نساء في ساحات التغيير
تحقيق, نساء, المرأة المصرية / نساء مصريات, المرأة الكويتية / نساء كويتيات, المرأة اللبنانية / نساء لبنانيات, يوم المرأة العالمي
07 مارس 2012مفهوم ناشطة سياسية 1
بين الأمس والحاضر
الناشطة السياسية اللبنانية من حمل السلاح إلى ملء الساحات
«الناشطة السياسية»... هل هو مصطلح بدأ يطفو على السطح في لبنان أخيراً؟ لا. فلبنان دولة عربية استثنائية بكل تفاصيله. لا يمكن أن نفصل أمسه عن حاضره. في لبنان، مفهوم الناشطة السياسية فضفاض جداً. فالماضي «قضاياه عادلة» والحاضر قضيَّة لا تمضي. قضيَّة تستنقع. وكم تصعب مقاربة هذا الجانب من الحياة اللبنانية لكثرة التشعّب السياسي الذي يحدّد القضية غالباً وليس العكس. فأين مكان المرأة في النشاط السياسي في لبنان بين الأمس والحاضر.
تراتبية مفاهيم الناشطة السياسية زمني. ويبقى تساؤل. هل يجدر تعداد الناشطات بمفهوم الحقبة الشخصي أم بمفهومنا؟
ما بين فترة 1975-2000
الذاكرة تروي ...
ريجينا صنيفر ثمرة الشرذمة و«البطل الباطل»
«إن الدينامية المعقّدة لتفتت لبنان وشرذمته قد وضعت الشبان أمام خيارات قاسية للغاية» يقول جوزيف مايلا (مدير الاستشراف والاستطلاع في وزارة الخارجية الفرنسية) مقدماً رواية ريجينا صنيفر (50 عاماً) «ألقيت السلاح، امرأة في خضمّ الحرب اللبنانية» (النسخة الفرنسية 2008). ريجينا شابة كانت تعمل في الجهاز الإعلامي للقوات اللبنانية. روت تجربة انخراطها في التنظيم المسلّح بعد أكثر من عقدين من الزمن لتتخلّص من «المسؤولية المعنوية الكبيرة كونها تبنّت مبادئ ودوافع وأهداف التنظيم المسلّح الذي انتمت إليه» حسب ما يوضّح الدكتور جورج قرم في تقديمه أيضاً لرواية صنيفر «التي رمت نفسها في أحضان التنظيم المسلّح معتقدة أنها تخدم الوطن والطائفة».
هي نتاج «الشحن الإعلامي الذي عبّد الطريق إلى الحرب» وتغليب العنف كحيثية و«قناعة مقارعة الآخر في خضم الأهوال المأسوية للحرب التي باتت ضحية الوسائل والأساليب المستخدمة». تهدي ريجينا روايتها إلى ولدها أولاً قائلة إنها «قدمت من بلاد حوّلتها الحرب إلى مقبرة لأحلام ولأشخاص بترت حياتهم. اليوم، أنا أرفض العنف الذي قبلت به في يوم من الأيام بل قل أسوأ من ذلك، إذ كان هذا العنف في عمق ذاتي». كتبت لكي «تجنّب الآخرين الإنجراف من جديد في متاهات الأوهام التي تؤدي إلى الحرب» لا «لاستثارة الضغائن».
هي لم تغيّر مبادئها كناشطة سياسية حيال ما زرع في رأسها المراهق الذي خبر الحرب والتهجير من الحدث إلى الجبل وارتحالها قسراً عن مصيف الشبانية وهي طفلة ثم...
عايشت اعتقادات ومفاهيم عدة: «المنظمات الفلسطينية كتهديد حقيقي للبنان بعد اتفاق القاهرة 1969، ازدياد عمليات الخطف وشعور الطائفة المارونية بالتهديد وخطة «كيسنجر» الأميركية لتنظيم نزوح المسيحيين من لبنان إلى كندا والإنقلاب على الرئيس المصري أنور السادات بعد توقيعه معاهدة سلام مع الإسرائيلي ميناحيم بيغين وبالتالي انقسام المعسكر المسيحي نتيجة لذلك وما تردّد عن اتفاق سري بين سورية واسرائيل ينصّ على مبادلة الجولان بلبنان ... و«الذئب الفتي» بشير الجميل القائد القادر على تحرير المسيحيين من القبضة السورية حتى اغتياله بعد 20 يوماً من رئاسته للجمهورية... وبيروت الشرقية والغربية» حيث كان الشارع مرتعاً للقناصة.
تماهت مع مقولة: «ما من شعب تمكن من البقاء على قيد الحياة دون اللجوء إلى العنف» الذي احتكم إليه أمس قائد «طويل القامة نحيفها» الذي تحركت شوقاً للقائه. بدأت نشاطها السياسي بطابع إنساني حين وجدت «حبيسة الملجأ» (1976) فرصة ملائمة للخروج إلى الشارع. وبعد أربع سنوات، خرجت مجدداً لنقل بعض الطعام للمقاتلين الكتائبيين المحاصرين في «البيت». تلفت ريجينا: «لم أكن لأدرك يومها أني مع هذه الخطوات، كنت أستهلّ السنوات الأصعب والأكثر ثقلاً في حياتي». فابنة الـ 18 ربيعاً وجدت حينها (1980) ألف سبب للإنضمام إلى المقاتلين الذين يدافعون عن لبنان «المثالي». كانت مهمتها إبقاء الإتصال مع مقرّ القيادة المركزية الخاصة بالقوات اللبنانية ثم انضمّت إلى مكتب الإعلام والترويج (الشعبة الخامسة) وشاركت في تحرير مجلة «المسيرة» وإجراء تحقيقات على جبهة القتال. ارتدت البزة المرقطة الخضراء، كانت تحمل رشاشاً وتخاف من العتمة. في تلك الحقبة كانت مسيحية أكثر منها لبنانية، أدانت السلطة الحزبية العائلية في الكتائب وافتتنت برؤية سمير جعجع الفلسفية المستلهمة من فكر Teilhard de Chardin. فهو ابن بشري وعائلة متواضعة نشأ في ضاحية فقيرة من بيروت وتلقّى علومه في مدرسة رسمية. انضمت إليه (والكتائبيين كريم بقرادوني وإيلي حبيقة)، نظمت اجتماعاته، ردّت على الصحافيين وبثّت البيانات السياسية. وسرعان ما تنافس جعجع وحبيقة على قيادة القوات مما دفع ريجينا إلى الإلتحاق بفريق كريم بقرادوني الذي كان مسؤولاً عن القطاع الإعلامي. وبعد تقديم حبيقة استقالته من منصبه في القوات اللبنانية ملزماً وعمليات التطهير التي شملت رفاقها، تساءلت ريجينا أنحن حقاً في خدمة قضية؟ وأية قضية؟ ألقت السلاح مغادرة لبنان إلى فرنسا عام 1986 بعدما «فرغت قضيتنا من معناها». وهنا تكتب عبارة عميقة قد تطال الكثير من الوجدان والتفكّر :«قدّموا لنا الحرب على طريقتهم، فعلمّونا أن نرى فيها الوسيلة الوحيدة للإنتصار باسم الدين وباسم الله».
مفهوم ناشطة سياسية 2
سهى بشارة
حلم العودة إلى الأمس...
عند هذا الجانب وفي تلك الحقبة المرهونة بالأحداث المتسارعة في لبنان، تصحّ المُقابلة بين هذه الرواية المتأسفة عن أمس خادع ورواية مكتوبة بـ «فخر العودة إلى الأمس». هي رواية الأسيرتين اللبنانيتين السابقتين في السجون الإسرائيلية سهى بشارة وكوزيت ابراهيم «أحلم بزنزانة من كرز» (2011). الأولى -هي أيضاً- عاشت في بيئة غير آمنة بين اللبناني والفلسطيني و«الإسرائيلي». انضمّت إلى اتحاد الشباب الديموقراطي والدفاع المدني. التأمت مع جروح الحرب. ثم عملت في النادي الثقافي الرياضي في مرجعيون، هذا ما قاد الشيوعية الخلفية إلى منزل العميل الإسرائيلي وقائد ما كان يسمى «جيش لبنان الجنوبي» أنطوان لحد.
دخلت معتقل الخيام عام 1989 حتى عام 1998 بعدما حاولت قتل لحد بحجة إعادة مفاتيح النادي إلى زوجته مينيرفا التي اعتمدتها هناك. دمّر المعتقل خلال حرب تموز/يوليو 2006 لكنها شيّدته مجدداً لتستعيد أسرها الحالم الذي لم يسقط مع الجدران. أما الثانية، فهي ابنة رميش الجنوبية الصحافية التي اعتقلت عام 1999 لعام واحد وتحرّرت مع ربيع الجنوب اللبناني 2000. الرواية، كلماتها وصورها، عبارة عن قصص حبيسة الجدران طليقة الإرادة والعنان لأشغال يدوية أعلت منزلة الزنزانة، «نزلاء الخيام».
