ماذا يقول لهما علماء الدين؟ عندما يُخيِّر أحد الزوجين الآخر...
د. مبروك عطية, د. عبلة الكحلاوي, خلافات الزوجية, موقع / مواقع إلكترونية, علماء الدين, الفيسبوك, تويتر, د. فايزة خاطر
18 فبراير 2013الضُرَّة الإلكترونية
ترى الدكتورة سناء سليمان، أستاذة علم النفس في جامعة عين شمس، أن «الوسائل الحديثة التي تساعد على إنشاء صداقات بلا حدود، مثل فيسبوك وتويتر، تمثل ما يشبه «الضرة» الحديثة التي تأخذ الزوج من زوجته أو الزوجة من زوجها، بل إن الأمر قد يصل إلى استبدال الأصدقاء والصديقات بشريك الحياة، إذا استغنى كل منهما بعالمه الجديد وصار يمضي الساعات الطوال في التحدث مع معارفه الجدد، وخاصة من الجنس الآخر، فتضاءل اهتمامه به تدريجياً، لتصبح الحياة بينهما باردة ويدخل الصمت أو الخرس الزوجي الذي ينتهي بمشكلات قد تؤدي إلى الطلاق أو الخلع، إذا حاول أحد الزوجين أن يسترد شريك حياته ويمنعه من عالمه، الذي أدمنه وارتضى به بديلاً مريحاً عن شريك حياته».
وأوضحت سليمان أن الصدمة النفسية تحدث عندما يكتشف أحد الزوجين وجود علاقة عاطفية بينه وبين أحد الأصدقاء أو الصديقات الإلكترونيين، وتطور الأمر إلى نوايا بالزواج السري أو اللقاءات المباشرة، وهو ما يدفع المتضرر إلى الطلاق أو الخلع إذا لاحظ من شريك الحياة الإصرار على التواصل الإلكتروني، وخاصة أن هناك كثيرين يجيدون فن التخاطب، بل والإغراء بالكلام والصور عبر الإنترنت مع الأزواج والزوجات، واختطافهم من أسرهم. ولهذا يجب أن تبقى فائدة الإنترنت مشروطة بحسن استخدام الشبكة من الرجال والنساء، وتبقى مسألة الالتزام بضوابط معينة لاستخدامه خاضعة لسلوكيات الفرد وأخلاقياته، مع التحذير أن يتحول كل منهما إلى «مخبر» يتجسس على الآخر.
في كثير من المشاكل الزوجية ابحث عن «فيسبوك» و«تويتر»، فانشغال الزوج أو الزوجة بحسابهما على مثل هذه المواقع الإلكترونية قد يؤدي إلى إهمال الطرف الآخر وعدم مراعاة حقوقه ومشاعره, والنتيجة أحياناً أن يُخيِّر أحد الطرفين الآخر: «إما أنا أو «فيسبوك» و«تويتر». فماذا يقول علماء الدين عن تلك المشاكل الزوجية؟ وهل من حق كل طرف في أن يطلع على حسابات الآخر على مواقع التواصل الاجتماعي؟
تفجرت القضية عندما قام شاب في العقد الثالث من العمر بتطليق زوجته، بعدما اكتشف مصادفة وجود حساب لها على موقع «تويتر». وعلم الزوج أن حساب زوجته يشتمل على متابعين كثيرين من الجنسين، وطلب منها أن تلغيه فرفضت وأصرت على موقفها، رغم أن لديها طفلة، وحينها لم يتمالك الزوج نفسه فألقى عليها يمين الطلاق لتذهب إلى منزل والدها على الفور... بذل المقربون من الزوجين مساعي للصلح، وتوصلوا إلى أن يقدم الزوج مبلغاً لإرضاء أم طفلته الصغيرة على أن تلغي هي بالمقابل حسابها على «تويتر»، لكنها تمسكت برأيها، مستنكرة أن يكون حسابها على موقع «تويتر» سبباً لتفجر خلاف يؤدي إلى الطلاق.
وفي حادثة أخرى، طلبت زوجة في العقد الثالث من العمر من زوجها إلغاء صفحته الشخصية على موقع «فيسبوك»، كشرط أساسي للموافقة على استمرار العلاقة الزوجية بينهما، بعدما صار زوجها يمضي ساعات طويلة على «فيسبوك»، وطلبت منه أكثر من مرة التخفيف من استخدام الموقع، وشكت من إهمال زوجها لشؤون بيته، بسبب انشغاله الدائم على «فيسبوك» والبحث عن إضافة أصدقاء جدد. وقالت إن زوجها هاجسه الأول إضافة عدد أكبر من الأصدقاء من الجنسين، مبينة أنها عرضت عليه التوقف والتعامل بطريقة تراعي وضعهما الأسري، إلا أنه لم يستجب، مما دفعها إلى تخييره بين الطلاق وإلغاء صفحته على «فيسبوك». فاضطر الزوج للخضوع لشرط الزوجة، وألغى صفحته حفاظاً على الحياة الزوجية من الانهيار.
