وأد البنات في عيادات اختيار نوع الجنين!
د. علي جمعة, د. رأفت عثمان, العيادة, وأد الأنثى , د. نصر فريد واصل, رجل / رجال دين, موقع / مواقع إلكترونية, الشيخ جمال قطب, د. صبري عبد الرؤوف, إختيار جنس الجنين, د. جمال أبو السرور
21 يونيو 2010عبث طبي
وعارض الشيخ جمال قطب الرئيس السابق للجنة الفتوى في الأزهر أي تدخل طبي لتحديد جنس الجنين ووصفه بأنه نوع من العبث والغرور الطبي غير الجائز شرعاً، «لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي بيده تحديد نوع الجنين إن شاء حقق لنا ما نريد وإن لم يشأ فلا يمكن أبداً أن يقع في ملكه ما لا يريد، ولهذا فإن التدخل لتحديد نوع الجنين هو تدخل في عمل الخالق، خاصة أنه لا يوجد سند شرعي يُبيح هذه الأعمال. بل إنه تطاول وتدخل في مشيئة الله التي وزعت الجنسين بحكمة ومقدار، وحفظت التوازن بينهما في كل العصور، ولهذا قال تعالى: «وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة» (آية 68 سورة القصص).
ضوابط الأزهر
عن حقيقة إباحة مجمع البحوث الإسلامية لتحديد جنس الجنين دون ضوابط، كما يردد بعض الأطباء والآباء والأمهات الراغبين في إنجاب الذكور، يقول الشيخ علي عبد الباقي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية في الأزهر: «هذا نوع من خلط الحق بالباطل لتبرير الوأد الطبي للبنات إذا تركت العملية بلا ضوابط حسب مزاج الجميع، لأن ترك القضية بلا ضوابط أمر يرفضه الشرع والعقل لأنه نوع من العبث الطبي الذي سيؤدي إلى نتائج خطيرة على مستقبل البشرية إذا افتقدت التوازن بين الجنسين».
وأوضح أن حقيقة القضية أنه في عام 2008 تقدم الدكتور جمال أبو السرور العميد السابق لكلية طب الأزهر بطلب فتوى عن حكم الشرع في عملية تجميد الأجنة المخصبة وإخضاعها للأبحاث الطبية المساعدة في تحديد جنس الجنين بناءً على طلب الأبوين، وهو ما يعني التحكم في جنس المولود. وناقش المجمع القضية في جلسته الرئيسية ووافق عليها بضوابط صارمة 32 عضواً من أعضاء المجمع البالغ عددهم 40 عضواً.
وأكد قرار مجمع البحوث بالأزهر وضع ضوابط محددة للقضية أهمها أن تحديد نوع الجنين لا بد أن يكون لدواعٍ طبية مشروعة مثل منع الأمراض المستعصية التي تصاحب جنيناً معيناً من الأجنة، سواء كان ذكراً أو أنثى، وذلك عقب المشاورة الواعية بموافقة الزوجين وأن يكون استخدام تلك الطريقة لأسباب مشروعة لتعدد جنس الأبناء في الأسرة الواحدة أو منع ضرر على الزوجة من تكرار الحمل أو حماية الأسرة، ويمكن اللجوء إليها بموافقة الزوجين بصورة واعية من خلال علماء الدين وعلماء النفس والأجنة والتكاثر البشري.
وأكد نص قرار الأزهر-حسب تأكيد الشيخ علي عبد الباقي- أن «كل حالة لا بد أن تعامل على حدة ولا تعمم تلك الطريقة ولا تستخدم لتفضيل جنس على آخر أو لاختيار نوع المولود الأول أو لقصرها على اختيار جنس واحد. وحدد لذلك أربعة شروط، أولها أن تتم عملية التخصيب بين زوجين، وأن تكون أثناء قيام الحياة الزوجية ولا يجوز استخدامها بعد انفصام عُرَى الزوجية بوفاة أو طلاق أو غيرهما. وثانيها أنه لا بد أن تحفظ هذه اللقائح المخصبة بشكل آمن تماماً تحت رقابة مشددة بما يحول دون اختلاطها عمداً أو سهواً بغيرها من اللقائح المحفوظة، وثالثها ألا توضع اللقيحة في رحم أجنبية غير رحم صاحبة البويضة الملقحة لا تبرعاً ولا بمعاوضة. ورابعها أنه يشترط لإتمام عملية تجميد الجنين لتحديد نوعه ألا يكون لعملية تجميد الأجنة آثار جانبية ضارة على الجنين نتيجة تأثر اللقائح بالعوامل المختلفة التي قد تتعرض لها في حال الحفظ كحدوث التشوهات الخلقية أو التأخر العقلي أو غير ذلك.
لم يكن ما نشره تلفزيون واذاعة «دويتش فيله» الألمانية على الموقع الإلكتروني حول زيادة الإقبال على عيادات تحديد نوع الجنين في مصر لإنجاب الذكور سوى واقع تؤكده الأرقام، بل هناك أزواج يبدون استعدادهم لدفع أي تكاليف من أجل إنجاب الذكور، والابتعاد عن إنجاب البنات. وأمام هذا الإقبال المتزايد على تلك العيادات كان لا بد أن نتوقف مع علماء الدين حول آرائهم في ما يحدث في تلك العيادات، من وأد مبكر للبنات.
