علماء الدين يحذرون: زواج السترة استغلال مرفوض
برنامج نهر الأردن, د. آمنة نصير, د. مبروك عطية, د. عبلة الكحلاوي, قضية / قضايا المرأة, ضحايا, د. ملكة يوسف, علماء الدين, د. سيد صبحي, د. صبري عبد الرؤوف, ظلم المرأة, د. محمد عبد المنعم البري, زواج السترة, اللاجئات السوريات
24 سبتمبر 2012النجدة لا الزواج
وأشار الدكتور محمد عبد المنعم البري، الأستاذ في كلية الدعوة جامعة الأزهر، إلى أن الظروف المأساوية التي تعيش فيها أسر اللاجئات السوريات تجعل أفرادها في حالة كرب وفي حاجة إلى العون وقضاء حاجتهم، وليس استغلال ظروفهم بمثل هذا الزواج، وقد تكفل الله لمن فرَّج كُربة الملهوف أن يفرِّج عنه كربة من كربات يوم القيامة، فقال صلى الله عليه وسلم: «... ومن فرَّج عن مسلم كُربةً فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة...».
ويؤكد البري أن «من الأخلاق الإسلامية أن أصحاب النجدة والمروءة لا تسمح لهم نفوسهم بالتأخر أو الاستغلال، أو حتى مجرد التردد عند رؤية ذوي الحاجات، فيتطوعون لإنجاز وقضاء حوائجهم طلبًا للأجر والثواب من الله تعالى الذي امتدح المؤمنين وعرض صفاتهم، فقال: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا. إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا. فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا. وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا» الآيات 8-12 سورة الإنسان».
الانهيار
عن الجانب النفسي في القضية، يقول الدكتور سيد صبحي، أستاذ الصحة النفسية في جامعة عين شمس: «لا شك أن حالة القهر النفسي والاستغلال لظروف أسر بائسة تعاني الاضطهاد والطرد من أهليهم وأوطانهم، أبشع سلوك يمكن أن يستغله إنسان باسم الدين، خاصة أن المساعدة ليست بالزواج فقط، بل هناك وسائل أخرى إنسانية كالمساعدة المادية أو استضافة الأسرة والإنفاق عليها».
ويلفت إلى أن هذه الزيجات «قامت على غير أساس نفسي متين، ولهذا فهي عرضة للانهيار في أسرع وقت، لتعرض المرأة لأزمة نفسية جديدة تمثل خطراً على حياتها ومستقبلها. ورغم أن هذه الزيجة بسيطة في شروطها، فإن باطنها العذاب، لأن المحرك الأساس لها اندفاع الرجل وراء نزواته، حتى ولو كان الثمن ضياع حقوق المسكينات من الأخوات السوريات. ويتساءل: «هل الرجل المغوار ينقذ الجميلات ذوات البشرة البيضاء فقط، ويترك الأخريات من اللاجئات الإفريقيات تفترسهن الذئاب والجوع إذا كان هدفه مرضاة الله؟».
متعة الرجل
عن التحليل الاجتماعي للقضية، تتساءل الدكتورة سامية الجندي، أستاذة علم الاجتماع في جامعة الأزهر: «لماذا الزواج من قاصرات وليس مطلقات أو كبيرات في السن؟ لا شك أن هذا مرتبط بنزوة الرجل الذي يجد متعته في الزواج بالقاصرات، ويبتعد عن الجانب الإنساني الذي يزعم أنه تزوج من أجله. كما أن ثقافة المجتمع تشجع الرجل على التعدد، وطالما أن هناك دعماً دينياً يرتدي عباءة المجتمع، فمن المتوقع ازدياد الإقبال على هذه الزيجات التي فيها استغلال خاطئ لبعض ما أباحه الشرع، وتسخيره لأهواء شخصية بذريعة سَتر مسلمة».
بخس الحقوق
قال الدكتور صبري عبد الرؤوف، أستاذ الفقه في كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر: «لا شك أن استغلال الظروف المعيشية لهؤلاء السوريات، وزواج الرجال المتقدمين في السن من فتيات قاصرات في سن أحفادهم أو أقل، أمر مرفوض عقلاً، حتى إن لم يكن محرماً شرعاً، طالما توافرت شروط الزواج وأركانه. لكن يجب أن يعلم هؤلاء أن الأشقاء المنكوبين من اللاجئين السوريين لم يذهبوا إلى دول الجوار ويعيشوا في مخيمات اللجوء البائسة لتزويج بناتهم بأرخص الأثمان، وإنما من أجل الحرية للبلاد والعباد، وواجبنا الرفق بهم وليس استغلال ظروفهم للزواج ببناتهم رغماً عنهن، أو بمهر بخس، أو في زواج مفتقد الكفاءة، أو بدون رضائهن».
