الزواج من أجنبي
طلاق, هجرة, د. مي مارون, الإختصاصية ربى الخوري, د. نجاة إبراهيم, مواقع الزواج الإلكتروني, الإختلاط
15 مايو 2009إبراهيم وولداه ولورينسا الإيطالية
سافر الشاب إبراهيم نور الدين نهاية الثمانينات إلى أوروبا هرباً من الوضع اللبناني المتأزم حيث تعرّف إلى الإيطالية لورينسا (18عاماً) التي كانت تعمل في محل لبيع الزهور. وقد تزوج منها بحثاً عن الإستقرار المادي والعاطفي رغم عدم إقتناعه بصواب هذا القرار. وحين تركّزت أوضاعه وتوضّحت معالم العلاقة الزوجية بدأ الإختلاف يشوب العلاقة خصوصاً أنه كان يتردّد في تلك الفترة إلى لبنان: «كانت تأبى مرافقتي باعتبار أنها غير معنية بما يجري في لبنان وتكره زيارة بلد مدمّر. كما انها كانت تتحاور وأهلي بلغة الإشارات. إضافة إلى مسألة الإنجاب التي ترددت في الإقدام عليها لتلافي مشكلة الهوية الإجتماعية والدينية للطفل الذي قد يعاني تفسخاً في الإنتماء في ما بعد».
إفترق الزوجان بعد خمس سنوات، وبرأي إبراهيم أن 80% من الزواج المشابه مصيره الفشل. ولا يحمل نتيجة طلاقه لطبيعة المرأة الأجنبية، فزوجته كانت محافظة وهو الرجل الأول في حياتها، لكن ثمة فروقات ثقافية ومعتقدات لا يمكن تجاهلها أو التغلب عليها، كما أنه لا يمكن «تعويض الألفة التي تفرضها المرأة اللبنانية». وقد أعاد إبراهيم الكرّة وتزوج لكن هذه المرة من لبنانية وكوّنا أسرة ناجحة ومتماسكة بعيداً عن الصدامات، وتكهن ما سيحمله المستقبل من مفاجآت غير سارّة بحسب تعبيره.
علي وديانا وولداهما... زواج ناجح منذ 19 سنة
يبدأ اللبناني علي شريف (40عاماً) المقيم في سويسرا حديثه بالقول: «أنا محظوظ في زواجي البعيد عن المشاكل الجوهرية والكبيرة، لكن لا يخلو الأمر من بعض النقاشات والإختلاف في وجهات النظر التي قد تمر في حياة أي زوجين من الجنسية نفسها».
تزوج شريف السويسرية ديانا (38عاماً) منذ 19عاماً ولهما توأمان ذكران أحمد ووسام. ويشعر بأنه لن يكون أكثر إستقراراً لو تزوج من لبنانية، فهما ينعمان بوفاق وإستقرار عائلي 100%. يقول ممازحاً: «علاقتي مع والديها مقطوعة ، فهما متوفيان، أما علاقتها بأسرتي فهي جيدة جداً. لقد تأقلمت بالبيئة العربية والإسلامية وباتت تؤدي فروض الصلاة، كما أنها تحب الإنتقال للعيش في لبنان وكانت لها رغبة في إمتلاك منزل في شمال لبنان مسقط رأسي رغم عملها في أحد المصارف الأوروبية. وهي حريصة على تجديد جواز سفرها اللبناني الذي تستخدمه عوضاً عن السويسري أثناء السفر. نزور لبنان مرتين أو ثلاثاً في السنة وتحاول ديانا توثيق العلاقة الأسرية بين ولدينا وعائلتي». ويذكر علي شريف أن زوجته كتبت مقالين أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان في تمّوز/يوليو 2006 وقد نشرا في جريدتي «النهار» و«السفير»، فهي تعتبر نفسها لبنانية وما يمسّ لبنان يحزنها.
غسان وإيمي...طلاق عبر السفارة
بعد سنة ونصف السنة من الزواج، أعلن ملك جمال لبنان السابق غسان المولى طلاقه من الممثلة المصرية إيمي. ويعزو غسان سبب طلاقه إلى إقترانه بإمرأة من بلد آخر وجنسية أخرى وبالتالي معتقدات وبيئة مختلفة. يقول باللبنانية: «اللي ما بياخذ من مِلتو بيموت بعِلتو. يكتشف المرء حقيقة الأمر عند العيش تحت سقف واحد خصوصاً أن فترة التعارف بيننا التي سبقت الزواج هي شهران». وقد إلتقى غسان إيمي في سهرة إنتخاب ملكة جمال مصر حيث كان في لجنة التحكيم بينما زوجته السابقة كانت ضيفة شرف. وقد حصل نوع من التلاطف والإعجاب المتبادل من النظرة الأولى.
