وزارة العدل: زواج القاصرات في السعودية ليس ظاهرة

طلاق, تزويج القاصرات, المملكة العربية السعودية, سهيلة زين العابدين, المجتمع السعودي, زواج القاصرات

12 مارس 2012

عادت قضية زواج القاصرات في السعودية إلى الواجهة بعدما طالب مفتي عام السعودية ورئيس هيئة البحوث العلمية والإفتاء  الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ الجامعات السعودية بضرورة درس هذا الزواج من الناحيتين النفسية والاجتماعية، نظراً إلى كثرة المستفتين في هذا الموضوع. ورغم أن وزارة العدل السعودية أكدت أن زواج القاصرات لا يعد ظاهرة كبيرة متفشية في المجتمع السعودي، شددت هيئة كبار العلماء على وجوب درسها.


«طفلة القصيم» ارتبطت بالزوج الثمانيني في عقد قران حرر في رمضان الماضي، وحدد مهرها بمبلغ 85 ألف ريال بعدما استكمل الزوج متطلبات العقد من تسجيل وتوثيق وإحضار شهادة الفحص الطبي لما قبل الزواج. وجرت مراسم توقيع العقد من دون معارضة من والد الطفلة، فيما تعمل الأم على فسخ العقد من خلال أروقة القضاء. ولم تكن طفلة بريدة هي الحالة الأولى التي تشهدها منطقة القصيم، فسبق أن شهدت محافظة عنيزة حالة مشابهة لفتاة زوجها والدها لرجل خمسيني قبل أكثر من عامين من دون علمها أو علم أحد من أقاربها بمن فيهم والدتها، لتكتشف الأم لاحقاً زواج ابنتها، وهو ما جعلها تطالب بإبطال عقد الزواج، في حين برر الأب تزويج ابنته في هذه السن بالمحافظة عليها وحماية مستقبلها. أما الزوج فأبدى تمسكه بالطفلة ورغبته في إبقائها زوجة له رغم صغر سنها، قبل أن يتدخل أمير منطقة القصيم الأمير فيصل بن بندر فاستقبل الزوج في مقر الإمارة، ونجح في التوسط لإنهاء هذا الزواج.
وفي قضية أخرى في شرق السعودية تم زواج آمنة محمد (10 أعوام) من رجل يكبرها بـ15 عاماً. ومع أن الطفلة لا تزال تدرس في الصف الخامس الابتدائي، فإن والدها عقد قرانها.


الطيار

قال مدير الإعلام والنشر في وزارة العدل إبراهيم الطيار إن وزارة العدل رصدت زواج القاصرات وهي تمثل متاجرة، وصدرت أحكام قضائية تقضي بنزع ولاية الصغيرة عن وليها وإسناد الولاية إلى غيره لعدم الكفاءة، لافتاً إلى أن هذه الحالات استثنائية كما تحصل حالات عدة في دول كبرى.
وأوضح  أن وزارة العدل جهة تنفيذ وتوثيق لا جهة تشريع، وأي إجراء تنظيمي أو وقائي يخرج عن نطاق صلاحياتها التنفيذية يتطلب نصاً تشريعياً، ومع هذا اتخذت الوزارة إجراءات وقائية تخرج عن الإطار التشريعي وفق صلاحياتها التنفيذية، مما حد من بعض هذه الزيجات، مؤكداً أنها ليست ظاهرة لأنها بحسب رصد الوزارة «لا تصل الى هذا المستوى البتة وفق إحصاءات الزواج الموثقة لدينا».


حقوق الإنسان: هذه الزيجات تزيد نسبة الطلاق

أكدت عضو جمعية حقوق الإنسان الدكتورة سهيلة زين العابدين أن التكوين الجسمي والنفسي للطفلة لا يجعلانها تتحمل المعاشرة الزوجية، وبعضهن أصيب بنزف حاد إثر المعاشرة الزوجية، كما لا يجعلها تتحمل الحمل والولادة، وكثيرات منهن يتعرضن للإجهاض لعدم اكتمال نمو الرحم، ومنهن من يقضين أثناء الوضع. واضافت: «هناك انعكاسات سلبية للزواج المبكر على صحة الأبناء  أكدتها الأرقام والبيانات المستمدة من دراسة أسباب الإعاقة في العالم، حيث تبين أن الزواج المبكر وإنجاب الأمهات الصغيرات للأطفال قبل أن يكتمل نموهن ويقوى عودهن يشكلان أحد أهم أسباب حدوث الإعاقات  لدى أطفال الدول النامية، وأطفال  المجتمع العربي، وهذا ما أكدته  وزارة الصحة السعودية. فهناك آثار صحية بالغة الخطورة تجلب نتائج سلبية على صحة الأم القاصر وعلى أطفالها لاحقا، وديننا حريص على صحة النسل، وهناك أحاديث نبوية تحث على ذلك».

وأوضحت أن الدراسات أثبتت أن الفتيات اللواتي تزوجن باكراً لم يستطعن التكيف عاطفياً مع أزواجهن في الأعوام الأولى للزواج، وشبهن العلاقة بالشراكة الوظيفية، أكثر من كونها عاطفية. ويحرمها الزواج في سن باكرة من تعلم مهارات الحياة بشكلٍ عام، سواء في مجال العناية بالأسرة والزوج والأطفال، أو في التعامل مع محيطهن الاجتماعي، فتلجأ الكثيرات منهن إلى الطلاق بعد فترة قصيرة من زواجهن. ولفتت إلى أن زواج الصغيرات من مسنين يساهم في زيادة نسبة أميتهن، ويؤدي إلى ارتفاع نسبة الطلاق، وانحراف الزوجات الصغيرات إن بلغن سن النضج النفسي والجنسي عند عجز الزوج المسن عن إعطائهن حقوقهن الشرعية، مما قد يؤدي إلى قتل الزوج، أو الانتحار، أو الخيانة الزوجية.
وأشارت إلى أن زواج القاصرات فيه مفاسد وضرر على المجتمع، خصوصاً أن الإسلام لا يقر الضرر، ولا الإضرار. وغالبية هذه الزيجات جاءت من أب مطلق لأم الطفلة، والطفلة في حضانته، ويزوجها من دون علم أمها مقابل تسديد الزوج الكهل ما على الأب من ديون، أي أنه باع ابنته.


