هل يصح الزواج والطلاق بلا مأذون؟
طلاق, سلمى المصري, د. مهجة غالب, د. آمنة نصير, مواقع الزواج الإلكتروني, د. نصر فريد واصل, د. حامد أبو طالب, مشكلة / مشاكل وخلافات الميراث, د. سالم عبد الجليل
12 يوليو 2011ضمانات
ويربط وكيل وزارة الأوقاف المصرية الدكتور سالم عبد الجليل بين إضراب المأذونين عن العمل وحدوث فوضى في الزواج والطلاق، مما يؤدي إلى ضياع الحقوق، ولهذا فإن المأذون الممتنع عن العمل آثم أمام الله، لأن عمله يفضي إلى ضياع حقوق العباد واختلاط الأنساب وانتهاك الأعراض، وأكرم له أن يستقيل حتى تعيّن الدولة غيره، أو يؤدي عمله ويطالب بحقوقه، وخاصة إذا علمنا أن وظيفة المأذون تقتصر على دارسي الشريعة الإسلامية، ومن ثم فإن امتناعه سيعطي فرصة للجهال وعديمي الثقافة الإسلامية.
وعن صحة الزواج أو الطلاق دون مأذون قال عبد الجليل: «الزواج الشرعي هو ما كانت متحققةً فيه أركانه وشروطه الشرعية، مع خلوه من الموانع التي تمنع انعقاده. فإذا كان هناك إيجاب من ولي المرأة وقبول من الرجل، وكان ذلك بحضور شهود يشهدون العقد، أو كان العقد معلَناً عنه كان زواجاً شرعيَّاً، ولا يٌشترط في العقد الشرعي حتى يكون صحيحاً أن يوثق في المحاكم الشرعية أو الأوراق الرسمية. والحكم نفسه يكون في الطلاق، ولكن ليس الأمر بهذه السهولة في واقعنا المعاصر، فتوثيق عقود الزواج والطلاق ضروري، لما يترتب على ذلك من ضمانات إثبات النسب والمهر والميراث، وهذا ما يدفعنا إلى التشديد على ضرورة توثيق العقود الزوجية».
عقاب
ويقول الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية والعميد السابق لكلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر: «في ظل الدولة العصرية يعد المأذون حجر الزاوية في استقرار الأسرة والمجتمع، عن طريق إثباته للزواج أو الطلاق، وبالتالي ضمان حقوق أطرافه وما قد يثمره الزواج من أبناء، وبالتالي فإن امتناعهم عن عملهم فيه إضاعة لحقوق أفراد المجتمع، وهم آثمون شرعاً لمخالفتهم قوله تعالى: «وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» (التوبة : 105). وقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».
ويضيف: «وجود المأذون ليس شرطاً لصحة الزواج، ومن ثم فإن الزواج من دونه صحيح من الناحية الشرعية، وتترتب عليه أحكامه الشرعية، وكان هذا يتم منذ ظهور الإسلام. ولكن المشكلة أننا نعيش في عصر خربت فيه الذمم وقل الوعي الديني لدى الناس، مما جعلهم يأكلون حقوق بعضهم. من هنا جاءت أهمية وجود مأذون يكون وسيلة لإثبات الحقوق لطرفي الزواج والطلاق، وما قد يترتب على ذلك من أحكام ونفقة أو إثبات نسب، ومن ثم فإنني أرى أن إضراب المأذون هو نوع من الإضرار بمصالح العباد، ومن حق الحاكم تحذيره بإنهاء إضرابه وإن رفض من حقه فصله، وذلك لأن القاعدة الشرعية أرساها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في قوله: «لا ضرر ولا ضرار».
بل إن هناك من الفقهاء من يحذر من الزواج أو الطلاق بلا مأذون، محافظة على الحقوق، وهو ما يعني كراهية إتمامه بدونه، لأن الأخطار المترتبة على ذلك كثيرة، وما لا يتم المحافظة على الحقوق إلا به ننصح بالتقليل منه قدر الإمكان، وليكن بتأجيل الزواج، لأن الأضرار المترتبة على غياب المأذون أكثر من الفوائد المترتبة على إتمام الزواج».
التوثيق
وأكد الدكتور أحمد عبده عوض، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة طنطا، أنه لا وجود لوظيفة المأذون في الإسلام، وإنما هي وظيفة ارتبطت بتطور العصر، والزواج بدون وجود مأذون صحيح متى تحققت شروطه وأركانه. وإنما تنبع أهمية وظيفته في التوثيق، حيث خربت الذمم وأصبحت العقود مهددة بالضياع، لهذا فهو يقوم بتحري الدقة نيابة عن القاضي الشرعي المخول القيام بهذا العمل.
