ثائرات ليبيات بعد حملات التشهير والتعذيب والقتل
قتل, إنتحار, معمر القذافي, حبس / سجن, إغتصاب, ليبيا
27 فبراير 2012غيداء التواتي: هددت أمام الجميع بإحراق نفسي
غيداء التواتي ناشطة سياسية اختلفت قصتها عن قصة سكينة. تقول: «ليست المرة الأولى التي يتم التحقيق فيها معي، فسبق لي أن هددت بالسجن إن لم أكف عن كتابة انتقادات عن المسؤولين الليبيين في حكومة القذافي ونشرها عبر مدونتي الخاصة «شواطئ». ومع استمراري في الكتابة اتجهت الى نشر كتاباتي عبر المواقع الخاصة بالمعارضين الليبيين في الخارج، فتم التحقيق معي وحذروني هذه المرة من اتخاذ جميع الإجراءات ضدي. لم أكترث للأمر وعدت الى الكتابة، وبعد شهر تم استدعائي مرة أخرى وقاموا بحملة تشهير إعلامية ضدي عبر الإعلامية هالة المصراتي التي كانت تتعامل في تلك الفترة مع الأمن الداخلي في محاولة منهم لإجباري على التوقف التام عن الكتابة».
وتضيف غيداء: «بعد أيام من قيام الثورة عدت الى الكتابة وبشكل مكثف حتى إنني هددت بإحراق نفسي أمام الملايين في ميدان الشهداء بطرابلس إن لم يتوقف النظام عن قتل المتظاهرين». وهنا تم اعتقالي ونقلي إلى سجن أبو سليم، وفيه وضعت في زنزانة منفردة لمدة شهر ونصف شهر دون التحدت إلى أحد. أضربت عن الطعام حتى أغمي علي، فجلبوا لي سيارة إسعاف ووضعوني فيها للعلاج إلى أن تم الإفراج عني، واحتجزوا جواز سفري تجنبا لهروبي خارج البلاد. حاولت قدر الإمكان مساعدة الثوار بإرسال المعلومات والمؤن الى المدن المحاصرة إلى أن حررت مدينة طرابلس بأكملها. والآن نرجو من الحكومة الجديدة التطلع الى متطلبات الشعب الذي حرم منها 42 عاماً».
سهام الجدي: تدهورت حالتي بعدما حاولوا اغتصابي
أما سهام (مصممة ديكور) فتقول: «بعد قيام الثورتين التونسية والمصرية وتحديد موعد لانطلاق الثورة الليبية على الفيسبوك، انتابني فضول لمعرفة ما الذي سيحدث في هذا اليوم؟ ولماذا؟ تساؤلات عديدة تبادرت إلى ذهني لعلني أجد لها جوابا، فقررت التواصل مع القائمين على هذه الثورة الليبيّة ونشرت ملاحظاتي ونسخت ما ينشر من مواضيع فيها ووضعتها على صفحتي الخاصة. وبعد أيام من الكتابة قام الجيش الالكتروني باختراق صفحتي وشاهدوا كل ما تحتوي عليه، وذات يوم جاءت مجموعة من الكتائب إلى مقر عملي وقاموا بالتحري عني وعلموا بمكان سكني عن طريق أحد أقاربي الذي قام بالإبلاغ عني وقال إنني أقود مجموعة إرهابية مكونة من 50 شخصا جمعيهم معارضون».
تواصل سهام: «في نهاية آذار/مارس تم القبض علي وأخذوا مني جوالي واحتجزت في مكان مجهول ثم قاموا بالتحقيق معي وسألوني عن العلاقة الشخصية التي كانت بيني وبين سيف الإسلام القذافي، فأجبتهم بأن العلاقة انتهت منذ عام 1997. وبعد الاستجواب وضعوني في السجن وفيه مررت بأيام صعبة جعلت حالتي النفسية تتدهور بسبب ما تعرضت له من تهديدات بالاغتصاب حتى يحصلوا على اعتراف مني بأسماء بعض الثوار. نقلت بعد ذلك إلى مزرعة كان يملكها رجل معارض للنظام وفيها شاهدت الطريقة التي يتم بها تعذيب المعتقلين الثوار/ وهذا كان جزءاً من خطة للضغط علي وإخافتي حتى أعترف. وبعد أيام وبفضل الله تم الإفراج عني بعد توقيعي تعهداً بعدم التشهير بالنظام».
