل حاليا، حتى أنني لا أستطيع أن أرى الشباك في بيتنا لان عليه قضبانا تذكرني بالسجن. كنت مرحة جدا داخل السجن، ولكن عندما خرجت منه شعرت بان أي شيء يستفزني وهذا ليس بيدي، ولا اعرف ما يحصل معي أحيانا، وأتمنى أن تكون فترة وتنتهي».