بادن - بادن بلدة افتراضية ألمانية

سياحة, ألمانيا, كركلا, دار الأوبرا المصرية, متحف ميتروبوليتان النيويوركي, فريد بوردا, فندق Grosvenor House, بادن- بادن, منتجع كركلا الصحي, منتجع صحي

09 سبتمبر 2009


رحلت عن فرانكفورت وأنا أحدّق إلى جسورها وأبنيتها محاولة أن أغرس في ذاكرتي صوراً لبهائها. اتجهت بنا الحافلة نحو الطريق السريع أو كما يقال بالألمانية «أوتو بان»، إلى بادن- بادن محطتي الثانية في بلاد الجرمان.
عرفت الطريق كيف تجعلني أحرق الوقت وأنسى المسافات، بالتأمل في الجمال المتناثر على طول طرفيها والذي تشكّل بألوان الشجر المتدرجة من الأصفر الخريفي الشاحب إلى الأخضر القاني والتي يعجز أعظم المبدعين عن اختراع مزيج يشبهها. أما السائق فكان يجيب عن أسئلتنا بإنكليزية تتعثر بكلمات ألمانية ولكنه تمكن من إيصال المعنى.



إنها بادن- بادن البلدة الواقعة في أحضان الغابة السوداء وبلدة الينابيع الطبيعية الصحية والحياة المخملية. أدهشتني طبيعتها وأبنيتها وكأنني أليس في بلاد العجائب. الشوارع معظمها مرصوف بالحجارة، والأزهار متناثرة في شكل أنيق على الأرصفة ووسط الطريق، والبيوت تغازل الشمس أثناء المغيب بانبعاث أنوارها الخافتة. دوّختني بادن- بادن منذ اللحظة الأولى للقائها، أما الطبيعة وعناصرها فبدت لي أنها تبتسم لافتتاني بها
بعد ساعة من السفر البري، أعلن وصولنا إلى مشارف بادن- بادن. اخترقنا جوف نفق أفعواني طويل شعرت بأنه لن ينتهي إلى أن لفظنا وسط جمال طبيعي يأخذ الألباب.

أمام فندق «برينرز بارك أوتيل أند سبا» Brenner's Park Hotel & Spa نزلنا من الحافلة ونحن مأخوذون بالجمال الذي رُمينا في أحضانه ولم نتوقف عن تسبيح الله في ما خلق.

جولة في أجنحة الفندق

البداية كانت في المنتجع الصحي الذي يضم غرف السونا والتدليك منها الخاصة وأخرى المشتركة، وجناحاً للعناية بالبشرة والتجميل ، وعيادة لطب الأسنان حيث يمكن الخضوع لجلسات تجميل الأسنان على أيدي الاختصاصيين، وعيادة طبيب الجلد وحضانة للأطفال فيها حادقات اختصاصيات. كما يوفر الفندق جليسة أطفال إذا كان الوالدان يريدان الخروج مساء للسهر. ويضم الفندق مبنى مستقلاً فيه شققاً مفروشة بإيجار شهري، وهي تقع في مبنى مستقل.

منه إلى كور هاوس

شيد هذا المعلم التاريخي بين عامي ١٨٢١ و ١٨٢٤ فريدريك فاينبرنير بقصد أن يكون نادياً اجتماعياً يلتقي فيه وجهاء البلدة، أي كما نطلق عليه في بلادنا العربية الديوان. بني كورهاوس على النمط النيو كلاسيكي ويضم مسرحاً خارجياً وكازينو يتألف من أربع صالات صممت هندستها الداخلية بين عامي ١٨٥٤ و ١٨٥٦ لتكون نموذجاً  لقصر فرساي الفرنسي. أمّا الأثاث فجاء على نمط النيو- باروك. وإضافة إلى الصلات الأربع يوجد مقهى.

