ماذا يقول علماء الدين عن احتفال النساء بالطلاق والخلع؟

احتفال النساء بالطلاق,مواقع التواصل الاجتماعي,طعم السعادة,محاذير شرعية,ظاهرة غريبة,روح الانتقام,حرية ولكن,التمهل والحكمة,قصر الطلاق,العفو والصفح

القاهرة - أحمد جمال 02 أبريل 2016

شهد مجتمعنا العربي أخيراً أكثر من احتفال نسائي، إما بالطلاق أو الخلع، بل ونشر مقاطع فيديو من تلك الاحتفالات على مواقع التواصل الاجتماعي. فماذا يقول علماء الدين عن تلك الحفلات؟ وهل تحق للمرأة المطلقة أو الخالعة، خاصة إذا كانت قد تحررت بالطلاق أو الخلع من زوج لم تعرف معه طعم السعادة؟ أم أن هناك محاذير شرعية تحيط بمثل هذه الاحتفالات؟


العديد من المطلقات والخالعات ينشرن مقاطع فيديو من حفلاتهن بالطلاق والخلع على مواقع التواصل الاجتماعي، وأشهرها حفلة طلاق الإعلامية السعودية خديجة الوعل.
وقبلها بأيام، أقامت المصرية ابنة الثلاثين عاماً شيماء عبدالمنعم، «حفلة الخلع»، فارتدت فستاناً أحمر ووضعت أنواعاً كثيرة من الحلوى والمشروبات على طاولة توسطها قالب حلوى كبير كُتب عليه «هم وانزاح»، وجعلت الإنارة تتدلى من السقف، وقد شاركتها فرحتها مجموعة من النساء يرتدين ملابس فاخرة، بعدما حصلت على الخلع بعد انتظار دام نحو عام وأربعة أشهر.
وفي واقعة غريبة من نوعها، أقامت سيدة عربية احتفالاً بإتمام خلع ابنتها من زوجها، فوزعت بطاقات دعوة واستأجرت قاعة احتفالات، لكن بطاقة الدعوة شكلت مادة دسمة لمرتادي مواقع التواصل الاجتماعي لذكر اسم زوج ابنتها كاملاً واصفةً إياه بـ «المخلوع»، كنوع من الإهانة والانتقام منه.
كما أثار انتشار «فيديو» احتفال أستاذة، تعمل في إحدى المدارس الخاصة بطلاقها جدلاً واسعاً، حيث أظهر الفرحة الكبيرة التي عاشتها الزوجة بعد طلاقها، وإعدادها مائدة ضمت مشروبات و «تورتة» تفنن في صنعها أحد أشهر محال الحلويات، إذ تُظهر زوجاً ممدداً على بطنه وماداً يديه إلى الزوجة التي ترتدي فستان الفرح وتجلس بشموخ واضعةً «رِجْلاً على رِجْل»، في دلالة رمزية إلى أنها تخلصت من «الرق والعبودية»، وأصبحت حرة باحتفالها بالطلاق.

ظاهرة غريبة
توضح الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أن الظاهرة غريبة على مجتمعاتنا الشرقية، التي تنظر إلى الطلاق على أنه «خراب بيوت» وتدفع ضريبته  المرأة وأولادها، في حين يبدأ الرجل حياة جديدة، تاركاً للمرأة المسؤولية كاملة عن تربية الأولاد ورعايتهم.
وإذ تؤكد الدكتورة عبلة، أنها تقدّر المشاعر المكبوتة والاضطهاد الذي تعانيه الزوجة، خاصة إذا حوّل زوجها حياتها إلى سجن وجحيم لا يطاق، ترفض التشهير المتبادل بين الأزواج والزوجات، إذا وصلوا إلى الطلاق أو الخلع، لأن هذا يتنافى مع ما أمرنا به الإسلام ونص عليه القرآن الكريم، من خلال الأمر الإلهي، حيث يقول الله تعالى للمطلقين قبل الدخول: «وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (آية 237) سورة «البقرة».
وتنهي الدكتورة عبلة كلامها، مؤكدة أنه إذا كان الأمر الإلهي في الآية السابقة لمن تم بينهما الطلاق قبل الدخول، بعدم نسيان الفضل بينهما والتحلي بالخصام النبيل، فما بالنا بالأزواج والزوجات الذين بينهم أولاد وعشرة عمر قد تمتد إلى عشرات السنين، أليس هؤلاء أولى بألا ينسوا الفضل بينهم.

