اليوم العالمي للخدمة الاجتماعية...
المملكة العربية السعودية, الخدمة الإجتماعية, عنف أسري
18 مارس 2013د. المنيف : 616 حالة عنف ضد الطفل خلال 3 سنوات وأكثرها عنف جسدي
قالت المديرة التنفيذية للبرنامج الوطني للأمان الأسري الدكتورة مها المنيف إن قضية العنف الأسري طفت على السطح في السعودية منذ العام 2000، مؤكدة أن الصورة باتت واضحة جداً في ما يتعلق بالإحصاءات، وأسباب العنف، والخدمات وتقويمها، و»آن الأوان للعمل بجد لتقليل نسبة العنف، وتقديم خدمات ترتقي بالدولة، وخدمات ترتقي بالأطفال والنساء وجميع المتضررين من العنف. والخطوة المستقبلية هي التركيز على الوقاية لأنها خيرٌ من قنطار علاج، والوقاية من العنف قبل حدوثه تتحقق بالتركيز على مبدأ الأمان الأسري، ومبدأ الرحمة والمودة بين الأشخاص، ومبدأ القوانين الرادعة».
وأضافت: «العنف ضد المرأة في العالم يتراوح من ثلاثة إلى 70 في المئة، وهناك الكثير من الدراسات في السعودية أظهرت أن العنف ضد المرأة يتراوح بين 20 و30 في المئة. أما العنف ضد الطفل، فالسجل الوطني يورد تقريباً 200 حالة في السنة تأتي إلى القطاع الصحي للعلاج، أي أنه خلال ثلاث سنوات منذ إنشاء السجل الوطني لدينا 616 حالة عنف ضد الطفل. لكن الأهم من الأعداد هو نوع العنف الممارس على الطفل، ونجد أنه لا يزال العنف الجسدي بنسبة 65 في المئة من الحالات هو المسيطر والظاهر والواضح، بينما الأنواع الأخرى من العنف مستترة سواء عنف جنسي بنسبة 22 في المئة، و إهمال بنسبة 40 في المئة، العنف النفسي بنسبة ضئيلة جداً، لكوننا لا نعترف بأنه نوع من أنواع العنف لصعوبة تشخيصه».
وأكدت «أننا لسنا استثناء عن أي مكان، والنسب ليست عالية جداً وليست ضعيفة، ولدينا حالات يجب أن نتحرك لأجلها ونضع برامج وقائية، وفي الوقت نفسه نعمل على توفير برامج حماية للمتضررين».
ورأت أن ظهور الحالات المعنَّفة في الإعلام أمر ايجابي يدل على وعي المجتمع. وفي ما يتعلق بالخدمات المقدمة للمعنفين، أوضحت أن القطاع الصحي نظم العمل في المستشفيات، فهناك مراكز لحماية الطفل تباشر الحالة وتحولها إلى القطاع الاجتماعي الذي يكمن دوره في لجان الحماية المنتشرة في جميع مناطق السعودية التي تُباشر الحالة، ولديها فرق تنفيذية تقوم بزيارات ميدانية للحالات المعنية.
الشيخ د. سلمان بن فهد العودة: المجتمع العربي المسلم من شأنه أن يجعل ظاهرة العنف محل استغراب ومن ثم إصلاح
قال نائب رئيس منظمة النصرة العالمية والأمين العام المساعد للاتحاد العالمين لعلماء المسلمين وعضو مجلس الإفتاء الأوروبي الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: «الحديث عن العنف الأسري لا يعني تجاهل الجوانب الايجابية في مجتمعاتنا، فمن أبرز خصائص مجتمعاتنا العربية والإسلامية التواصل وعلاقة الجوار والقرابة المتميزة عن غيرها، ولكن هذا لا يعني تجاهل المشكلات المتأصلة لدينا أو الطارئة بسبب انفتاحنا على العالم. وحديثنا عن العنف الأسري لا يعني اختصاص عالمنا العربي والإسلامي دون غيره بالعنف، وأعتقد أنه من الخطورة أن نبالغ في الحديث عن خصوصياتنا وكأننا مجتمع ملائكي أو طهوريتنا وكأننا معزولون عن التأثير السلبي. فالعالم يضج بالعنف، ويلهج بروح الانتقام. وأرقام التقارير والإحصاءات ناطقة بذلك، حتى أن أربعة أطفال يُقتلون أسبوعياً على أيدي أقارب لهم في الولايات المتحدة الأميركية. مجتمعاتنا تعاني من ظاهرة العنف الأسري كغيرها، ولأننا مهمومون بمجتمعاتنا، فنحن حريصون على الإصلاح، وتلمُّس مواطن الخلل. فمجتمع عربي مسلم يُصلّي لربه كل يوم خمس مرات ويبدأ علاقته بالسلام، هو مجتمع من شأنه أن يجعل ظاهرة العنف محل استغراب واستهجان ومن ثم إصلاح وعناية».