دعاء بسيوني: في المدرسة الثانوية تلقّيت «علقة ساخنة» بعصا الأمن وفي الجامعة حرمت من الامتحان
استفز فيديو قتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة في أحضان أبيه مشاعر دعاء بسيوني (اختصاصية نفسية، 24 عاماً)، فخرجت في أول تظاهرة عام 2000 مع فتيات مدرستها الثانوية منددة بقتل الأطفال الفلسطينيين.
تقول: «التظاهرات التي كنت أخرج فيها في المرحلة الثانوية كانت عفوية بلا تنظيم أو قيادة، وفي عام 2003، وكنت في الصف الثالث الثانوي، تظاهرنا ضد احتلال العراق، ومع دخولي الجامعة في عام 2005 انضممت إلى حركة «كفاية»، وتعمّقت أكثر في الممارسة السياسية، ولم يقتصر دوري على الانضمام إلى التظاهرات بل حضرت العديد من الندوات السياسية في نقابة الصحافيين وغيرها. وفي الجامعة أسست مع زملائي حركة مقاومة تدافع عن مجانية التعليم وتكشف الفساد السياسي، ومن خلالها نظمنا العديد من المسيرات المنددة بتصدير الغاز إلى إسرائيل وغيرها، بالإضافة إلى إقامة معارض طلابية تثقيفية تهدف إلى كشف الفساد السياسي».
لم يتوقف نشاط دعاء مع انتهاء الدراسة، وأكملت مسيرتها إيماناً منها بدورها في إصلاح الوطن، فتضامنت مع الطلبات العمالية، وشاركت في قافلة فك حصار غزة عام 2010. ولكن كل هذه المشاركات لا تعني عدم خوفها من الأمن، وتوضح: «لا أنكر أنني كنت أخاف الشرطة والأمن المركزي، ففي أول تظاهرة خرجت فيها انضمّت مسيرة مدرستنا الثانوية الى مسيرة طلاب كلية هندسة جامعة حلوان، وفرّقنا الأمن بالضرب ووقعت حينها. وكثيراً ما كنت أخاف من الأمن خلال التظاهرات، فهم لا يتعاملون معنا بآدمية، كما تسبّب نشاطي السياسي بمنعي من دخول الجامعة تارة، وحرماني من الامتحانات تارة أخرى. لكنني مؤمنة بأن هذا دوري في إصلاح بلدي، أما أفراد أسرتي فهم دائماً ما يدفعونني الى أن أكون حذرة في التعامل مع الأمن، ويحذرونني من استفزازه، ولكن لا يعترضون على مشاركتي السياسية». وتؤكد دعاء أن الناشطة السياسية مثلها كأي فتاة عادية، يتقدم إليها العديد من راغبي الزواج، وتقول: «ساعدت وسائل الإعلام أخيراً في ترويج فكرة أن الناشطة السياسية إما عانس أو مطلقة أو أرملة، وهذا غير صحيح، وإذا كان صحيحاً فمرحباً بالعنوسة بدلاً من زوج سطحي غير مؤمن بحقه في حياة كريمة خالية من القمع».
ماهيتاب الجيلاني: أجلت زواجي لأكثر من عامين لانشغالي بالسياسة
قبل عام 2004 كانت ماهيتاب الجيلاني (مهندسة أجهزة طبية، 31 عاماً) من مؤيدي النظام السابق، حتى تعرفت على حركة «كفاية» من زميل لها في الجامعة، فانضمّت إليها وتوسعت رؤيتها السياسية، فأصبحت أكثر نشاطاً ووعياً وحماساً.
تقول: «عام 2008، دعا شباب حركة «كفاية» إلى إضراب عام، وتجاوب معهم عمال مدينة المحلة فنجح الإضراب بفضلهم. وبعدها بشهرين انبثقت من شباب «كفاية» حركة «6 أبريل»، وأردنا استغلال النجاح. كما كنت من المؤسسين للجمعية الوطنية للتغيير برئاسة الدكتور محمد البرادعي، وكنت أكثر فتاة تجمع تواقيع للجمعية من مختلف أنحاء الجمهورية، كما كنت أول فتاة تعتصم أمام مجلس الوزارء ممسكة بمصباح غاز في يدي احتجاجاً على تصدير الغاز الى إسرائيل. وعند مقتل خالد سعيد على يد الشرطة طبعت «تي شيرتات» بصورته مكتوباً عليها «دمي في رقبتكم يا مصريين»، وكنا نرتديها أنا والناشطون زملائي تضامناً مع قضيته في المحكمة. وفي عام 2010 دعوت إلى العصيان المدني، وكنت أتحدث مع الناس في الشارع عن حقوقهم المهدورة، وحقهم في حياة كريمة، وطعام غير مسرطن، وعلاج وتعليم مجاني».
وتضيف: «بسبب هذا النشاط تم القبض عليَّ مرتين، وحاولت الشرطة ترويعي في المرتين وتهديدي كي لا أعود إلى النشاط السياسي. لكني كنت أستمرّ في العمل لإيماني بالقضية، ونظراً الى الثورة المضادة التي قضت على ثورة الشعب، فقد أنشأنا حركة «عسكر كاذبون»، نتجول خلالها في الشوارع ونفضح الانتهاكات العسكرية للمدنيين، خاصة النساء بعد هتك أعراض النساء في ميدان التحرير والتعدي عليهنّ، كما دعونا إلى مليونية «حرائر مصر» التي تحولت إلى حركة في ما بعد».
وتقول: «أنا مخطوبة، وخطيبي هو من أدخلني المجال السياسي. وفي ظل انشغالنا بقضايا الوطن توقف زواجنا منذ عامين، رغم انتهائنا من تأثيث عش الزوجية، لكننا لا نجد وقتاً للزواج، لأننا نعمل على توعية المواطنين في ظل زخم الأحداث».
منى عزت: دماء أخي والشباب في ميدان التحرير زادتني إصراراً على النشاط السياسي
نشطت منى عزت (37 عاماً) سياسياً منذ أكثر من 15 عاماً، ساعدها على ذلك عملها كصحافية، فانضمّت إلى لجنة الحريات بنقابة الصحافيين المصرية، ثم عملت كمنسقة لجنة «دعم الانتفاضة الفلسطينية» عام 2000 داخل النقابة، إضافة إلى عضويتها في «اللجنة الشعبية المصرية لدعم الانتفاضة الفلسطينية الثانية»، حيث شاركت في القوافل الطبية وزيارة الجرحى الذين يعالَجون في مصر. ومن رحم الحركات المندّدة بالانتهاك الاسرائيلي لحقوق الفلسطينيين، ولدت حركات جديدة تطالب بالإصلاح السياسي في مصر لتنخرط منى عزت فيها، وتستمر في التظاهر مطالبة النظام بضرورة التغيير، إلى أن شاركت في تظاهرات «25 يناير 2011» التي كانت شرارة اندلاع الثورة المصرية.
وتحكي عن الأخطار التي أحاطت بها، قائلة: «نزلت إلى الشارع منذ يوم «25 يناير»، وانضممت إلى تظاهرات ميدان التحرير ولم أنقطع عنها يوماً. ولم يُخفني التعامل الوحشي مع المتظاهرين، فكنت أستمد قوتي من إيماني بحق بلدي في العدالة السياسية والتقدم الاقتصادي. أخي أصيب أثناء تعرض الشرطة للثوار بسبع طلقات خرطوش، ست منها في رجله وواحدة في جنبه، ورغم ذلك لم أتقاعس عن تأدية دوري الوطني واستمراري في المعارضة والتظاهر. إصابات أخي والمئات الذين كنت أرى دماءهم تسيل على الأرض من حولي منحتني القوة. ولم يقتصر دوري على الهتاف أو التنظيم أو التخطيط فقط، بل انضممت يوم معركة الجمل إلى لجان التفتيش الشعبية من أجل التحقق من هوية الداخلين إلى ميدان التحرير بعد محاولة البلطجية اقتحامه».
الناشطة السياسية المصرية
هبة صلاح: الظلم الاجتماعي جعلني أنخرط في السياسة
منذ عام 2009 لم تترك هبة صلاح (21 عاماً) تظاهرة حقوقية إلا انضمت إليها، فكانت أول مرة تشارك فيها سياسياً على أرض الواقع، من خلال تضامنها مع العمال في المطالبة بحقوقهم، رغم أنها حينها كانت طالبة في الفرقة الثانية بكلية الآداب قسم علم الاجتماع.