روح الانتقام
تنتقد مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في القاهرة، هذه الاحتفالات، مؤكدة أنها تشعل نار العداء والخصومة والانتقام بين المطلقين والمطلقات، وكذلك المخلوعين والخالعات، حيث يقوم كل طرف بالتشهير بالآخر، لأنه لا يعقل أن تقيم المطلقة أو الخالعة احتفالاً بالطلاق، وتسيء الى الزوج السابق، ويقف هو مكتوف اليدين إزاء هذا التصرف الذي سيراه إساءة إليه، ولهذا سيضطر إلى التفكير في الانتقام منها، حتى ولو من طريق ترويج الشائعات والأكاذيب عنها.
وتشير الدكتورة سعاد إلى أن الاحتفال بالطلاق أو الخلع فكرة دخيلة على مجتمعاتنا الشرقية، التي ترى أن مؤسسة الأسرة – رغم ما فيها من بعض الخلافات الزوجية - هي الملاذ الآمن للرجل والمرأة، ولهذا جعل الله الزواج آية من آياته، فقال سبحانه: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (آية 21) سورة «الروم».  وتلفت الدكتورة سعاد إلى أن الاحتفال بالطلاق أو الخلع – سواء كان القائم بذلك امرأة أو رجلاً - سنّة سيئة، وقد نهانا الإسلام عن اتباع السنّة السيئة التي حمّل وزرها، ليس لمن يقوم بها فحسب، بل لمن يدعو أو يروج لها، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده؛ من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».  وتختتم الدكتورة سعاد كلامها، مؤكدة أنه ينبغي علينا الترويج لكل ما يحافظ على كيان الأسرة وليس هدمها، ورغم أن الإسلام أباح الطلاق والخلع كحل شرعي في حال استحالة العشرة بين الزوجين، إلا أنه جعله أبغض الحلال إلى الله، لما يترتب عليه من إضرار بالأسرة، خاصة الأطفال الذين قد يتشردون بسببه، فما بالنا إذا رأى الأطفال أمهاتهم وآباءهم يحتفلون بانفصالهم، فهل يصبح هؤلاء أسوياء مستقبلاً أو يحرصون على قيام أسرة مستقرة؟

حرية ولكن
ترى الدكتورة آمنة نصير، عضو مجلس النواب والمجلس القومي للمرأة، والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات في الإسكندرية- جامعة الأزهر، أن تحول «الطلاق أو الخلع» إلى مناسبة سعيدة أو حزينة أمر يخص الطرفين قبل غيرهما، وهذا تصرف شخصي كل إنسان حر فيه، حيث لا يوجد ما يحرّم ذلك بنص شرعي صريح، إلا إذا ترتب على هذا الاحتفال ضرر بالآخر أو تشويه لسمعته أو أدى الى التطاول والافتئات عليه ظلماً وعدواناً، فهنا يتحول الحكم الشرعي إلى التحريم أو الكراهة وفق درجة الضرر المترتب على هذا الاحتفال، وليس للاحتفال نفسه، ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «لا ضرار ولا ضرار».
وتوضح الدكتورة آمنة، أن الإسلام أباح الطلاق والخلع، ووضع لهما ضوابط شرعية لئلا يتحولا إلى طريق للانتقام المتبادل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فقال الله تعالى في شأن الطلاق والخلع: «الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (الآية 229) سورة «البقرة».
وتنهي الدكتورة آمنة كلامها، مؤكدة ضرورة تأمل الزوجين عند قرارهما بالطلاق أو الخلع، ما جاء في الآية السابقة: «أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ»، وإن أراد أحدهما الاحتفال بالانفصال فليكن ذلك بينه وبين نفسه، وليس بإقامة الاحتفالات العامة، وكأنها حفلة زواج تقدم فيها الهدايا وتتم دعوة الأصدقاء والأقارب إليها، فهذا أمر غير مألوف لدينا نحن الشرقيين، وبالتالي لا داعي لتقليد غيرنا في كل شيء، بصرف النظر عن موقف الشرع من هذه الاحتفالات بالطلاق أو الخلع.