وكشف العودة في حديثه ارتفاع معدلات العنف ضد الأطفال في الخليج والتي تراوح بين 47 و70 في المئة تخص الأيتام ونحوهم. لافتاً إلى أن هناك دراسة حديثة ذكرت أن 45 في المئة من الأطفال السعوديين يتعرّضون لصور مختلفة من الإيذاء والعنف يومياً، وكان العنف النفسي هو الأوفر حظاً، فقد بلغت نسبة الحرمان من المكافآت المادية والمعنوية 36 في المئة، والتهديد بالضرب 32 في المئة، والسباب والسخرية 25 في المئة، ووصل العنف الجسدي المصحوب بالإيذاء النفسي إلى 26 في المئة بشتى صوره، من ضرب مبرّح وصفع وقذف بأشياء في متناول اليد، وضرب بآلات حادة وخطيرة.
وتابع العودة حديثه قائلاً: «ذكرت دراسة حديثة أن ربع الأطفال السعوديين يتعرّضون للتحرش بكل أشكاله، وأن أكثر من 70 في المئة من المعتدين على هؤلاء الأطفال من المحارم، وذلك بحسب ما بيّنت الدراسة التي أعدها اختصاصي الأمراض النفسية في وزارة الصحة السعودية الدكتور علي بن حسن الزهراني. كما ذكرت الدراسة أن 62.1 في المئة رفضوا الإفصاح عن الأشخاص الذين أساؤوا إليهم لحساسية العلاقة التي تربطهم بهم، فيما صرح 16.6 في المئة أن الأقرباء هم الذين أساؤوا إليهم جنسياً، بينما قال 4.8 في المئة أن أخوة هم من فعلوا بهم ذلك، و12.3 في المئة من الأصدقاء، و2.1 في المئة من المعلمين، بينما تنخفض النسبة إلى واحد في المئة لكل من الآباء والأمهات».
ولفت العودة إلى دراسة أخرى أجريت في مركز الرعاية الاجتماعية في الرياض وأكدت أن 80 في المئة من المعتدين على الأطفال من الأقارب وفي ثمانٍ من كل عشر حالات يكون المعتدي شخصاً يثق به الطفل أو يحبه، فيستغل المعتدي هذه الثقة أو الحب ويغري الطفل للانخراط في ممارسات لا يعرف الطفل حقيقتها وينخدع بها في البداية.
وأكد أن «قضية العنف الجنسي من أخطر القضايا الاجتماعية التي يتم التكتم عليها خشية الفضيحة العائلية أو العار الاجتماعي، دون بذل جهود كبيرة لاستئصالها من مجتمعاتنا العربية ما يجعلها ماضية في الاستفحال، الأمر الذي دعا المختصين السعوديين إلى المطالبة بسنّ قانون للطفل يحميه من التحرش الجنسي الذي يقع عليه بسبب الإهمال من الأسرة وغفلتها وعدم متابعتها لأبنائها. كما أكدت الدراسات أن أكثر فئة تتعرض للعنف في السعودية هي فئة الأطفال الذين انفصل والداهم وهم بنسبة 85 في المئة، ثم يتيمو الاب 24 في المئة، ثم يتيمو الأم 19 في المئة، ثم الأيتام ممن فقدوا أسرهم كاملة بنسبة 10 في المئة. ولعل المفارقة المحزنة أن في مجتمعنا من يحافظ على الشعائر الدينية بشكل كبير لكنه للأسف يمارس العنف على أفراد أسرته، وذلك قطعاً ليس عبادة. فالعنف لا يجوز في الدين الإسلامي وطالما أن صلة المرء قوية بربه، فتلك الصلة تصنع الإحسان وتغير في نفس المرء والمجتمع».