تؤكد هبة أن اهتمامها بالحقوق الاجتماعية نما خلال دراستها لعلم الاجتماع، ومن هنا راحت تشارك في التظاهرات العمالية. وفي عام 2010 كانت من أشد المؤيدين للمطالبة برفع الحد الأدنى للأجور، وتقول: «بغض النظر عن البطالة التي يعيشها الشباب، وحقهم المشروع في العثور على فرصة عمل، فمن حق العمال أيضاً أن يعيشوا حياة كريمة توفر لهم الحد الأدنى في الحياة، من مأكل وملبس وتعليم لأولادهم، لذا كنت شديدة التأييد لمطالب العمال بتحديد الحد الأدنى للأجور، ولم أترك تظاهرة لهم إلا حضرتها».
وتضيف: «من الأحداث الاجتماعية التي هزتني وجعلتني أنخرط أكثر في السياسة، تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، ورأيت حينها أن الأقباط من حقهم التمتع بالأمان، ورأيت أيضاً أن تأمين الكنائس مسؤولية الأمن الذي تقاعس عنها، ومن هنا نزلت في الوقفات الاحتجاجية المنددة بهذا الحادث، وانضممت إلى الدروع البشرية التي شُكلت لحماية الكنائس في كانون الثاني/يناير 2011). وعن سبب مشاركتها السياسية تقول هبة: «في البداية كنت أدافع عن المطالب العامة وحق الجميع في الحياة، ولكن مع اندلاع ثورة «25 يناير»، رأيت أنه من الطبيعي أن أشارك كفتاة في الإصلاح السياسي، وأن أعترض على أخطاء النظام أياً كانت، فأنا لست نصف مواطن بسبب جنسي، والاعتصام والتظاهر ليسا حقاً ذكورياً يكفله الدستور للرجال فقط، بل حق لجميع المواطنين. وبناءً عليه شاركت في أول يوم للثورة، ولم أكن أتوقعها ثورة، ونزلت إلى المسيرات في شوارع القاهرة، ومن ذلك الوقت لم أتغيّب يوماً عن أي مشاركة سياسية أملاً في إصلاح أحوال البلاد.
كما أسست في آذار/مارس الماضي، مع زملاء لي، حركة اتحاد الشباب الاشتراكي، لتكون حركة مستقلّة عن الأحزاب، لا تطمع بمناصب قيادية في الدولة، وإنما تعبّر عنا كشباب ثوريين وتتحدث رسمياً عن مطالبنا». في الوقت نفسه تنتقد هبة النظرة التقليدية إلى المرأة وقت الأزمات، وتقول: «كثيراً ما تستفزني النظرة النوعية من الرجال إلينا كنساء وسط تصاعد الأحداث وعنف الأمن، فكنت أستاء بشدة عندما كنت أحاول دخول شارع محمد محمود المتفرّع من ميدان التحرير للتصدي لعنف الأمن مع المتظاهرين، وكان الرجال يبعدونني ويقولون لي ابتعدي فأنت فتاة، رغم أنني شاركت في المستشفى الميداني يداً بيد مع الرجال والأطباء في إنقاذ المصابين، ومازلت أتمنى أن تنتهي نظرية التمييز النوعي نهائياً». وعما إذا كانت الناشطة السياسية مطلوبة كزوجة تقول هبة: «عندما أطالب بحق بلدي في الاستقرار والعدالة فأنا لا أنتظر رأي العريس في شخصيتي، وإذا كان هذا السؤال موجهاً الى المرأة فيجب أن يوجه الى الرجل أيضاً، ويقال: هل الناشط سياسياً مطلوب كزوج؟».
وتتابع: «رأيي الشخصي أننا جميعاً مواطنون نعمل من أجل الارتقاء ببلدنا إلى أفضل الأحوال، لذا أنا لا أخشى العنوسة، ولا أعتقد أنني سأكون عانساً بسبب نضالي، بل من الممكن أن أصبح عانساً بسبب الظلم والقهر وسوء الأحوال الاقتصادية الناتجة عن الفشل السياسي».
بسمة ياسر: تمّت خطبتي خلال التظاهرات
تؤيدها في الرأي بسمة ياسر، (25 عاماً، خريجة كلية آداب قسم فلسفة)، وترى أن الزواج لا يأتي إلا نتيجة تقارب الأفكار والمعتقدات، وبالتالي فإن الشخص البعيد عن السياسة من المستحيل أن يتزوج بناشطة، في حين أن الثورة والتظاهرات كانت سبباً لارتباط الكثيرين، منهم الفتاة التي تزوجت في ميدان التحرير وحضر زفافها أكثر من مليون شخص.
وضربت بسمة المثل بنفسها أيضاً، قائلة: «أنا أيضاً تمت خطبتي من خلال التظاهرات التي قربت بيني وبين خطيبي في وجهات النظر، فطلب يدي من أبي على الفور قبل تنحي الرئيس السابق. وتمت الخطبة دون دبلة، لأن محلات الذهب كانت مغلقة والحياة كانت شبه متوقفة، لذا أؤكد أن الناشطات بعيدات عن العنوسة، فالزواج قسمة ونصيب أولاً، وتوافق في الشخصيات والأفكار ثانياً».
تعلّمت بسمة المرونة والسياسة على يد أبيها المولع بالسياسة الذي خاض انتخابات مجلس الشعب أربع مرات وسقط فيها ثلاث مرات بعد التزوير لصالح الحزب الوطني الحاكم، وتضيف: «ازداد احتقاني السياسي بسبب تدني الأحوال الاجتماعية وتآكل الطبقة الوسطى من الشعب وتفشي الوساطة، فكنت أنضم إلى بعض التظاهرات قبل «25 يناير»، ولكني أصبحت أكثر نشاطاً منذ يوم «25 يناير»، ولم أنضم لأي حزب أو حركة، وكوّنت بعد تنحي الرئيس السابق مع مجموعة من زملائي «قوافل الثورة الثقافية»، نوثق من خلالها أحداث الثورة بشكل ثقافي من خلال معارض صور ومسرح وأشعار، لنتيح لمن لم يشاركوا في الثورة أن يتعرفوا عليها عن قرب بعيداً عن بعض وسائل الإعلام المضلّلة».
مفهوم ناشطة سياسية 4
ما بين 2005- ...
يارا أسمر وسالي صيّاح
بدأت طالبة الإعلام يارا أسمر (19 عاماً) اهتمامها بالسياسة منذ الصغر، فهي ابنة بيت سياسي موالٍ لحزب الوطنيين الأحرار الذي أسّسه الرئيس الأسبق كميل شمعون. «تربيت على مبادئ الحزب، أبي رئيس فرعه في برج حمود. أما أمي فكانت تعارض إهتمامي السياسي بالتفاصيل خصوصاً بعدما كتبت مقالاً سياسياً في سن الثالثة عشرة نُشر في جريدة «البيرق»، وذلك في ذكرى استشهاد داني شمعون وعائلته (نجل الرئيس السابق كميل شمعون). كان المقال قلبياً أكثر منه سياسياً. وددت أن أقول له إننا نفتقده رغم أنني لا أعرفه. فهو بالنسبة إلي ولما سمعته عنه بطل في السياسة. كان لأبي التأثير الأكبر لانضوائي تحت لواء الحزب لكن في النهاية هي مبادئ ليبرالية جذبتني. لم ألتحق بشخص بعينه». ما القضايا التي تقاربها كناشطة؟ «أنا مسؤولة في منظمة الطلاب التي افتتحناها أخيراً.
نظمنا نشاطاً في ذكرى استشهاد جبران تويني. كان نشاطاً فعالاً وكان الحضور السياسي كبيراً... مع إنشاء هذه المنظمة، تنادى كل الشباب للإجتماع مجدداً وهي مؤلفة من 23 عضواً كل واحد منهم لديه مهمة لإنجاح أي حدث». تضيف وهي تسلّم ضمنياً بتراجع موقع الحزب في الحياة السياسية : «نعمل اليوم على إعلاء شأن عنصر الشباب. فهو كفيل بإعادة تنشيط الحزب. أرغب في أن ننجح». غير الإحتفال بذكرى استشهاد تويني؟ ماذا على المفكرة؟ «ننظم حدثا كبيرا لتكريم البطريرك نصر الله بطرس صفير»؟ ما هي القضايا التي تقلقك كناشطة؟ «أدرس الصحافة التي تتركز على السياسة غالباً. يحمل دخولي إلى الحزب طموحاً سياسياً. أنا اليوم في واجهة تنظيم النشاطات في المنظمة وزميلتي سالي تمثّل المنظمة في الخارج وهناك وجود نسائي في المجلس الأعلى للحزب. أي أن الحزب لا يفرّق بين شاب وفتاة».
أما سالي صيّاح (25 عاماً)، فهي في كنف الحزب منذ عشر سنوات. لم يكن في منزلها أجواء سياسية، بل انضمت إلى صديق منضوٍ في الحزب. «قرأت في كتاب الحزب، مبادئه وأهدافه. وأكملت الطريق. مثّلت الحزب في تركيا لمقاربة موضوع حرية التعبير. أشعر بأنني في المكان المناسب. بدأت في توزيع البيانات وكتاباتها أيضاً خلال «الوصاية السورية». شعرت عائلتي بالخوف خصوصاً أن من نشط في هذا المجال كان مصيره الاعتقال أحياناً. لكنني كنت شديدة الحماسة وتطور هذا الشعور عام 2005، أهم سنة في تاريخ لبنان السياسي حسب ما عايشت. كانت سنة التظاهرات.