سكينة الحارس: عشت مأساة كبرى
سكينة (ممرضة) كانت من بين الأسماء التي وضعت على لائحة الإعدام بتاريخ 1 أيلول/سبتمبر من السنة الماضية، وهو الشهر الذي كان يحتفل فيه القذافي بتولّيه للسلطة ويعدم مجموعة من معارضيه كل عام. ولحسن حظها خرجت سكينة من السجن أثناء قيام الثوار بتحرير مدينة طرابلس في 24 من شهر رمضان أي قبل تاريخ تنفيذ الإعدام.
تصف سكينة المأساة التي عانتها أثناء وجودها في سجون القذافي بالكابوس إذا كانت تتعرض بين الحين والآخر للعنف والشتم ومحاولة التحرش بها من قبل الكتائب. سكينة ابنة مدينة تاجوراء التي شهدت تظاهرات عدة منذ اندلاع الثورة، إلا أن النظام لم يسمح لأحد بالتظاهر ضده فاستخدم أقوى أنواع الأسلحة فقتل من قتل ونجا من نجا، ولم تعلم سكينة أنه سيأتي يوم ترى فيه أبناء شعبها يسقطون ودماؤهم تسيل أمامها. وبحكم عملها ممرضة في المركز الوطني لمرض القلب بمدينة تاجوراء بدأت سكينة وبمساعدة بعض الأطباء الوطنيين استقبال الجرحى المطالبين بسقوط نظام القذافي. وبعد أسابيع علم أحد العاملين في المستشفى بالأمر وأبلغ أمن المستشفى، ولم تمر أيام حتى جاءت مجموعة من الكتائب لاعتقال سكينة التي كانت على علم بأنها مراقبة ومهددة من النظام.
تبدأ سكينة حديثها عن لحظة اعتقالها قائلة: «قبضوا عليّ في المستشفى واصطحبوني مغمضة العينين إلى مكان مجهول للتحقيق معي. وأثناء التحقيق تعرضت لأعنف أنواع التعذيب الجسدي كالضرب بالعصا والصعق بالكهرباء والشتم والقذف والتهديد بالاغتصاب. اتهموني بالخيانة بسبب علاج المتظاهرين ضد النظام، كما وجهت إلي اتهامات بأنني أعمل ضمن خلية إرهابية مع المعارضين في الخارج لأنني وقبل أيام من قيام ثورة فبراير عدت من بريطانيا بعد فترة علاج. هددوني بالاغتصاب من جانب أربعين رجلا إن لم أعترف بهذه الاتهامات مما جعلني أفكر في الانتحار. وبفضل الله لم يحدث هذا. وبعد ثلاثة أيام من التحقيق نقلت الى النيابة العامة التي وضعتني في سجن النساء».
ولم يختلف الأمر هناك على الإطلاق، ففي سجن «الجديدة» تعرضت للتعذيب بطرق أخرى وهذه المرة من السجينات أنفسهن اللواتي لم يكففن يوما عن إهانتها وشتمها ونعتها بالعميلة، إضافة الى تعرضها للتسمم بسبب الطعام الملوث الذي كان يعطى للمساجين. وبعد شهرين تم الإفراج عن سكينة، ولم يمر أسبوع حتى احتجزت مرة أخرى دون معرفة الأسباب.
ومن منزلها وأمام أهلها فجراً، اقتحموا منزلها وحين حاولت الهروب استطاع الكتائب الذين يحاصرون المنطقة اعتقالها.
«أحسست أنها المرة الأخيرة التي سأحضن فيها والديّ فطلبت منهما أن يسامحاني عن كل ما بدر مني. لا أستطيع أن أنسى ذلك اليوم. نقلت إلى سجن الأوسط ووضعوني في زنزانة مخصصة لقضايا الزنا، وهناك تعرضت للقمع والاستفزاز من حارسات السجن أنفسهن. وفي 16 رمضان احتجزت في استراحة أحد المسؤولين التابعين للنظام السابق وبعد ثلاثة أيام قامت طائرات الناتو بقصف الاستراحة فحاولت الفرار ولم أفلح. وبعد ساعات من القصف جاء رجال الكتائب وأخرجوني إلى السجن السياسي «أبو سليم». وفي يوم 20 من الشهر نفسه قصفت طائرات الناتو بوابة السجن دون وقوع خسائر، وفي يوم 24 تم تحرير السجناء وكامل مدينة طرابلس».
وعن حياتها اليوم تقول: «لم يتغير شيء بعد الثورة وحالتي أصبحت أسوا مما سبق وأنا مهددة بين الحين والآخر من بعض مؤيدي للنظام السابق».
