استيقاظ المريض من الغيبوبة...

الغيبوبة

29 مايو 2013

عندما يغرق مريض في غيبوبة، تمر الساعات والأيام طويلة على الأهل دون أن يفقدوا الأمل في استيقاظه منها.
ويبقى الأمل موجوداً مهما كان ضئيلاً طالما ان المريض لا يزال في غرفة العناية الفائقة في المستشفى. هذا بالنسبة إلى أهله، لكن من الناحية الطبية، فإنّ مجرّد وجوده في غرفة العناية الفائقة، خصوصاً إذا بقي فيها لمدة طويلة، يعرّضه لمضاعفات قد تكون شديدة الخطورة.
تفاصيل كثيرة متعلقة بالغيبوبة وبالوعي الذي يلحقها تحدّث عنها الطبيب اللبناني الاختصاصي بأمراض الأعصاب رشدي الاحدب، مؤكداً ضرورة ان يدرك الاهل أنه كما أن الغيبوبة درجات، الوعي درجات أيضاً.
بمعنى أنه في حالات كثيرة، خصوصاً عندما تطول فترة الغيبوبة ويكون الضرر كبيراً في الدماغ، يمكن ألا تعود كل الوظائف طبيعية كالسابق. 


ما المسبّبات التي قد تؤدي إلى حصول غيبوبة؟
ثمة أسباب عدة قد تؤدي إلى غيبوبة، وتتم تجزئة الغيبوبة على أساسها لتسهيل عملية التشخيص. وأبرز هذه الاسباب هي:

  • توقف الدم عن بلوغ الدماغ نتيجة توقف في القلب أو غيره وانخفاض ضغط الدم، مما يؤدي إلى انخفاض في مستوى الأوكسيجين الذي يصل إلى الدماغ ويؤدي بالتالي إلى تضرّر الدماغ. إذ أن وقف الأوكسيجين عن الدماغ لدقائق عدة نتيجة ذلك قد يؤدي إلى أضرار في الدماغ.
  • التعرض لضربة على الرأس يؤدي إلى عطل في جزء من وظائف الدماغ كون الضربة قد تؤدي إلى نزف في الدماغ أو يمكن ألا تؤدي إلى نزف بل إلى «خضة» مما يُحدث أذى في الأعصاب والخلايا الدماغية ويسبب ورماً في الجمجمة. ويؤدي هذا الورم إلى ارتفاع الضغط في الرأس بشكل كبير مما يسبب الغيبوبة بشكل يصعب معه استعادة وظائف الدماغ.
  • تناول أدوية معينة كالأدوية المساعدة على النوم أو غيرها بجرعات زائدة. وغالباً ما يحصل ذلك في محاولات الانتحار. وفيما يستعيد البعض وظائف الدماغ ويتمكنون من الاستيقاظ من الغيبوبة، يعجز كثر عن ذلك.
  • التعرض لمشكلات صحيّة معينة كالفشل الكلوي الحاد أو التهاب قوي أو إلى مشكلات في الغدد... أي من هذه المشكلات إذا بلغت ذروتها قد تسبّب أضراراً في الدماغ وتؤدي إلى غيبوبة، خصوصاً لدى المسنّين الذين يواجهونها بصعوبة كبرى.
  • ·         الإصابة بالتهاب في الدماغ قد يسبّب أيضاً غيبوبة.

 

على أي أساس يتم تصنيف الغيبوبة بمختلف درجاتها؟
يمكن أن تكون الغيبوبة خفيفة، بمعنى أن المريض يحافظ في هذه الحالة على حواسه او على بعض منها ويبقى قادراً على التفاعل مع محاولات تحفيزه.
أما إذا كانت الغيبوبة عميقة او أكثر حدة فيفقد عندها المريض أي قدرة على التفاعل مع الألم أو مع أي محاولات لتحفيزه على التفاعل. فيفقد وظائف الحواس لديه .
فبقدر ما تكون الغيبوبة سطحية تكون حالة الحواس أفضل وقد يسمع المريض أو يحس بما يجري حوله.

هل هذا يعني انه عندما تكون الغيبوبة سطحية، يمكن أن يحدّث الأهل المريض ويبقى قادراً على التفاعل معهم والشعور بما يحصل؟
مما لا شك فيه أنه من الناحية الطبية، نعرف أن المريض يكون قادراً على السماع لكننا لا نعرف مدى قدرته على التفاعل مع ذلك، وما إذا كان قادراً على تذكر ما يسمعه لاحقاً. ما نعرفه أنه قد يسمع ويحس وليس أكثر من ذلك.