وطرح العودة بعض الحلول التي تساهم في الحد من ظاهرة العنف الاجتماعي ومنها الحوار. ورأى أنه من المفيد «استماع كل أفراد الأسرة بعضهم إلى بعض، والتوظيف، وبناء المؤسسات، فالمجتمع السعودي مجتمع شبابي و70 في المئة من السعوديين شباب من سن 16 إلى 23 سنة، وتلك الفئة مندفعة وتحتاج إلى توظيف طاقتها. كما يجب أن يمارس العدل مع المجرمين فمن أخطأ عليه حدّ العقاب، إضافة إلى الترويح النفسي المعتدل وممارسة الأنشطة المختلفة التي من شأنها أن تُربي الشباب وتهذبهم. ولعل أهم الحلول هو سن التشريعات الرادعة لحالات العنف خاصة التحرش. ومما يجدر ذكره أن السعودية تتجه الآن إلى وضع الأطر القانونية لمسألة التحرش الجنسي عموماً، وتعكف لجنة مختصة في مجلس الشورى على درس إصدار نظام لردع المتحرشين جنسياً، بهدف القضاء على هذه الظاهرة، من أجل الوصول إلى بيئة نظيفة خاصة بعد أن تم إعداد مسودة هذا النظام وبدأ المجلس درسها، وهي تحدد عقوبات ستطبق بحق المتجاوزين قد تصل في حقها الأقصى إلى السجن ثلاث سنوات، وتغريم المتحرش 100 ألف ريال سعودي، في الوقت الذي لا يُفرق مشروع الدراسة بين ما إذا كان المتحرّش رجلاً أو امرأة. وأخيراً تعزيز قيم الإيمان بالله عز وجل وتأكيد الخطاب الشرعي القائم على أساس الرحمة والصبر على الناس وتلقينهم الأخلاق الفاضلة».
أصبح الأمر وكأنه خبر علينا قراءته يومياً خلال مطالعتنا الصحف الصباحية، أو مواقع الأخبار الالكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي. صنّفها البعض على أنها ظاهرة تنتشر على استحياء، فيما أكد آخرون أنها حالات فردية، تصل إلى العلاج في المنشآت الصحية. في أي حال، العنف الأسري في السعودية أمر واقع تؤكده الإحصاءات. فقصة الأربعينية التي لم تفلت من يدَي شقيقها الذي احترف تعذيبها وضربها دون سبب، إلا لتستقبلها يدا الزوج الذي لا يرحم، هي أحد الأرقام التي أوصلت نسبة العنف الأسري في السعودية إلى ما يراوح بين 20 و30 في المئة. كما أظهرت دراسات حديثة أن ما يقارب 45 في المئة من الأطفال يتعرضون لصور مختلفة من الإيذاء والعنف يومياً.
هذه الأرقام وغيرها ناقشها 300 اختصاصي واختصاصية من أقسام الخدمة الاجتماعية من مختلف القطاعات الصحية في المملكة العربية السعودية واختصاصيين نفسيين ومستشارين اجتماعيين وأكاديميين في الندوة الطبية للخدمة الاجتماعية التي نظمتها مدينة الملك عبد العزيز الطبية في جدة، تحت عنوان «أهم المستجدات والمتغيرات في مجال العنف الأسري»، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للاختصاصي الاجتماعي . «لها» حضرت الندوة وكانت هذه الحصيلة...
أم عبدالرحمن: الأخ كان العقبة والزوج كان الكارثة
أم عبد الرحمن ( الاسم الذي اختارته صاحبة القصة) أم لثلاثة أطفال، مطلّقة تبلغ من العمر 40 سنة، روت لنا قصتها مع العنف الأسري الذي بدأ منذ أن كانت صغيرة. تقول: «منذ أن بلغت وأنا أذكر أن أخي الأكبر يمارس ضدي أقسى أنواع العنف بحجة التأديب والتربية. كان صعب المزاج، عصبياً جداً، لا يجيد سوى لغة القسوة والشتائم. إن لم أحضر له كوب ماء يضربني، وأمي لا تُحرّك ساكناً. كانت دوماً تخبرني بأن عليّ إطاعته بعد وفاة والدي لأنه يريد مصلحتي. بكل صراحة أخي هو من جعلني أعاني اليوم من الرهاب الاجتماعي. تأثرت نفسيتي، وبت أخاف التعامل مع المجتمع، لا أخرج من المنزل ولا أتحدث مع أي شخص وكنت منطوية جداً. كان شقيقي يخبرني دائماً بأنه لا يجوز للفتاة الخروج من المنزل إلا في حالتين إما إلى منزل زوجها، وإما إلى قبرها».
تزوجت أم عبد الرحمن في سن 18 سنة فكان زواجها «كارثيا» منذ الشهور الأولى بسبب غيرة زوجها الشديدة: «أنا مطلقة ولي ثلاثة أبناء وبنت. كان زوجي عصبياً جداً، يكبرني بما يقارب عشر سنوات، يفتقد لغة الحوار. وكانت تواجهني مشكلة عدم اقتناع الأهل بالطلاق لأنني أنجبت. فكنت أعترض كثيراً وأشكو لوالدتي ما يحدث معي من ضرب وإهانات من زوجي دون أي سبب، وأمام أطفالي. حتى أن حقوقه الزوجية والعلاقة الخاصة كان يأمرني بتنفيذها وينتزعها مني بعنف وشتم».