الصدمة الكبرى ما بعد السجن
قال الاختصاصي النفسي في الجمعية الليبية للصحة النفسية سامي العماري: «ما تعرضت له النساء اللواتي تم اعتقالهن خلال فترة الثورة الليبية ليس بالغريب. فمن كان يعارض النظام لا ينجو مما قد يتعرض له، وأثناء فترة اعتقالهن مرّ البعض منهن بحالة نفسية سيئة، خاصة بعد خروجهن من السجن منتظرات الصدمة الكبرى وهي نظرة المجتمع وتقبله للمرأة السجينة. وهنا تتعدد التساؤلات عما تعرضن له أثناء وجودهن في السجن ؟ وأول ما يخطر في البال هو تعرضهن للتحرش أو الاغتصاب، وهنا تصبح الحالة النفسية للمرأة المعنفة أسوأ، وهذا يحدث في معظم المجتمعات المحافظة خاصة التي ما زالت تحتفظ بأعرافها، فالمجتمع تترتب عليه عادات وتقاليد، ويصعب على المعتقلة نفسها التحدث عن كل التفاصيل التي مرت بها داخل السجن حتى أمام الأهل. كما أن البعض منهن ينكرن اعتقالهن خوفا من نظرة المجتمع».
أضاف: «نحن كجمعية من واجبنا العمل بسرية تامة وعدم الإفصاح عن أي أسماء. وعندما تأتي إلينا الحالة للقيام بتشخيصها لا تفصح عن كل ما تعرضت له فترة وجودها في السجن. ومع كل جلسة تزداد الثقة بيننا وتخبرنا بقصتها الكاملة. وما علينا فعله لها وللمجتمع نفسه هو التوضيح أن ما تعرضت له لم يكن برضاها بل كانت مجبرة عليه». وأوضح العماري أن السلاح الأهم الذي استخدم في الثورة كوسيلة للانتقام من الثوار هو الاغتصاب، وهذا ما زاد نسبة الاغتصاب في المناطق التي كانت تشهد معارك عنيفة مع الكتائب. وأشار إلى أن جميع النساء اللواتي تعرضن للعنف مهما كان نوعه أو أسبابه، «علينا تقديم الدعم لهن حتى يتأقلمن ويعدن الى حياتهن الطبيعية، وفي هذه الفترة تقوم الجمعية بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية بإنشاء خط ساخن يستقبل مداخلات النساء المعنفات. كما نسعى إلى إعداد برنامج تلفزيوني لعرض المواضيع الخاصة بالنساء المعنفات أو الناجيات من العنف».
مر عام على أحداث الثورة الليبية «17 فبراير» ضد حكم استمرّ أكثر من أربعة عقود. وفي ذلك الصراع الدامي لم تقف النساء الليبيات يتفرجن بل كانت لهن مواقف وأدوار مختلفة، حتى تم اعتقال البعض منهن ووضعهن في سجون القذافي... مآسٍ كثيرة عانتها هؤلاء، وكل منهن تعرّضت لطريقة في التعذيب، فهناك من قتلت وهناك من اغتصبت والبعض قررن الانتحار وأخريات كتبت لهن حياة جديدة بعدما كانت أسماؤهن على قائمة الإعدام. ولأن الخطر ما زال يهددهن ويعترض طريقهن، قررت بعضهن عدم التحدث إلينا تجنبا لذلك.
نجاح العايب: القذافي لم يفعل شيئا
وتختلف رواية نجاح العايب (ربة بيت) عن جميع المعتقلات، فبعد تدخل منصور ضو أحد المسؤولين العاملين في نظام القذافي في قضيتها، استطاع تخفيف مدة سجنها رغم اختلافها معه في الرأي. فبسبب شكوى من الجيران تم اعتقال نجاح التي حدثتنا قائلة: «ما مررنا به من ظلم وانتهاكات قبل الثورة وبعدها جعلني أنتقد النظام بين الحين والآخر متحدثة بصوت مرتفع وأمام الجميع وعلى هاتفي الشخصي «ماذا فعل القذافي من أجل الليبيين؟». بسبب هذه العبارة وغيرها تم إيقافي في أيار/مايو والتحقيق معي ووضعي في زنزانة مخصصة لمكافحة الزندقة لمدة أربعة أيام حتى تم الإفراج عني بعد توقيعي تعهداً بحماية إنجازات ثورة الفاتح».