وأشار إلى أن وجود المأذون نوع من ضبط شؤون المجتمع، والتقليل من المشكلات التي قد تقع إذا تضاربت الحقوق، أو حاول أحد الأطراف التنصل من مسؤوليته الشرعية، خاصة أن الزواج والطلاق من الأمور التي فيها أعراض وأنساب، ولهذا فهي غير قابلة للتهاون بإضراب المأذونين، ولهذا قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عنها «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة».
حفظ الأنساب
ولفتت الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، إلى أن «الحياة العصرية فرضت أهمية قصوى للمأذون الشرعي، لدوره الرئيسي في المحافظة على الأسرة المسلمة وحل مشكلاتها وإزالة الأخطار التي تهددها، ولهذا رخصت له الدولة إجراء عقود الزواج والطلاق مع التزامه الضوابط الشرعية والنظامية لإتمام عقد الزواج، وبالتالي فإن عمله يتألف من شقين أولهما شرعي وثانيهما نظامي، ولابد له من التزامهما معاً لتجنب الوقوع في أي مخالفة، فمثلا لابد من حضوره عند إجراء عقد الزواج أو الطلاق، والوثيقة الصادرة منه هي الوحيدة المعترف بها، ولا يقبل الطعن فيها، وتترتب بناء عليها الحقوق والواجبات في حالتي الزواج والطلاق. فإذا كانت هذه أهميته في حياتنا فإنه يكون آثماً شرعاًَ إذا امتنع عن العمل، مهما كانت الأسباب، والأفضل له ممارسة عمله والإصرار على مطالبه التي ليس الراغبون في الزواج أو الطلاق طرفاً فيها».
وتكمل الدكتورة آمنة كلامها قائلة: «رغم صحة الزواج أو الطلاق بلا مأذون من الناحية الشرعية، فإن هذا يعد بلا قيمة من الناحية الرسمية، ما لم يتم توثيقه على يد مأذون عينته الدولة، لذلك فإن امتناعه عن العمل يعد مخالفة للدين الذي يعمل على حفظ حقوق المتزوجين والمطلقين عن طريق المأذون الذي لن يعترف بما تم من زواج أو طلاق دون وجوده.
ومن ثم فإن هناك مشكلات بالجملة ستظهر، فمثلا قد يتم زواج وحمل وطلاق خلال فترة الإضراب، فكيف سيتم إثبات حقوق كل الأطراف خاصةً الجنين الذي قد يشكك الزوج فيه أصلاً ولا يتم إثباته إلا بالتحاليل الطبية، الأمر الذي سيضر بالزوجة نفسياً حين ينكر الزوج ابنه، وتحاول هي إثبات ذلك، بل إنه قد ينكر زواجه أصلاً طالما أنه لا يوجد عقد زواج رسمي، فإلى من سينسب الطفل القادم، وكيف ستنال الزوجة حقوقها إذا تم طلاقها؟».
خيانة الأمانة
وتطالب الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، المأذونين بأن يتقوا الله في مصالح العباد وأن يطالبوا بمستحقاتهم دون امتناع عن العمل، لأن هذا فيه إضرار بأطراف بريئة ليست طرفاً في القضية، ومن المقرر شرعاً أن «درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة». وتضيف: «إذا استمر المأذونون في الإضراب فإنني أرى في عملهم نوعا من خيانة الأمانة، التي يأثم فاعلها لأنه سيشق على الناس ويجعل حقوقهم عرضة للضياع، وخاصة أن الدولة لا تعترف بالزواج أو الطلاق إلا عن طريقهم، فضلاً عن مشكلات إثبات النسب مستقبلاً».
وتنصح الدكتورة عبلة، الراغبين في الزواج أو الطلاق «بالامتناع عن إتمامه دون مأذون، لأن هذا يمثل في كثير من الأحيان كارثة تدفع المرأة ضريبتها هي وحملها، إن ترتب على زواجها حمل قد ينكره الزوج، ولهذا أراه مكروهاً».
حقوق الزوجة والأبناء
وتقول الدكتورة مهجة غالب، رئيسة قسم علوم القرآن في جامعة الأزهر: «يعمل الإسلام على حفظ تماسك الأسرة واستمرارها إلى أقصى درجة ممكنة، حتى تتحقق الغاية من الزواج الذي جعله الله آية من آياته، حيث يقول الله تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون» آية 21 سورة الروم، ولتحقيق ذلك عمل الإسلام على إقامة الزواج على أساس متين، حتى لا ينهدم إذا لم يتم توثيقه، وخاصة أن الدخول في الزواج أو الخروج منه بالطلاق يكون بكلمة.