في التقرير الذي نشرته «دويتش فيله» جاء أن المراكز الطبية التي تقوم بتلك العمليات في تزايد مستمر، ويبلغ عدد الأطباء الذين يقومون بذلك أكثر من 200 طبيب يعملون في الأصل في مجال أطفال الأنابيب وتأخر الإنجاب، ولا يعلنون أنهم يقدمون خدمة اختيار الجنين بصورة علنية تماماً لتحفّظ المجتمع المصري، خاصة أن رأي الدين غير واضح بنسبة كبيرة في هذا الأمر، فقد اتفق معظم رجال الدين الإسلامي على ان العملية جائزة، ولكن في حدود ضيقة. ومع هذا فإن استطلاعات رسمية نُشرت عام 2008 بينت أن 90 في المئة من الرجال المصريين يفضلون إنجاب الذكور في عملية لا تكلف أكثر من 40 ألف جنيه مصري أو عدم الإنجاب نهائياً على إنجاب فتيات فقط، وأن هناك عشرة آلاف مصري طلقوا زوجاتهم لأنهن لم ينجبن سوى إناث.
تحذير دار الإفتاء
وحاولت دار الإفتاء المصرية برئاسة الدكتور علي جمعة أن تنفي شبهة أي إباحة مطلقة لتحديد جنس المولود عن طريق بعض التقنيات الطبية، فأصدرت بياناً أوضح فيه المفتي لكل من الأطباء والآباء والأمهات حقيقة موقفه جاء فيه «إن الحكم الشرعي هو الإباحة ولا تحريم إلا بنص وأن سعي الأسرة لإنجاب طفل من جنس بعينه مشروع لحل المشكلات النفسية والاجتماعية لكثير من الأسر التي رزقها الله البنات دون البنين أو الأسر التي ترغب في إنجاب بنت بعد أن رزُقت بذكور ولا يعد ذلك تغييراً لخلق الله مع ضرورة وضع ضوابط، حتى لا يكون ذلك وسيلة في أيدي البعض لوأد البنات. فالإباحة مرتبطة بظروف الأسرة وجنس الأبناء فيها ولا بد من أخذ الاحتياطات والضوابط الشرعية لضمان عدم اختلاط الأنساب، وأن تتدخل السلطات المختصة في الدول لوضع قواعد وضوابط لاستخدام تقنيات التحكم في جنس المولود وحظرها إن لزم الأمر».
أدلة الإباحة وشروطها
ويضم فريق المؤيدين لتحديد جنس الجنين بضوابط صارمة الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق، الذي أكد أن التدخل في تغيير نوع الجنين علمياً جائز بشروط إذا تمت مخالفتها من حق السلطات منعها تماماً «لأن عمليات التحكم في جنس المولود لإنجاب ولد أو بنت حسب الرغبة جائزة إذا كانت هناك ضرورة لذلك، والإسلام لا يبيح اللجوء إلى هذه العمليات إلا عند وجود ضرورة. أما الإباحة المطلقة دون سبب فهي مرفوضة لأنها في النهاية ستؤدي إلى خلل في التركيبة السكانية وزيادة نسبة جنس على آخر، وهذه العمليات لا تمثل عدواناً على المشيئة الإلهية فكل ما يفعله الأطباء هو التحكم في الكروموزومات المحددة لنوع الجنين، ولكن أن تتحول العملية إلي الإباحة المطلقة حسب الأمزجة والأهواء الشخصية فإن هذا ترفضه كل الأديان السماوية. ولنا لما يجري في الصين العبرة، حيث تم تحديد طفل لكل أسرة مما أدى إلى إجهاض من تحمل بالبنات وإبقاء البنين، وبالتالي أصبح عدد البنات لا يزيد عن ثلث السكان في حين يمثل الذكور الثلثين، مما أدى إلى خلل في التركيبة السكانية. ومن المؤسف أن هناك تفضيلاً للذكور في العالم العربي وإذا تركت العملية بلا ضوابط سنعود إلى عصور الجاهلية».
وعن حقيقة إباحته لتحديد جنس الجنين بإطلاق، قال الدكتور رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية والعميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر: «أنا بريء من كل من يسيء استخدام ما أقول أو يحوره حسب مصلحته وأقول لهم: اتقوا الله الذي يعلم ما تخفي الصدور، وأن كل ما يجري في الكون بأمر وتقدير الله وإباحتي مرتبطة بحالات خاصة ولظروف قهرية يقدرها العلماء الثقات ويفتون في ضوئها لكل حالة علي حدة، وليس حكماً عاماً. وما قلته هو: «إن التحكم في نوع الجنين جائز ولا يتعارض مع قول الله تعالى: «لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير» (الآيتان 49 -50 سورة الشورى) لأن كل شيء واقع بإرادة الله عز وجل فلا تنتج الأسباب ثمرتها إلا بإرادة الله وقول الله قد بين أن إنجاب الأولاد ذكوراً أو إناثاً هبة من الله تعالى لا يمنع أن يسعى الإنسان إلى تحقيق هذه الهبة فكل شيء بإرادة الله وقضائه وقدره».
