ليبيات ضحايا الإيدز...
معمر القذافي, ضحايا, ليبيا, الحقوق الإنسانية, مرضى الإيدز, مرض نقص المناعة / الإيدز
20 فبراير 2012الصدمة الأولى
لم تختلف رواية فائزة القماطي عن غيرها من المتعايشات مع المرض اللواتي كن ضحايا أزواجهن، فهي لم تكن تعلم بإصابته ولا بتعاطيه المخدرات، وبين الحين والآخر تأسف لزواجها منه.
وبحسرة كشفت فائزة عن معرفتها الأولى بمرضها واصفة إياها بالصدمة التي جعلتها تمكث في المستشفى لمدة طويلة دون معرفة ما يجري من حولها... «بعد زواجي وحملي، في الشهر الثالث من حملي لطفلتي الأولى، أخبرني الطبيب بأنني مصابة، فلم أصدق ما قال، ثم أغمي علي ولا أعلم ماذا حدث لي بعد ذلك.
وبعد عامين توفي زوجي، ثم تزوجت من رجل آخر وأنجبت منه ولدين بصحة جيدة، ولكن القدر أخذ أصغرهما قبل شهر. واليوم أساعد المصابين الذين يتعرضون لحالات نفسية سيئة نتيجة معرفتهم مرضهم، فمنهم من يرفض العلاج لعدم تقبله المرض ويعتبر الشفاء منه مستحيلا. إلا أن المجتمع مازال ينظر إلينا نظرة تعسفية. حتى وزارة الصحة نفسها لم تكترث لنا من ناحية توفير العلاج والخدمات، فإذا نظرتم إلى مقر العيادة، فهي ليست صحية وليست ملائمة لاستقبال الحالات».
«أحببته رغم مرضه»
تعرب غالية عن قلقها على طفلها الذي لا تراه دائما لعدم استطاعتها توفير احتياجاته الخاصة. وبنبرة حزينة وعينين تملأهما الدموع روت غالية المحمودي حكايتها مع المرض وعن المعاملة السيئة التي تلقاها ممن حولها. قالت: «لم أكن أعلم أن زوجي يحمل مرض الايدز، فقد تزوجنا عام 2003 وفي تلك الفترة لم تكن تجرى تحاليل طبية للمتزوجين قبل عقد القران. وبعد سنتين ظهرت علي أعراض المرض أي بعد إنجابي طفلي الأول والأخير الذي وبفضل الله ولد سليما.
زوجي أصيب بسبب الوشم الذي كان يغطي جسمه، وأنا لا أستطيع تركه لأنني أحبه رغم كل الظروف التي أعانيها منذ معرفتي بإصابتي، ولم أندم يوما على الزواج منه». أضافت: «أخفيت أمر إصابتي عن كل من حولي خوفا على حياتهم. وبعد وفاة زوجي علم الجميع بالأمر. واللافت أني تلقيت عروضاً للزواج من أشخاص ليسوا مصابين لكن الدولة لا تسمح بالزواج من غير المصابين أنفسهم. هذا تعدٍّ على حقوقنا وأنا لم أعد اتحمل نظرة المجتمع إلي. فأنا امرأة مازلت في سن تسمح لي بالزواج، ولا أعرف إلى متى سنعيش منبوذين من المجتمع ومرفوضين من العمل في أي جهة كانت، فأنا أحتاج إلى من يعينني أنا وابني الذي ليس له ذنب في كل هذا».
ارتفاع عدد المصابين
تقول رئيسة قسم التوعية والإرشاد في إدارة مكافحة الايدز والأمراض المنقولة جنسيا في المركز الوطني الدكتورة عليا شيبوب: «رغم تطور الطب نلاحظ ازديادا كبيرا في التمييز بين المريض وبين الفرد الطبيعي، وهذا ما يجعل حالة المريض تزداد سوءا، وهنا يشعر المريض بأنه ليس محبوبا لدى الآخرين».
وتلفت إلى أن «عدد المصابين ارتفع بسبب إهمال الدولة لهذه الفئة، فعدم توفير الأدوية لهم ومنعهم من مزاولة عملهم يقودان إلى الانحراف. فالبعض يتجه إلى تعاطي المخدرات والبعض الآخر إلى بيع أجسامهم مقابل الحصول على المال».