وأشار الدكتور صبري إلى أن الزواج بتلك المواصفات «فيه نوع من البخس للحقوق وامتهان للآدمية، وهذا أمر مخالف للشرع حتى لو اتخذ لفظ «زواج السترة» عباءة له. ولا شك أن ظروف إتمام هذا الزواج تخالف قوله تعالى: «وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» آية 183 سورة الأعراف. وقد يظن كثيرون أن البخس هنا مرتبط باستغلال حاجة الناس المالية، وإنما يمتد البخس إلى كل صور الاستغلال وأبشعها مما يتعلق بأعراض الناس».
ضغوط
وأعربت الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية جامعة الأزهر، عن امتعاضها من هذا النوع من الاستغلال تحت مسمى الزواج، «وهو في الحقيقة قد يكون بعيداً عنه من حيث الغايات الحقيقية، إذ إن كثيراً منه يتم تحت الظروف الضاغطة لهؤلاء اللاجئات التي يستغلها الرجال للزواج بمهر زهيد، أو حتى دون مهر، مقابل توفير الاستقرار لهؤلاء الضحايا».
وحذرت من تزوج بالسوريات «زواج السترة»، ويحاول الاستمرار في ابتزازه للضحية التي اتخذها زوجة، بأن يهجرها أو يتعنت في طلاقها حتى تتنازل له عن كلّ المهر، وربما ما يفوقه، حتى تخلع نفسها منه، وهو هنا يكون آثماً لأنه خالف قول الله تعالى: «... وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا» آية 19 سورة النساء. كما يُبيّن الله لنا أنه لا يجوز للإنسان أن يأخذ مهر زوجته بالإكراه، فقال: «وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا» آية 21 سورة النساء.
وأمام تلك الظاهرة وحالة الجدل حولها كان لا بد من أن نعرف رأي الدين فيها, فتقول الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، إن الزواج «سترة» إذا تم في ظروف طبيعية وبرغبة ورضا الطرفين، بعيداً عن الإكراه أو الاستغلال أو غياب الغايات الكريمة التي جعلت الزواج آية من آيات الله، فقال تعالى: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم.
وهذه الآية تدفعنا إلى التساؤل: «هل زواج السترة يؤدي إلى المودة والسكن والرحمة أم إنه استغلال لظروف قاهرة لنساء لاجئات يعانين وأسرهن من الفقر والقهر وعدم الاستقرار؟». من المؤسف أن بعض الرجال يبتكرون أنواعاً جديدة من الزواج، كالمسيار والمسفار والنهار وتكون المرأة هي الضحية، فما بالنا إذا كانت من اللاجئات؟
إغاثة الملهوف
يؤكد الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، أن الإسلام حرَّم استغلال حوائج الناس وحضّهم على التعامل الحسن في ما بينهم، وبالتالي فإن استغلال الظروف السيئة للاجئات السوريات وإجبارهن، بشكل مباشر أو غير مباشر، على الزواج أمر مرفوض شرعاً. ويجب تقديم العون والنصرة لأسر اللاجئات، هذا ما تقتضيه الأخوة الصادقة، وتدفع إليه المروءة ومكارم الأخلاق التي يدعو إليها الإسلام وقال عنها الرسول، صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
وأضاف: «لا شك أن إغاثة الملهوف وتقديم العون لكل من يحتاج إليه خلق إسلامي أصيل، وتصبح الإغاثة واجبًا ينهض به القادرون وعملاً من أعمال الخير التي يجب أن يتنافس فيه المتنافسون. وقد أخبرنا نبينا، صلى الله عليه وسلم، أن من كان في حاجة الناس كان الله في حاجته، وجعل من حق الطريق إغاثة الملهوف، فقال للصحابة أعطوا الطريق حقه قالوا: «وما حق الطريق؟»، فقال: «... تعينوا الملهوف، وتهدوا الضال».
وفي حديث آخر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مرَّ بقوم جلوس في الطريق، فقال: «إن كنتم لا بد فاعلين فاهدوا السبيل، وردوا السلام، وأغيثوا المظلوم»، وقال في حديث آخر: «على كل مسلم صدقة، قالوا: يا نبي الله فمن لم يجد؟ قال: يعمل بيده ويتصدق، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف...».
نداء
وجهت الدكتورة ملكة يوسف، أستاذة الشريعة في جامعة القاهرة، نداء إلى الرجال في دول الجوار السوري قائلةً: «ليت الرجال يتخلون عن الأنانية والاستغلال للظروف الصعبة التي تعيش فيها السوريات، وترك الرغبة في «زواج السترة» إلى الرفق والرحمة التي تنطلق من الأخوة في الدين على اللاجئين جميعاً. وليت الرجال يتأملون قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لو كان الرفق خلقاً يُرى ما كان مما خلق الله شيء أحسن منه»، وقال أيضاً في حديث آخر: «إن الله رفيق يحبّ الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف».