وفي حادثة ثالثة، تقدمت مواطنة إلى المحكمة بطلب لخلع زوجها بسبب «فيسبوك»، منهية بذلك عشرة بينهما استمرت عامين، وخاصة بعد أن اشتبهت في تغير معاملة زوجها واهتمامه بموقع «فيسبوك» وتمضية معظم وقته أمامه، ما دفعها لاختراق صفحته بمساعدة بعض صديقاتها، وكانت المفاجأة عندما وجدت عبارات تبرز اهتمامه بالنساء على الصفحة الرئيسية، بالإضافة إلى أن أغلب المضافين لديه من العنصر النسائي، فطلبت من أسرتها مساعدتها على الخلع منه ووصفته بـ «الخائن»، وهو ما حدث فعلاً وحصلت على حكم بالخلع من الزوج مدمن «فيسبوك».
يبدو أن المشكلة ليست مقصورة على المجتمعات العربية، وإنما كشفت دراسة مسحية حديثة، أجراها أحد مواقع الويب المعنية بشؤون الطلاق في بريطانيا، أن 33 في المئة من دعاوى الطلاق التي أقيمت خلال العام 2011، استشهدت بموقع «فيسبوك» كأحد الأسباب وراء إقامتها، مقابل 20 في المئة عام 2009. في حين أظهر استفتاء فرنسي نشره موقع «طلاق أون لاين» أن «فيسبوك» وراء طلب الطلاق لواحد من بين ثلاثة فرنسيين يطلبونه.
واستطلع الموقع الإنكليزي «ديفورس أون لاين» آراء نحو خمسة آلاف شخص خلال عامي 2009 و2011، فقالوا إن «فيسبوك» كان إحدى الوسائل التي استخدموها لمعرفة سلوك شركائهم تجاههم، حيث كان الموقع الاجتماعي بمثابة منصة للتعليقات عقب الانفصال، ومن الأسباب الرئيسية الثلاثة وراء دعاوى الطلاق.
تحذير وتحكيم
تذكّر الدكتورة سعاد الشرباصي، أستاذة الفقه بكلية الدراسات الإسلامية، بأن «الطلاق أبغض الحلال إلى الله عز وجل، ولهذا لا بد من البعد عن الأسباب المؤدية إليه، سواء كانت مشكلات تقليدية أو مستحدثة، مثل انشغال أحد الزوجين عن الآخر، أو الاستغناء عنه وإهماله عن طريق التواصل مع آخرين عبر تويتر أو فيسبوك. فهذا أمر محرم شرعاً لتضرر أحد الطرفين من ذلك. والعلاقات الإنسانية، وخاصة الزواج، تقوم على الحقوق والواجبات المتبادلة، في إطار القاعدة الشرعية التي أرساها الحديث النبوي الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»». وأشارت الشرباصي إلى أنه طالما وقع الضرر، فمن حق المتضرر تحذير الطرف الآخر، فإن لم يستجب فيجب اللجوء إلى المؤثرين عليه من الأسرتين ليكونوا حكماً بين الطرفين، لقوله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إن اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا» آية 35 سورة النساء.
وأنهت كلامها بالتأكيد أنه «إذا فشلت كل الخطوات السابقة، من التحذير والتحكيم، فمن حق المتضرر طلب الطلاق أو الخلع لرفع الضرر عنه، سواء من خلال الاتفاق بينهما أو عن طريق القضاء، ويكون الإثم على المصر على الإضرار بالطرف الآخر أو عدم مراعاة مشاعره. ويحق للزوج أو الزوجة معرفة أصدقاء الآخر وصديقاته على فيسبوك أو تويتر، لأنه من واجب كل من الطرفين معرفة ما يحويه حساب شريك حياته، ليس لمحاسبته بل للمحافظة عليه، فإذا كانت صداقات بريئة لدواعي العمل مثلاً فلا مانع منها، لكن إذا كانت صداقات مشبوهة فيجب منعها بكل الوسائل، حتى لو وصل الأمر إلى الطلاق أو الخلع إذا فشلت طرق التقويم والإصلاح والنصح».