ويضيف غسان: «على الرجل الذي يريد أن يخطو تجاه مشروع الزواج من إبنة بلده أن يتأنى، والمسألة تحتاج إلى دراسة أعمق عند الزواج من أجنبية». أثناء الزواج، مكث غسان وزوجته في مصر لأن الأوضاع الأمنية اللبنانية كانت مضطربة آنذاك. ويشير إلى أن المشكلة تفاقمت حين رزق بإبنه يوسف الذي بلغ أخيراً شهره الرابع ولم يره منذ أيامه الاولى. «لقد تسرّعت في الإقدام على الزواج، لم أجد المرأة الشريكة التي في مخيلتي بل إنسانة غريبة عن البيئة التي نشأت فيها، فأنا أرفض المرأة القوية بمعنى أن تفرض سيطرتها على الرجل وهذا شائع في مصر. أذكر انني قرأت دراسة إحصائية في مصر تفيد أنه يومياً هناك 200حالة طلاق يقابلها 20 حالة زواج». ويتخوف غسان من القانون الجديد في مصر الذي يعطي الأم حق الإحتفاظ بالطفل، وهو يحاول حالياً تجنب الدخول في نفق المحاكمات لكنه يقول «يكفي أن إسم إبني هو يوسف غسان المولى». ويعترف: «اقول للمرة الأولى أن أهلي عارضوا زواجي في البداية، فنحن من بيئة «بعلبكية» وأمي تريد رؤية حفيدها وأن تطهو لإبنها. لم أجرؤ على لفظ كلمة طلاق. حصلت القطيعة بيني وبين زوجتي السابقة لمدة شهر دون اي مكالمات وطوال هذه الفترة منحت فرصة للنفوس لكي تهدأ وإعادة لملمة الأمور، لكن الفتور ساد الموقف خصوصاً أنني وإيمي وضعنا شروطاً متعارضة وشرطي الأساسي كان العيش في لبنان لكنها رفضت، فتسلّم كلّ منا ورقة طلاقه عبر سفارته».
ديمة وماثيو الفرنسي
تركت الصبية ديمة عبدو (29عاماً) منزل أسرتها وهاجرت إلى فرنسا لتكمل دراستها في الترجمة في جامعة ليون، وقد تعرفت عن طريق الصدفة إلى الشاب الفرنسي ماثيو فافيي الذي يشاطرها العمر نفسه من خلال أصدقاء مشتركين. وبعد فترة سنتين من التعارف تزوجا في الصيف الماضي. وقد سبق ذلك إعتناقه الإسلام. ولا تخفي ديمة ما ساور والديها من شعور متردد إزاء إرتباطها بالشاب الفرنسي وشكوك ومخاوف تجاه زواجها من أجنبي وفكرة العيش في الخارج، وأن أولادها لن يتمكّنوا من الحصول على الجنسية اللبنانية. تضيف: « بعد جدال طويل، سافرت والدتي إلى فرنسا للتعرف على المكان الذي سأستقر فيه وإبني عائلة لتطمأن وتتأكد أن كل الأمور على ما يرام».
وتصف زوجها فتقول: «ماثيو هادىء الطباع وهو قريب من الأجواء العربية خصوصاً أن رفاقه هم من المغرب العربي ويعرف الكثير عن البيئة الإسلامية، عيدي الفطر والأضحى. وهو كالرجل الشرقي الذي يصون شريكة حياته لا بل اكثر منه، وهو لا يمانع في المجيء إلى لبنان بغية الإستقرار ما أن تهدأ الأوضاع». تقول بيقين: «الزواج يرادف التفاهم والحب وجنسية الشريك عامل ثانوي». تقول اخيراً: «كانت تربطني علاقة عاطفية بشاب لبناني إستمرت 9 سنوات وباءت بالفشل الذريع. قرار الزواج يتخطى حاجز الجنسية».
