فتوى للزوج العقيم
تحقيق, علاج, طلاق, المجتمع السعودي, مشكلة / مشاكل الزواج, علماء الأزهر, د. آمنة نصير, فتوى, كلية الدراسات الإسلامية, زوجات الخلع, جامعة الأزهر, د. حامد أبو طالب, الشيخ جمال قطب, الزوج العقيم, د. صبري عبد الرؤوف, دليل شرعي, مقاصد الزواج, د. عبد الحي ع
16 نوفمبر 2009 مقاصد الزواج
ويؤكد الدكتور صبري عبد الرؤوف أستاذ الفقه في جامعة الأزهر أنه يجوز للمرأة أن تطلب من زوجها أن يطلقها اذا ثبت أنه غير قادر على الإنجاب وتم التأكد من ذلك طبياً، وإذا رفض الزوج أن يطلقها فهو ظالم للزوجة ولها أن ترفع أمرها إلى القاضي الذي يحكم بالتفريق بينهما، وهذا أرجح أقوال الفقهاء لأن العقم من العيوب التي لا تتم معها مقاصد الزواج على أكمل وجه.
كما أن الزوجة لها الحق في أن تنجب أولاداً ولها رغبة أكيدة في أن تكون أماً. وقد ذهب بعض الفقهاء إلى عدم وجوب الزواج على العقيم إذا كان لا يخشى على نفسه، الفتنة ولديه القدرة على إعفاف نفسه وهنا تكون العبادة للمسلم العقيم أفضل له من الزواج. أما إذا رغب العقيم في الزواج لأنه يخشى الوقوع في الخطيئة وجب عليه الزواج بشرط أن يُعلم من يتزوجها بحالته قبل العقد وذلك من باب الأمانة، لأنه في حالة عدم إبلاغها يعتبر ذلك نوعاً من أنواع التدليس والخداع.
الابتزاز بالخلع
ورفض الدكتور عبد الحي عزب أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر المساواة في الحكم بين الزوجين في الآثار المترتبة على عدم القدرة على الإنجاب قائلاً: اتفق الفقهاء على أن عدم قدرة الزوجة على الإنجاب ليس عيبًا تترتب عليه أضرار عقم الزوج لأن الزوج بيده الطلاق وتترتب أحكام الطلاق في هذه الحالة كأية حالة أخرى، فما دام الزوج دخل بها وطلقها كان لها مؤخر الصداق ونفقَة العِدة وليس له أن يلزمها بإبرائه بالخلع أو التنازل عن شيء من حقوقها، أما إذا طلبت هي الطلاق فيُمكن التفاهم بينهما دون إجبار أو ظلم كما أن للزوج في حالة عدم قدرة زوجته على الإنجاب أن يتزوج عليها لتحقيق رغبته في الإنجاب.
أما الزوجة فليس لها سوى طلب الطلاق، فإن رفض فالخلع. ويترك الأمر للقاضي الذي عليه أن يدرس القضية من مختلف جوانبها ويحكم بالعدل بحيث لا يظلم أحد الطرفين. وفي كل الأحوال فإن الشريعة الإسلامية ترفض أن تبقى زوجة مع زوجها العقيم إلا برضاها فإن رغبت الطلاق فلها ذلك.
«امنح زوجتك الطلاق ولا تجبرها على الخلع». هذه هي الفتوى التي أطلقها الدكتور حامد أبو طالب عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وهي فتوى تخص الزوج المصاب بالعقم عندما تطلب منه زوجته الطلاق خاصة إذا كانت تحلم بحقها في الأمومة. وأكد أبو طالب في فتواه أن الزوج العقيم الذي يجبر زوجته على الخلع لتتنازل عن كل حقوقها يرتكب خطأ في حقها وحق نفسه، والأفضل له أن يطلقها طالما كانت هذه رغبتها. لكن الى أي شيء استند الدكتور حامد في فتواه وهل يؤيده رجال الدين أم يختلفون معه؟
دليل شرعي
وأيدت الدكتورة آمنة نصير العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الفتوى السابقة قائلة: «العقم في الزوج أو الزوجة يعد عيباً ظاهراً ونقصاً يمنع مقصود الزواج، ولهذا فهو من العيوب التي يفسخ بها عقد الزوج وخاصة إذا كان أحد الزوجين عالماً بعيبه وأخفاه. فقد ورد أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قال لزوج عقيم هل أعلمت زوجتك أنك عقيم؟ فرد الرجل: لا. فقال له عمر: فانطلق فاعلمها ثم خيرّها.
الخليفة عمر جعل الخيار هنا للمرأة فإن قبلت بعقم زوجها وصبرت فأجرها على الله وإن لم تقبل فلها الحق في طلب الطلاق منه وليس عليها إثم كأن يقول البعض إنها تعترض على قضاء الله وقدره، وهذا دليل شرعي على أنه لا يجوز خداع المرأة بإخفاء عدم القدرة على الإنجاب، وبه استدل الفقهاء أنه إذا ثبت العقم في أحد الزوجين جاز شرعاً لشريكه المطالبة بالانفصال، وينبغي على الحاكم تنفيذ رغبته دفعاً للضرر عنه».