سد أبواب الفتنة
ترى الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية بالزقازيق جامعة الأزهر، أن: لكل من الزوجين حقوقاً لدى الآخر كما عليه واجبات، ومن حق كل منهما المحافظة على الآخر من الوقوع فريسة صداقات إلكترونية. بل إنني أرى أنه لا بد من علم كل منهما بمحتوى فيسبوك أو تويتر للآخر بالتراضي بينهما، حتى يحافظ كل منهما على الآخر من شياطين الإنس الذين يزينون الباطل، فكم من بيوت خربت وأخلاق انهارت بسبب الصداقات الإلكترونية التي يدخل فيها أحد الزوجين، الذي نسي الله المطلع عليه لأنه سبحانه القائل «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ» آية 19 سورة غافر». وأشارت خاطر إلى أن الإسلام يعمل على سد باب الفتنة، التي قد تكون مدخلاً للانحراف الأخلاقي عبر الصداقات الإلكترونية بدون علم شريك الحياة، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً، وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ» آية 168 سورة البقرة. وأنهت كلامها بأنه من «حق الزوج أن يأمر زوجته بإغلاق حسابها على فيسبوك أو تويتر، وعليها طاعته وإلا كانت آثمة شرعاً، لأن طاعة الزوج واجبة طالما لا يأمرها بمعصية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله تعالى لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها كله». وكذلك، من حق الزوجة معرفة أصدقاء زوجها وصديقاته على تويتر أو فيسبوك، لأن كل حق يقابله واجب، وهذا ليس تدخلاً في خصوصياته وإنما من باب المحافظة على شريك الحياة من شياطين الإنس».
كسر الثقة
وصف الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، إقامة أحد الزوجين لصداقات مع الجنس الآخر، عبر مواقع التواصل بأنه «نوع من الخيانة بمختلف درجاتها، لأن الخيانة ليست ارتكاب الخطيئة فقط، بل إن هناك خيانة في المشاعر بشكل غير شرعي، مما يفتح باباً من أبواب الحرام، الذي نهانا الشرع بالابتعاد عنه ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ولو بالنظر أو الكلام. لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى، أدرك ذلك لا محالة، فالعين تزني وزناها النظر، واليد تزني وزناها اللمس، والرجل تزني وزناها الخطى، واللسان يزني وزناه النطق، والفم يزني وزناه القبل، والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه»».
وهاجم عطية «انشغال بعض الأزواج أو الزوجات عن شريك حياته مع أصدقاء وصديقات فيسبوك أو تويتر لساعات طويلة، ويهملون من يجلس معهم في البيت، حتى لو كان كل منهما بمأمن من الفتنة، لأن المشاعر الإنسانية كائن حي لا بد من رعايته وإلا مات أو انحرف عن مساره الطبيعي من الحلال إلى الحرام، أو الدخول في علاقات مشبوهة أو بها شبهة، حتى وان لم تكن محرمة تماماً، فإن الإسلام أمر أتباعه بالابتعاد عن كل ما فيه شبهة، فقال رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إن الْحَلالَ بَيِّنٌ وَإنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُما أمور مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثيِرٌ مِنَ الناسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ في الشَّبُهاتِ وَقَعَ في الْحَرَامِ، كالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِك أن يَرْتَعَ فِيهِ، أَلا وَإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً أَلا وَإنَّ حِمَى الله مَحَارِمُه، أَلا وَإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْب»».
وطالب الدعاة في المساجد ووسائل الإعلام بتوعية الأزواج الزوجات بأضرار الاستخدام السيَّئ لاستخدام فيسبوك وتويتر، كذلك لابد لمؤسسات التربية ابتداء من الأسرة ووزارة التربية والتعليم تفعيل دورها في نشر الوعي بالاستخدام الرشيد لتلك الوسائل، التي لها إيجابيات وسلبيات، والحض على الإيمان وتجنب السلوكيات السيئة.
ويحذر الدكتور مبروك في نهاية كلامه الزوجين من «كسر الثقة بينهما، إذا حاول كل منهما التلصص أو التجسس على حساب شريك حياته على فيسبوك أو تويتر، لأن هذا سيزيد المشكلات بينهما اشتعالاً، وقد نهى الإسلام عن التجسس، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إن بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إن اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ» آية 12 الحجرات».