ما الأخطار التي قد تنتج عن الغيبوبة؟
يكمن الخطر في المرض المسبّب للغيبوبة لا في الغيبوبة نفسها كالجلطة أو النزف .

على أي أساس يتم تحديد خطورة الوضع وما إذا كان المريض قابلاً للخروج من الغيبوبة؟
إذا كانت الغيبوبة عميقة ولا يتجاوب المريض أو يتفاعل مع أي محاولات، يمكن أخذ فكرة عامة عن مدى خطورة الوضع.
إضافةً إلى ذلك ثمة مؤشرات معينة من خلال فحوص تجرى، تسمح بتحديد ما إذا كان المريض قد حافظ على الوظائف البدائية، فيجري فحص حركة بؤبؤ العين والنظر والسعال والقدرة على البلع وغيرها من المؤشرات التي تسمح بتحديد مدى تقدّم الحالة.

ماذا في حال غياب هذه الوظائف البدائية؟
إذا كانت الوظائف البدائية للدماغ قد تضرّرت، يمكن أن نقول إن الأمل بالشفاء قد يكون مفقوداً تقريباً .
لكن عندما تكون موجودة يتفاءل الأهل عادةً بأن المريض سيستيقظ. ثمة درجات في الغيبوبة ومن المهم ان يدرك الأهل أنه كما أن الغيبوبة درجات، الوعي درجات أيضاً.
فلا يكفي أن يستيقظ المريض بل المهم ان يستعيد الدماغ وظائفه كاملة. فقد لا يتعرّف إلى المحيطين ولا يتفاعل معهم أو لا يحسن الكلام  بشكل طبيعي أو يفقد القدرة على التركيز أو لا يتذكّر.
قد لا يتنبهون إلى هذه الأمور في البداية ويفرحون لكونه قد استيقظ، لكن من الناحية الطبية كلّها أمور أساسية لا بد من العمل عليها.
كما ان مصائب المريض تبدأ عندما يفقد وظائف أساسية ويعتمد على الآخرين في حياته اليومية مما يساهم في زيادة حالته سوءاً جسدياً ونفسياً.

هل هذا يعني أن المريض يبقى في الغيبوبة أم أنه يموت بسرعة؟
في هذه الحالة، نتوقع أن نسبة تفوق 50 في المئة من المرضى تموت خلال 3 أيام. قد يعيش البعض لكنهم يبقون في غيبوبة أو أنهم، إذا خرجوا منها، وهذا احتمال بسيط نسبياً، فإن حالتهم تكون مزرية والوضع يكون سيئاً جداً.

ثمة أشخاص يستيقظون من الغيبوبة ثم تسوء حالتهم أكثر ويغيبون مجدداً، ما سبب ذلك؟
صحيح، ثمة أشخاص يستيقظون ثم يعودون إلى الغيبوبة، وذلك نتيجة المضاعفات المرتبطة بوجودهم في غرفة العناية الفائقة والتي تزداد مع طول فترة المكوث فيها. وثمة اشتراكات تضرب الدماغ فيتأذى حتى في حال استعادة الوعي. فمن الناحية الطبية نعرف جيداً ان هذا الوعي موقت ولا يعني ان حال المريض مستقرة. من هنا أهمية أن يدرك الأهل أنه في فترة الغيبوبة لا يكون الوعي في كل يوم بالدرجة نفسها .
فالدماغ يتأثر بكل ما يحصل من حوله وتحصل تغيّرات كثيرة طوال هذه الفترة.

هل طول فترة الغيبوبة يمكن أن يكون مؤشراً لصعوبة الوضع والاتجاه إلى فقدان الأمل؟
في الواقع، ما يبدو واضحاً انه عندما تطول مدة الغيبوبة لاكثر من 3 أسابيع، يتراجع احتمال أن يستيقظ لا بل يصبح الاحتمال بسيطاً او على الأقل إذا استيقظ يعاني مشكلات كثيرة ناتجة عن المكوث في غيبوبة لفترة طويلة، خصوصاً اننا نشهد مثل هذه الحالات لدى الشباب الذين يتعرضون لحوادث سير.

