مأساة زوجة أمام علماء الدين
طلاق, الحياة الزوجية, مشكلة / مشاكل الزواج, ماء النار, الابتزاز, د. عبلة الكحلاوي, د. أحمد عمر هاشم, د. ملكة يوسف, د. سعاد صالح, رأي الدين, خلافات الزوجية, علماء الدين, العلاقة الزوجية, حقوق الزوجة , طلب الخلع, إنفصال, مأساة, فيلم إباحي, د. رجاء حزين
03 مايو 2010التسريح بإحسان
ترى أستاذة الشريعة في جامعة القاهرة الدكتورة ملكة يوسف أن «كثيراً من مشكلاتنا الحياتية سببه عدم معرفة أحكام الشرع، وإذا عرفناها لا نطبقها. فمثلاً نجد أن الإسلام يتحدث عن «التسريح بإحسان»، أي الكرم المالي والنبل الأخلاقي تنفيذاً لقوله تعالى: «الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» ( 229 سورة البقرة). بمعنى إما أن تمسكوهن وتحسنوا إليهن بأداء حقوقهن، وتعاشروهن بالمعروف الذي يعرفه الناس ويتوافق مع الأخلاق العالية والفطرة السليمة أو تسرحوهن بعد الطلاق أو الخلع بالإحسان إليهن، ومن المعروف شرعاً أن الكثير من أحكام المطلقة تنطبق على المختلعة».
أسرار الزواج
تعجبت الدكتورة سعاد صالح من سلوكيات هذا الرجل، وعلّقت على تلك المأساة قائلةً: «هذا الرجل الذي احترف الابتزاز مات ضميره، وأصبح أكثر تفنناً في الشر من شياطين الجن، بل إنه من أنصار عتاة الشياطين لسلوكياته الشريرة وإيمانه بقدرة السحرة على الإيذاء، حيث قال الله تعالى: «وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون» (آية 112 سورة الأنعام)».
وطالبت صالح بسن تشريع يُشدد العقوبة على أي رجل يُطارد مطلقته أو مخلوعته، كما في هذه المأساة التي يقوم فيها الزوج السابق بقتل مخلوعته معنوياً، وتحويل حياتها إلى جحيم أثناء زواجها به أو بعد حصولها على الخلع منه، رغم أن الطلاق شرع الله الذي أعطاه للمرأة إذا لم تستطع العيش معه، وهو يساوي حق الزوج في الطلاق.
وتقول: «من الآداب الإسلامية التي يجب أن يتحلى بها الزوج عقب الانفصال أن السر بين الزوجين يجب ألا يخرج بأي حال حتى في حالة الانفصال، وكذلك عدم تولد البغضاء والكراهية في نفسه، لأن الانفصال قد يكون العلاج الناجح لحياة زوجية فاشلة. والرجل مطالب بعدم التعرض لمطلقته أو مخلوعته بأي أمور عدائية طالما انتهت العلاقة بينهما، وما قام به هذا الزوج من تصويرعلاقته الخاصة مع زوجته وتهديدها به عقب الانفصال عمل شيطاني ضد تعاليم الإسلام، ويدخل في من قال الله تعالى فيهم: «والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً» (آية 58 سورة الأحزاب). وليس من صفات المؤمنين المبالغة في الخصومة والانتقام، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ذلك من صفات المنافقين فقال: «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان»، وفي بعض الروايات «وإذا خاصم فجر». ولا شك أن هذه الأخلاق أبعد ما تكون عن المسلم الحق، الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:«المسلم مَن سلِم المسلمون من لسانه ويده».