حقوق وواجبات
تعجبت الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، من تضحية الزوجة أو الزوج بالحياة الزوجية التي جعلها الله آية من آياته حين قال: «وَمِنْ آيَاتِهِ أن خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إن فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم. «والغريب أن يضحي الزوج أو الزوجة بالمودة والرحمة والعشرة من أجل صديق أو صديقة على فيسبوك أو تويتر، رغم أن هذا لابد أن يكون برضا الطرف الآخر في العلاقة الزوجية القائمة على الحقوق والواجبات المتبادلة، لقوله تعالى: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» آية 228 سورة البقرة». وأوضحت الدكتورة عبلة أنه إذا «تحول فيسبوك أو تويتر إلى وسيلة للفتنة أو تسهيل علاقات محرمة أو إضاعة للوقت في ما لا طائل منه، فهو منهي عنه شرعاً، ويجب أن يتذكر كل منهما المسؤولية أمام الله، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيما أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيما أَبْلَاهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيما أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ»».
وطالبت الأزواج والزوجات بإعلاء قيمة العقل والأخلاق، وأن يتقوا الله في بعضهم، لأنه لا يجوز شرعاً اللجوء إلى الطلاق لعلاج إدمان الزوج أو الزوجة للفيسبوك أو تويتر، بل لابد من السعي إلى الإصلاح بين الزوجين اللذين عليهما أن يعلما أن المشاعر الإنسانية من الحب والتقدير لكل منهما تجاه الآخر هي بمثابة أمانة ولا يجوز الانحراف بتلك المشاعر إلى آخرين لمخالفة ذلك للشرع، مما يعد خيانة للأمانة، ومخالفة لقول الله تعالى: «إن اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا» آية 58 سورة النساء. بل إن الإسلام لم يبح لمن انحرف شريك حياته في مشاعره وقصر في حقه من خلال الصداقات الإلكترونية أن يفعل مثله، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ».
وترفض الدكتورة عبلة أن يجعل أي من الزوجين نفسه «وصياً على الآخر، ويعمل على مراقبة حسابه على فيسبوك أو تويتر، وإلا كان ذلك باباً لإشعال نار الخلافات الزوجية التي لن تنتهي، ولهذا فإن الحل هو تبادل النصيحة بين الزوجين بتقوى الله. وهذه النصيحة يجب تقديمها بدافع الحب والمحافظة على شريك الحياة، وليس مراقبته أو التجسس عليه، لأن النصيحة بالخير والتقوى واجب شرعاً في كل الحالات، ولا شك أنها واجب بين الزوجين، لقوله صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة، قال الصحابة: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»».
العلاقات الإنسانية
يرى الدكتور نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع والعميد السابق لكلية الدراسات الإنسانية في جامعة الأزهر، أن «العلاقات الاجتماعية بوجه عام والعلاقات الزوجية بوجه خاص تدفع ثمن وسائل الترفيه الإلكتروني التي أصبحت الشغل الشاغل للأزواج والزوجات على السواء في العديد من الأسر، وخاصة الثرية منها، بسبب وجود فراغ كبير في حياة الزوجين، مما يجعل الصداقات عبر فيسبوك وتويتر هي البديل، حتى لو كانت النتيجة تفسخ الأخلاق وانهيار الحياة الزوجية بالطلاق أو الخلع».
ويطالب السمالوطي الأزواج والزوجات بالصدق مع الله والنفس والإخلاص في العلاقة الزوجية، «فكما لا يحب الزوج أن تدخل زوجته في صداقات إلكترونية مع رجال غرباء عنها، أو حتى أقارب من غير المحارم، فإن عليه هو كذلك أن يكون لديه وازع داخلي ألا يدخل في صداقات مع الجنس الآخر، طالما ذلك يؤذي مشاعر زوجته، وعليهما أن يشغلا وقتهما بالهوايات المشتركة حتى يتم قهر الشعور بالضيق والملل والغيرة، وأن يعملا على تجديد مشاعرهما العاطفية». وينهي كلامه مؤكداً أن «انشغال الزوج أو الزوجة بالإنترنت لساعات طويلة على تويتر أو فيسبوك، والدخول في صداقات إلكترونية قد يتم التمهيد خلالها لعلاقة عاطفية، أمر مخالف للأخلاق الشرقية عامة، فضلاً عن رفض الأديان السماوية له، ولهذا لا بد أن يكون الزوج عارفاً بحساب زوجته، وكذلك الزوجة لابد أن تكون عارفة بحساب زوجها على فيس أو تويتر، كنوع من إثبات حسن النوايا والصدق، وليس المراقبة. بل إنه من الأفضل أن يكشف كل منهما أسرار تلك الحسابات الإلكترونية بإخلاص، حتى لا يعطي مجالاً للشكوك».