هل من حالات معينة يفقد المريض فيها الذاكرة؟
عندما يتضرر الدماغ بشكل كبير واساسي ، ثمة احتمال كبير ألا ينهض المريض أو أنه قد يستيقظ مع مشكلات في الكلام والذاكرة والتركيز. لكن لا يمكن معرفة ذلك مسبقاً.

هل للسن علاقة بردة فعل الجسم ومقاومته الغيبوبة ولآثارها؟
مما لا شك فيه ان مقاومة الجسم لآثار الغيبوبة تختلف بحسب المرحلة العمرية. فمن الطبيعي أن يقاوم جسم الشاب بشكل أفضل مقارنةً بجسم مريض متقدم في السن.
فعلى سبيل المثال قد يعاني مريض في الغيبوبة التهابات في الرئة يعجز عن مقاومتها جسمه إذا كان متقدماً في السن، فيما قد يتحملها جسم الشاب بشكل أفضل. ففي العناية الفائقة، قد يتعرّض المريض لالتهابات في جهاز التنفس مثلاً، يتخطاها الشاب بشكل أفضل.

يقال إن إرادة المريض تلعب دوراً أيضاً في ذلك، هل هذا صحيح؟
لا علاقة للإرادة ابداً بذلك، بل إذا كان الجسم أقوى يمكن أن يتخطى المريض الغيبوبة وآثارها بشكل أفضل.

هل من نتائج معينة يمكن توقّعها للغيبوبة بعد استيقاظ المريض منها؟
تختلف النتائج المترتبة على الغيبوبة بعد الاستيقاظ منها بحسب نوعها . إذ أن ثمة وظائف عدة في الدماغ يمكن ان تتأثر وتختلف الآثار المترتبة على هذا الأساس. فقد تتأثر الذاكرة والقدرة على التركيز والقدرة على الكلام.
نلاحظ أن الاهل يهتمون بشكل أساسي لكون المريض قد استيقظ دون أخذ هذه الأمور في الاعتبار رغم اهميتها. هذا إلى جانب أهمية الجانب النفسي الذي لا بد من إعطائه أهمية كبرى لما له من تأثير على حياة المريض وشخصيته.

عندما يستيقظ المريض من الغيبوبة، هل يحصل الوعي بشكل تام ومباشر أم أن الأمور تحصل بشكل تدريجي؟
بشكل عام، يتم التحسن بشكل تدريجي في حال عدم وجود اشتراكات تساهم في تفاقم الحالة مجدداً.

هل يمكن توقع النتائج المترتبة على الغيبوبة مسبقاً؟
لا يمكن توقع النتائج ولا يمكن ان نحدّد ما سيحصل بعد ان يستيقظ المريض. ما يمكن قوله أن ثمة احتمالاً بنسبة 50 في المئة لأن يستيقظ المريض لكننا لا نعرف الحالة التي يكون فيها عندما يستيقظ
 . قد يكون طبيعياً في الشكل ولا يلاحظ الكل أي مشكلة لديه، وفي الوقت نفسه يكون عاجزاً عن التركيز مما يؤثر سلباً في حياته الشخصية والمهنية  بحيث يجد صعوبة في التركيز في العمل، وهذا كلّه ينعكس سلباً على نفسيته. حتى أن المشاكل النفسية التي يعانيها يمكن أن تؤدي إلى قلة التركيز لديه.

ألا تتوافر فحوص تسمح بتحديد حالة المريض والنتائج المترتبة عن الغيبوبة؟
ثمة فحوص دقيقة يمكن العمل عليها بعد أن يستيقظ المريض لتحديد حالته ومعرفة المشكلات التي يعانيها.

هل ثمة إجراءات علاجية يمكن اتخاذها مع المريض الذي في الغيبوبة؟
لا علاج للغيبوبة نفسها وليس هناك أي إجراء يمكن اتخاذه ليستيقظ المريض بل يمكن معالجة الاشتراكات الناتجة عن المكوث في غرفة الانعاش. فمن الضروري توفير المناخ المناسب ليكون الدماغ بوظائفه بحال أفضل.
تتم معالجة الالتهابات والضغط والأوكسيجين على سبيل المثال لكن لا يمكن معالجة المريض ليستيقظ.

كيف يحصل المريض على الغذاء خلال فترة الغيبوبة؟
من الظروف المساعدة للدماغ تأمين الغذاء للمريض كون له أهمية قصوى ليتحسن بشكل أفضل. لذلك يتم إعطاء الغذاء من خلال الأنف خلال هذه الفترة.