حب الاستحواذ
عن الدوافع النفسية التي تجعل الزوج يسعى لابتزاز مطلقته بأسرار الحياة الزوجية تقول أستاذة علم النفس الدكتورة سامية الجندي: «فترة الزواج تجعل كلاً من الزوجين على دراية بصفات الآخر وأسراره لأنهما عاشا مع بعضهما. وإذا تضخمت المشكلات والنفور النفسي قد يلجأ أحد الطرفين إلى وسائل غير شريفة للانتقام والتشفي وإذلال الآخر. والمرأة عادةً ما تكون هي ضحية هذه السلوكيات التي يعتبر صاحبها مريضاً نفسياً بأمراض عديدة أهمها الحقد والحسد والأنانية، وحب الاستحواذ حتى بعد أن تنتهي الحياة الزوجية، اذ يتملك الزوج إحساس بأنه يملك زوجته. وهذه النظرة الذكورية تمنح الرجل الإحساس بأن لديه الحق في الإساءة لمطلقته أو مخلوعته. وتمتد تلك الحالة النفسية إلى ما بعد الطلاق لأن الحياة الزوجية بالنسبة إلى الرجل الشرقي ضرورية كشكل اجتماعي مقبول، وحدوث الخلع أو الطلاق يُشعر الرجل بحدوث خلل أو عيب في تكوينه الاجتماعي، وهذا ما يجعله يشعر بالسخط تجاه من تسببت له في ذلك. فيحاول الانتقام منها وابتزازها بما يعرفه عنها من أسرار، والزوجة في هذه الحالة عليها أن تكون قوية وتواجه ما يحدث بحزم حتى لو طالبت بتدخل القانون بينها وبين طليقها، لأن الابتزاز جريمة».
غياب النخوة
يؤكد الرئيس السابق لجامعة الأزهر الدكتور أحمد عمر هاشم أن «الزوج الذي يجعل زوجته تلجأ الى الخلع لا بد أن يعلم أنها وصلت إلى مرحلة لا تطيق فيها الحياة معه بدليل أنها تنازلت عن كل حقوقها. ومن المؤسف أن بعض الأزواج يضايقون زوجاتهم كي يفتدين أنفسهن بالخلع والتنازل عن كل حقوقهن، وهذا مُحرّم قطعاً. فما بالكم بابتزازهن بعد الطلاق أو الخلع، فهذا محرّم شرعاً، حيث قال تعالى: «وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم» (آية 231 سورة البقرة).
وقال أيضاً: «وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف» (آية 232 سورة البقرة). وبالتالي على أي رجل أن يتحلى بالكرامة والنخوة ولا يطارد مطلقته بما يعتبر أسراراً، وعلى كل زوجة أيضاً ألا تطيع زوجها إلا في حدود شرع الله حتى لا ترتكب خطأ يستغله زوجها إذا ما حدث طلاق أو خلع».
آداب العلاقة الزوجية
تطالب العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر الدكتورة عبلة الكحلاوي بتدريس «آداب العلاقة الزوجية وأحكام الأسرة في الإسلام في المناهج الدراسية، حتى يعلم الأزواج أن الأصل عندما يطلق الزوج زوجته أو تختلع منه ألا يُفكر فيها بسوء أو الإضرار بها، وفي الوقت نفسه ينبغي على الزوجة ألا تُفكر في زوجها السابق إلا بالخير لقوله تعالى: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف» (آية 228 سورة البقرة). ويأمر الإسلام كلاً منهما بتذكر ما كان بينهما من عشرة طيبة حيث قال تعالى: «ولا تنسوا الفضل بينكم» (آية 237 سورة البقرة). ويجب أن يسود التسامح ونسيان الإساءة وأن يقتنع الطرفان بأن ما أراده الله من طلاق أو خلع كله خير حسب قوله تعالى: «وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون» (آية 216 سورة البقرة).
أمام مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح وقفت امرأة خلعت زوجها تشكو بدموعها من مطاردته لها، ومحاولته ابتزازها بأسرار حياتهما الزوجية، ومنعها من الزواج بكل الوسائل، في حين ينعم هو بالزواج مرة أخرى. وهي مأساة لا تخص تلك الزوجة وحدها، وإنما تتعرض لها الكثيرات من المطلقات ومن خلعن أزواجهن أيضاً، فما هو رأي الدين في مطاردة الرجل لمطلقته وابتزازها بأسرار حياتهما أثناء الزواج؟ «لها» تحقق.