تقاطعنا يارا: «أود أن أوضح أننا ننادي بالليبرالية التي قد توصلنا إلى مكان ما في الحزب رغم أن مؤسسنا كميل شمعون خلفه نجلاه طوني ثم دوري. انتهت الحرب وانتهت الوراثة السياسية التي كانت حتمية في تلك الفترة». كناشطة سياسية في حزب لا يمثله أي نائب برلماني منذ أكثر من دورة انتخابية، ما الذي يجعلك متفائلة؟ تجيب يارا: «لقد تهمش الحزب كثيراً من الإعلام والأفرقاء السياسيين. لم يغيّر الرئيس دوري مبادئه تجاه الوجود السوري السابق بينما كان البعض أكثر ديبلوماسية معه بمعزل عن مصلحة الوطن. نعمد اليوم إلى تعزيز وجودنا الإعلامي». وهنا تبدي رؤيتها السياسية للثورات العربية: «كان بوسع الشعوب العربية التخلص من حكامها بأضرار أقل، خصوصاً بوجود المتطرفين الذين استغلوا الأحداث». تشير لاحقاً إلى مباشرتها إعداد مفكرة 2012 لتنظيم المناسبات ومواكبة الأحداث ودعم المرأة والبيئة...
وبالعودة إلى سالي، تروي مواضيع أسفارها: «حرية التعبير والهجرة ووضع المغتربين ودور المرأة في الحياة السياسية». أما نظرتها إلى المرأة في الحياة السياسية فهو «تطور في السنوات العشر الأخيرة، وفيرا يميّن هي خير مثال على ذلك. لقد استغربت بروزها رغم أنني ظننت أنهم (أي تيار المردة) يميلون إلى الإقطاعية. من جهة أخرى، لست راضية عن النائبات في البرلمان، زوجة وشقيقة وابنة...». إلاّ أنها متفائلة بنسبة ترشح المرأة في الإنتخابات البلدية. وهنا تعود يارا إلى طرح سجال الكوتا النسائية الذي طرأ على بالها، وتقرر تخصيص جلسة للتطرق إليه «الكوتا تدعم وجود المرأة في البرلمان خصوصاً أن اللوائح الإنتخابية لا تدرج إلاّ الوارثات». وبكل موضوعية، تبدي يارا وسالي خيبة أمل تجاه نشاط النائبة نايلة تويني التي قررت عدم الترشح مجدداً. تقول يارا: «لم أتوقع هذا الأمر من ابنة جبران تويني. لكننا اليوم نتواصل مع شقيقتها ميشيل التي ستكمل الدرب». وتختم : «أنا لا أنتمي إلى شخص بل فكر حزبي يخدم لبنان بعيداً عن العقائدية المهيمنة على النشطاء السياسيين، والإنسياق السياسي الأعمى تجاه الزعيم لن ينتهي إلاّ مع وفاته».
«الناشطة السياسية»، لقب للمرأة يتردَّد في أكثر من قطر عربي في الفترة الأخيرة، وذلك بموازاة لقب «الناشط السياسي» وهذا يشير الى دور للمرأة أخذ يبرز مع موجة حركات التغيير التي بدأت تعصف ببعض المجتمعات العربية. فمن هي الناشطة السياسية؟ وماذا عن نشاطها والأخطار التي تواجهها من جراء ذلك؟ وهل ينعكس نشاطها هذا الذي تقوم به خارج البيت على علاقتها بزوجها وبعائلتها؟ أسئلة كثيرة نطرحها على الناشطات أنفسهن من أجل توضيح الحقائق المتصلة بهذا الموضوع.
مفهوم ناشطة سياسية 3
ما بين 1978- ...
عضو المكتب السياسي لتيار المردة اللبناني فيرا يمّين: لم تحقّق المرأة ذاتها في العمل السياسي في لبنان بعد
لقاء هذه المرأة فرصة استثنائية تماماً كمركزها في الحياة السياسية اللبنانية. هكذا توصّلت عضو المكتب السياسي لتيار المرده فيرا يمّين إلى عكس صورة جديدة للمرأة اللبنانية.
- ما الذي جذبك إلى السياسة؟
قد لا يصح طرح هذا السؤال في لبنان. يقول الفنان الراحل فيلمون وهبي في مسرحية للأخوين الرحباني: «لبناني وما بيتكلمش في السياسة؟». السياسة هي جزء لا يتجزأ من شخصية معظم اللبنانيين في وطن منذور لأزمات متكررة ومتوالدة. لذلك باتت السياسة جزءاً لصيقاً من شخصية كل لبناني. أما بالنسبة إلي، فربما لأنني ابنة تربة اعتادت العمل السياسي بالبعد الوطني وليس بالمفهوم الضيق لكلمة السياسة لأننا في بداية عمرنا تلقّينا صدمة موجعة. ولكن كان لديها ارتدادات إيجابية لأنها منحتنا مزيداً من الصلابة، أعني بذلك «مجزرة إهدن» صيف 1978. كنت حينها في السادسة عشرة من عمري. وكنت متأثرة إلى حدّ كبير بشقيقي الشاعر جورج يمّين الذي رحل باكراً وكأنه أورثني الأمانة، العمل الإعلامي بالبعدين السياسي والوطني.
- هل يمكن أن نعيد عقارب الساعة إلى الوراء والحديث عن بداية نشاطك السياسي؟
كان سؤالي الأكبر: لماذا اغتيل طوني فرنجية وعائلته؟
- كنت في هذا العمر طالبة على مقاعد الدراسة...
بخطوة استشرافية، منح الرئيس فرنجية بعداً خاصاً للإعلام الخاص الذي كان غائباً. وكانت الرخصة الأولى لإذاعة إهدن المعروفة بإذاعة لبنان الحر الموحّد والثانية إلى إذاعة صوت لبنان. فالإعلام الحر لا يكون إعلاماً رسمياً. حرقت مرحلة العمر واتجهت نحو النضج السياسي بمعايير شقيقي. كنت طالبة أرتدي المريول الأزرق قبل الظهر، وبعد الظهر مذيعة أخبار وبرنامج ثقافي ومنوعات. في هذا البلد، لا يمكن للمرء أن يعيش عمره. هذا قد يمنح الدفع أحياناً والأثر السلبي أحياناً أخرى.
- ما القضايا التي كانت تشغل مذيعة قاصرة؟
الثقافة... فنحن جيل نشأ على الأغنية الرحبانية وشعر ميشال طراد وأسعد السبعلي. مع بداية الحرب انهار كل شيء، بدأ الإنحدار الثقافي وبالتالي كنت حريصة على عدم الإنجراف. كانت ترادف إذاعة إهدن أصوات فيروز ووديع الصافي ومارسيل خليفة... لم نعد نسمعهم. نحن شعب الشعوب غير المتصالح مع هويته، شعوب الطوائف والمناطق والمذاهب والشخصيات والأفراد. الشعب الذي لا ينتمي إلى أرضه وهويته كيف له أن ينتمي إلى صوته. فيروز هي صوتنا. كنا نبثّ الصلاة نهاري الجمعة والأحد في الفترة التي كان فيها لبنان منقسماً عمودياً بالمعنى الطائفي. كنت أتمنى لو أنني درست الحقوق، حوصرنا في منطقتنا حيث كان التحصيل الجامعي شبه مستحيل. حصّلت قدر المستطاع العلوم الإجتماعية في الكلية اللبنانية. ففي عام 1982 ومع أحداث طرابلس مُنعنا من ارتياد الجامعة. أرغب في دراسة الحقوق وليس الهدف ممارسة المحاماة بل لصقل شخصيتي وحجتي كإمرأة لا تتيه حقوقها في الرنين الإعلامي بل تُقرن بحجج قانونية. مثلاً العنف الأسري وحق المرأة في منح جنسيتها... هذه أمور تعنيني منذ كنت أتابع دراستي الثانوية. وقد نلت الجائزة الأولى في مسابقة على صعيد لبنان عن حقوق المرأة انطلاقاً من جوهر المطالبة.
- نشعر بأنك سياسية-أديبة في كل حواراتك وخطاباتك السياسية...
أعشق اللغة العربية ومن أزمات لبنان المتعددة أزمة جوهرية هي تغريبنا عن لغتنا. وهذا أسلوب واردٌ في كتاب للمفكر الفلسطيني منير العكش، تعرية الإنسان من لغته وجعله يخجل بلغته وبالتالي يبحث عن لغة أخرى. وبذلك يتخلى عن هويته، تصبح الأرض بسوق العرض والمطلب ويصبح الإنسان بموقع «التاجر» وليس «المزارع».