كاترينا ووليد..لقاء في الجامعة الروسية
تروي الزوجة الروسية كاترينا دميدوغا (31عاماً) التي تعيش في لبنان حالياً عن بداية تعارفها بزوجها اللبناني وليد دكروب (34عاماً) فتقول: «إلتقيت بزوجي لأول مرة في الجامعة في روسيا حيث كنت ادرس التمثيل والمسرح. عمر علاقتنا اليوم 14 عاما. كنا ندرس في الطابق نفسه وتلت صداقتنا علاقة عاطفية. تزوجنا منذ أربع سنوات ولدينا طفلان، آدم (8 سنوات) ودانيال (3سنوات)». ولا تنكر كاترينا الصعوبة التي واجهتها حين إنتقلت وزوجها للعيش في لبنان، فهي أمضت سنتين لا تعرف الخروج بمفردها، لكنها اليوم أكثر إستقراراً خصوصاً أنها تعطي دروساً في «الحركة المسرحية»stage Mouvement في إحدى الجامعات اللبنانية. كما تلقى دعماً مهنياً من زوجها الحائز على دكتوراه في السينوغرافيا وشقيقه كريم دكروب الذي يملك مسرحاً للدمى، مما فتح أمامها مجالأ أوسع للعمل. لكنها من ناحية اخرى، تزعجها النظرة إلى الفن المسرحي في لبنان باعتباره قيمة ترفيهية. وعن علاقتها بأهل زوجها تقول:« لقد تعارف والدا زوجي بالطريقة نفسها في روسيا حيث كانت الأم تدرس الفيزياء والأب الهندسة الزراعية في جامعة موسكو، وهذا ما حال دون ظهور مشكلة على صعيد اللغة». تضيف: «والدة زوجي إمرأة منفتحة ومن النساء الاوائل اللواتي هاجرن بحثاً عن العلم». وتدحض فكرة السائدة عن المرأة التي تبحث عن راحتها قبل كل شيء:«لقد وافقت على الإنتقال إلى لبنان رغم الإحساس بأنني غريبة في الفترة الأولى لكنني لم أفكر بشكل فردي، فنحن عائلة وزوجي سينطلق بمهنته أكثر في وطنه». وتبدي كاترينا تخوفاً من إستمرار الوضع اللبناني المتأزّم حيث المستقبل مجهول وتصف لبنان بأنه جنة حقيقية لكن إبناءه لا يشعرون بهذا الشيء ولا يدرون أين يعيشون. أما عن ولديها فتقول: «أتكلّم معهما الروسية وأحرص على أن يجمعا الثقافتين العربية والروسية ولا أحمل همّ تعلّمهما العربية لأنهما يتكلّمانها جيداً وهما يتّقناها أكثر مني بحكم محيطهما الخارجي، المدرسة وعائلة زوجي».
أما الزوج وليد دكروب فيكتفي بالتعبير عن سعادته لأن حياته الزوجية يسودها التفاهم والمساواة رغم أنه واجه في بداية زواجه « صعوبات تمّ تخطيها على المستويين الإجتماعي والمادي، فقد بدأنا حياتنا الزوجية دون الصفر وسكنّا مع عائلتي لفترة قبل شراء منزلنا. وقد تعاملت زوجتي مع الأوضاع بصبر وتفهمت كون قدرتي على العطاء المهني أكبر في لبنان». ولا يشجع دكروب الزواج من أجنبي لأنه يشكّل وزوجته حالة إستثنائية: «لقد سافرت إلى روسيا بعمر ال17 أي أن وعيي ونضجي تكونا هناك وهذا بالتحديد العامل الذي أنجح زواجي، بينما مصير زيجات من التركيبة نفسها محكوم بالفشل والتعاسة». أما عن مستقبل طفليه فهو يطمح إلى أن يتعلّم إبنه البكر في وطنه الثاني روسيا.