لجأت أم عبد الرحمن إلى هيئة حقوق الإنسان، وقدمت شكوى ضد زوجها الذي كتب تعهداً أمام مسؤولي الهيئة بأن لا يتعرض لزوجته مرة أخرى، لكن تعهده كان حبراً على ورق، فما أن عاد إلى المنزل حتى انهال عليها بالضرب (بالعقال) والسب والشتم، واتهمها بأنها أهانته كرجل شرقي في مجتمعه وبين أهله. استمر الحال لمدة ثلاث سنوات إلى أن وقع الطلاق الذي لم يقتنع به الزوج وحاول إيذاءها أكثر من مرة، آخرها حرمانها من أطفالها حتى في أوقات الزيارة الشرعية.
أم عبد الرحمن اليوم تعيش في منزل عائلتها. تصرف من الضمان الاجتماعي الذي وصفته بأنه «لا يفي حاجتها في العيش المستور، فماذا ستكفي ألفي ريال في هذه الظروف والحياة. لا أملك المادة، ولا أستطيع الخروج والبحث عن عمل. كما أن شقيقي ما زال يضربني، الأمر الذي جعلني أخشى الارتباط مرة أخرى لكي لا يأتيني رجل كأخي أو كطليقي».
عبد العماري: العنف الأسري هو أكثر أنواع العنف انتشاراً في السعودية
قال المدير العام للتشغيل في الشؤون الصحية عبد العماري أن العنف الأسري هو أكثر أنواع العنف انتشاراً في السعودية و«يجب على أطراف المجتمع كافةً التكاتف والعمل على وقف هذه الظاهرة». وأضاف أن إدارة الخدمة الاجتماعية في جدة تتطلع من خلال طرح موضوع العنف الأسري في هذا الملتقى العلمي إلى تسليط الضوء على أبرز المتغيرات والمستجدات في مجال العنف الأسري، مما يثري ساحة العمل و الخدمة الاجتماعية سعياً إلى تذليل معوقات تطبيق إجراءات وقوانين مكافحة العنف الأسري، إضافة إلى محاولة تفعيل مؤسسات المجتمع المدني و دورها في مكافحة العنف و تأهيل ضحاياه.
سلافه الغامدي : العنف الأسري «ظاهرة» منتشرة على «استحياء»
تحدثت الاختصاصية الاجتماعية من مستشفى الملك خالد الحرس الوطني في قسم الخدمة الاجتماعية سلافه الغامدي عن دور الاختصاصيين في التعامل مع حالات العنف الأسري قائلة: «ما يرنو إليه اليوم العالمي للخدمة الاجتماعية 2013 في مجال العنف الأسري هو كيفية تعامل الاختصاصي أو الاختصاصية الاجتماعية مع الحالات التي تصل إلى المستشفيات بأسلوب صحيح يلائم احتياجات المجتمع. فدورنا في الخدمة الاجتماعية داخل المستشفيات هو مساعدة الحالات التي تصل في نقل أمرها إلى الإدارات العُليا، ومن ثم إلى الشرطة، والتحقيق بحسب حالة العنف، والضرر الواقع عليها. وأغلب حالات العنف التي تصلنا ضحاياها هم المرأة والطفل بنسبة 90 في المئة، ونادراً ما قد نسمع عن حالات عنف ضد الرجل خاصة في المجتمع العربي».
وأشارت إلى أن العنف أصبح ظاهرة في السعودية لكن المجتمع ما زال يتكتم على الإفصاح والاعتراف به بصورة علنية، مضيفة: «رغم الوعي الذي بات يسود المجتمع حول هذه الظاهرة والتبليغ عن الحالات المعنفة داخل الأسرة، ما زال الأمر ينتشر على «استحياء»، فالأم تخشى البوح بما تتعرض له من عنف، والأب يعيش في منطق العيب والحق في التربية بالضرب والتعنيف، والطفل خائف من الاعتراف بأنه يقع ضحية ضرب أو عنف من أفراد أسرته أو من بعض الغرباء في محيطه. لذلك نجد أن دور الاختصاصي يكمن في كيفية مواجهة هذه الحالات وتحليلها والتأكد من وجودها».
وحول عدد حالات العنف الأسري المُبلغ عنها في المستشفيات قالت الغامدي إن عدد الحالات التي تصل إلى مستشفى الملك خالد للحرس الوطني «تتراوح بين حالة واثنتين خلال الشهر الواحد، في حين أنه في السابق لم نكن نجد أي حالة عنف لديها الجرأة على التحدث والاعتراف بما يقع عليها من ظلم واعتداء».