الإحسان في الزواج والطلاق
يرى الشيخ جمال قطب الرئيس السابق للجنة الفتوى في الأزهر أن أحكام الشريعة «تقوم على الموازنة بين المصالح والمفاسد وترجيح الأنفع، ولا شك أن الزوجة إذا أقامت مع زوجها العقيم وصبرت وضحت بشبابها وآثرت محبته ومودته على الولد ولم تلتفت إلى كلام الناس واحتسبت الثواب من الله، لا شك أن لها أجراً عظيماً، وكذلك الحال إذا كانت الزوجة لا تنجب فأمسكها الزوج وأحسن إليها وصبر عليها ولم يؤذِها كان عمله من أعظم الإحسان. وهذا دليل حب كل منهما للآخر ومعذرته له لأن الإنجاب هبة من الله ومن يحرم منها فليس هذا ذنبه. ومع هذا فلابد أن يتم ذلك بالاختيار وليس بالإكراه، وبالتالي إذا أرادت الزوجة الطلاق فليس في هذا مخالفة شرعية لأن الرغبة في الإنجاب حق مكفول للرجل والمرأة على السواء لأنه سبحانه القائل: «فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» (آية ٢٢٩ سورة البقرة).
الإنجاب من أعظم المقاصد الشرعية
في البداية عرض الدكتور حامد أبو طالب عضو مجمع البحوث الإسلامية والعميد السابق لكلية الشريعة في جامعة الأزهر للأدلة الشرعية التي استند إليها قائلاً: «يعد الإنجاب من أعظم المقاصد الشرعية للزواج ولهذا أقرته الآيات القرآنية واعترفت به الشريعة حقاً فقال تعالى: «يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء» (آية ١ سورة النساء) وأكد المعنى نفسه في قوله: «والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة» (آية ٧٢ سورة النحل) وحث النبي صلى الله عليه وسلم على تلمس أسباب الإنجاب فقال صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة».
وأوضح أن الإنجاب لإشباع غريزة الأبوة لدى الزوج والأمومة لدى الزوجة حق تحترمه أحكام الشرع، وغريزة الأمومة أكثر إلحاحاً من عاطفة الأبوة ولهذا فإن طلب الإنجاب حق للزوجين على حد سواء، ولذلك يحرم على الزوج أن يمنع زوجته الحق في الإنجاب إذا كان عقيماً ولم ترض البقاء معه لعدم علمها بعقمه قبل الزواج، ولهذا فإن الطلاق وليس الخلع حق أصيل لها.
وأشار ابو طالب إلى أن الزوج الذي أكدت التحاليل الطبية الموثوق بها أنه عقيم ولا أمل لديه في الإنجاب وأرادت زوجته الطلاق للضرر، وجب عليه تطليقها وإعطاؤها حقوقها كاملة وعدم الإضرار بها كإجبارها على الخلع والتنازل عن كل حقوقها لأن هذا ينافي قوله تعالى: «ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه» (آية ٢٣١ سورة البقرة). والقاعدة الشرعية: «لا ضرر ولا ضرار»، فإذا أصر الزوج على ظلمه والتضييق عليها لتطلب الخلع يمكنها رفع أمرها للقاضي الذي يتحقق من ثبوت الضرر عليها ويحكم لها بالطلاق وليس الخلع.
وعن حكم الشرع في الحقوق المالية التي تتنازل عنها الزوجة إذا أجبرها زوجها على الخلع، قال: «هذا نوع من أكل أموال الناس بالباطل لأنه نتاج ظلم، وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم الظلم بأنه ظلمات يوم القيامة وأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب. ويزداد إثم الزوج إذا كان عالماً أنه عقيم وأخفى ذلك على زوجته، فهذا نوع من التدليس الذي أوجب الفقهاء التفريق بينهما بسببه».
الصبر والعلاج بشرط
وتؤكد الدكتورة رجاء حزين عميدة كلية الدراسات الإسلامية أنه إذا ظهر أن في الزوج عيباً يمنع الإنجاب فللزوجة أن ترفع الأمر إلى القضاء لطلب التفريق بينهما، وإذا ثبت ذلك للقاضي بطرق الإثبات المتاحة له أمر الزوج بتطليقها، فإن رفض أن يطلقها لابتزازها أو إذلالها مثلاً قام القاضي بتطليقها، نيابة عنه منعًا للضرر الذي يلحقها.
«وأدعو الزوجة ألا تتعجل في طلب الطلاق من زوجها الذي لا يُنجب، وفي الوقت نفسه على الزوج أن يسعى لطلب العلاج بجدية وخاصة في ظل التقدم الطبي في علاج العقم ولو رضيت هذه الزوجة بما قسم الله لها وكانت الرغبة في الإنجاب غير ملحة ورضيت بزوجها العقيم فثوابها عظيم لأنها تعد من الصابرين فإن لم تصبر وطلبت الطلاق بعد فشل كل وسائل العلاج، فهذا لا يتعارض مع قوله تعالى: «لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير» (الآيتان ٤٩-٥٠ سورة الشورى).