الدكتورة نجاة إبراهيم رئيسة جمعية العلاج النفسي والإستشارات النفسية وأمينة سر المعالجين والمحللين النفسيين وأستاذة جامعية
- هل ينتظر الزواج من أجنبي سواء من أجل الحصول على الجنسية (زواج مواطنة) أو إثر علاقة عاطفية مصيراً مشابهاً؟ ما تأثير عامل الجغرافيا في إستقرار الزواج من اجنبي؟ لماذا الزواج من أجنبي مباح للرجل ومرفوض للمرأة؟
تعتبر الدكتورة نجاة إبراهيم «أن الزواج المختلط واسع النطاق، فهو قد يجمع شريكين من بيئات جغرافية أو دينية وثقافية مختلفة أو من بلد عربي آخر أو مجتمع غربي لا ينضوي تحت إطار المجتمعات العربية». وتتوقف عند الأخير لتقول:« زواج اللبناني من أجنبية حيث الإختلاف الجذري في الثقافة والقيم والمبادىء والإنتماءات والنظرة إلى الامور قرار شديد الحساسية، وتكمن صعوبته لدى عودة أحد الشريكين للإستقرار في وطنه الأم». وتعقّب على رأيها: «لا يكفي أن نكون أبناء المجتمع الواحد والجو الواحد للحصول على زواج ناجح، لأن الزواج المتماسك قوامه رؤية مشتركة للحياة والوجود والتربية والنظر إلى أن هذا الزواج يبدأ ولا ينتهي إلا بالوفاة». وتفصل بين الزواج من اجنبية لغاية ما والآخر القائم على المشاعر المتبادلة: «هناك أنواع من الزيجات من الأجنبي، فالزواج للحصول على جنسية معينة أو للبقاء في بلد ما يجب أن لا نطلب منه ما ننتظره من الزواج المبني على علاقة عاطفية يسودها التفاهم والمحبة والتخطيط باتجاه المصير الواحد.
زواج المواطنة هو زواج مصلحة في المقام الاوّل ومن حيث المبدأ هو عرضة للإنهيار والتفكك في أي لحظة. ويجب تجنّب الإنجاب في زواج كهذا لما له من أثر سلبي على الطفل وإستقراره النفسي والعاطفي ونموه الإجتماعي السوي والسليم، فلدى شعوره بأن ثمة غربة معنوية وتباعداً بين والديه سيحمل إرثاً ثقيلاً، فكيف يستطيع أن يتماسك وأن يتوازن ويكون لديه ثقة بالآخر خصوصاً أن النموذج أمامه (الأم والأب) الذي من المفترض أن يوفر له كل الحماية والإستقرار لا يشعر باللُّحمة بين ركنيْه اللذين لا يشكلان سداً منيعاً له أمام كل الإضطرابات المحتملة في المستقبل.
هذا الزواج يلاحقه شبح الطلاق عند تحقيق المصلحة المبتغاة ولذلك أخذت المجتمعات الاوروبية والغربية هذا الشق على محمل الجد ولم تعد تسهّل إطلاقاً إتمام هذا النوع من الزواج الشبيه بالصفقة وباتت تشدد الرقابة للتحقق من حصول زواج حقيقي. أما في الزواج الذي نشأ إثر علاقة عاطفية وإرتباط مقدس ورغبة في الإستمرار فقد تأتي الصعوبات والعوائق، لكن الزوجين سيواجهانها وهذا يعود لمدى تقبّل الشريكين لبعضهما البعض وفترة التعارف بينهما. وقد يتحوّل زواج المواطنة لدى توطد العلاقة بين الزوجين إلى زواج ناجح لكن الإحتمال ضئيل وغير قابل للحياة خاصة إذا كانت الزوجة كبيرة في السن». وتضيف : «لا تظهر المشاكل في حياة الثنائي في المرحلة الأولى من الإرتباط (المرحلة النظرية)، فإطلاع الشريك على العادات والتقاليد الثقافية مختلف تماماً عن الدعوة إلى تبنّيها والإنصهار فيها والتعايش معها، وهنا يكمن إختبار مقدار التأقلم وقابلية الإندماج الذي إذا ما تحقق يصبح الزواج من أجنبي تزواجاً ثرياً للحضارات وللثقافات وبدل أن يكون مصدر نقمة يصبح نعمة».
وعن عنوان إستقرار الشريكين وتأثيره على مستقبل العلاقة ترى: « قد يكون أحد الشريكين إعتاد على حياة المدينة والرفاهية وعند إنتقاله على منطقة الأرياف سيجد نفسه في عالم آخر قد يكون أكثر أهمية، هناك الصدق والعاطفة والتعاضد، هناك المُثُل التي قد يكون فهمها مغلوطاً عند الأجنبي.