وأضاف: «أرى أن هذا العمل يدخل في المباحات، فلا أرى دليلاً يحرمه. وأدلتي في ذلك عديدة أهمها القاعدة الشرعية أن الأصل في الأشياء النافعة الإباحة ما لم يرد حظر من الشرع، ولم أجد حظراً في تغير حكم الأصل من الحلال إلى الحرام إلا إذا أسيئ استخدامها أو كان ذلك لغير ضرورة واستندت أيضاً إلى إجماع الفقهاء على جواز الدعاء بالطلب من الله عز وجل أن يرزق الإنسان بذكر أو أنثى، مثلما فعل نبي الله زكريا وجاء نصه في القرآن: «وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك ولياً يرثـني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضياً» (الآيتان 5-6 سورة مريم). ومن المعلوم أن كل ما جاز الدعاء به جاز فعل الأمور المؤدية إلى حدوثه إن كان في مقدور الإنسان ذلك، وكل ما لا يجوز فعله لا يجوز الدعاء به، وكذلك أباحت السُنة النبوية ما يفيد جواز العزل أو إلقاء نطفة الرجل خارج جسم المرأة عند اللقاء الزوجي حتى لا يحدث إنجاب، فإذا كان مباحاً منع الإنجاب من الأصل سواء كان ذكراً أو أنثى فإن اختيار نوع الجنين ومنع النوع الآخر عند بداية التلقيح يكون هو الآخر مباحاً«.
وأنهى عثمان كلامه مؤكداً أنه لم يبح تحديد نوع الجنين بإطلاق حتى لا يؤدي ذلك الى الإخلال بالتوازن بين أعداد الذكور والإناث في المجتمع، وأضاف: «لم أقل إن اختيار نوع الجنين يكون عاماً من أفراد الشعب بل عند الحالة التي تقتضي هذا كالذين ليس عندهم أولاد ذكور أو الذين ليس عندهم أولاد إناث. ومما يستدعي ذلك أن تكون بعض الأسر يتعرض أولادها الذكور أو الإناث لإمكان الإصابة بمرض وراثي، وقال لي أحد كبار الأطباء إن هناك ما يزيد على 350 مرضاً وراثياً مرتبطاً بنوع الجنين، فهنا يلجأ الوالدان إلى اتخاذ الأسباب المؤدية إلى أن يكون الحمل بنوع لا يحتمل تعرضه لهذا المرض الوراثي. ولهذا لا بد أن تتم هذه العملية بضوابطها الشرعية الخاصة بعملية التلقيح الصناعي وضمان عدم اختلاط الأنساب».
مرفوض
وأكد أستاذ الفقه في جامعة الأزهر الدكتور صبري عبد الرؤوف أن الإسلام «لا يمنع التجارب العلمية والنظريات الطبية، بل يشجع على ذلك ولكن بضوابط. والكارثة أنه لا توجد حتى الآن أي قواعد طبية أو تشريعية تُحرّم الأمر، رغم أن التحكم في نوعية الجنين مرفوض في الشريعة الإسلامية لأنها مسألة داخلة بكل وضوح في عملية الخلق والتكوين وهما أمران من خصائص القدرة الإلهية بلا أدنى جدال ولا خالق ولا مكون إلاَّ الله القائل عن نفسه: «ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين» (آية 54 سورة الأعراف). ويقول: «هل من خالق غير الله» (آية 3 سورة فاطر).
عند الضرورة
ويتخذ رئيس قسم الفقه المقارن في جامعة الأزهر الدكتور عبد الفتاح إدريس موقفاً وسطاً في القضية، ويقول إن إجراء عمليات التحكم في نوع الجنين من الناحية الشرعية اختلف العلماء حوله لثلاثة مذاهب أولها يرى جواز ذلك مطلقاً، وثانيها عدم جواز ذلك مطلقاً، وثالثها عدم إبداء الرأي في هذه المسألة. «وأنا أُرجح ما ذهب إليه أصحاب الرأي الأول من جواز اختيار جنس الجنين عن طريق التحكم في النطف الذكرية التي يتم الإخصاب بها إذا التُزمت الضوابط الشرعية والأخلاقية عند إجراء عمليات الإخصاب الصناعي، وبشرط اللجوء إليها عند الضرورة. وأذكر هنا ضابطاً شرعياً قاله ابن القيم الجوزيه بالنص: «إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها. فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل».
وحذّر الدكتور إدريس من اتخاذ الموافقة المشروطة من بعض الفقهاء على تحديد جنس الجنين وسيلة لإشعال عصبية كراهية البنات والتشاؤم بهن والحزن لولادتهن، لأن هذه جاهلية بغيضة حرّمها الله في كل العصور وذكرها في القرآن حتى يتعظ البشر في كل العصور، حيث وصف استقبال آباء الجاهلية لبناتهم بقوله تعالى: «وإذا بُشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بُشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون» (الآيتان 58- 59 سورة النحل).