وأوضحت الدكتورة ملكة يوسف أنه إذا كانت الحياة الزوجية قد بدأت بالفعل، فعلى الأزواج أن يتقوا الله في زوجاتهم مهما كانت الصعاب أو المشكلات الناجمة عن ذلك. أما إذا استفحلت المشكلات، سواء كان الزوج السبب أو الزوجة، فليكن كريماً معها ولا يبخسها حقها، مثلما قد يكون فعل معها في بداية الزواج، لأن هذا حرام شرعاً، ولهذا فإن الحل التزام الأزواج بقوله تعالى: «فإِمْسَاكٌ بمعروف أو تَسريحٌ بإحسان» آية 229 سورة البقرة.
الأوضاع الصعبة التي تعانيها العائلات السورية دفعتها إلى طلب اللجوء عند دول الجوار. وكالعادة تدفع المرأة الثمن الأكبر لتلك الأوضاع، وجزء من هذا الثمن ما عرف بزواج السترة، فقد أقبلت عائلات سورية لاجئة في الأردن على تزويج بناتها من رجال أردنيين في عمر آبائهن، بل وأجدادهن أحياناً، تحت مسمى زواج السترة ودون أي حقوق لهؤلاء الفتيات. «لها» ترصد ما يحدث في عالم زواج السترة، وأسباب انتشاره، وآراء علماء الدين حوله.
برزت القضية بسبب سوء الأوضاع التي تشهدها سورية منذ اندلاع الثورة قبل عام ونصف العام، مما جعل اللاجئات السوريات يعشن في ظروف صعبة ويُخشى عليهن من «حياة المخيمات»، وهو ما دفع أهالي هؤلاء السوريات إلى تزويجهن بأي ثمن بدعوى سترهن، حتى أن بعض الرجال في دول الجوار استغلوا فرصة الزواج من هؤلاء اللاجئات بأقل التكاليف، بصرف النظر عن الغرض الأساسي من هذا الزواج. وقد وصل الأمر، وفق التقارير الميدانية، إلى أن بعض الرجال فوق السبعين سعوا إلى الزواج بطفلات أصغر من أحفادهم!
ووفقا لإذاعة هولندا العالمية، فإن تقارير أردنية تدل على أن هذه الظاهرة قائمة، رغم محاولة البعض نفيها أو التقليل من حجمها. ونشرت صحيفة «الدستور» الأردنية تحقيقاً بعنوان «أردنيون يستغلون الأحداث ويتزوجون من لاجئات سوريات»، جاء فيه أنه يمكن الزواج من السورية هذه الأيام «بمئة دينار، أو بمئتي دينار، وما عليك إلا أن تذهب إلى المفرق أو عمان أو الرمثا أو أربد أو الكرك، لتختار حورية من حوريات الشام، وخاصة أن أهالي هؤلاء الفتيات يريدون سترة بناتهم ويقبلون بزيجات عاجلة دون شروط، مجرد مهر عادي وزواج سريع، لأن الأب المكلوم يريد ستر ابنته بأي زواج حتى لو تقدم لها ...!!».
وتؤكد أرقام الزيجات أن الظاهرة في تزايد، وأن هناك إقبالاً على تزويج الفتيات السوريات، لاسيما القاصرات اللواتي لا تتجاوز أعمارهن 14 أو 15 عاماً. وأنه من أهم الأسباب التي تدفع الأسر السورية النازحة في الأردن إلى تزويج بناتها في سن مبكرة، الظروف المعيشية الصعبة ومخاوف التعرض للاغتصاب. كما يدفع تحديد سن الزواج القانوني عائلات سورية إلى عدم تسجيل الزواج لدى السلطات. وتتحدث تقارير أخرى عن المئات بل الآلاف من الطلبات التي تقدم بها العرب المقيمون في الأردن إلى السلطات القضائية الشرعية للموافقة على طلبات الزواج من سوريات، لا سيما القاصرات.
وفي تصريح إلى شبكة الأنباء الإنسانية «آيرين»، قال دومينيك هايدي، الممثل المحلي لصندوق الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف»: «إن الصندوق يدرك مشكلة تزويج القاصرات السوريات في الأردن، وإننا قلقون بشأن الزواج المبكر الذي يستخدم كآلية للتأقلم مع الأوضاع». وتفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع القضية التي وصفوها بالشهوانية التي تدفع بعض الرجال لاستغلال ظروف هؤلاء اللاجئات، بدلاً من مساعدتهن في التغلب على ظروفهن القاسية، فقد ظهرت صفحة ‹›لاجئات لا سبايا››، وهي صفحة تابعة لمجموعة من الشباب السوريين الذين انتفضوا لأجل كرامة السوريات، وحتى لا يكنَّ بضاعة رخيصة في سوق الزواج تحت مسمى السترة.