وهنا ينتفي معيار الصواب والخطأ بل الأساس هو مدى قدرة الشخص على الإنضواء تحت لواء قواعد مجتمع وفد إليه الشريك ولا يستطيع تعديله. والجغرافيا لا تنفصل عن هوية الشريكين الفكرية وعلى مقدار التفاهم وتوحيد النظرة للحياة، ومدى خضوع الشريك لما هو سائد في مجتمعه أو إستقلاله عن محيطه، والأهم أنه يكون أهلاً لرفضه عند نبذه لبعض الموروثات في مجتمعه». وعن مفهوم الرجولة المغلوط التي قد تصب في خانة الأنانية تقول: « لا يمكن تعميم هذا الأمر، فالأجنبية أيضاً قد تكون أنانية بحق زوجها. يجب أن لا ننسى أن الرجل العربي عامة تعرّض لضغوط في مجتمعه الذي أورثه إمتياز السيطرة والتفرّد بالقرار، وهذا ما لا تقبله الأجنبية التي قد يفترق عنها أو يطيع ما يطلبه المجتمع الذي يساوي بين المرأة والرجل. والنتيجة يحسمها تفكير الرجل وطبعه كذلك القواسم المشتركة والمختلفة دون تناقض بين الشريكين من قيم ومبادىء ومعايير أساسية لتأسيس مشروع العمر».
أما عن نظرة المجتمع غير المحبذة لزواج الفتاة من أجنبي تقول: « لقد تقبل مجتمعنا زواج الرجل من أجنبية على أساس أنها ستكون تابعة له وستحمل إسمه وجنسيته كذلك الأولاد. ومن ناحية أخرى، يتوجسون من زواج الفتاة من أجنبي وخصوصاً إذا لم يكن عربياً ومن دين آخر ومعتقدات أخرى لأنهم يخالون أنهم سيفقدون هذه الفتاة، فهي ستذهب إلى مركز عمل الزوج أي موطنه بينما الرجل اللبناني سيصطحب الأجنبية معه، إضافة إلى كون لبنان لا يعطي الجنسية لزوج اللبنانية الأجنبي ولأطفالها».
ربى الخوري إختصاصية في تقويم النطق
- الزواج من أجنبي يحتم وجود لغتين أصليتين داخل الأسرة النواتية. لمَ تنتصر لغة الأم الأجنبية على الدوام في تعاطيها مع أولادها؟ ما هو وضع الطفل الذي ينتقل للعيش والدراسة في موطن والده؟
أولاً نريد أن ننطلق من المجتمع اللبناني الذي فيه لغات عدة كون لبنان لا يستطيع أن يستقلّ إقتصادياً وتجارياً وسياسياً وثقافياً عن العالم الخارجي، أي أن إحتضانه للغتين محكيتين بالتوازي ليس مصادفة. لكن بالنسبة للزواج المختلط (الزواج من أجنبية)، الشائع هو أننا نتكلّم بلغة الأم أي أن الأخيرة هي من تنقل اللغة إلى صغيرها عربية أو أجنبية كانت. ولا مشكلة في تعلّم الطفل لأكثر من لغة في صغره إلاّ إذا كان يعاني إستعداداً للتأخر في النطق. غير ذلك، تعرّض الطفل للغات مختلفة يحفّز دماغه Brain Stimulation شرط أن تكون لغة صحيحة «غير مكسرة» ولا يطغى عليها «الحوار الطفولي» Baby Talk، وذلك لمساعدة الطفل على إلتقاط سليم لتركيبة اللغة.
وأعطي مثالاً، أذكر طفلاً - حين كنت في فرنسا- أمه أوكرانية وأبوه عربي وأشقاؤه يتكلمون الفرنسية بحكم إقامتهم في فرنسا، أما الوالدان فيتبادلان الأحاديث بالإنكليزية. ناديت الطفل الذي لم يتجاوز الخمس سنوات «سعدان»، فقال لي:« ما معنى هذه الكلمة بالفرنسية؟»، قلت له: «Singe»، فأجابني:«أي Monkey بالإنكليزية»، ثم ذهب عند شقيقه وقال له: «ما معنى هذه الكلمة بالاوكرانية؟». الولد كائن ذكي للغاية ولديه قدرة مرنة على الإنتقال من لغة إلى أخرى. لكن عندما نشعر بأن الطفل يعاني خللاً في التعبير علينا الإكتفاء بلغة واحدة وعدم تعريضه لأنظمة تواصل مختلفة لنجنّبه مشاكل قد تصادفه لدى الدخول إلى المدرسة أو تسبب له قصوراً في التعبير وتحول دون إندماجه مع المحيط الخارجي».