وتؤكد أن مركز مكافحة الايدز من أولوياته توفير مقدار من الراحة النفسية للمريض، ووضع خطط وإستراتجيات لحماية الناس من انتقال الفيروس.
الأدوية تشكل الكارثة الكبرى في ليبيا
أما الدكتور حسين بن عثمان مدير إدارة مكافحة الايدز والأمراض المنقولة جنسيا فيعتبر ظاهرة الوصم والتمييز مشكلة كبيرة يعاني منها مريض الإيدز، «فعندما يُعرف أن الشخص مصاب بمرض ما يترك في دائرة مغلقة وبمفرده، وذلك بسبب عدم الفهم الصحيح لطرق انتقال هذا الفيروس. معظم الناس يعتقدون أن المريض أصيب نتيجة ممارسته لسلوكيات غير شرعية وليست مرغوبة في المجتمع كالعلاقات الجنسية، مثلاً أو تعاطي المخدرات. طبعاً هذا يحصل ولكن ليس للجميع، وهذا يؤثر على صحة المصاب النفسية.
ونحن كأطباء مختصين نحاول قدر الإمكان توضيح طرق الانتقال المحدودة، وهي كالتالي: الانتقال الجنسي مهما كان نوعه مهبليا أو شرجيا يسمح بانتقال الفيروس بطريقة سريعة. والطريقة الأخرى هي انتقال الفيروس عبر الدم، ولعل أشهرها تعاطي المخدرات بالحقن». وأشار بن عثمان إلى نقص الأدوية قائلا إنها «كارثة كبيرة في ليبيا فعدم وجودها يزيد من نشاط الفيروس ونقص المناعة مما يسبب ارتفاعا في عدد الوفيات، خاصة لدى الأم الحامل، فالطفل يحتاج الى الأدوية اللازمة تجنبا لانتقال الفيروس إليه. في حالة إصابة المرأة الحامل بالفيروس ينصح الأطباء بالولادة القيصرية التي تمنع انتقال العدوى الى الجنين. كما تمنع الأم بعد الولادة من إرضاع طفلها الذي يعطى أدوية تحميه من انتقال العدوى».
مهددة بالزواج
حياة محمد لم تعرف حتى الآن سبب إصابتها بهذا المرض، وهي تنتظر إنجاب طفلها الأول الذي يطمئنها الأطباء إلى صحته، لكنها بين الحين والآخر يسكنها الخوف من انتقال العدوى إليه لعدم وجود الأدوية الخاصة لحمايته.
تقول حياة: «بعد تخرجي من كلية الإعلام قسم الصحافة قدمت لي فرصة للعمل في إحدى الصحف التي طلبت مني إحضار ملف كامل عن سيرتي الذاتية مرفقة بشهادة صحية. خضعت لفحوص في 2010 وهنا اكتشفت إنني مصابة بفيروس نقص المناعة. لم أصدق ولم اعرف كيف أصبت. اكتأبت وتكتمت على مرضي خوفا من ردة فعل والديّ بعد معرفتهما بالأمر. وبعد أشهر تزوجت عن طريق جمعية «التحدي» لمكافحة الايدز ومسبباته من رجل يعاني مرض الوباء الكبدي ومرض الايدز نتيجة إدمانه المخدرات. واليوم وبسبب المشاكل التي نعانيها نحن المصابين من تهميش لحقوقنا الاجتماعية والصحية والاقتصادية حدثت خلافات بيني وبين زوجي لعدم توفير فرص عمل لنا وأصبح يهددني بالزواج من أخرى».
لا يمكن للكلمات وحدها أن تعبّر عن مدى الحزن الذي يعانيه المتعايش مع مرض نقص المناعة «الايدز»... قسوة ظروفه وحياته المهددة بالموت ونظرات المجتمع إليه وضياع أحلامه، تجعل المريض أحياناً يفكر في الانتحار. وثمة مرضى يختبئون خلف الجدران خوفا من نبذهم، وآخرون آثروا الخروج عن صمتهم آملين أن يتقبل من حولهم حالتهم. «لها» التقت بعض النساء الليبيات من ضحايا هذا المرض ونقلت سؤالهن: إلى متى نظل منبوذات؟
الوصم والتميبز مشكلة يعانيها المريض
وفي السياق نفسه، حدثتنا الاختصاصية النفسية والخبيرة في مجال مكافحة الإيدز أحلام أحمد ميزران موضحة دور الاختصاصي النفسي في مساعدة المصابين على التأقلم ودمجهم في المجتمع. تقول: «الاختصاصي النفسي لا بد أن يكون على معرفة بالتعامل مع المريض. ولا بد من توعية الشخص الحامل للفيروس وتوعية المحيطين به، واحتواء الشخص المصاب ومساعدته لتعزيز ثقته بنفسه وعدم عزله، وتحسين علاقته بالآخرين. كما ينبغي التشديد على التعامل مع حاملي الفيروس الذي لا ينتقل عن طريق المشاركة في الأكل والشرب واللمس والمصافحة والتنفس».
