طبيب التوليد...
الولادة, المملكة العربية السعودية, برج الحمل, المرأة السعودية / نساء سعوديات, طبيب الجلد, مستشفى, المجتمع السعودي, د. وائل عواد, أمراض نسائية
27 فبراير 2012فاجأتها آلام المخاض، فأسرعت إلى المستشفى، وطلب الزوج طبيبتها على الهاتف النقال، فطلبت منه الانتقال بسرعة إلى المستشفى الذي كان هو على بابه. وعندما استقبلته الممرضة قال لها «حالة ولادة»، وبسرعة فائقة توجهت بها إلى الغرف المخصصة للولادة، وتم تجهيزها ريثما تصل طبيبتها. وصلت الدكتورة ولكن الولادة كانت متعثرة، والطبيبة مضطرة لاتخاذ قرار سريع بإجراء عملية قيصرية، لأن الطفل في حالة خطرة جدا، والأم باتت بين الحياة والموت، فلم تجد وسيلة إلا الاستعانة بالطبيب الزميل في التخصص ذاته بعد أن اخبرت زوجها بالوضع الصحي للزوجة، فوافق على اعتبار أنها حالة لم تتمكن فيها الطبيبة من التصرف وكان الوضع خارجاً عن سيطرتها.
القصة لم تنته هنا، فبعدما انتهت عملية الولادة وخرج الطفل بسلامة، وضعت الزوجة في العناية المركزة لأن حالتها الصحية لم تكن على ما يرام، وبعد أن تحسنت علمت أن من قام بتوليدها الطبيب (س) وليست طبيبتها، فدخلت في حالة نفسية سيئة معتقدة أنها ارتكبت خطيئة.
هذه السيدة ليست الحالة الوحيدة التي تصادفها المستشفيات السعوديات، فكثيرا ما تطالعنا الصحف بأخبار عن زوج اعترض على توليد الطبيب لزوجته، أو زوجة تريد أن تراجع طبيبة خصوصا أثناء الولادة، وخلاصة الموضوع أن طبيب التوليد الرجل لا يزال مرفوضاً في بعض فئات المجتمع السعودي؟ لماذا؟
«لها طرحت هذا التساؤل على أزواج وزوجات سعوديين للوقوف على هذا النوع من الحالات.
السمعة الطيبة
إبراهيم دبور مؤيد للحديث السابق ولا يمانع أن تتجه زوجته إلى طبيب موثوق وذي سمعة طيبة، وله باع طويل في المهنة... «لا أمانع مسألة مراجعة زوجتي لطبيب نساء وولادة، فالصحة والطب والسلامة لا جدال فيها. ولكن في البداية أحبذ أن أستعلم عن عدد من الأطباء والطبيبات من خلال الأسرة، فان كان لدي اسم طبيب ورد ذكره في العائلة وكان ممدوح العمل والسيرة لماذا لا تذهب زوجتي إليه؟ هذه لا جدال فيها».
من جهتها أكدت أماني الحربي، وهي أم لثلاثة أطفال، أنها لا تحبذ فكرة الذهاب إلى طبيب، وقالت: «من حملي الأول وأنا أراجع طبيبة نسائية، لأني أرتاح بذلك نفسيا، خصوصا عند عملية الكشف. إضافة إلى أنه في بعض المراجعات تسأل الطبيبة بعض الأسئلة التي تكون محرجة إذا وجهها إليّ طبيب».
وأضافت: «تعرضت خلال وضع طفلتي الثانية لبعض الصعوبة، وحينها طلبت مني الطبيبة أن تستعين بزميل لها في المهنة لأن الولادة أصبحت متعسرة. ورغم خوفي في ذلك الموقف قررت أن تكمل الطبيبة التوليد ولم أسمح لها بوجود طبيب، وسلمت حينها أمري لله، وتمت الولادة. وحاليا الحمد الله أنا حامل وأراجع الطبيبة نفسها».
محمد زيد لديه تشدد في مسألة الكشف عند طبيب مختص بالنساء والولاد. ويقول: «لا أنكر أن في السعودية كثيراً من الأطباء المهرة في تخصصهم، ولكن أيضا لدينا طبيبات على مستوى جيد من العلم والمهنية العالية فلماذا أذهب إلى الطبيب وفي المقابل لدينا طبيبة معتمدة من الهيئة الطبية السعودية؟».
وسألناه عن إمكان اللجوء إلى طبيب إذا واجهت زوجته صعوبة في الوضع فأجاب: «لا أعتقد أني سألجأ إلى الطبيب حتى في مثل هذه الظروف كونه يمكن أن تكون لدينا طبيبة أخرى يمكن البحث عنها في أي من مستشفيات المدينة التي أعيش فيها، وقد صدف قبل ذلك أن زوجتي في وقت ولادتها سافرت طبيبتها في إجازة طويلة، حينها بحثنا عن طبيبة أخرى ذات سمعة جيدة والحمد الله وجدت دكتورة تابعت زوجتي وقامت بتوليدها بكل يسر وسهولة».
الشرع
شرعاً، قال الدكتور حسن بن محمد سفر أستاذ السياسة الشرعية، والنظم المقارنة، ونظم الحكم والقضاء، والأنظمة الشرعية، والمحكم القضائي الدولي المعتمد من وزارة العدل وعضو المجمع الإسلامي الدولي في جدة: «للمرأة حق عدم كشف العورة لرجل إلا في حالة فقدان أو عدم وجود متخصصات، وهذه تصنف من الضرورة، لأن الضرورات تبيح المحظورات. لذا فإن الحكم الشرعي لهذه المسألة أنه لا يجوز للمرأة أن تذهب الى طبيب النساء والولادة في حالة وجود طبيبة متخصصة في هذا الفن من التخصص».