في بدايات إطلالاتي السياسية كنت أُكثر من الأدب على حساب السياسة، من ثم أصبحت أشذّب من العبارات الأدبية. الأدب هو المنقذ من سؤال يحرجني أحياناً، وبالتالي أحرج السائل وأربكه بمصطلحاتي ولغة متينة. فينتقل إلى سؤال آخر.
- هل تعتبرين نفسك امرأة سياسية استثنائية في مجتمع السياسيات كريمات السياسيين أو أرامل السياسيين دون التقليل من شأنهن؟
أنا حالة استثنائية لأن هناك نساء استثنائيات ولم يمنحن الفرصة. لقد أحطت برجال إستثنائيين، شقيقي وزوجي لاحقاً.
- ماذا عن الرجل الزميل في النشاط السياسي، هل كان المنافس الحاد؟
في البداية، ممكن. تُختصر الحياة كلّها بكلمة أسلوب. أي شخص كان رجلاً أو امرأة مطالبٌ بتحديد كيانه وإطاره. فتسقط المفاهيم الراسخة والموروثة.
- لكن الواقع أكبر من الكلمات...
في المجلس النيابي ليس هناك سيدة وصلت حسب برنامجها أو تدرجها بالعمل السياسي. ارتضين أن يكنّ جسر عبور لذكور آخرين. لم تحقّق المرأة ذاتها في العمل السياسي في لبنان بعد. لا تتحمّل وحدها المسؤولية ولا الرجل بل قوانينا الإنتخابية لعدم وصول المرأة وأعني بذلك كفاءة المنصب.
- ما رأيك بحصر نشاط المرأة السياسي بحقليْ المرأة والطفل؟
المرأة هي الأرض والمؤسس الفعلي للعائلة بالمفهوم العملي والعام (الوطن)، أي أنها الأقدر على الإلمام بكل الشؤون. على الرجل أن يكون أكثر إلماماً بشؤون المرأة سياسياً. ليس واجباً على المرأة المناداة بحقوقها بل بحقوق الإنسان للوصول إلى مجتمع متوازن.
- كيف تقوّمين موقعك في تيار المرده الذي أطلق صيف 2006؟
أشعر بالراحة والإكتفاء الذاتي. لقد وصلت إلى هذا المركز ليس لأنني امرأة للديكور بل ربما لكفاءتي وثقة رئيس التيار سليمان فرنجية. أنا امرأة اعترضت يوماً على واقعها وانتفضت. بتّ أكثر هدوءاً وأقل انفعالية وأكثر قدرة على ضبط النفس، هذا ما تطلبه اللعبة السياسية.
- ذكرت الإنتفاضة، ما كانت تمثّله لك هذه الكلمة كجامعية واليوم؟
كنت على الدوام مع التحركات المطلبية، الفقر والظلم ودعم الشخصيات المستقلة والقضية الفلسطينية إلى أبعد حد. كنت يسارية الهوى رغم سقوط اليسار في التجربة اللبنانية للأسف. يلتزم الإنسان أحياناً بفكر معين لكنه يترجمه بشكل خاطئ، وهذا سبب السقوط المدوّي لأحزاب وتيارات لبنانية.
أما اليوم، فاتابع قضية «جنسيتي حق لي ولأسرتي». قد يقال إن القضية الفلسطينية هي العائق، لا أنكر هذا الامر ويمكن للجانب الفلسطيني أن يُستثنى دون إلغاء هذا الحق.
لبنان صغير وقد هاجر قسم كبير من مواطنيه واستقبل عدداً كبيراً من المقيمين على أرضه. أتابع هذا الموضوع مع لجنة حقوقية في تيار المردة. أما الهمّ الأكبر فهو حق العودة للفلسطينيين. لأن لا سلام لهذه المنطقة إلاّ بعودة الفلسطينيين إلى أرضهم. وبعودتنا حجاجاً مسلمين ومسيحيين إلى أرض المهد.
- كيف تنظرين إلى الناشط السياسي الجامعي في لبنان اليوم؟
أشعر تجاهه بالأسف. في ما مضى كانت الحركات السياسية والأحزاب تولد من الجامعات، وقد وصل نواب إلى البرلمان على أيدي طلاّب. الطلاب الجامعيون كانوا المخبز الذي تعجن فيه الحركات السياسية. أما اليوم فهم صدى للتيارات السياسية والشخصيات، هم غرائز أكثر من عواطف. لا تعقد الإنتخابات الطلابية في الجامعات على أساس برامج بل خطاب سياسي «مروّس» مذهبي أو مناطقي. نظن أننا ننعم بالحرية إنما الواقع يؤكد أننا نعيش الضياع والإنفلات. الحرية أرقى ويجب أن نستحقها. لو كنا أحراراً لما تكلّمنا عن الظلم اللاحق بالموظف والأجير والمرأة والمسن والطفل اللبناني. لا أمان اقتصادياً ومعيشياً للمواطن اللبناني، نحن ننعم بمتنفس وهمي.
- مفهوم الناشطة السياسية المصرية خصوصاً طفا أخيراً مع اندلاع الثورات العربية. كيف تقومين وجوّدها؟
لقد منحوها حق التعبير بالصراخ. لقد وأدوا الثورة فور ولادتها. في مصر التي تعنينا كعرب، كانت لديّ رغبة في الإنضمام إلى الثوار. أما اليوم فأصبت بالإحباط، لا أشكك في عزيمة الثوار والطلاب وشعاراتهم ولكن هذا الشارع قد استخدم. هناك تطور إلى الوراء في اتجاه السراديب والدهاليز. لقد جُعل من الناشطة السياسية ديكوراً. من جانب آخر، ومع سقوط الرئيس التونسي زين العابدين ضُرب كل المفهوم التونسي بالبُعد الأوروبي. هل هذه هي الثورات المطلوبة في عالمنا؟ ان نتقوقع من جديد؟ الصور التي نشرت عن ما تعرضت له ناشطة مصرية كان مخزياً ومعيباً وهؤلاء براء من الدين الإسلامي الذي أفقهه جيداً.
- إلام تطمحين في السياسة؟
لست مهجوسة بمنصب سياسي. ولكن إن وصلت سأكون على قدر المسؤولية.
خديجة المحيميد: النشطات السياسيات لسن نخبة تتقن قراءة موازين القوى إنما مشاركات في الحراك المجتمعي
الناشطة السياسية رئيسة جمعية الأمان الاسري خديجة المحميد قالت: «هنالك تصوير معمم ومعولم إن صح القول عن من هي الناشطة السياسية، وعادة هذه الصورة منقولة من الخطاب الغربي الأوروبي والأميركي. فالناشطة سياسياً هي التي تعرف نشاطها السياسي كهوية وليس كنمط حياة أو كطرف من حياتها، أو حتى تعرفه كخيار قد توصلت إليه وهي في سنتها الجامعية الأخيرة. وهنا تكمن خطورة تحديد النشاط السياسي تحت قناع الهوية.
فالنشاط السياسي كهوية يطغى عليه القالب الفردي ويمحور كل العلاقة مع من تعرف نفسها كناشطة، الى حدود الخطاب السياسي المحدود المبتعد أحياناً عن التجارب اليومية. وهذا بالتالي يفرض نوعية علاقه مبنية على فرضية أن هنالك تجربة وتعريفا سياسيا واحد ولا فروقات بين الناشطات السياسيات. لا بل هنالك فرضية تراتبية بأن الناشطات السياسيات هن نخبة تتقن قراءة موازين القوى وغير الناشطين والناشطات هم وهن يعيشون في تأخر في النمو المجتمعي، وهذا ليس صحيحاً».
وضربت المحيمد مثالا على ذلك عندما «أصرّت مجموعة نسائية فلسطينية على حرث الأرض لتوفير بعض الأساسيات في البيت، رغم تهديدات السلطات الإسرائيلية بمصادرة الأرض، فمن الصعب أن لا نرى الرابط السياسي الكامن في «صراع البقاء» هذا. لربما هؤلاء النساء لم يخترن تعريف ناشطات ولكن إصرارهن السياسي إنما كان أساسياً لتوفير الطعام للعائلة. واسأل هل ممكن أن نقول أن هؤلاء النساء لسن مُسيّسات أو أنهن مجموعة نسائية مجرّدة من الحياة السياسية؟ طبعاً لا».
عائشة الرشيد: الناشطة تفضل خدمة قضايا بلادها على زواج غير متكافئ
بدورها قالت الناشطة السياسية عائشة الرشيد: «النشاط السياسي والمجتمعي، هما نشاطان متلازمان، بمعنى انه لا يمكن فصل الحياة الاجتماعية عن الحياة السياسية، مما يعني عبثية في فصل المرأة عن موازين القوى المجتمية المؤثرة فيها والمتأثرة بها. والسبب في عدم فصل النشاط السياسي عن النشاط الاجتماعي هو ان الناشطة السياسية تمارس نشاطها السياسي من خلال تواصلها الاجتماعي مع غيرها من النساء، فالتواصل هو الطريقة الوحيدة لإيصال الأفكار وجمع الاراء حول رأي واحد، وهذا التواصل دائما ما يكون خلال التجمعات مثل الندوات الثقافية والملتقيات الاعلامية وعلى هامش المؤتمرات ومن خلال وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة».