بشكل أساسي ، عندما يرى الطفل والده يتكلم مع والدته الأسبانية بلغتها لا يجهد نفسه للتواصل بالعربية، ويجب ألاّ نتوقع هذا الأمر لأن اللغة هي تواصل يغلب عليه العاطفة والتعبير البسيط عن الحاجات الاساسية في المرتبة الاولى، والأم هي الأقرب لطفلها. أما بالنسبة للعائلة التي تفكر في الإستقرار في لبنان، فهناك قاعدة تقول أن كل لغة نتعلمها في وقت متأخر نجد صعوبة في إلتقاط مفاتيحها، واللغة العربية هي صعبة في الأساس نظراً لمخارج الأصوات كحروف الراء والعين والحاء... هذه الحروف إذا لم نلتقطها باكراً ولم نعتدْ على سماعها سنجد صعوبة في المستقبل في لفظها.
أما من يتعلم لغتين في الصغر فتتكوّن لديه ليونة لتعلّم لغة ثالثة. الأهم هو أن تكون اللغة لذة ونتواصل بها بعاطفة وعدم مزج اللغات في جملة واحدة. اللغة العربية في لبنان منبوذة بعض الشيء في الإطار التعليمي والطفل الذي يريد الدخول إلى مدرسة لبنانية سيشعر بالتقصير وعدم الإندماج رغم أن الأهل والمحيط يفرحون كونه يتحدّث بطلاقة لغة أجنبية، فنحن مجتمع لدينا عقدة الأجنبي. وقد نعفي الطفل من لغة والده في إطار الدراسة ونختار أن يتابع تحصيله العلمي في مدرسة تهمّش اللغة العربية.
الدكتورة مي مارون أستاذة جامعية في علم الإجتماع :
- إلى أي مدى الزواج المختلط ضحل الجزور؟ وما هو أثر اللغة الهجينة على الأولاد؟
تعرّف الدكتورة مي مارون في البدء ماهية الزواج على أنه «مؤسسة إجتماعية تُبنى حين يرغب شخصان في العيش معاً بدافع الحب أو التفاهم أو المصلحة المشتركة». وتضيف: «نجاح الحياة الزوجية أمر شديد الحساسية، فبعد الحب ستتعدى العلاقة الزوجية الشخصين عند التواصل مع المحيط والقوانين السائدة مما ينعكس ضغوطاً على الطرفين.
وتتعاظم إحتمالات فشل الثنائي من الإستمرار في العيش معاًً إذا كانا ينتميان إلى عالمين مختلفتين من حيث القيم والتقاليد والبيئة الإجتماعية». وتطرح أمثلة حاضرة في الحياة: «العادات الشرقية والعربية تدفع العربي للإعتناء بأهله وعدم وضعهم في دار للمسنين إذا مرضوا، والأجنبية قد لا تقبل هذا الأمر وتعتبره تطفلاً على حياتها ، أو مثلاً قد لا يرضى الرجل العربي لإبنته أن تقدم على المساكنة رغم تشجيع الوالدة الاجنبية مما يسبب نزاعات داخل الأسرة. أو مثلاً نحن العرب نكنّ العداء لإسرائيل وإقتران لبناني بألمانية تتعاطف مع العدو سيؤدي حتماً إلى شرخ كبير في إنسجام العلاقة. كل بيئة يحكمها المحرّم والمسموح والمبرّر والمخطور، فالإنسان إبن بيئته أي أنه تشرّب ما يتبناه مجتمعه الصغير والكبير داخل إطار الوطن الواحد الذي قد يغيب ليظهر مجدداً بعد الزواج من أجنبية جراء الإحتكاك اليومي لحظة صحوة ضميره الجمعي المنفصل عن القيم العالمية المشتركة، لا أقتل، لا أسرق، لا أخون..»