التمهل والحكمة
يتعجب الدكتور جمال فاروق، عميد كلية الدعوة في جامعة الأزهر، من هذه الاحتفالات، مؤكداً أنها منافية للفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها، وهي الفرح عند تكوين أسرة بالزفاف، والحزن عند هدم الأسرة بالطلاق أو الخلع، فهذا هو التصرف الطبيعي لدى البشر، بصرف النظر عن دياناتهم أو ألوانهم أو ألسنتهم، خاصة إذا كان هناك أولاد ثمرة لهذا الزواج.  وتطرق الدكتور جمال فاروق إلى قضية محورية في هذه الاحتفالات النسائية بالطلاق، قائلاً: «لقد أنسى حب الانتقام لدى المرأة الأحكام الشرعية المترتبة على الطلاق، في قول الله تعالى: «وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (الآية 228) سورة «البقرة».  ويختتم الدكتور جمال فاروق كلامه، داعياً المطلقات والخالعات إلى التمهل والحكمة، لعل المرأة تفكر في العودة إلى زوجها مستقبلاً بعد أن تهدأ المشكلات من أجل المحافظة على الأولاد من الضياع، فيكون ذلك مباحاً لها بعد أن تتزوج زوجاً غيره ثم تتطلق منه، فقال الله تعالى: «فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» (الآية 230) سورة «البقرة».

قصر الطلاق
يحض الدكتور سالم عبدالجليل، وكيل وزارة الأوقاف سابقاً، الزوجين إلى التخفيف من آثار الطلاق أو الخلع، بالتقرب أكثر إلى الله والصبر على ما أصابهما من ضرر من هذا الزواج، حتى يكونا في عداد الصابرين الذين بشّرهم الله بالثواب العظيم في الدنيا والآخرة، فقال الله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» (الآيات 155-157) سورة «البقرة».
ويذكر الدكتور سالم، أن الاحتفال بالطلاق بدعة يابانية استثمارية أو تجارية، أطلقها شخص يدعى «هيروكي تيراي» بعدما أنشأ «قصر الطلاق»، وجعل من نفسه متعهداً لحفلات الطلاق بزعم مساعدته الزوجين على الخروج من التبعات النفسية الصعبة لقرار الانفصال، وقد حصل من وراء ذلك على مبالغ طائلة، ثم بدأت هذه البدعة تنتقل إلى بقية دول العالم بصرف النظر عن الثقافات والأديان الموجودة في هذه الدول، ومنها – للأسف – العديد من الدول العربية والإسلامية، كنوع من التقليد الأعمى لكل ما هو وافد إلينا، من دون النظر إلى ملاءمته لظروفنا وتقاليدنا أم لا.
وينهي الدكتور سالم كلامه، مؤكداً أن الإسلام يحض على الوفاء والعفو والتسامح بين البشر عامة، والزوجين خاصة، نظراً الى ما كان بينهما من علاقة زوجية تعد من أقدس العلاقات الإنسانية، وقد بين القرآن جزاء من يعفو ويصفح ويكظم غيظه، فقال الله تعالى: «وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ» (الآيات 133- 136) سورة «آل عمران».

العفو والصفح
يدعو الدكتور نبيل غنايم، رئيس قسم الشريعة في كلية دار العلوم- جامعة القاهرة، المطلقات والمطلقين والمخلوعين والخالعات إلى تذكر قول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما»، وهنا يحض النبي الناس بعامة والزوجين بخاصة على الاعتدال في جانبي المحبة والبغض، حتى لا يؤدي ذلك إلى الإسراف ومجاوزة الحد، وفي هذا قال الفاروق عمر بن الخطاب: «لا يكن حبك كلفاً ولا يكن بغضك تلفاً»، أي أن يكون حب المرء للآخرين أو بغضه لهم من دون إفراط فيه أو تفريط.
ويحذر الدكتور نبيل من يحتفلون بالطلاق أو الخلع من النساء والرجال من أن تكون فيهم صفة من صفات المنافقين، الذين حذرنا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أن نكون منهم، فقال: «أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خلة منهن كان فيه خلة من نفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر»، وفي رواية: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان».
وينهي الدكتور نبيل غنايم كلامه، مشيراً إلى أن الصفح والعفو والتسامح من شيم الكرام ذوي الأصل الطيب، حتى لو تعرضوا لظلم أو غبن، فما بالنا إذا كان الأمر بين زوجين سابقين، وصف الله علاقتهما بأن كلاً منهما لباس وستر للآخر، فقال الله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ» (آية 187) سورة «البقرة»، وكذلك قول الله تعالى في أجر العفو: «فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ على اللهِ» (آية 40) سورة «الشُّورى»، وربط الله تعالى العفو والصفح بالمغفرة، فقال: «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (آية 22) سورة «النور». وأكد النبي (صلّى الله عليه وسلّم) المعنى نفسه فقال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»، كما أن العفو والصّفح من خلق النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، وقد سئِلَت أم المؤمنين عائشة عن خلُق رسولِ الله، فقالت: «لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، لكن يعفو ويصفح».