من هنا تأتي أهمية توثيق تلك الكلمة لما يترتب عليها من حقوق وواجبات، خاصة أننا نعيش في عصر قلّ فيه الوازع الديني، لهذا وجب الاجتهاد بوجود مأذون شرعي مفوض من الدولة لضبط أمور الزواج والطلاق الشرعية، لمواجهة هذا الطوفان من عمليات الطلاق الذي يتم لأتفه الأسباب، وتدفع ضريبته الأم والأولاد الذين يتعرضون للضياع إذا لم يكن العقد موثقاً، ولهذا فإن إضراب المأذونين يتنافى مع مقاصد الشريعة في المحافظة على كيان الأسر المسلمة من التشتت والضياع».
وأوضحت الدكتورة مهجة أن توثيق عقد الزواج بتدوينه عند مأذون لا يعد شرعاً من أركان صحة العقد وشروطه، فقد كان عقد الزواج عند سائر المسلمين في القرون الأولى من الإسلام يتم بالإيجاب والقبول بين طرفيه، مع توافر أركانه وشروطه دون كتابته، اكتفاء بالإشهاد عليه وإعلانه وإشهاره. لكن في عصرنا قل الخوف من الله فضاعت الحقوق، وأنكر الزوج نسب الأولاد إليه أو أنكر زواجه من الأصل إذا لم تكن هناك وثيقة تضمن حقوق الزوجة وأولادها، وذلك لأن عقد الزواج له فوائد عظيمة لمساسه بأعراض الناس وأنسابهم.
ومعلوم أن صيانة العرض والنسب من المصالح الأساسية التي حرص الشرع الإسلامي على كفالتها لجميع المسلمين. من هنا كانت ولاية توثيق عقد النكاح بتدوينه بين أطرافه واجبة على قاضي المسلمين وولي أمرهم، لضمان انضباط ممارسة ولاية التزويج والتطليق الشرعية على أحسن وجه.
الزواج صحيح
في البداية يقول الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق: «الزواج بدون مأذون صحيح من الناحية الشرعية، طالما توافرت شروط وأركان الزواج، من رضا الزوجين ووجود الولي والشهود العدول والمهر والإشهار. ولكن المشكلة أن قانون الدولة لا يعترف بأي زواج لا يتم توثيقه عند المأذون، لضمان حقوق طرفي الزواج وما ينتج عنه من أطفال. ولاشك أن في إضراب المأذونين تعطيلاً لمصالح العباد، وهذا أمر مرفوض شرعاً، ومن يقوم به آثم، ومن حق الحاكم أو ولي الأمر فرض عقوبة عليه تتناسب مع ما يسببه امتناعه عن العمل من أضرار بخلق الله، لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن».
وأوضح المفتي الأسبق أن هذا الإضراب من شأنه الإضرار بخطط كثير من العائلات في زواج أبنائها وبناتها، لأنهم يجبَرون على تأجيلها إلى وقت لاحق، فضلاً عن أنه يدخل العائلات في مشكلات كثيرة إذا تم الزواج دون مأذون، خاصة ما يتعلق بكيفية إثبات الحقوق إذا وقعت مشكلات، لأنه قد يقع الزواج والطلاق بين رجل وامرأة في فترة الإضراب، التي قد تطول أو تقصر، فكيف يثبت كل منهما حقوقه تجاه الآخر؟
وطالب واصل مسؤولي الدولة بالتعجيل في درس مطالب المأذونين، فإذا كانت عادلة تمت تلبيتها أما إذا كانت متعسفة فمن حقها عقابهم، بل وفصلهم من وظيفتهم، لأن حقوق الشعب أولى من حقوق بعض الأفراد.
أثار إعلان المأذونين في مصر الإضراب الشامل لمدة شهر، إذا لم تتم تلبية طلباتهم، جدلاً بين علماء الإسلام عن حكم الزواج والطلاق الذي يتم بلا مأذون، وما قد يترتب عليه من مشكلات شرعية وأسرية، خاصة إذا لم يعترف المأذون بما تم من زواج أو طلاق دون علمه، أو وفاة أحد المتزوجين دون مأذون، وكيفية إثبات حقوق شريك حياته، وما يثمره الزواج من أطفال لن يتم تسجيلهم لعدم وجود زواج مسجل عند مأذون أصلاً. فماذا يقول علماء الدين حول هذه المسائل؟
تعود القضية إلى مطالبة المأذونين بتأسيس نقابة خاصة بهم تكفل حقوقهم، ووقف المادة «20» من القانون المنظم لمهنتهم، والتي أطاحت الكثير من المأذونين عند بدء تفعيلها، لأنها تنص على أن من يجري عقد الزواج هو المأذون التابع له محل إقامة الزوجة. وقد اعترض المأذونون عليها، لأن هناك مناطق فيها عدد كبير من المأذونين ومناطق أخرى لا يوجد فيها أحد. وأعلن المأذونون أن إضرابهم سيستمر أشهراً، إذا لم تلب مطالبهم مهما كانت النتائج.