منتجع كركلا الصحي

خرجنا من فندق «برينرز بارك أوتيل أند سبا» من الباب الخلفي حيث يوجد ترّاس يشرف على نهر أوس الذي يخترق البلدة. وسرنا وسط الطبيعة الغناء وعبرنا الجسور الصغيرة العائمة فوق النهر ومررنا بوسط المدينة،  إلى أن وصلنا إلى منتجع كركلا الصحي.
لفتني الاسم وتبيّن لي إنه يعود إلى الإمبراطور الروماني كركلا الذي اكتشف أهمية المياه الجوفية التي تنبع من الأرض في معالجة الأمراض وشيّد الحمامات الرومانية من وقتها. جلنا في منتجع كركلا الروماني القديم.  جلسة العلاج هنا تمر بخمس عشرة مرحلة ولكل واحدة منها خصوصيتها وفوائدها على الصحة.
نزلنا إلى غرفة تحت الأرض حيث توجد أطلال حمامات رومانية تعود إلى حوالي ألفي سنة. قرر بعض الزملاء تجربة حوض السباحة الساخن والتدليك على الطريقة الرومانية.

في وسط البلدة التجاري

في بادن- بادن لا يمكن أن تضيع، فكل شيء منظم وجميل. وإذا حصل أن تهت ما عليك سوى أن تسأل أحد المارة حتى يدلك على الطريق. وسط البلدة يشبه فردوس التسوّق، إذ يتميز بشوارعه المرصوفة بالحجارة وأبنيته العتيقة المزينة شرفاتها بأصص تتدلى منها الزهور بكل أنواعها وألوانها وتقف عند أقدامها البوتيكات لأهم دور الأزياء العالمية، إضافة إلى البوتيكات ذات الأسعار المقبولة والمتاجر التي تعرض التذكارات، تجاورها المقاهي التي تفوح منها رائحة القهوة الممتزجة بروائح الطعام اللذيذ.

متحف بوردا سيراً على الأقدام رغم زخات مطر الخريف

وصلنا إلى المتحف وكان سؤالي الفضولي الأول الذي طرحته على المرشدة هل هو صاحب مجلة «بوردا» للأزياء والتي الكثير منا في العالم العربي يعرفها، خصوصاً الخياطين لأنها تضم رسوم قصّات الأزياء، فكان الجواب لا ولكن من المعروف أن فريدريد بوردا هو واحد من ثلاثة ورثة لإمبراطورية إعلامية وهاوي مجموعات فنية من منحوتات ولوحات، وهو يعرض في هذا المتحف الذي شيده مجموعاته الخاصة.  وصلنا إلى المتحف الذي صممه المهندس النيويوركي ريتشارد ماير، ويضم منحوتات وأعمالاً لفنانين انطباعيين وتجريديين وأعمالاً لبيكاسو وإدغار ديغا. كما يضم المتحف متجراً لبيع التذكارات ولوحات مقلدة للفنانين المعروضة أعمالهم. توقفنا عند لوحة ظننا في البداية أنها مقلوبة، لم أعرف السبب. توقفت عند منحوتة إدغار ديغا Petite danseuse de 14 ans وقد عثر على هذه المنحوتة بعد موته في منزله وهي ترتدي فستان باليه حقيقياً. لم أستطع لمسها، لكن المنحوتة تعكس المذهب الواقعي لديغا.

 بعد زيارة المتحف أكملنا المسير نحو Festspielhaus  وهي ثاني أكبر دار أوبرا في أوروبا. في جولة تعرّفنا خلالها إلى كواليس مسرح الأوبرا حيث صادف وجود فرق تقوم بالبروفات استعداداً للعروض المسائية.

كانت الساعات الأخيرة في بادن- بادن تمر بسرعة البرق، وشعرت بأن المطر الخريفي تآمر مع البلدة كي لا أنساها. رحلت عن بادن- بادن وفي قلبي غصة الفراق وفي الوقت نفسه فرحة لقاء أختي في بون. انطلق القطار وأطلقت صفارة ذاكرتي معلنة أنها لم تكتفِ من الصور، فهل سأحشدها بالمزيد من صور مدن ألمانيا وناسها؟... ماذا ستخبئ لي الأيام في بون؟!