وأضافت الرشيد: «حرية التعبير عن الرأي مكفولة للجميع، ولكن الأمر لا يخلو من مضايقة بعض الرجال للمرأة، وهذا يكون من باب الشعور بأن الناشطة السياسية أقوى من الرجل قولا وفعلا وحماسة. ومن جهة أخرى قد يكون هذا سببا لتقرّب بعض الرجال من الناشطة والتودد إليها، وابتعاد رجال آخرين لا يرغبون فيها كزوجة بسبب المكانة الاجتماعية التي وصلت إليها وخشية من قوتها النابعة من رجاحة فكرها. وفي كلتا الحالتين فالناشطة بالتأكيد لا ترغب في الزواج من اي رجل والسلام، بل انها عندما تختار زوجا لها فمواصفاته يجب أن تختلف، إذ لا بد من أن يكون مستوى فكره مقارباً لمستوى فكرها، وغالبا ما تفضل العيش دون زواج على الا تقع في مشكلات الزوج الذي يغار من نجاح زوجته وبزوغ نجمها في المجتمع، كما ان الناشطة غالبا ما تخصّص معظم وقتها بل كل وقتها لخدمة قضايا مجتمعها».
فاطمة العبدلي: مكانة راسخة وشخصية قوية
الناشطة السياسية الدكتورة فاطمة العبدلي أشارت الى أن العمل السياسي للمرأة أو بمعنى أشمل نشاطها السياسي، ربما يحسدها عليه الرجال أو يستكثرونه عليها. وقالت إن الناشطة السياسية هي «إنسانة صاحبة شخصية قوية وفكر شامل ملمّ بكل جوانب الحياة سواء السياسية والاجتماعية والدينية ايضا. هذه الشخصية استطاعت ان تصنع لنفسها مكانة في مجتمعها بنفسها ولم تنتظر ان يمنحها احد إياها». واعتبرت ان الناشطة السياسية هى أكثر قوة من الوزيرة أو النائبة، رغم تقديرها للاثنتين، واشارت إلى ان الرجال يخشون هذا النوع من السيدات.
فاطمة الفزيع: الرجل يتزوج من الطبيبة والمهندسة ولا يعلن لاهله رغبته الزواج من ناشطة سياسية!
قالت الناشطة السياسية فاطمة الفزيع إن الرجال يعتقدون أنهم الاقوى وعندما يرون من النساء أقوى منهم يحاولون الابتعاد عنهن. «هذا هو حال الناشطة السياسية التي يخشاها الرجال». ولفتت الى دور الإعلام الذي صوّر الناشطة السياسية على أنها مفتولة العضلات قوية البنية شديدة اللهجة، «ولكن على العكس تماما، فالناشطة السياسية لم تكن ناشطة إلا إن كانت صاحبة حس مرهف تجاه قضايا مجتمعها. كذلك هي صاحبة مبدأ تعمل من أجل تحقيقه وتحقيق هدف واضح ومحدد وهو خدمة وطنها. ولكن الرجل يتباهى بأن يتزوج من طبيبة أو مهندسة أو معلمة ولكن لا يستطيع ان يقول لأهله إنه سيتزوج من ناشطة سياسية».
الناشطة السياسية الكويتية: أكثر قوة من النائب والوزير ويخشاها الرجال
«الناشطة السياسية» في الكويت دور أكثر منه مصطلح، فالمرأة الكويتية منذ زمن طويل تمارس تحركا تستحق من خلاله ان يطلق عليها لقب ناشطة سياسية. ولكن ربما لم تكن تعنيها المسميات في تلك الفترات، أما الآن فاللقب أصبح مهماً لأنه السحابة التي تستظلّ بها خلال مشاركتها في العمل السياسي والاجتماعي... حول مواصفات الناشطة السياسية وتحرّكاتها ودورها التقينا بعض الكويتيات.
نجلاء النقي: اللقب ليس وجاهة اجتماعية إنما له مواصفات خاصة
الناشطة والمحامية في الفتوى والتشريع نجلاء النقي قالت: «الكثيرات منحن أنفسهن لقب ناشطة سياسية، وذلك من باب الوجاهة الاجتماعية. ولكي تمنح أي امرأة هذا اللقب لابد لها من مواصفات تؤهلها لذلك، ومنها أنها لا بد ان تكون مدركة ومتابعة بحرص ودقة للوضع السياسي العالمي والإقليمي. أيضا عليها أن تلمّ بالمشكلات التي يعانيها مجتمعها وكذلك المجتمعات الأخرى، مع ضرورة أن يكون لها فكر واعٍ بقراءة الأحداث ورؤية واضحة للحلول التي من الممكن أن تساهم في تقديم صورة مشرفة لرفعة شأن بلدها». وأضافت: «من الخطورة ظهور من يدعون أنفسهن ناشطات سياسيات بكثرة دون ان يكون لديهن خلفية سياسية واجتماعية واضحة لما لهن من تأثير على من حولهن، خوفا من أن يكون تأثيرهن سلبياً وعكسياً».
مفهوم ناشطة سياسية 5
المرشّحة المصرية لرئاسة الجمهورية بثينة كامل: لدي إحساس بأنني سأموت جراء الإصابة بسرطان الرئة
سُعالها حاد كحزنها الأسود على من لقوا حتفهم في أحداث بورسعيد. لا يمكن إلاّ أن يكون السؤال الأول، هل تعرّضت للبرد في لبنان؟ أما الأكثر جدلاً لشخصها، هل يمكن أن تحكم مصر «كليوباترا جديدة»؟ لقاء مع الإعلامية والمرشحة الوحيدة لرئاسة الجمهورية المصرية بثينة كامل في بيروت التي كان يخترق هدوءها رنينُ هاتفها المحمول: «يسقط يسقط حكم العسكر...».
- هل تعرّضت للبرد في لبنان؟
لا بل غاز أحداث ميدان «محمد محمود» منذ شهرين. بعد احتشاد مليونية انفضّ الاعتصام مع بقاء قرابة المئة شخص (أهالي شهداء غالباً) كانوا يشغلون حيزاً ضيقاً لكن فوجئنا بأن الجيش انهال عليهم بالضرب وبدأت أحداث «محمد محمود» التي لم تكن مفهومة. وحين احتشد المعتصمون مجدداً بعد الإعتداء على الأهالي ضُرب الخرطوش. وقد فقد خلال هذه الأحداث طبيب الأسنان أحمد حرارة عينه الثانية والمدوّن مالك مصطفى فارق الحياة. وبدأت معركة طوال أسبوع استخدم فيها الغاز بشكل قاتل وحتى تمّ استخدام غازات سامة في ميدان التحرير. كانت الشارع شديد التوتر وسادت فيه الأجواء المؤذية، فخرجت منه مصابة بـ «كُحّة فظيعة»، سعال وقد تعرّض البعض لتشنّجات غريبة ونزف. كان استخداماً وحشياً للغازات القاتلة، لديّ إحساس بأنني سأموت جراء الإصابة بسرطان الرئة.
- التقيت الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر أخيراً وكان له اعتراف بهذا الخصوص.
نعم، قابل منظمات المجتمع المدني و(المشير حسين) الطنطاوي والمرشد العام للإخوان ومرشحين للرئاسة، وأنا منهم. كانت المناقشة عقب الإنتخابات فمركز «كارتر» حصل على مواقفة للإشراف عليها طبقاً لمدونة الإشراف الدولي على الإنتخابات التي صدرت من الأمم المتحدة وكانت مصر موقعة عليها. سألت كزملائي عن الإنتخابات وقد قدمنا تقريراً كحركة «شايفينكم» ثم سألنا هل ستطعنون في نتيجة الإنتخابات فأجبنا: «رغم الإنتهاكات التي رصدناها، ليس هذا همّنا الحالي وإنما نقل السلطة إلى المدنيين وإزاحة المجلس العسكري». هذا هو الخطر الحقيقي على مستقبل مصر. كلّمته عن حادثة ضرب الخرطوش. قلت له إنه رغم أن السلاح الأميركي صوّب تجاه المواطن المصري في ثورة يناير إنما نحن شعب متسامح وقد تجاوزنا ذلك. في أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء بعد إطاحة بمبارك اكتشفنا أن «فوارغ الغازات» هي صنع الولايات المتحدة الاميركية وهذا قد يولّد الكراهية تجاه الشعب الأميركي. بدأ تسليح الجيش المصري أميركياً في عصر جيمي كارتر بطلب من أنور السادات بعد أن كان التسليح الكامل من الإتحاد السوفياتي. أجابني: «لا أنا ولا أي من الرؤساء اللاحقين كانوا ليتخيّلوا احتمال استخدام الجيش المصري هذا السلاح ضد الشعب». وأودّ أن أشير هنا إلى أنني ترشّحت لجائزة أشجع امرأة لعام 2011 من وزارة الخارجية الأميركية لكن رفضتها رغم أنها جائزة مهمة بعد أحداث محمد محمود. فجزء من الشجاعة عدم قبول هذه الجائزة، فأنا كل مواقفي متسقة. لا يمكن أن أقبل جائزة من دولة شاركت ولو بشكل غير مباشر في قتل الثوّار.