وتلفت إلى أن الرجل العربي ومجتمعه قد لا يتفهمان مدى أهمية الحرية الشخصية لدى الزوجة الأجنبية التي تمنع حتى زوجها من تخطي حدود معينة: «تعيش الأجنبية معاناة حقيقية في بلادنا خصوصاً إذا إستقرت في بلدة بعيدة عن المدينة حيث يتم التدخل في أصغر شؤونها، أي وقت تستيقظ، سبب تأخرها في الزواج، لماذا أنجبت طفلاً واحداً، راتبها إذا كانت تعمل. هذا أمر لا تقبله المرأة الاجنبية وتنزعج منه ويدفعها إلى إتخاذ قرار ترك البلاد خصوصاً بعد الإنجاب، فهي تأبى التدخل في حياتها وهم أيضاً يعتبرونها إنسانة «غريبة». ونشهد أن غالبية الأجنبيات كان يغمرهن الحنين إلى وطنهن الأم حيث الهدوء المرتجى ولفشلهن في الإندماج في «عقلية الجرعة الزائدة» من الألفة من قبل العائلة الممتدة.
قد تفرح في المرحلة الأولى من الزواج وتشعر بأنها هربت من أجواء العمل والمسؤولة لتعيش حياة مرفهة، لكنها سرعان ما تحنّ إلى نمط حياتها الأصلي وتشعر بالغربة المادية والنفسية». وتقر وفقاً للسائد ولإختبارها الشخصي بأن: « الزواج المختلط غير القائم على شريكين واعيين وعلى مستوى ثقافي متقارب حتماً سيحرم أحد طرفيه من ممارسة عاداته وتقاليده. أما بالنسبة إلى الرجل العربي الذي يستقر مع زوجته الأجنبية في الخارج فسيعيش ألماً غير ظاهر لأنه إنتزع نفسه بإرادته من عاداته وتقاليده وتخلّى عن لغته التي تناسب رموزها تاريخ بلاده وطبيعتها الجغرافية.
أنا شخصياً أجدني في غاية الحزن لأن أولادي الذين كبروا في الخارج لا يستطيعون قراءة مقالات والدهم وفهم كلمات نحوية ك «بنيوياً» أو «إرهاصات»، وبالتالي التواصل معه ثقافياً. وقد نطلب المستحيل حين نقرر فرض توازن بين ثقافة الأب والأم، فالموروثات الثقافية قد تختلف أحياناً إلى حد التناقض وبعد أن تتسرب يوماً بعد يوم وتتراكم في الضمير الجمعي يصبح التظاهر بالتخلي عنها خداعاً حاداً للنفس ويشعر الشريك بالغبن خصوصاً أنه يجد عائقاً في نقل ثقافة بلاده إلى أولاده». وعن زواج المواطنة الذي قد يشق طريقه إلى المستقبل تعلّق: «هذا لا يسمى زواجاً، فهو من البداية عامله الرئيسي وهدفه الإستغلال». كما تشير إلى نقطة في غاية الأهمية وهي نظرة المجتمع اللبناني العنصرية تجاه هوية الأجنبية: «قد تقبل الأسرة أن يتزوج الإبن من فرنسية أو بريطانية وتأبى أن يتزوج فتاة من غانا لأنه أسقط عليها صورة الخادمة، كذلك الأمر بالنسبة إلى الرومانية التي يعتبرها سيئة السمعة. أريد فقط القول أنه عند حدوث الخلافات بين الزوجين لا يهم من هو على حق، ومن المفهوم الخاطىء أن نعتبر المجتمع الغربي أقل رأفة أو أكثر تحرراً، فدور العجزة في لبنان تعج بالمسنين كما أن المحاكم مليئة بالملفات الشائكة. لا يمكن وصف الغرب بالوحش، فقد يكون سبب فشل الزواج من إمرأة أجنبية أن مجتمعها ينصفها ويصون حقوقها التي يمكن أن يعتبرها الرجل العربي تعدياً على رجولته، وأنها لا تقبل المساومة وتبنّي دور بعض الزوجات اللبنانيات».
هو الشاب الذي هاجر بحثاً عن الرزق، هو الطالب الذي أراد متابعة تحصيله العلمي في الغرب.. نموذجان للبنانيّيْن وجدا شريكة حياة خارج حدود الوطن بحثاً عن الإستقرار النفسي والمادي، لكن سرعان ما تمّ أبغض الحلال حين تناقضت الموروثات الثقافية والبيئية لدى إنتقالها من الجلسات العاطفية والإطار النظري إلى البيت الزوجي الهجين خصوصاً بعد الإنجاب. ويبقى إستثناء ناجح للزواج المختلط .. زيجات فاشلة وأخرى ناجحة ورأي علم النفس والإجتماع والتواصل في هذا التحقيق.