المجتمع السعودي يستقبح زواج القاصرات

قال الاختصاصي الاجتماعي في جامعة الملك سعود الدكتور سليمان العقيل إن المجتمع السعودي يمر بالكثير من المتغيرات في كل جوانبه، ومرد ذلك إلى التنمية والانفتاح الاجتماعي على المجتمعات الأخرى، وكذلك الاستعداد المجتمعي للمحاكات والاقتباس والاستعارة من المجتمعات الأخرى والتخلي عن بعض القضايا الاجتماعية الموروثة او التي يُظن أنه زال أثرها، مضافا إلى ذلك الوعي بأمور الدين الاسلامي وعيا يتطابق مع مستجدات العصر، ومن ضمن هذه القضايا والمستجدات زواج القاصرات.

وأضاف: «لا يظن أحد أن زواج القاصرات قضية اجتماعية مهمة جدا أو أنها أهم القضايا في المجتمع العربي السعودي، ولكن بقراءة الآثار المترتبة على هذه المشكلة الاجتماعية في جوانبها المختلفة نرى أنه احتلت مكانا بارزا يستدعي البحث والدراسة والتمحيص ومن ثم وضع الحلول الناجعة». واشار إلى الآثار الاجتماعية المترتبة على العلاقة الزوجية بين الزوجين، وطريقة التعامل مع الحياة الزوجية من عدم المسؤولية الاجتماعية تجاه الزوج والحياة الزوجية وتجاه العلاقة الاجتماعية بينها وبين أهله وأهلها وطريقة إدارة المنزل وغير ذلك من القضايا المترتبة على طريقة الحياة. «ففي السابق كانت القاصر تكون ضمن الأسرة وتتعلم من الأسرة كل مجريات الحياة».

وأوضح أن المشكلات النفسية المترتبة على هذه الحياة الاجتماعية الجديدة والتي قد تمثل للفتاة صدمة نفسية أو أمراضاً مثل الاكتئاب أو الفصام وذلك بإدخالها قسرا إلى مرحلة اجتماعية متقدمة تحتاج معها الى تهيئة نفسية واجتماعية وذوقية وجسمانية.  وذكر أنه من الناحية القانونية لهذا الزواج «لم نجد في التاريخ الإسلامي أو في التاريخ البشري أي تقنين للمرحلة العمرية للزواج، ولكننا نجد أن المجتمعات بعامة وفي مستواها الاجتماعي تضع بعض الأعراف لمثل هذه القضية. وبعض المجتمعات تضع القوانين الرسمية المنظمة لهذا النوع من الزواج، والمجتمع السعودي في تحديثه وتطوره يحتاج الى التقنين الرسمي لهذا النوع من الزواج وغيره من القضايا التي تحتاج الى تقنيين».

وأكد العقيل أن «الذوق العام في المجتمع السعودي  يفرض بعض الضوابط المستحبة والمستقبحة، وهو بشكل عام يستقبح هذا النوع من الزواج فالناس لا تحب ذوقا الزواج من صغيرة إلا في حالات نادرة أو عند بعض الأفراد لأسباب خاصة بهم. المهم أن الذوق العام في المجتمع السعودي يستقبح الزواج من القاصرات».  وطالب «بعدم ابتذال حياة الطفلة وإقحامها في حياة الكبار وهي لم تتمتع بطفولتها، فمن المعروف أن كل مرحلة عمرية لها متطلبات واحتياجات فإذا لم تكتمل تكون حياة هذه الطفلة ذات قصور في جوانبها، وهذا الاقحام هو امتهان لإنسانيتها».  وأشار إلى أن الرؤية المستقبلية لحياة القصّر «تشير إلى أن الحياة الاجتماعية للقاصر المتزوجة سوف تكون غير مستقرة من خلال الجوانب التي ذكرت، ولذلك لا بد من ان تنظم حياة الجيل القادم قانونيا حتى تكون مستقرة ومستمرة ومتوازنة وذات مسؤولية اجتماعية».


اختصاصي يدعو لمنع زواج القاصرات

ودعا الاختصاصي النفسي الدكتور وليد الزهراني إلى منع زواج القاصرات، مؤكداً أن غالبية دول العالم تلتزم الاتفاق الدولي لحقوق الطفل الذي ينص على تجريم زواج القصّر مهما كانت الأسباب.
وأكد أن زواج القاصرات تترتب عليه آثار سلبية من النواحي النفسية والجنسية والعاطفية، خصوصاً أن النمو في هذه المرحلة لم يصل إلى مستوى النضج الذي يسمح للقاصر بالتعامل  مع الزوج بالأسلوب المثالي.
ولفت إلى أن كثيراً من الفتيات اللواتي تزوجن قبل سن الـ18 عانين مشكلات نفسية تمثلت في القلق الدائم أو الاكتئاب، الأمر الذي يُشعر الزوج بعدم تلبية تلك الزوجة متطلباته الزوجية، وبالتالي يلجأ بعض الأزواج إلى إيذاء الزوجة القاصر.
وطالب بوضع أنظمة وقوانين تضع حداً أدنى للسن المناسبة للزواج، ومنع إجبار القاصرات على الزواج.