تضيف: «من خلال عملي لسنوات طويلة مع المصابين بهذا الفيروس لاحظت أن من أهم المشاكل التي يعانيها المريض: «الوصم والتمييز. فالوصم: صفة تلتصق بالشخص حامل الفيروس دون وجه حق. أما التمييز فهو الفعل الذي يقوم به الأفراد تجاه الأشخاص حاملي الفيروس فتتم معاملتهم معاملة سيئة تترتب عليها العدوانية والانعزال والاكتئاب والانتحار»...
ليلى الشريف كانت من بين ضحايا نظام القذافي وإعلامه وتحولت حياتها كابوسا منذ 17 عاما.
هي الآن المديرة التنفيذية لجمعية «التحدي» لمكافحة الايدز ومسبباته. استقبلتنا بكل رحابة صدر معاتبة النظام على جريمته الكبرى التي ارتكبت أثناء فترة حكمه وهي القضية التي أثارت ضجة كبيرة في بداية التسعينات وهي قضية الدم الملوث الذي أدخل إلى ليبيا في منتصف الثمانينات من فرنسا واستعمل لمعالجة بعض المرضى الليبيين، ومن جرائه أصيب زوج ليلى الذي كان يعاني مرض الهيموفيليا. تقول ليلى: «عام 96 تزوجت من رجل يعاني من مرض الهيموفيليا دون معرفتي المسبقة بمرضه، وبعد يوم من إنجابي لطفلي الأول وخروجي من غرفة العمليات اكتشف الأطباء أنني أحمل مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز).
لم يخبروني بذلك على الفور وإنما بعدما رأيتهم يخرجون كل من كان معي في الغرفة من المرضى ونظرة الأطباء والممرضات إلي وابتعادهم عني استغربت، خاصة عندما جاءني الطبيب طالبا مني الاتصال بزوجي لإجراء تحاليل له. فوجئت بما يجري وبعد إلحاح مني أخبرني الطبيب بأنني أحمل مرض الإيدز. لم أصدق ذلك وانهرت نفسيا وطالبت بمغادرة المستشفى على الفور، إلا أن الأطباء في البداية منعوني من الخروج، لكني أقنعتهم بذلك مقابل اشتراطهم عليّ العودة للعلاج». تكمل ليلى: «خرجت مع ابني الذي لا أعلم إن كان يحمل الفيروس أم لا وحتى لا أفقد الأمل في ابني رفضت إجراء التحاليل له تخوفا من الصدمة، وبعد خمس سنوات من عمره أجريت له التحاليل وعندما أخبرني الأطباء بأنه سليم لم أصدق!
وبعد وفاة زوجي الذي لم يكن يعلم بإصابته بالمرض قبل زواجنا، عشنا أنا وابني بمفردنا حياة جديدة. وقررت البحث عن وظيفة فعملت في مستشفى دون معرفة العاملين فيه بأنني مريضة ولم يكن يعلم بذلك سوى مدير المستشفى، وبعد أيام من عملي فوجئت بمعاملة بعض العاملين لي بعدما علموا بأنني مصابة بالايدز. وفي 2001 تزوجت من رجل لا يحمل المرض وهو على علم بإصابتي، وبعد سنة من زواجنا حدثت بيننا بعض المشاكل أدت إلى الطلاق». مرت فترة بقيت ليلى فيها دون عمل إلى أن انضمت إلى جمعية «التحدي» الخاصة بمرضى الإيدز منذ بداية تأسيسها وهي اليوم في موقع القيادة. «أساعد المصابين بالإيدز وأوفر الترفيه عنهم خاصة المصابين حديثا الذين يعانون من الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، فالمجتمع يرفض عمل المريض في أي جهة أو مؤسسة خوفا من انتقال العدوى».