صاحبة القصة المأساوية حكت لمفتية النساء الدكتورة سعاد صالح قصتها قائلةً: «تزوجته بعد قصة حب، وتحديت أهلي من أجله لأنني كنت أظنه على خلق، بعد أن خدعني بكلامه المعسول الذي صوّر لي من خلاله أن حياتي معه ستكون جنةً تستحق التضحية من أجلها بكل ما أملك من أموال أو فرق اجتماعي شاسع بيني وبينه. لكن بعد أيام قليلة من زواجي فوجئت به إنساناً آخر غير الذي عرفته من قبل، فوجدته مدمناً مشاهدة الأفلام الإباحية، بل أغراني بمشاهدتها معه ودون علمي صور حياتنا الزوجية الخاصة بالفيديو مرات عديدة، وعندما اكتشفت ذلك أوهمني أنه سيتخلص منها، وصدقته بسذاجتي ونسيت الموضوع كله».
وتُكمل: «تحوّلت حياتي معه إلى جحيم بسبب أنانيته وتعمده إذلالي وابتزازي في الوقت نفسه، خاصة بعدما عرف أنه غير قادر على الإنجاب بعد مرور أكثر من سنة على زواجنا. لم استطع الصبر على حياتي معه بعدما حوّلها إلى جحيم، فطلبت الخلع وحمدت الله أنه لم يرزقني منه أولاداً».
وتضيف: «بعدما حصلت على الخلع تقدم للزواج مني أكثر من رجل لكنني كنت متأنية حتى لا أُكرر الخطأ نفسه. وبعدما استخرت الله في أحد المتقدمين ووافقت عليه، ظهر زوجي السابق في حياتي من جديد، مؤكداً لي أنه سيمنعني من الزواج بكل الوسائل، وأن ما صوّره فيديو لعلاقتنا الخاصة مازال عنده، وسيرسل نسخةً منه إلى كل من أوافق على الزواج منه، وإذا لم ينجح في ذلك سيلجأ الى سحر تفريق باستعمال بقية ملابسي عنده، وما فيها من عرق يمكن استخدامه في السحر. وإذا فشل في كل وسائله سيشوه وجهي بماء النار».
تشويه السمعة
تنصح الدكتورة رجاء حزين «الأزواج بأن يتعرّفوا على السيرة النبوية وكيفية تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجاته ونصائحه الغالية للرجال، حيث قال: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله». وأصل الزواج في الإسلام السكن والمودة والرحمة، فإذا فشل الزواج تبقى العشرة الطيبة، ولكن بعض الرجال لم يتربوا على التعاليم الصحيحة للإسلام لغياب التربية الإسلامية، فيكتسبون سلوكيات خاطئة ويطبقونها في حياتهم فيضيع الاحترام والتقدير وحفظ الأسرار، ونلحظ استمرار التهديدات والتراشق والسباب والاتهامات، ولجوء المطلق الى تشويه سمعة طليقته أو مخلوعته».
وتضيف: من المعروف شرعاً أن الزوج مستأمن على أسرار زوجته، وحتى عقب الانفصال يمنعه الإسلام من إفشاء أسرارها ولو فعل يكون كمن فضح مسلماً، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتتبع عورة أخيه المسلم يتتبع الله عورته ومن يتتبع الله عورته يفضحه ولو كان في جوف بيته».
عقوبة رادعة
يؤكد رئيس قسم الفقه في كلية الشريعة والقانون الدكتور عبد الفتاح إدريس إن «هذا الرجل تتملكه مشاعر الانتقام والغيرة والحقد والحسد والبغض التي تتولد في نفسه بعد الطلاق، خاصة إذا ما تزوجت مطلّقته من شخص آخر. ولا يمكن مكافحة هذا السلوك والشعور البغيض إلا بعقوبة رادعة تمنع كل من تسوّل له نفسه التلاعب بمصائر البشر، وفي الوقت نفسه نشر الوعي الديني ونزعات الخير، خاصة أنه بمجرد الطلاق أو الخلع يصبح كل من الزوجين غريباً عن الآخر وليس من حق الزوج السابق التدخل في شؤون مطلقته أو مخلوعته العامة أو الخاصة أو الوصاية على اختيارها لشريك حياتها».