ولفت إلى أنه يجوز للمرأة الذهاب إلى الطبيب إذا دهمتها آلام الوضع ولم تكن الطبيبة موجودة، أو في حالة كانت السيدة قد تعرضت لما يستدعي تدخل طبيب يكون موثوقاً وذا سمعة طيبة.
من جهتها، قالت الدكتورة نورا الصويان وكيلة شؤون الطالبات في جامعة المجمعة في حديثها: «السائد في المجتمع السعودي أن المرأة تفضل الطبيبة المرأة مثلها وهذا متعارف عليه، ولكن إذا تحدثنا من الناحية الطبية يكون ما يحكم التعامل الحالة ومدى خطورتها، ومدى أهمية التدخل العاجل لإنقاذ الزوجة والجنين». وإذا رفض الزوج تدخل طبيب؟ تجيب الصويان: «حاليا كل مستشفى لديه قسم خدمة اجتماعية وهو من يتولى عملية إقناع الزوج ولفت نظره الى عواقب الأمور التي يمكن أن تتعرض لها الزوجة وجنينها. فليس من حق الزوج أن يعرّض حياة زوجته للخطر. وفي حال وإذا تعذر ذلك تحال المسألة على قسم الحماية الاجتماعية ومن خلاله يتم أخذ القرار على مستوى المسؤولين».
تخصص صعب
أوضح استشاري الأمراض النسائية وجراحات التجميل النسائية وعلاج سلس البول الدكتور وائل عواد إن تخصص النساء والولادة من التخصصات الصعبة. «تخصص النساء والتوليد من التخصصات التي تحمل نوعاً من الخطورة، لأن الطبيب في هذه الحالة يتعامل مع روحين لا روح واحدة، الجنين والأم، وعليه أن يصل بهما إلى بر الأمان. وفي كثير من الأحيان تقع مشاكل أثناء الولادة، فيضطر الطبيب لاتخاذ قرار سريع ومهم لإنقاذ الأم وطفلها. وعلى سبيل المثال في الدول الأوروبية لا يمكن أن تجد أن طبيب النساء والتوليد يعمل في مستشفى خاص، بل يجب أن يكون في مستشفى عام، إضافة إلى أن هذا التخصص لا يكون على التأمين لأنه من التخصصات التي تُدفع فيها مبالغ كبيرة».
ورأى أن الطبيب يكون أكثر عرضة لتحمّل ضغط العمل، من ناحية مواجهة المشاكل العرضية التي تحدث أثناء الولادة، وأيضا لأن طبيب النساء والتوليد يطلب في أي لحظة وعلى مدار الأربع وعشرين ساعة. وهذا ما لا تتحمله المرأة ووضعها الاجتماعي خصوصا في السعودية.
وعن تفضيل بعض السيدات الاتجاه الى طبيبات أثناء شهور الحمل قال: «عادة تفضل السيدة طبيبة أثناء شهور الحمل لأنها تكون على راحتها في الحديث عن أمور مختلفة، وفي المقابل تؤثر نساء كثيرات أن يجري التوليد على يد طبيب. واعتقد أن لجوء السيدة الى طبيب أو طبيبة يستند إلى عوامل الثقة والسمعة والمهارة واعتقد هذا ما يحدد اختيار المرأة للطبيب أو الطبيبة».
وأضاف: «نحن نتابع في أثناء الولادة ثلاثة أشياء، نتابع الأم، نتابع تطور الولادة وانقباض الرحم، ونتابع نزول الطفل ونبضات قلبه، وأي مشاكل يمكن أن يتعرض لها الطفل أو الجنين تظهر عن طريق هذه المعطيات الثلاثة».
أم محمد سيدة لها ثلاثة أبناء وثلاث بنات، تؤكد في حديثها أنها لا تؤيد مراجعة طبيبة أثناء الحمل والولادة على عكس ما ورد في الحالة السابقة، ولها وجهة نظر في ذلك. تقول: «على مدى السنوات التي كنت أنجب فيها أبنائي لم أراجع طبيبة قط، لأني أؤمن بأن الطبيب أكثر قدرة على التحكم في المواقف، وأكثر قدرة على التصرف إذا كان هناك أي طارئ. أنا لا أقلل من شأن الطبيبة، ولكن صدقا أنا أفضل الطبيب خصوصا أن طبيبي هو من تابعني أثناء شهور الحمل التسعة في كل أطفالي».
لم يأت موقف أم محمد من فراغ بل إن سيدة قريبة لها تعرضت لحادث مؤسف على يد طبيبة التوليد. «كنت قد عاصرت ألم سيدة قريبة لي حين كانت تراجع طبيبة، وأثناء الولادة تعرضت لعسر ولادة ولم يكن للطبيبة قدرة على تمالك نفسها والتصرف بطريقة صحيحة مما أفقدها الجنين. صحيح أنها مشيئة الله ولا نعترض عليها، ولكن بالفعل كان للطبيبة دور في فقدان الطفل، بل واستعانت هي بنفسها بطبيب زميل لها لإنهاء معاناة السيدة».
وعن زوجها قالت: «لم يعترض زوجي على مراجعتي للطبيب، بل على العكس كان يرافقني في أيام الزيارات الطبية، وكان كثيرا ما يستفسر من الطبيب عن بعض الأمور الخاصة بالحمل دون تحرج منه». ولفتت إلى أنه بعد عدد من عمليات الإنجاب عند الطبيب نفسه أصبح إلى حد ما هو طبيب العائلة.