- من هي بثينة كامل قبل إطاحة الرئيس السابق حسني مبارك واليوم؟
أنا سيّدة مصرية عشت كل حياتي في مصر ودرست فيها. دخلت كلية التجارة ومن بعدها دبلوم نظم سياسية واقتصادية مع دراسات أفريقية وحرّة (نحت) بعد الجامعة. كنت مهتمة بالنشاط السياسي في الجامعة.
- ما العناوين التي كانت تستفزك آنذاك؟
كانت القضية الفلسطينية هي المسيطرة. وكانت بداية ظهور الجماعات الإسلامية المتطرّفة التي كان أفرادها يهاجمون مسارح الطلاب ويضربونهم بالجنازير ويمنعون المسرحيات. كانوا مناهضين للحركات الوطنية. نجحت في اتحاد انتخابات الطلبة، وقد شُطب اسمي من الانتخابات في السنة التي تلت بسبب معارضتي لاتفاق كامب دايفيد ومواقف سياسية أخرى. كنت رئيسة جامعة الصحافة والأدب. كنا نعزز الحديث عن الحركات الطلابية والنضال الوطني.
- كيف كانت نظرة المحيط إلى الفتاة الثائرة التي كنتها؟
اجتذبتني أجواء طلابية حقيقية، لم أشعر بأي استنكار من ديموقراطية والدتي. وفي المرات العديدة التي قبض عليّ فيها اقتضى الأمر دخول أقسام دون سجن. وفي إحدى المرات قبض عليّ واعتقلت. كانت أيام الإجتياح الإسرائيلي للبنان بعد أن شكّلنا لجاناً تضامنية مع الفلسطينيين الذين خرجوا من لبنان إلى تونس. كنا نطبع المنشورات ونجمع وحدات الدم. كان نضالي سلمياً وعلنياً طوال الوقت، لم أنضم يوماً إلى أحزاب سرّية... كانت جدّتي من فتيات ثورة 19.
- ما كان اسمها؟
عائشة مرتضى. كانت تتلو عليّ أشعار الطلبة على الدوام. عندما انجذبت إلى العمل السياسي في الجامعة كنا نقول العمل الطلابي. في المجتمعات المستبدة، تسمى الناشطة السياسية الناشطة الحقوقية. العمل الطلابي لا العمل السياسي، وقبل دخولي إلى الجامعة بعام واحد ألغى الرئيس السادات النشاط السياسي في الجامعات. لا أذكر أن الأهل اعترضوا طريقي يوماً حتى تخرجي من الجامعة ومتابعة تحصيل الدراسات العليا. ولاحقاً، عملت في «الجهاز المركزي للمحاسبات والمراجعة» لمدة ستة أشهر. في تلك الفترة، كنت قد تقدمت للعمل في الإذاعة ونجحت في الإمتحان لتقديم نشرة الأخبار.
- هل كنت مقتنعة بما تقرئين؟
كانت أخباراً مملّة. كنت على ثقة بأن المشاهد غير مقتنع بها. لكنني بدأت عملي الإعلامي في غياب الإعلام الخاص، كانت فرصتي المُتاحة. لم أكن أظهر «وجهي» بل مجرّد قارئة. نشأ الصدام من نجاحي، التميّز مرادف للحرب في مجتمعاتنا. بدأت الحرب على برنامجي الناجح «اعترافات ليلية» في الإذاعة، كذلك برنامج «مصر التي لا نعرفها» الذي عرّضني للكثير من المضايقات. هذا ما دفعني إلى الإنتقال إلى التلفزيون.
- ماذا تقصدين بالمضايقات؟
برزت في عصر سيطرة «الكبار» الذين يعرقلون الفرص أمام الجيل اليافع. كان المذيع «يطلع على المعاش ويفضل يقدّم». لكنني حقّقت نجاحاً غير متوقّع. التميّز في واقع غير متميّز يثير عداوات وكراهية وتكسير عظام. وفي النهاية، توقف البرنامج وانتقلت إلى تقديم نشرة الأخبار في التلفزيون. ثم قدّمت برنامج «أرجوك إفهمني» على شبكة أوربت. أما عام 2005 يوم الإستفتاء على تعديل المادة 76 الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية فحصل تعدٍّ على الصحافيات والناشطات وهتك عرض أمام نقابة الصحافيين. في تلك اللحظة ...
- لمَ تمّ الإعتداء على النساء فقط؟
هذا سلوك معروف لإذلال الرجل و«كسره». هذا ما خبرناه أخيراً، تعرية النساء أمام مجلس الوزراء المصري. حاول المجلس العسكري قلب الحقائق كتصوير عمليات رمي الشهداء في القمامة بأنها حصلت في اليونان. لقد اعتدنا على كذبهم ولدينا حملة في مصر أطلقنا عليها اسم «كاذبون» بسبب ما يصدّرونه إلى الإعلام. ونحن بهذا الصدد نعدّ أفلاماً مصورة حيّة من الشارع عن الانتهاكات الحاصلة. يوم 25-5- 2005، لم أتمالك نفسي. نزلت إلى الشارع وكنت مذيعة أخبار القناة الأولى والفضائية المصرية، نزلت وكانت حركة كفاية الداعية للوقوف على سلّم نقابة الصحافيين، كان يومها الأربعاء الأسود. كانت المرة الأولى التي أهتف بها ضد مبارك ووزير الداخلية حبيب العادلي. وبعد ذلك، انضممت إلى حركة للمراقبة الشعبية «شايفينكم» وراقبت الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية ووثقت الإنتهاكات بالصوت والصورة. وكنت مذيعة أخبار. اما عام 2006، فشعرت بأنني فقدت الأمل في الإصلاح. كنت بحاجة إلى إجازة، وتوقفت عن قراءة نشرة الأخبار في التلفزيون المصري. وفي الوقت نفسه، لم أعد أملك القدرة على إذاعة الأكاذيب. عام 2007، دخلت في حركة «مصريين ضد الفساد» وكان عملنا ترويجياً للإتفاقية الدولية لمحاربة الفساد التي وقعتها مصر، مع منح جائزة «المحارب المصري ضد الفساد» في اليوم العالمي لمحاربة الفساد، 9 كانون الأول/ديسمبر بناء على التصويت الإلكتروني. بدأ انخراطي الحقيقي كناشطة. أشارك في الوقفات الإحتجاجية، أشارك في جلسات المحكمة في قضية خالد سعيد. كل زخم النشاط الذي بدأ منذ عام 2005 شاركت فيه حتى قيام الثورة.
- بعد عام على الثورة، كيف تقوّمين المشهد السياسي في وطنك؟
بعد عام على الثورة، «اتحكمت» عسكرياً وتم توقيف برنامجي على شبكة أوربت. ثم تمّ منعي من قراءة الأخبار بعد نشرتين من المجلس العسكري حين قررت العودة. وأعلنت في نيسان/أبريل المنصرم ترشحي لرئاسة الجمهورية. لكن رغم «الكحّة» والإرهاق وحرب التجويع وتعطيلي مهنياً وحرماني من راتبي أنا سعيدة وفخورة بأنني جزء من الثورة. حين سال الدم، لم يكن أمامي إلاّ خيار النصر أو الشهادة. ولا أعتبر أن حملتي الرئاسية تقليدية مثل كلينتون ولا أجد أنه يصلح ذلك وأنا في قلب الثورة حتى إسقاط النظام. لم يسقط النظام حتى الآن. النائب العام الذي كان أيام مبارك لا يزال موجوداً في ظل التراخي وثمة محاولة للإلتفاف على الثورة. رغم كل هذه الصعاب والألم، هناك هدف أكبر هو تحرير الوطن وتأمين مستقبل أفضل لجيل المستقبل. علينا عبء كبير، وهبت حياتي للثورة ولا أفكر بأي مصلحة شخصية.
- ألا تخافين على نفسك؟
الشهادة هي غاية ما أتمنى. أعتبر أن المصري الذي لا يشارك في الثورة خاسر، نحن نصنع تاريخ مصر الجديدة. لقد جرّدوني من مهنتي، من راتبي، وسرقوا سيارتي وحاكموني عسكرياً وشنوا عليّ حملة شعواء عبر الإنترنت وبحقي كإمرأة وجّهوا إليّ أحقر الألفاظ وحملات تشويه، «شغل مخابرات ولجنة الكترونية». هناك قائمة إلغاء طويلة في حسابي عبر تويتر نتيجة التجريح والشتائم التي أتعرض لها. ثمة قصيدة للشاعر عبد الرحمن الأبنودي عنوانها: «رسالة إلى المجلس العسكري»، يقول فيها: «ما بعرفش أبكي إخواني إلاّ في الليل...». ما يدفعني قدماً استمرار الثورة، لن أهدأ إلاّ عندما يحكم الشباب والعقول النيّرة مصر العظيمة التي تيبّست وتحنّطت حتى يهيمن عليها فرعون بمحاولات التوريث، لكن المارد المصري نهض من سباته.
- بعد ثورة تونس مباشرة ...
ثورة تونس كانت ملهمة جداً. كنا نروّج للثورة التونسية عبر الإنترنت مذ أضرم محمد بو عزيزي النار في جسده، تقرّبت من النشطاء العرب، الموريتاني ودادي ... في حين كان الخطاب المصري الرسمي يروّج لـ «مصر أم الدنيا» كأننا لا نفكر إلاّ في نفسنا، أما الجيل الجديد فمهموم بكل القضايا العربية المحيطة.
- كيف تعرفين نشاط المرأة سياسياً قبل إطاحة مبارك؟
كانت تعمل تحت مسمى «ناشطة حقوقية» كنوع من التأمين. وبالفعل المرأة العربية وليس المصرية فقط تحركّت بشكل علني وبزخم شديد وفي مقدّمهما اليمنية توكل كرمان والمصرية نوارة نجم. قد يرى البعض أن عيوب الثورة المصرية غياب القائد الواحد، لكنني أرى العكس تماماً لأنه لو كانت الثورة موجهة من شخص واحد لكانوا اغتالوه أو اشتروه.
- هل يمكن أن تحكم مصر «كليوباترا» جديدة؟
أطلقت حملتي من قرية المريس في الأقصر. فقد كانت لنا «معركة» مهمة هناك كـ «مصريين ضد الفساد» عام 2010 من خلال دعمنا لأهالي المريس لنستعيد 550 فدّاناً من الأراضي الزراعية بعدما استولت عليها الحكومة. بيننا نضال مشترك. بعد إعلان ترشحي، لم أرفض دعوة واحدة وجلت بشكل مركّز في الصعيد وسيناء ووجه بحري. لم أواجه أي هجوم من الأهالي لا بل دخلت بيوتهم وأماكن التجمع التقليدية ولم أقبل تمويلاً من أحد. أعتمد على الدعوات من الجمعيات والجامعات والأهالي. لم أتحرك برفقة رجال أمن أبداً. ومن يستغرب ترشحي لا يعاملني بعدوانية رغم تعرّض بعض المرشحين الرجال للإعتداء في أسوان وأسيوط وسوهاج، شخصيات كبيرة ومهمة مثل عمرو موسى تعرّض لمواقف محرجة مراراً. لن أحتمل نجاح بثينة كامل إلاّ بنجاح الثورة. لكن استمرار الثورة المضادة يجهز على أي أمل مصري ووصول أي مرشّح لا ينتمي إلى المجلس العسكري أو النظام القديم. لغاية اليوم، رئيس المخابرات الأسبق عمر سليمان يتردّد على مكتبه! النظام لم يسقط.
- لم اعتدت شيرين محمود راضي بالضرب على بثينة كامل؟
وجّهت إليّ لكمة على أنفي. هذا أثر خاتمها (تشير إلى منطقة زاوية الأنف). كان ذلك بداية الإعتصام أمام مجلس الوزراء. وكانت الخطة المخابراتية أقفال بوابات التحرير من قبل البلطجية. وحين تتحدثين إليهم تشعرين بأنهم تناولوا ال«ترامادول» أي «مبرشمين» يتصرفون دون وعي. نزولي مع قيادات نسائية لفتح البوابات لتأمين المعتصمين وحمايتهم من السرقة والممارسات المسيئة كتعاطي المخدرات وخيم الدعارة التي تشوّه صورة الثورة. نجحنا في فتح البوابة الخاصة بشارع القصر العيني وفجأة تجمع حولنا عدد من الشبّان. نصحتهم بالتراجع وقلت لهم إن ثمة ممارسات غير لائقة تحصل. ظنّت إحدى الفتيات أنني أقصدها فوجّهت إليّ لكمة. هذه الفتاة كما رأيتها وبناء على أسلوبها في الكلام هي من بنات الشوارع وقد أعدّت مسبقاً وخصيصاً للاعتداء. هؤلاء البنات يتقنّ الدفاع عن النفس لأنهن موجودات في الشارع. هنّ ضحايا نظام مبارك. اتمنى أن نؤمن لهن مستقبلاً أفضل من الشارع. كانوا يرمون أحياناً 300 حدثاً دفعة واحدة ونشّالين في الميدان.
- لمَ أعيد فتح ملف فحص العذرية الذي تعرّضت له بعض الفتيات المعتصمات؟
نعم، بسبب سميرة بركات. في يوم 9 آذار/مارس تم فض الإعتصام في ميدان التحرير وتعذيب المعتصمين ومن بينهم مطرب الثورة الطالب الشاب رامي عصام. كما اعتقلوا سبع فتيات تعرضن للشتائم في السجن الحربي وخضعن لفحص عذرية. فتاة واحدة منهن وهي من الصعيد كانت لها الجرأة للمواجهة رغم التهديدات. أعتبر سميرة بركات من أيقونات الثورة. والدها داعية إسلامي وسياسي شجعها على رفع قضية لأنها عاشت تجربة «الحرب على الإرهاب والجماعات الإسلامية». في الصعيد المصري كان يتم حجز النساء بغية القبض على الرجال. هي خبرت تجارب نساء قبلها. قضيتها هي قضية كل امرأة في مصر. وقد نجحت في إدانة المجلس العسكري. ليس من السهولة في مجتمعاتنا الشرقية أن تتكلم المرأة عن تعرّضها لإنتهاكات. فهي تجرَّم أحياناً. لقد تمّ الاعتداء على سميرة في القضاء العسكري ويحاولون اليوم تحويل قضيتها من هتك عرض إلى خدش حياء.
- ما موقفك من المطالبة بتعديل قانون الخلع وسن الرؤية؟
ثمة هجوم على حقوق المرأة، قانون الخلع والرؤية وإلغاء «الكوتا» البرلمانية، أي مكتسبات حصلت عليها المرأة بعد نضال بحجة أنها مكاسب سوزان مبارك وكأنهم بذلك ضد النظام. هذا ضد المرأة. لجنة التعديلات الدستورية التي شكّلها المجلس العسكري غاب عنها التمثيل النسائي ولذلك نعمل كمجموعة من الناشطات والنشطاء على وثيقة حقوق المرأة عند كتابة الدستور. ومن أهم مطالبنا تمثيل المرأة بنسبة 30 في المئة على الأقل في لجنة كتابة الدستور، أن يوّجه للمواطن وللمواطنة. هم يقولون إن الخلع هو «قانون سوزان مبارك»، المستفيد من الخلع أساساً هن النساء الفقيرات اللواتي يهجرهن أزواجهن ويفشلن في إثبات الضرر والحصول على الطلاق. لا يمكن المرأة أن تحصل على مبلغ الضمان الإجتماعي إلاّ لدى إثبات عدم استفادتها من المعيل. هذا القانون لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية.
- كان مشهد عربات الفول والطعمية في الشوارع المصرية يمثّل التقليد والذاكرة والأفلام المصرية. لكنه اليوم بالنسبة إلى كثيرين صورة حقيقية الفقر والتجويع من حرم من تناول اللحم. هل مصر فقيرة إلى هذا الحد؟
مصر غنيّة وليست فقيرة، لكن خيرها لغيرها بسبب حكامها. مثلاً يوسف بطرس غالي قضى على الثروة الزراعية واستورد مبيدات مُسرطنة من اسرائيل. حكومات احتلال وليست حكومات وطنية.
- اليوم إلى أين؟
الثورة مستمرة رغم احتلال الإخوان والسلفيين نسبة 70 في المئة من البرلمان وخلع مبارك الموجود في المركز الطبي العالمي وتصرف عليه الملايين بينما المواطن لا يجد «أنبوبة غاز» يطهو عليها طعامه في ظل ارتفاع شديد للأسعار.
- ماذا عن الترهيب من الإخوان؟
أوصل الصندوق الإنتخابي الإخوان، فليكن وليُمنحوا الفرصة. فالشعب المصري لم يعد ممكناً التحكم في مصيره. لو وقفنا عند سقوط الأقنعة وكمّها المزيّف، أعتبر أن هذا جزءٌ من التطهير للساحة السياسية. من مصلحة مصر أن يظهر الجميع إلى النور بعد قرار الحظر. لقد عارضت المحاكمات العسكرية بحق الإخوان وقد وقّعت ذلك قبل الثورة.